التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ذكرى مجزرة اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة

 

 مع مرور  ذكرى مجزرة فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة، وعلى الرغم من مرور هذه  السنوات على تلك الجريمة- التي وصفتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” بأنها أبشع جريمة في تاريخ العصر الحديث- لم نر واحدا من الذين خططوا لها ماثلا أمام المحكمة، بل زاد الانقلابيون في فجورهم بأن لفقوا التهم الهزلية للمعتصمين.

ففي ذلك اليوم، لم يكتف الانقلاب العسكري بمنع المعتصمين من حق “اختيار الرئيس”، ولكنه انتزع منهم “حق الاعتصام السلمي” بعدما اقتحمت قوات الانقلاب ميدان رابعة بعد 48 يوما من الاعتصام لتجعل الاعتصام بمن فيه وما فيه أثرا بعد عين.

التخطيط للمجزرة

عقب مجزرة رابعة، كشفت عدة مصادر الكواليس خلف فض الاعتصام، حيث أشارت 

 إلى أن عدة اقتراحات تم طرحها على الانقلابي عبدالفتاح السيسي لفض الاعتصام سلميا من بينها؛ تجفيف الاعتصام عبر منع المتظاهرين من التدفق إلى ميداني الاعتصام، أو قطع الكهرباء ومنع دخول الأطعمة وقطع المياه، أو فض الاعتصامين باستخدام خراطيم المياه وقنابل الغاز فقط.

لكن السيسي كان مُصرّاً وحاسماً في قراره بالفض باستخدام القوة المسلحة، وكان صاحب القرار النهائي، بعد أن حصل على الضوء الأخضر الأمريكي برعاية صهيونية، للوصول لكرسي الحكم، بعد اختطاف الرئيس محمد مرسي في مكان مجهول، وإعلان انقلابه العسكري.

منذ اللحظة الأولى للاعتصام، كان إعلام الانقلاب في صفوف المتورطين في المجزرة بما لعبه من دور تحريضي على المعتصمين السلميين ورميهم بالأكاذيب، بهدف استعداء الشعب عليهم وتبرير قتلهم، حيث وصفهم تارة بالمغيبين والمخطوفين ذهنياً، وتارة أخرى بالإرهابيين المسلحين، وتارة ثالثة بالقتلة المجرمين الذين يقومون بتعذيب المواطنين ودفن جثامينهم تحت منصة الميدان.

ولم يكتفِ الإعلام بمهاجمة المعتصمين فقط، وإنما قاد حملات أكثر ضراوة للتحريض على قتل المتظاهرين، حيث لم يتوانَ الإعلاميون الموالون للانقلاب في التحريض على فض الاعتصام بالقوة وتبرير قتل المتظاهرين تحت دعاوى الإرهاب الباطلة. 


صدر القرار رسمياً باسم مجلس الوزراء، حيث تم الاتفاق على أن يصدر قرارٌ من النائب العام المغتال هشام بركات بفض الاعتصام، بالتنسيق مع رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور، ومجلس الدفاع الوطني والقوات المسلحة”.

بعدها أعلنت داخلية الانقلاب اتخاذ الإجراءات اللازمة لفض الاعتصامين، وذكرت حينها أنه سيسمح بالخروج الآمن من خلال المنافذ المحددة، إلا أنه وفقا لشهادات الناجين من المجزرة، فإن “الممرّ الآمن، كان عبارة عن تمركز لمدرعات الأمن المركزي والقناصة، فأغلب من كانوا يعبرون هذا الممر إما كانوا يقتلون على يد القناصة في الرأس وفي الصدر، وإما كان يلقى القبض عليهم.

مهندسو المجزرة

برزت وجوهٌ شاركت في مجزرة رابعة، وقد أصدرت منظمة “هيومان رايتس ووتش” تقريراً موسعاً، حددت فيه عدداً من المسؤولين، كان أولهم السيسي الذي قاد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، وكان يشغل منصب وزير الدفاع آنذاك، وشارك بالتخطيط وإعطاء الأوامر لقوات الجيش باستخدام القوة المفْرِطة ضد المعتصمين العزل، واعترف بقضاء “عدد كبير جداً من الأيام الطويلة لمناقشة كل تفاصيل فض اعتصام رابعة”.

وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، والذي وضع خطة التفريق وأشرف على تنفيذها، وأقرّ بأنه “أمر القوات الخاصة بالتقدم وتطهير مبان رئيسية في قلب ميدان رابعة”، وكذلك  اللواء مدحت الشناوي، مساعد وزير الداخلية لقطاع العمليات الخاصة، وهو من قاد عملية الفض وأشرف على الخطة التي تضمنت تدريب نحو سبعة آلاف ضابط وجندي ، بالإضافة إلى استخدام مجنزرات لإزالة السواتر التي أقامها واستخدام طائرات مروحية.



عدلي منصور، أيضا أحد المشاركين إذ وافق على خطة فض الاعتصام، باعتباره كان يشغل منصب رئيس الجمهورية المؤقت، كذلك حازم الببلاوي كان يشغل منصب رئيس مجلس الوزراء واعترف وقت وقوع المجزرة، أن مجلس الوزراء اتخذ بالإجماع قرار فض الاعتصام.


كما شارك في الفض هشام بركات والذي يشغل منصب النائب العام، وهو من أصدر أمراً قضائياً بالموافقة على فض الاعتصام، كما رفض لاحقاً التحقيق مع أي من المشاركين في عملية الفض، كذلك الفريق أول صدقي صبحي، والفريق محمود حجازي، ومدير المخابرات العامة السابق محمد فريد التهامي، واللواء محمد زكي، وهم الذين خططوا وشاركوا بقوات من الجيش في تنفيذ المجازر.



صمود رابعة

كثرت المشاهد التي جسدت ملحمة صمود معتصمي رابعة في وجه القوات الغاشمة منذ بداية فض الاعتصام، حيث بدأت قوات الانقلاب بإطلاق الغاز المسيل للدموع حين اقترب المتظاهرون إلى مسافة 200 متر تقريبًا، وصمد المعتصمون على أبواب الاعتصام نحو ساعتين، فأشعل المتظاهرون النار في السيارات وألقوا بالحجارة، بينما أطلقت الشرطة الخرطوش والمزيد من الغاز المسيل للدموع من موقعها قرب الكوبري.

ووفقا لمنظمة هيومان رايتس ووتش، “بينما ظلت قوات الشرطة المصرية في صدام مع المعتصمين في ميدان رابعة لأكثر من 12 ساعة، قامت خلالها قوات الانقلاب بفتح النار على الحشود الكبيرة، مع عدم ترك مجال للمتظاهرين للخروج الآمن.



 وكان من بين أبرز تلك المشاهد، “عمارة المنايفة”، ذلك المبنى الذي اشتهر داخل ميدان رابعة وكان له دوره الكبير في الصمود أمام محاولات قوات الأمن اقتحام الميدان من مدخل شارع الطيران”.، حيث شهد المبنى مجزرة خاصة أثناء عملية الفض.

شكلت “عمارة المنايفة” يوم الفض حجر عثرة في وجه تقدم قوات الجيش والشرطة نحو قلب الميدان، قبل أن تقتحمها “القوات الخاصة” مدعومة بمروحيات هليكوبتر، وقد شهدت استشهاد نحو خمسمائة شخص، بينهم نساء وأطفال، كانوا قد احتموا بالعمارة من الرصاص والقنابل الخانقة، يوم الفض الدموي.


وبثت قناة “الجزيرة الوثائقية” فيلما وثائقيا يحمل اسم “عمارة المنايفة”،  وثق عمليات القتل والاعتقال التي تعرض لها المعتصمون الذين احتموا داخل العمارة، ووصف ما حدث من جانب المعتصمين داخل البناية بأنه “صمود وثبات وصل إلى حد أنه في أثناء سقوط المنصة الرئيسة للميدان، وتدميرها، كانت العمارة لا تزال عصية على سيطرة الأمن، فجن جنون القوات، واستخدموا ضد العمارة ومرتاديها أقصى درجات العنف”.

وأضطرت قوات الأمن لإطلاق قذائف الجرينوف على العمارة وإحاطتها بالطائرات المحملة بالقناصة، إلى تجهيز كتائب من القوات الخاصة لاقتحام العمارة، حتى سقطت أخيرا في أيديهم.


ومن بين المشاهد التي تستحق الوقوف أمامها طويلا، من داخل إحد المستشفيات الميدانية، وسط هرج ومرج وضوضاء أنين المصابين وصراخ الثكالي، أمسك أحد المصابين بيد زميله الشهيد الراقد بجواره، وظل يهتف “موت بالكرامة.. ولا حياة بذل”.

ومشهد آخر، أظهرشاب وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة على يدي شيخ قائلا “اثبتوا.. الجنة حلوة “أوي” (جدا)”، كما ظهرت امرأة وبيدها زوجها المستشار وهي تقول، “هندخل علشان ندعمكم” بعد أن كانت تصرخ في المعتصمين “انتو شوية كلاب”، وأمرأة أخرى صعيدية ظهرت وهي تدفع ابنها يوم الفض قائلة: “كيف نترك إخوتك ونخون الدماء؟ لا يا بني، يا نموت معاهم يا نحقق مناهم”.

وأسرةٌ قضى بالغاز السام اثنان من أطفالها الثلاثة، والأب المكلوم يخاطب زوجه “لم يعد لي في هذه الدنيا مكان، فإما أن أسترد حق أولادي أو ألحق بهم،  فتودعه، وبعد عشر دقائق يأتيها محمولا وقد تفجر رأسه برصاصة فلحق بصغيريه.

لم يكتف جنود السيسي بقتل المعتصمين، فقد منعوا كل من يحاول حمل جثامينهم، وقد أظهرت مقاطع الفيديو بعض المعتصمين وهم يحملون جثمان شهيد سقط برصاص العسكر، ويحاولون وضعه في سيارة، فيقوم بعض القناصة بملاحقتهم بالرصاص الحي، حتى تركوا جثمان الشهيد، ولاذوا بأحد المباني من شدة القصف.

معتصم آخر كان جثمان صديقه الشهيد، في محاولة لإنقاذ جثمانه من الحرق أو التجريف بالجرافات، فما كان من قناصة الانقلاب إلا أن اصطادوه وهو يجري؛ ليسقط مصابا على الأرض، بينما تحاول يداه الوصول إلى الشهيد.


إفلات من العقاب

رغم مرور سنوات على تلك المجزرة التي وصفتها منظمة هيومان رايتس ووتش” بأنها أبشع جريمة في العصر الحديث، ورغم بيانات المنظمات الحقوقية التي تحمّل سلطات النظام الانقلابي المسؤولية الكاملة عن فض الميدانين، لا يزال الجناه القاتلون خارج أقفاص الاتهام، بينما  من شارك في الاعتصام داخل السجون يحاكمون.

ووصفت العديد من التقارير الحقوقية القضاء المصري بأنه مسيس، وأن النظام المصري يسعى التنصل الكامل من مسؤولياته، وقطع الطريق أمام أي محاولة لتحميلهم تبعات تلك الأحداث، والإفلات التام من العقاب لكل مرتكبي المجازر والجرائم في مصر.

وقد أدان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون استخدام العنف ضد المتظاهرين، كما دعا رودني ديكسون عضو الفريق الدولي القانوني الباحث في فض اعتصام رابعة، بان كي مون إلى اتخاذ موقف واضح وإجراء تحقيق دولي في مجزرة رابعة لمحاكمة المسؤولين عنها باعتبارها جريمة دولية لا بد من محاكمة مرتكبيها، ودعا أيضا مجلس الأمن الدولى إلى إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية وتأسيس محكمة خاصة بها على غرار محاكمة جرائم الحربفي يوغسلافيا السابقة ورواندا.



كما أدان الاتحاد الأوروبي سقوط قتلى في فض الاعتصامات، وفي يوم 21 من أغسطس أعلن الاتحاد تعليق ترخيص تصدير الأسلحة التي قد تستخدم في القمع الداخلي في مصر، هذا وعقدت جلسة مغلقة في مجلس الأمن عن الأحداث، بطلب من بريطانيا وفرنسا وأستراليا.

وشجبت بشدة عدة دول الأحداث وتعامل السلطات المصرية آنذاك معها، وعلى رأسها تركيا وقطر وفرنسا، فيما دعت دول أخرى إلى ضبط النفس بين الأطراف، وانتقد الرئيس الأميركي باراك أوباما ما وصفها بالخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية ضد المدنيين، ودعا لاحترام حقوق الإنسان والبدء في حوار شامل.

ورغم هذا الشجب والإدانة فإن المجتمع الدولي ممثلًا في “الأمم المتحدة” أو “مجلس الأمن” في النهاية لم يعترف بما حدث في رابعة والنهضة كـ”مجازر” ضد الإنسانية


ومما يعد هزليا، أن من بين القضايا التي تنظرها المحاكم المصرية، “فض اعتصام رابعة، وغرفة عمليات رابعة، والمنصة، والحرس الجمهوري ومذبحة مسجد القائد إبراهيم”، جميع المتهمين فيها كانوا من بين المعتصمين، وجميع تلك القضايا “لا يستند على أسانيد قانونية سليمة” وهي منظورة أمام دوائر الإرهاب ومحاكم عسكرية.

ووصلت للنائب العام آلاف الشكاوي من ذوي الضحايا واتهموا قوات الشرطة والجيش ووزيري الدفاع والداخلية وقتها بقتل والتحريض على قتل ذويهم من المعتصمين السلميين، ورغم ذلك لم تحقق النيابة في البلاغات، بل أحالت المعتقلين إلى المحاكمة، رغم كونهم مجنيا عليهم، مما اضطر أهالي الضحايا أن ترفع قضايا دولية لتحريك المجتمع الدولي “سعيا لمحاكمة السلطة.


اشارة رابعة 

عقب فض الاعتصام، وخلال السنوات الماضية صارت إشارة رابعة، رمزا ملهما لكل معارض ورافض لتلك المذبحة، فرفعت الأصابع في كافة الاحتجاجات المناهضة للمذبحة، كما أنتجت ملصقات وكوفيات ودبابيس وقمصان عليها الشعار.

وسرعان ما انتشرت شارة الأربعة أصبع عبر مواقع التواصل الإجتماعي وفي الميادين، لتخلّد ذكرى ميدان رابعة رمزا للنصر والسلام ورمزا للمقاومة وشعارا يتحد خلفه كل مناصري الشرعية في مصر ورافضي الانقلاب في كل مكان وخاصة على فايسبوك حيث عمد الآلاف من مختلف دول العالم إلى تغيير صورة الواجهة الخاصة بهم إلى صورة شارة رابعة الصفراء.

وبعد ثلاثة أيام من فض الاعتصام، رفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان - كان رئيسا للوزراء وقتئذ- في مدينة بورصة غرب تركيا يده بأربعة أصابع، في إشارة إلى ميدان رابعة العدوية تضامنا مع ضحايا المذبحة.

وعندما رأى النظام الانقلابي انتشار الشعار سريعا وأنه أصبح شعارا ضد الظلم والظالمين، قام بتجريم كل من يرفع الشعار، ووجهت لطلاب تهمة حيازة مسطرة أو بالونات عليها “شعار رابعة”، وهو ما أدى لحبسهم. كما واجه رياضون مصريون عقوبات بعد أن رفعوا الشعار احتفالا بهدف أو فوز.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان