بُولْ كَجَامِي الطريق إلى رواندا

 

بُولْ كَجَامِي الطّريقُ إلىَ رُوَاندَا

من لاجيء يُعَانِيالاضْهِادْ والفَقرْ، إلَى رئيسٍ لأَحَدِ أَكْثَرِ إقْتِصَادَاتِ أَفرِيقيا نموًّا.

الرّجُلُ الّذِيِ إسْتَطَاعَ أنْ يُحَوّلَ المُعَارِضِيِنَ الّلاجِئِينَ الهَارِبِينَ مِنْ طُغْيَانِ السّلْطَةٍ إلىَ قٌوةٍ كَاَسِحَةً تًخْضَعُ لَهَا الدّوْلَةْ وتًحْكُمُهَا .

إنّه "بُولْ كَجَامِي" رَئيسُ رُوَاندا وصَانعُ نَهْضَتِها .

 البداية

وُلد " بُولْ كَجَامِي " فِي 23 مِنْ أُكْتُوبَرمِنَ العامِ 1957 بقَريةٍ نَائِيةٍ وسْطَ رُوَانْدا.. لأسرةٍ مِنْ "عِرقِيّةِ التُوتْسِي" تَنتّمِي إلىَ سُلاَلةٍ مِنَ السّلاَطِينَ تَعَاقبتْ عَلىَ عَرشِ البِلادِ  فِيِ فتَرَاتِ مَا قَبْلِ الاِحْتِلالْ .

 لكنّه لمْ يُدرِكْ أنّ عِرقِيّةَ سُلاَلتِهِ رُغْمَ سُلطَانِها سَتًتًعَرضْ لأبشعَ عملية إبادًة عرَفَها التّارِيخُ فِيِ رُوَانْدا ..

وافقَ مِيلاَدِ " كَجَامِي"استِعْدادَ رُوَاَنْدَا لِلاسْتِقْلَالِ مِنْ الاَحِتِلالِ البَلْجِيكِيّ  الّذِيِ زَرَعَ بُذُورَالتّمْيِيِزِ والعُنْصُرِيّةْ بَيْنَ أبْنَاءِ الَوَطَنْ الوَاَحِدْ.

 عَمِلَتْ خِلاَلَهَا سُلْطَاتِ الاحْتِلالِ عَلَىَ إِحْدَاثِ خَرْقٍ إجْتِمَاعِيٍّ بَيْنَ عِرْقِيّةِ "الهُوتُو" ذاَتِ الأغْلَبِيّةِ، وَعِـرْقِيّة "التُوتْسِيِ" ذاَتِ الأقَلِيَة وقَامَتْ بِالتّميِيِزِ بَيْنَهُمَاَ رُغْمَ أنَّ العِـرقِيّتَيْنِ غَـيْرَ مُتَمَاَيِزَتَيْنْ.

 قَبْلَ أَنْ تًنَالَ رُوَانْدَاَ إسْتِقْلاَلِهَا فِيِ العَامِ 1959َسَادَتْ أَجْوَاءٌ مِنْ القَمْعِ والتّميِيزِ إستَهْدَفَتْ عِرقِيّةِ الَتُوتْسِيِ جَرَتْ فِيهَا إعْدَامَتْ وتَصفِيّاتْ ودَمّرَتْ مَنَازِلَ بِذَرِيِعَةِ وُجُودِ مُخَطًطٍ  لِلتُوتسِي يَرْمِيِ إلىَ الإمْسَاكِ بِالسُلْطَةْ .

فِيِ أثنَاءِ ذَلكَ نَزَحَ "كَجَامِي" مَعَ أُسْرَتِه وهُوَ فِيِ الثّانِيةِ مِنْ عُمْرِهِ إلَىَ أُوغَنْدَا فِرَاَراً مِنَ الَقَمْعِ.

الّلجُوءُ وَأَمَلُ العَوْدَة


تلقّىَ "بُولْ كَجَامِي"تَعْلِيمِهُ الَأوّلِيّ فِيِ أُوغَنْدَا الّتِي كانَتْ تُوجَدُ فِيهَا أَكْبَرُ مُخَيّمَاتِ اللّجُوءِ الخَاصَّةَ بالتُوتسِيِ ..

هُنَاكَ حقِّق الصّغِيرُ" كَجَامِي"عَلاَمَاتٍ دِرَاسْيّةً مُتَمَيّزةً تخوِّلُهُ دُخُولَ مَدْرَسَةَ "نتاري" المَرْمُوقَةَ والّتِيِ سَيَلْتَقِي فِيهَاَ بالشّخْصِ الّذِيِ سَيُغَيّرُ حَيَاتَهُ .. " يُورِيِ مُوسِيفِينِيِ "

فِيِ العَامِ 1979 انْخَرَط  "بُولْ  كَجَامِيِ"فِيِ مِلِيشْيَاتِ جَيْشِ المُقَاوَمَةُ الوَطَنِيّةِ الأُوغَنْدِيِ إلىَ جَانِبِ صَدِيقِهِ "يُورِيِ مُوسِيفِينِيِ" الّذِيِ كَانَ يَخوضُ حَرْبَاً مَفتُوحَةً ضِدّ رَئيِسِ أوغَنْدَا الثّالثِ عِيدِيِ أمِينْ دَادَا.

كان "كَاجَامِيِ" في الـ22 مِنْ عُمُرهِ حِينَ كَانَ واَحِداً مِنْ الشّبَانْ التُوتْسِيِ الرّوَاَندِيّيّنْ الّذِينَ شَكّلوُا نَواةَ جَيْشِ "يُورِيِ مُوسِيفِينِيِ" .

الّذَيِ نَجَحَ فِيِ الإمْسَاكِ بِسُّدةِ الحُكْمِ فِيِ أوغَنْدَاَ فِيِ العَامِ 1986.

فَورَ إعْلانِ"يُورِيِ مُوسِيفِينِيِ"رئيسَاً لأوغندا..تَمّ تعيين"كَاجَامِيِ" رَئِيسَاً لِلاسْتِخْبَارَاتِ العَسكَرِيّةِ الأوغَنْدِيّة.

 خوّلَ المَنْصِبُ"لبُول كَاجَامِيِ"وخِبْرَتِهِ فِيِ مُوَاجَهَةِ الجُيُوشِ النّظَامِيّة  نُفُوذًا واسِعاً سخَّرهُ فيِ خِدْمَةِ قَضِيّتهِ الأوُلَى.

الطّريقُ إلى ِروَاَندَا

لمْ ينسَ"كَاجَامِيِ"حُلْمَهُ القَدِيمُ ..العَوْدَةُ إلىَ رِوَاَنْدَا..

فِيِ سبيلِ ذلكَ شَكّلَ "كَاجَامِيِ" مجموعةً مِنَ التُوتْسِيِ فِيِ المَنْفَى مِنْ بَيْنهُم جَمَاَعَةٌ متَمَرِدَةً  مُسَلّحةً أُطْلِقَ عَلَيْهَاَ الْجَبْهَةَ الوطَنِيّةَ الرُوَاندِيّةْ..

 تَولىّ رئَاستَهَا"فريد رويجيامَا".. أحدُ أصدقاء "كَاجَامِيِ" المخلصين .والّذِيِ كَانَ يشْغلُ مَنْصِبَ نَائبِ وَزِيرِ الدّفاعِ الأوُغَنْدِيّ .

لكنْ فيِ العَامِ 1990 مُنيتْ الجَبْهَةَ الوَطَنِيّة الرّوَانْدِيّة -التّيِ أَنْشَأهَا "كَاجَامِيِ" وروجِيَاما - بِهَزِيِمَةٍ مُدَوّيَةٍ خِلاَلَ مَعَاَرِكِهَا الأُولَى مَعَ الجَيْشِ الرّوَاَندِيّ النّظَامِيّ التّابعِ للرَئِيسِ"جافينَال هَباريمَانا"..

إلاَ أنّ الحُكُومَةَ الفَرَنْسِيّة وَبِشَكلٍ غَيْرِ مُتَوَقّعْ دَفَعَتْ نِظَامِ"هَابِيرمَانَا" إلى التّفَاوُضِ مَعَ الجَبْهَةَ الوَطَنِيّةَ وضَمَانِ عَودَةَ "التوتسِيِ إلى رِوَاندَا" فِي مُقابل تَخَلّيِ الجَبهَةِ عَنْ حَملِ السِّلاَحْ ودَمْجِِ مُقَاتِلِيهَا فِيِ الجَيْشِ الرّوَانْدِيّ ..

لمْ تُدْرِكْ الجَبهَةَ الوَطَنِيّةَ وَقتَهَا أَنّ ذلكَ لَمْ يَكُنْ إِلّا خُدعَةً  لِإحْكَامِ السّيْطَرةٍ عَلَيْهَا.. ولَمْ يَلْبَثْ الأمْرُ كثيراً حًتّىَ تَحَوّلْ الجَيْشُ الرّوَاندّيّ إلىَ تَصْفِيةِ قاَدةِ الجَبْهَةْ.. وقُتِلَ عَلَىَ أَثَرِ ذَلِكْ زَعِيمُ الجَبْهَةِ الوَطَنِيّةٍ "رويجيما" فِي الثّانِي مِنْ أكتُوبَرْفِيِ العامِ 1990 .

لمْ يَكنْ ذلكَ فحَسبْ بَلْ تَخَطّى  التّحْرِيضُ ضِدّ التّوتسيِ إلىَ المُتًعًاطِفِينَ مَعَهُمْ مِنْ الهُوتُو أنْفسِهِمْ ،وهكذاَ شَهدتْ "كِيجَالِي" اغتِيَالاَتٍ استهدفتْ سِيَاسيينَ اشتُهروا بمواقفهم المؤيدة للمصالحةِ الوطنيةِ والتّعَايُشْ بَيْنِ "الهُوتُو والتُوتْسِي"..

أَسْهَمَتْ القُوىَ الدَّوليِةّ المُتَصَارِعَةُ للسّيْطَرةِ عَلَى رِوَانْدَا فِيِ تأجِيِجِ الاِحْتِقَانِ وَمِنْهَا فَرَنْسَا الدّاَعِمَةِ لِنِظَامِ الهُوتُو .. خاصةً بَعدَ المَكَاسِبَ المَيْدانِيّةِ التّيِ بَدَأَتْ الجَبْهَةُ الوَطَنِيةُ فِيِ تَحْقِيقُهَا فِيِ أَوَاخِرَ العَامِ  1993 والتّيِ كَانَتْ مُقلِقَةً للهُوتُو.

 وبِحُلولِ مَارِسْ مِنَ العَامٍ 1994 بَلَغَتْ مَوْجَةُ التّحْرِيِضُ أَوْجَهَا وأَصْبحَ لِحَمْلَةِ التّحْرِيضِ عَلَىَ التّوتسِيِ إذاعةٌ خاصةٌ  سَكَبَتْ الزّيْتَ فيِ النّارْ .

في السادس من أبريل أُغتِيلَ الرّئِيسْ"هباريمانا"بإسقَاطِ طَائِرَتُهُ لدَىَ هُبُوطِهَا فِيِ "كِيجَالِيِ" .مَهّدَ الاغْتِيَالُ للمَجَازِرْ العِرْقِيّةِ الـتّيِ اسْتَمَرّتْ إلَىَ يُونْيُو مِنْ ذَلِكَ العَامِ وَأَوقَعَتْ مَاَ يَقْرُبْ مِنْ مِلْيْونَ قَتِيلٍ غَالِبِيّتُهُمْ السّاحِقَةَ مِنْ التّوُتسِيِ .

رَجُلِ الإِنْقَاذْ

تَولّىَ"بُولْ كَجَامِيِ"رِئَاسَةَ الجَبْهَةَ الوَطَنِيّةَ بَعْدَ مَقْتَلْ صَدِيِقُهُ "رويجيما" فَجَمّعَ شَتَاتَها ووحّدَ صَفّهَا ..

واستَغَلّ المَجَازِرَ لحَشْدِ التّعَاطُفِ الإِقْلِيِميِ والدّوْلِي،وفِيِ ظلّ حَالةِ التّفَكُكِ الّتِي أَصَابَتْ البلادَ إثرَ الإبِاَدةِ الجَمَاعِيّةِ..قاد"بُولْ كَجَامِيِ" الجَبْهةَ الوَطَنِيّة المُسَلّحَة للوُصُولِ إِلَىَ العَاصِمَة "كِيِجَالِي" فِيِ يُونيُو مِنَ العامِ 1994..

وفورَ إعْلَانِ "كَجَامِيِ"السّيْطَرةَ عَلَىَ الأَرْضِ ..تَدَخّلتْ القُوَىَ الدّوْلِيّة للدّفْعِ لاتِفَاقِ بَيْنَ قَاَدَةَ "الهُوتُو والتُوتسِي" ليَكُونَ الرّئِيسْ مِنْ "الهوتو" وهو: "باستُور بيزيمنغو" ونائِبه من التّوتسِيِ وهو"بُولْ كِجَامِي".

لتَتَوَقٌف المجازرُ ويقِفُ الجَمِيعْ عَلَىَ جَمٍر يَنتَظرُ فَتِيلاً مَرّة أُخْرَىَ . إلاّ أنّ"بُولْ كِجَامِي" كّانَه قدْ بَدأَ خُطواتهِ لحَسمِ المَوقِف .

 كُرسِي الرّئاسَة

لِلوصُولٍ إلَى كُرسِيِ الرّئاَسة،إتَخَذ "كجامي"خُطُواتٍ تُمَكّنُهُ مِنْ إحْكَامِ السّيطَرة  .

-إسْتَطَاعَ بِكُتلَتِهْ المُسَلّحَةِ أنْ يُسَيْطِرْ عَلَىَ قِيَادَاتِ الجَيْشِ الرواندي .. ليُدرَكَ الجَمِيِعُ أنّهُ الرّئِيسُ الفِعْلِيِ للبِلَادْ .

-         بِذَرِيعَةِ الفَسَاد.. إستطاعَ "بُولْ كِجَامِي"أنْ يُزِيحَ الرّئِيس "بيزيمنغو"وإحَالَتِهِ إلىَ المُحَاَكَمَةِ فِيِ العامِ 2000 لمُخَالَفَتِهِ تَوَجّهُ المُصَالَحَة الوَطَنِيّةِ ونَبْذِ التّفْرِقَةِ العِرْقِيةِ.. وحُكِمَ عَلىَ الرئيسِ المَخلُوعِ بالسَّجنِ لمُدةِ 15 عَاماً ..كَانَ ذَلِكَ كَافِيَاً للتّخَلُصْ مِنهُ .

-  تسمية "بُولْ كِجَامِي" رئيساً للبِلادِ بِتَزكِيةِ مِنْ البَرلَمَانْ أقرّ دُستوراً جَديِداً فِي العَامِ ألغَى فِيهِ التّفْرِقَةِ العِرْقِيّةِ التّيِ كَانَتْ الوثائقُ المَدَنِيّةُ الرّسْمِيّة تَنُصّ عَلَيْهَا..

-  سنّ قَوَانِينَ قَادِرةً عَلىَ مُسَايَرةً للمَرحَلةِ الجَدِيدَةِ، وتَجَاوَزَ شَبَحَ المَجَازِرْ.

-         غَيّرَالعَلَمْ والنّشِيدَ الوطَنِيّ للقضاءِ عَلَىَ أيّ شَيٍ يُذَكّرْ بالتَفْرِقَةِ العِرقِيّةْ..

-         استبدلَ اللغةَ الفَرَنسِيّةَ بالإنجِلِيزِيّة، وخَرجَ مِنَ الفِرانُكفُونِيّة  بِسَببِ الدورِ الّذي لعِبَتُهُ فَرَنْسَا فِي تَأجِيِجِ الصِّراع ودَفْعِهَا لعَمَلِياتِ الإبَادِة الجَمَاعِيّة .

أعِيدَ انتخابُ"بُولْ كِجَامِي"بالاقتِرَاعِِ العامِ المُبَاشر،أُنتُخِبَ فِيِ العامِ 2010 وحقّقَ فوزاً كاسِحاً  فِي انتِخَاباتِ الرئاسة  عام 2017  ليَحصُـلَ علىَ ولاَيَةً رئاسيةً ثالثةً تَمتدُّ لسَبعِ سنواتٍ أُخرَىَ .

 فِيِ غُضونِ هَذهِ السّنَواتِ استَطَاعَ "بُولْ كِجَامِي"أنْ ينتشلَ رُوَاندَا منْ بئرِ الدّمَاءِ والصراعاتِ والفقرِ ويضَعَها فِي مَصافِي الدولِ الأسرع نُمُوّاً فِي العَالمْ، إلىَ أنْ لُقّبَتْ رُوَانْداَ بسنغافورةَ القارةِ الإفريِقيّة .

انتخب"بُولْ كِجَامِي"رئيساً لدَورةِ الإتحادِ الأفريقيّ فِيِ العام 2018 فِيِ العَاصِمةِ الأثيوبِيّة"أديس أبَابا"ووطدَ علاقاتُهُ بِدُولِ شَرقِ أفريقيا.

ورُغمَ ذلك ينْظُر البعضُ لـ "بُولْ كِجَامِي" كدكتاتور يسوّقُ المأساةِ المُتَرتِبةِ عَلىَ المجازرَ لتَبرِيرِ جَميعِ قَراراتِهِ السّياَسِيّة ومَوَاقِفِهِ واعتِقالِ مُعَارِضِيِه .. والتّهمةُ الجاهزةُ هِيَ تَمجِيدُ أيديولوجيا المَجَازِرْ والتفرقةِ العِرقِيّة.

لكنْ يَظلّ "بُولْ كِجَامِي"إسماً بارزاً  فِيِ تَارِيخِِ رُواندا يَعرِفهُ جيداً مَنْ عَاشَ التّجرِبةَ الرُّوانديةِ مِنْ النّقِيضْ إلىَ النّقِيضْ .

 


 

 

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان