المستشار طارق البشري ضد الانقلاب
المستشار طارق البشري |
طارق عبد الفتاح سليم البشري المفكر والمؤرخ والفيلسوف المصري، أحد ابرز القانونين المصريين المعاصرين،وُلِد في 1 نوفمبر 1933 في حي الحلمية في مدينة القاهرة في أسرة البشري التي ترجع إلى محلة بشر في مركز شبراخيت في محافظة البحيرة في مصر.
عرف عن أسرته اشتغال رجالها بالعلم الديني وبالقانون، إذ تولى جده لأبيه سليم البشري، شيخ السادة المالكية في مصر - شياخة الأزهر، وكان والده المستشار عبد الفتاح البشري رئيس محكمة الاستئناف حتى وفاته سنة 1951م، كما أن عمه عبد العزيز البشري أديب.
تخرج طارق البشري من كلية الحقوق بجامعة القاهرة سنة 1953م التي درس فيها على كبار فقهاء القانون والشريعة مثل عبد الوهاب خلاف وعلي الخفيف ومحمد أبي زهرة، عين بعدها في مجلس الدولة واستمر في العمل به حتى تقاعده سنة 1998 من منصب نائب أول لمجلس الدولة ورئيسا للجمعية العمومية للفتوى والتشريع.
بدأ تحوله إلى الفكر الإسلامي بعد هزيمة 1967م وكانت مقالته "رحلة التجديد في التشريع الإسلامي" أول ما كتبه في هذا الاتجاه، وهو لا زال يكتب إلى يومنا هذا في القانون والتاريخ والفكر.
ترك البشري ذخيرة من الفتاوى والآراء الاستشارية التي تميزت بالعمق والتحليل والتأصيل القانوني الشديد، كما تميزت بإحكام الصياغة القانونية، ولا زالت تلك الفتاوى إلى الآن تعين كلا من الإدارة والقضاة والمشتغلين بالقانون بشكل عام على تفهم الموضوعات المعروضة عليهم.
وقد كان تم اختياره رئيسًا للجنة التعديلات الدستورية التى شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر، والتى قامت بتعديل بعض المواد الخاصة
وفي لقاء أكد المستشار البشري، رئيس لجنة تعديل الدستور، أن الشعب هو الضمان الوحيد في التعديلات الدستورية التي أقرتها اللجنة, الذي يمكنه منع رئيس الجمهورية من إجراء تعديلات خاصة بفترة بقائه في الحكم أو تمديد مدد رئاسته, موضحًا أن الوضع السياسي بالإضافة إلى الرأي العام هما العاملان الكفيلان بضمان عدم حدوث ذلك؛ حيث يجب على الشعب أن يحافظ على ذلك ولا يفرِّط في حقوقه السياسية.
جاء ذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته اللجنة المشرفة على تعديل الدستور بوزارة العدل ؛ لإعلان انتهاء المرحلة الثانية من تعديل قوانين الانتخابات وبما يتفق مع الوضع الجديد للبلاد ويكفل نزاهة الانتخابات،والذي يتضمَّن قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلسي الشعب والشورى وقانون انتخاب رئيس الجمهورية.
وأوضح المستشار البشري أن التعديلات الدستورية تمَّت بناءً على عدة مبادئ تتضمن: أن تكون الانتخابات ببطاقة الرقم القومي، وأن تشرف الهيئات القضائية بشكلٍ تامٍّ على مجريات العملية الانتخابية، بدايةً من اللجنة العليا للانتخابات، ومرورًا بلجان المحافظات واللجان الفرعية, مؤكدًا عدم تدخل وزارة الداخلية في جميع مراحل العملية الانتخابية.
وفيما يخص وجود تعديلات في أيٍّ من مواد الدستور، خاصةً المادة الثانية، التي تنص على أن تكون الشريعة الإسلامية مصدرًا للدستور، بالإضافة إلى المادة الخامسة والخاصة بإنشاء الأحزاب بناءً على مرجعية دينية وأشار البشري إلى أن لجنة تعديل الدستور لم تتطرَّق إلى الفصول الأربعة من الدستور؛ حيث إن عمل اللجنة ينصبُّ على إجراء تعديلات على المواد التي يمكن من خلالها ممارسة الحياة السياسية الطبيعية.
وأكد وجود فترة زمنية محددة للتنفيذ ونقل السلطة، وتتمثل فيما أقرَّه المجلس الأعلى للقوات المسلَّحة والتي تتمثل في 6 أشهر، على أن تكون هناك فترة زمنية أخرى لإعداد دستور جديد من قبل لجنة تأسيسية عندما يتوافر الوجود الانتخابي لكل من مجلسي الشعب والشورى.
حوار للمستشار طارق البشري(1)
أحوال القضاء
* كيف تقيّم وضع القضاء في ظل استخدام السلطة له في تصفية حساباتها السياسية، ما أدى لتوتر علاقاته مع أطراف شعبية، ومن جهة أخرى تصدر السلطة قانون الهيئات القضائية رغم اعتراض تلك الهيئات على نصوصه؟
- هناك تدخل من السلطة التنفيذية في شؤون القضاء، وهذا التدخل ليس جديدا، ويعبر عنه علاقة وزارة العدل بالقضاء. فوزير العدل له علاقة باختيار قضاة في مناصب معينة، كرؤساء المحاكم الابتدائية بعد ترشيحات الجمعيات العمومية، وأيضا تبعية التفتيش القضائي للوزارة واختيارها لمن يقوم بالتفتيش. ومثل هذه الأمور يقوم بها قضاة، ولكن من خلال إدارة وزارة العدل وليس من خلال إدارة القضاء بنفسه. وللقضاء مطالبة قديمة بإزاحة اشتراك وزارة العدل في العملية القضائية، لاستكمال استقلال القضاء، وقام المستشار ممتاز نصار بدور كبير في ذلك، وأيضا المستشار يحيى الرفاعي.
* ماذا سيكون دور وزارة العدل إذا؟
- المطلوب أن تكون إدارة العملية القضائية من خلال مجلس القضاء الأعلى، وليس من السلطة التنفيذية الممثلة في وزارة العدل، ويبقى دور الوزارة في قطاعاتها، الأخرى كالطب الشرعي والخبراء والشهر العقاري وغيرهم. ومجال عمل وزارة العدل كبير وفي الناحية القانونية أيضا، ولكننا نتكلم عن علاقتها بالقضاء. ما يحدث الآن نتيجة وجود هذا العنصر الذي يسمح بتدخل السلطة التنفيذية، بالإضافة إلى أن التدخل أصبح أكثر مما كان يجري من قبل.
* لماذا لم نجد معارضة من القضاة ضد القوانين التي تمس استقلال القضاة كما كان يجري من قبل؟
- ما حدث أن وزارة العدل استطاعت أن تسيطر أيضا على نادي القضاة الذي كان يعبر عن نشاط "استكمال استقلال القضاء" لعشرات السنين، واستطاعت وزارة العدل في ظرف ما أن تؤثر على اختيارات نادي القضاة أثناء الانتخابات في الفترة السابقة لثورة يناير.
* ولكن في فترة حكم الرئيس مرسي كانت هناك معارضة قضائية واضحة لبعض الإجراءات رغم وجود وزارة العدل التي تؤثر في النادي كما ذكرت!
- هذه حركة تابعة لنشاط جهاز الدولة ضد نتيجة انتخابات 2012.
* ذكرت في مقال سابق لك منتصف سنة 2013 أنك "من الذين يعرفون ما عسى أن تكون بعض الأحكام والتصرفات القضائية قد تجاوزت به حدود الأداء الوظيفي"، فما الذي كنت تقصده بتلك الأحكام والتصرفات؟
- بعض الأحكام في هذه الفترة، على الأخص كان ظهور العنصر السياسي للأحكام أكثر من العنصر القانوني، كحلّ مجلس النواب.
* إذا كانت هناك تجاوزات فلماذا عارضت عزل النائب العام عبد المجيد محمود، في وقت ربما يقول البعض إنه يحتاج لإجراءات تصحيحية تتجاوز ما يمكن عمله في أوقات الاستقرار؟
- ليس مقبولا على الإطلاق أن تتدخل السلطة التنفيذية في أعمال القضاء، سواء في عهد د. مرسي أو من تلاه أو من سبقهم، هذه الأمور نركن فيها إلى أن يصلح القضاء أموره فيها من داخله وبنفسه. والقضاء إذا تُركت له الاستقلالية الكاملة فهو قادر على أن يصلح نفسه بأدواته ووفقا لما تعودوا عليه في التربية القضائية. وحكمي بحسب ما أعرف عن الغالب الأعمّ في المسلك القضائي.
* كيف يمكن تحقيق استقلال القضاء؟
- النقطة الأساسية هي إبعاد تدخل السلطة التنفيذية في إدارة العملية القضائية، وإبعاد تبعية التفتيش القضائي عن الوزارة، وجعله العملية القضائية كلها تابعة لمجلس القضاء الأعلى. وكنت قد كتبت دراسة قديمة باسم "القضاء المصري بين الاستقلال والاحتواء"، وأضفت لها بحثا جديدا بعد الثورة، وهي تعالج هذه الأمور.
العلاقة بين الموروث والوافد
* اتصالا بالمسألة القضائية، لم ينقطع الجدل حول مسألة تقنين الشريعة في ظل تعدد المدارس الإسلامية، فإذا كانت هناك دعوة لتطبيقها، فأي فهْم للإسلام سيحكم عملية التطبيق مع وجود هذا التعدد؟
- هذه مسألة منتهية ومحسومة، فهناك مشروعات تم عملها للقوانين المختلفة، كالمدني والمرافعات والجنائي، وقام بها قضاة وفقهاء دستوريون. فأنت تأخذ من الأحكام الشرعية والمذاهب المستقرة ما يتلاءم مع ظروفك السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأعراف المجتمع. والأخذ من المذاهب المختلفة مقرر في القانون المصري منذ أوائل القرن العشرين، وكان الأصل متابعة الدولة العثمانية في الأخذ بأرجح الأقوال من المذهب الحنفي، ثم قامت حركة التجديد بتطوير ذلك للأخذ من أي رأي في المذهب، ثم تطورنا للأخذ بأي رأي من المذاهب المعتمدة بما يتلاءم مع ظروفنا. فمنهج وأساليب وواقع التقنين كل ذلك موجود فعلا، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية قام بعد ذلك بعمل مجموعة من مشاريع التقنين استمدها من المذاهب المتعددة.
* يتنامى كذلك النقاش حول مفهوم الحرية وكونها مطلقة، فإلى أي مدى يمكن قبول ذلك المعنى في ظل المرجعية الدينية؟
- تتحدد الحريات في ظل المرجعية العامة الحاكمة للمصريين عموما، وهي في هذه الحالة هي المرجعية الإسلامية بكل ما فيها من مباحات ومحظورات، فالأمر يتحدد وفقا لأعراف المجتمع ومبادئه العامة ومرجعيته الأساسية السائدة فيه.
* كيف حدث هذا التحول الملحوظ في المجتمع من المحافظة إلى ضدّها بهذه السرعة؟
- لم يحدث في المجتمع حركة انفتاح بهذا الشكل، لكن ما حدث أن بعض النخب والإعلام يقومون بتضخيم أحداث معينة، لكن لم يجر في عموم المجتمع مساس بقيمه السائدة؛ رغم وجود أحداث قليلة شاذة عن ثقافته السائدة وهي الثقافة الإسلامية.
* استخدمت تعبير الموروث والوافد في التعبير عن حالة الخلاف الفكري في المجتمع، فكيف نشأ ذلك الخلاف بينهما؟
- هناك قيم ونسق فكري نملكه، وهذا ما عبرت عنه بالفكر الموروث، وهناك قيم ونسق فكري وَفَدَ عن طريق مجموعة قليلة من النخب وهذا ما عبرت عنه بالفكر الوافد، والنقاش لا يجب أن يكون عن إحلال الفكر الوافد بدلا من الموروث، بل نبحث عن الحلول العملية الصالحة للمجتمع في كل مكان في العالم، ونحاول أن نصل بينها وبين مرجعيتنا ما دامت المرجعية الموروثة تسمح وتسع هذا الاجتهاد.
* ما الذي أحدث الفجوة بين الموروث والوافد؟
- المشكلة في النقاش في عموم الموروث والوافد ومرجعية كل منهما، فما يُطرح أنك إذا أردت أن تأخذ حلولا معينة فلا بد أن تأخذ الفكر الفلسفي المرتبط بها في الغرب، لكن ما يمكننا أن نأخذ من تطبيقات وتجارب الغرب التي تفيدنا، ونأخذ منه التكوينات التنظيمية التي تفيدنا، لكن مع الفصل بين ما نأخذه وبين مرجعيته الغربية ووَصْله بمرجعيتنا، وهذا ما تعلمناه من السنهوري الذي كان يستفيد من القوانين الغربية بعد فصلها عن مرجعيتها ووصلها بالمرجعية الخاصة بنا. لذا المناقشة لا تكون في المرجعيات، بل تكون في الحلول العملية والتطبيقية ومدى فائدتها لنا، وما كان مفيدا نأخذه كحلول عملية متى كانت تَسَعُه مرجعيتنا، وأنا واثق أن لدى العلمانيين الوطنيين حلولا عملية كثيرة يمكن تبنيها وتطبيقها، لكن دون اشتراط أخذ مرجعية الحلول العملية المطروحة.
* ولكن ربما يقول البعض أن النصوص الدينية متناهية لكن الوقائع غير متناهية، فلماذا لا يتم التعامل مع النص باعتباره نصا تاريخيا موضوعا لسياق معين؟
- لا أعرف كيف تُثار هذه المسائل! لأن لدينا في أصول الفقه الإسلامي حل جميع المشاكل من هذا النوع. فأصول الفقه الإسلامي تعتمد على مصادر كثيرة جدا، والمصادر الأصلية هي القرآن والسنة ثم الإجماع والقياس ومصادر أخرى معروفة في هذا العلم، وأساليب التطبيق بين الأفكار وبين المبادئ وبين الأحكام القانونية وبين الواقع مشكلة لا تقابلنا كمسلمين أو بين من يحملون الفكر الإسلامي فقط، بل تقابل العلمانيين أيضا في تطبيقهم للقانون العلماني الوضعي؛ لأن أي تطبيق قانوني يكون عبر نص ثابت يحكم واقعا متغيرا. فالقانون الفرنسي مثلا قانون وضعي نصوصه ثابتة منذ أكثر من مئتي عام، وهذه النصوص على ثباتها تحكم واقعا متغيرا، ولهم أساليبهم في كيفية تطبيق النص الثابت على الواقع المتغير والمتجدد. ونحن نسبقهم في ذلك وقادرون على هذه العملية من خلال منهجنا في التفسير ومنهجنا في التطبيق، وأصول الفقه قادرة على أن تحكم تفكيرنا من خلال الانضباط الشديد جدا في الالتزام بالنصوص، مع المرونة الشديدة جدا في التعامل مع الوقائع المتغيرة، مما يسمح بإيجاد حل لأي مشكلة تقابلنا من خلال هذا المنطق بانضباط شديد لأصولنا الفكرية والفقهية المستمدة من الفكر الإسلامي.
* كانت هناك مناظرات ومناقشات فكرية في فترة الثمانينيات والتسعينيات بين التيارات الفكرية المتنوعة، هلى توقفت بفعل الدولة أم أنكم فقدتم القدرة على الوقوف على أرضية مشتركة؟
- الأسباب السياسية العامة أوقفت هذه النقاشات كما أن النقاشات أصبحت مكررة، وهذا بفعل إعلام سياسي كان يريد أن يثير الفرقة، ولو كانت المناظرات بعيدة عن الإثارة الإعلامية لاستطاعت الأطراف الوصول لحلول عملية كثيرة، وكنت كتبت دراسة منشورة بعنوان "نحو تيار أساسي للأمة" لبحث المشتركات بيننا، لنهتم بها ولنبحث في كيفية التوفيق بين المشتركات، لا أن نثير الخلافات فقط، وحتى لو دارت الخلافات فلننظر إلى أهمية وحجم الخلاف في ظل المشاكل التي تقابلنا. فمثلا ما حجم الاختلاف وأهميته حول قضية سن الزوجة - أيكون 16 أم 18 عاما - بالنظر إلى مشاكلنا وواقعنا؟ فمن المهم النظر لحجم المشكلة التي نختلف فيها.
* لماذا أصبحت الاستقطابات السياسية والفكرية أكثر حدة في السنوات الأخيرة؟
- لأن المشكلة أننا نتناقش في المرجعيات الكلية والجانب الإيماني والعقيدي، وهذه لا يمكن النقاش فيها، فينبغي أن نتناقش في الحلول العملية ومدى أهميتها لنا كمجتمع ونحاول أن نجد نقاط الاتفاق.
كذلك هناك من يريد أن يجعلنا على فُرقة دائمة ويجعل المختلفات هي أساس هذه الأمة حتى لا تجتمع على صواب، وهذا من السلوك الاستبدادي السياسي في مصر، وكلما حدثت محاولات لكي تجتمع الأمة تُثار المشاكل الفكرية حتى تفترق عن بعضها، والإعلام يقوم بدور كبير في هذا الشأن.
أحوال القضاء
* كيف تقيّم وضع القضاء في ظل استخدام السلطة له في تصفية حساباتها السياسية، ما أدى لتوتر علاقاته مع أطراف شعبية، ومن جهة أخرى تصدر السلطة قانون الهيئات القضائية رغم اعتراض تلك الهيئات على نصوصه؟
- هناك تدخل من السلطة التنفيذية في شؤون القضاء، وهذا التدخل ليس جديدا، ويعبر عنه علاقة وزارة العدل بالقضاء. فوزير العدل له علاقة باختيار قضاة في مناصب معينة، كرؤساء المحاكم الابتدائية بعد ترشيحات الجمعيات العمومية، وأيضا تبعية التفتيش القضائي للوزارة واختيارها لمن يقوم بالتفتيش. ومثل هذه الأمور يقوم بها قضاة، ولكن من خلال إدارة وزارة العدل وليس من خلال إدارة القضاء بنفسه. وللقضاء مطالبة قديمة بإزاحة اشتراك وزارة العدل في العملية القضائية، لاستكمال استقلال القضاء، وقام المستشار ممتاز نصار بدور كبير في ذلك، وأيضا المستشار يحيى الرفاعي.
* ماذا سيكون دور وزارة العدل إذا؟
- المطلوب أن تكون إدارة العملية القضائية من خلال مجلس القضاء الأعلى، وليس من السلطة التنفيذية الممثلة في وزارة العدل، ويبقى دور الوزارة في قطاعاتها، الأخرى كالطب الشرعي والخبراء والشهر العقاري وغيرهم. ومجال عمل وزارة العدل كبير وفي الناحية القانونية أيضا، ولكننا نتكلم عن علاقتها بالقضاء. ما يحدث الآن نتيجة وجود هذا العنصر الذي يسمح بتدخل السلطة التنفيذية، بالإضافة إلى أن التدخل أصبح أكثر مما كان يجري من قبل.
* لماذا لم نجد معارضة من القضاة ضد القوانين التي تمس استقلال القضاة كما كان يجري من قبل؟
- ما حدث أن وزارة العدل استطاعت أن تسيطر أيضا على نادي القضاة الذي كان يعبر عن نشاط "استكمال استقلال القضاء" لعشرات السنين، واستطاعت وزارة العدل في ظرف ما أن تؤثر على اختيارات نادي القضاة أثناء الانتخابات في الفترة السابقة لثورة يناير.
* ولكن في فترة حكم الرئيس مرسي كانت هناك معارضة قضائية واضحة لبعض الإجراءات رغم وجود وزارة العدل التي تؤثر في النادي كما ذكرت!
- هذه حركة تابعة لنشاط جهاز الدولة ضد نتيجة انتخابات 2012.
* ذكرت في مقال سابق لك منتصف سنة 2013 أنك "من الذين يعرفون ما عسى أن تكون بعض الأحكام والتصرفات القضائية قد تجاوزت به حدود الأداء الوظيفي"، فما الذي كنت تقصده بتلك الأحكام والتصرفات؟
- بعض الأحكام في هذه الفترة، على الأخص كان ظهور العنصر السياسي للأحكام أكثر من العنصر القانوني، كحلّ مجلس النواب.
* إذا كانت هناك تجاوزات فلماذا عارضت عزل النائب العام عبد المجيد محمود، في وقت ربما يقول البعض إنه يحتاج لإجراءات تصحيحية تتجاوز ما يمكن عمله في أوقات الاستقرار؟
- ليس مقبولا على الإطلاق أن تتدخل السلطة التنفيذية في أعمال القضاء، سواء في عهد د. مرسي أو من تلاه أو من سبقهم، هذه الأمور نركن فيها إلى أن يصلح القضاء أموره فيها من داخله وبنفسه. والقضاء إذا تُركت له الاستقلالية الكاملة فهو قادر على أن يصلح نفسه بأدواته ووفقا لما تعودوا عليه في التربية القضائية. وحكمي بحسب ما أعرف عن الغالب الأعمّ في المسلك القضائي.
* كيف يمكن تحقيق استقلال القضاء؟
- النقطة الأساسية هي إبعاد تدخل السلطة التنفيذية في إدارة العملية القضائية، وإبعاد تبعية التفتيش القضائي عن الوزارة، وجعله العملية القضائية كلها تابعة لمجلس القضاء الأعلى. وكنت قد كتبت دراسة قديمة باسم "القضاء المصري بين الاستقلال والاحتواء"، وأضفت لها بحثا جديدا بعد الثورة، وهي تعالج هذه الأمور.
العلاقة بين الموروث والوافد
* اتصالا بالمسألة القضائية، لم ينقطع الجدل حول مسألة تقنين الشريعة في ظل تعدد المدارس الإسلامية، فإذا كانت هناك دعوة لتطبيقها، فأي فهْم للإسلام سيحكم عملية التطبيق مع وجود هذا التعدد؟
- هذه مسألة منتهية ومحسومة، فهناك مشروعات تم عملها للقوانين المختلفة، كالمدني والمرافعات والجنائي، وقام بها قضاة وفقهاء دستوريون. فأنت تأخذ من الأحكام الشرعية والمذاهب المستقرة ما يتلاءم مع ظروفك السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأعراف المجتمع. والأخذ من المذاهب المختلفة مقرر في القانون المصري منذ أوائل القرن العشرين، وكان الأصل متابعة الدولة العثمانية في الأخذ بأرجح الأقوال من المذهب الحنفي، ثم قامت حركة التجديد بتطوير ذلك للأخذ من أي رأي في المذهب، ثم تطورنا للأخذ بأي رأي من المذاهب المعتمدة بما يتلاءم مع ظروفنا. فمنهج وأساليب وواقع التقنين كل ذلك موجود فعلا، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية قام بعد ذلك بعمل مجموعة من مشاريع التقنين استمدها من المذاهب المتعددة.
* يتنامى كذلك النقاش حول مفهوم الحرية وكونها مطلقة، فإلى أي مدى يمكن قبول ذلك المعنى في ظل المرجعية الدينية؟
- تتحدد الحريات في ظل المرجعية العامة الحاكمة للمصريين عموما، وهي في هذه الحالة هي المرجعية الإسلامية بكل ما فيها من مباحات ومحظورات، فالأمر يتحدد وفقا لأعراف المجتمع ومبادئه العامة ومرجعيته الأساسية السائدة فيه.
* كيف حدث هذا التحول الملحوظ في المجتمع من المحافظة إلى ضدّها بهذه السرعة؟
- لم يحدث في المجتمع حركة انفتاح بهذا الشكل، لكن ما حدث أن بعض النخب والإعلام يقومون بتضخيم أحداث معينة، لكن لم يجر في عموم المجتمع مساس بقيمه السائدة؛ رغم وجود أحداث قليلة شاذة عن ثقافته السائدة وهي الثقافة الإسلامية.
* استخدمت تعبير الموروث والوافد في التعبير عن حالة الخلاف الفكري في المجتمع، فكيف نشأ ذلك الخلاف بينهما؟
- هناك قيم ونسق فكري نملكه، وهذا ما عبرت عنه بالفكر الموروث، وهناك قيم ونسق فكري وَفَدَ عن طريق مجموعة قليلة من النخب وهذا ما عبرت عنه بالفكر الوافد، والنقاش لا يجب أن يكون عن إحلال الفكر الوافد بدلا من الموروث، بل نبحث عن الحلول العملية الصالحة للمجتمع في كل مكان في العالم، ونحاول أن نصل بينها وبين مرجعيتنا ما دامت المرجعية الموروثة تسمح وتسع هذا الاجتهاد.
* ما الذي أحدث الفجوة بين الموروث والوافد؟
- المشكلة في النقاش في عموم الموروث والوافد ومرجعية كل منهما، فما يُطرح أنك إذا أردت أن تأخذ حلولا معينة فلا بد أن تأخذ الفكر الفلسفي المرتبط بها في الغرب، لكن ما يمكننا أن نأخذ من تطبيقات وتجارب الغرب التي تفيدنا، ونأخذ منه التكوينات التنظيمية التي تفيدنا، لكن مع الفصل بين ما نأخذه وبين مرجعيته الغربية ووَصْله بمرجعيتنا، وهذا ما تعلمناه من السنهوري الذي كان يستفيد من القوانين الغربية بعد فصلها عن مرجعيتها ووصلها بالمرجعية الخاصة بنا. لذا المناقشة لا تكون في المرجعيات، بل تكون في الحلول العملية والتطبيقية ومدى فائدتها لنا، وما كان مفيدا نأخذه كحلول عملية متى كانت تَسَعُه مرجعيتنا، وأنا واثق أن لدى العلمانيين الوطنيين حلولا عملية كثيرة يمكن تبنيها وتطبيقها، لكن دون اشتراط أخذ مرجعية الحلول العملية المطروحة.
* ولكن ربما يقول البعض أن النصوص الدينية متناهية لكن الوقائع غير متناهية، فلماذا لا يتم التعامل مع النص باعتباره نصا تاريخيا موضوعا لسياق معين؟
- لا أعرف كيف تُثار هذه المسائل! لأن لدينا في أصول الفقه الإسلامي حل جميع المشاكل من هذا النوع. فأصول الفقه الإسلامي تعتمد على مصادر كثيرة جدا، والمصادر الأصلية هي القرآن والسنة ثم الإجماع والقياس ومصادر أخرى معروفة في هذا العلم، وأساليب التطبيق بين الأفكار وبين المبادئ وبين الأحكام القانونية وبين الواقع مشكلة لا تقابلنا كمسلمين أو بين من يحملون الفكر الإسلامي فقط، بل تقابل العلمانيين أيضا في تطبيقهم للقانون العلماني الوضعي؛ لأن أي تطبيق قانوني يكون عبر نص ثابت يحكم واقعا متغيرا. فالقانون الفرنسي مثلا قانون وضعي نصوصه ثابتة منذ أكثر من مئتي عام، وهذه النصوص على ثباتها تحكم واقعا متغيرا، ولهم أساليبهم في كيفية تطبيق النص الثابت على الواقع المتغير والمتجدد. ونحن نسبقهم في ذلك وقادرون على هذه العملية من خلال منهجنا في التفسير ومنهجنا في التطبيق، وأصول الفقه قادرة على أن تحكم تفكيرنا من خلال الانضباط الشديد جدا في الالتزام بالنصوص، مع المرونة الشديدة جدا في التعامل مع الوقائع المتغيرة، مما يسمح بإيجاد حل لأي مشكلة تقابلنا من خلال هذا المنطق بانضباط شديد لأصولنا الفكرية والفقهية المستمدة من الفكر الإسلامي.
* كانت هناك مناظرات ومناقشات فكرية في فترة الثمانينيات والتسعينيات بين التيارات الفكرية المتنوعة، هلى توقفت بفعل الدولة أم أنكم فقدتم القدرة على الوقوف على أرضية مشتركة؟
- الأسباب السياسية العامة أوقفت هذه النقاشات كما أن النقاشات أصبحت مكررة، وهذا بفعل إعلام سياسي كان يريد أن يثير الفرقة، ولو كانت المناظرات بعيدة عن الإثارة الإعلامية لاستطاعت الأطراف الوصول لحلول عملية كثيرة، وكنت كتبت دراسة منشورة بعنوان "نحو تيار أساسي للأمة" لبحث المشتركات بيننا، لنهتم بها ولنبحث في كيفية التوفيق بين المشتركات، لا أن نثير الخلافات فقط، وحتى لو دارت الخلافات فلننظر إلى أهمية وحجم الخلاف في ظل المشاكل التي تقابلنا. فمثلا ما حجم الاختلاف وأهميته حول قضية سن الزوجة - أيكون 16 أم 18 عاما - بالنظر إلى مشاكلنا وواقعنا؟ فمن المهم النظر لحجم المشكلة التي نختلف فيها.
* لماذا أصبحت الاستقطابات السياسية والفكرية أكثر حدة في السنوات الأخيرة؟
- لأن المشكلة أننا نتناقش في المرجعيات الكلية والجانب الإيماني والعقيدي، وهذه لا يمكن النقاش فيها، فينبغي أن نتناقش في الحلول العملية ومدى أهميتها لنا كمجتمع ونحاول أن نجد نقاط الاتفاق.
كذلك هناك من يريد أن يجعلنا على فُرقة دائمة ويجعل المختلفات هي أساس هذه الأمة حتى لا تجتمع على صواب، وهذا من السلوك الاستبدادي السياسي في مصر، وكلما حدثت محاولات لكي تجتمع الأمة تُثار المشاكل الفكرية حتى تفترق عن بعضها، والإعلام يقوم بدور كبير في هذا الشأن.
كيف يمكن الحفاظ على المواطنة في ظل تنوع ثقافي لـ"وحدات الانتماء بالمجتمع" وفق تعبيرك؟
- نبحث عن حلول المشاكل العملية دون الخوض في المرجعيات الفكرية؛ كما قلت من قبل.
* هناك مشاكل عملية، كتعدد وقائع حرق كنائس جديدة يتم إنشاؤها في بعض المحافظات الريفية..
- لا أحد يجيز حرق الكنائس، وإذا قام أحد بذلك فلْيُجازى، ليست لدينا مشكلة فكرية في هذا الأمر، ولا في كون المسيحيين مواطنين يتمتعون بحقوق المواطنة كاملة.
* ولكن هناك من يقول بعدم أحقيتهم في تولي بعض المناصب..
- هناك آراء في الفقه الإسلامي ناقشت ذلك، وفقهاء كبار ناقشوا ذلك.
* لديك اهتمام بالحالة المسيحية وكتبت عدة كتب في ذلك الأمر، فما الذي أوصل العلاقات لهذا التوتر في تقديرك، وكيف نقوم بحل هذا الإشكال؟
- هناك، سواء في الداخل أو الخارج، من يريد لنا أن نركّز على الاختلافات وألا نجتمع على شيء واحد، حتى نظل هكذا متفرقين ولا نملك من أمرنا شيئا. وتجاوز ذلك - كما قلت - بالبحث عن المشتركات والحلول العملية، وابتعاد الإعلام عن حدّة التركيز على المختلفات، فنحن عندما طالبنا بالاستقلال في سنة 1919 ركزنا على المشتركات وتكوّن تيار أساسي لمصر رغم وجود مختلفات.
الجهاز الإداري للدولة والإسلاميون
* ذكرت في كتابك "جهاز الدولة وإدارة الحكم في مصر المعاصرة" أن الجهاز الإداري للدولة غير منحاز، فهل لا زلت تراه كذلك بعد ما جرى في سنوات ما بعد الثورة؟
- عدم انحياز الجهاز بمعنى أن مصر ليس فيها طوائف أو قبائل أو خلافات تجعل الشعب متعارضا مع بعضه، فهناك توافق بين الشعب من أسوان للإسكندرية، وهذا قديم. والجهاز الإداري يعكس عينة تلقائية لكل طوائف وثقافات الشعب المصري، لكن السلطات المستبدة للدولة هي التي تثير المشكلات، ومصر قديما كان لديها نشاط أهلي متمثل في الطرق الصوفية والنقابات المهنية والحرفية كما كان يوجد نظام الوقف، مما سمح للنشاط الأهلي بأن يوازن سلطة الدولة.
- نبحث عن حلول المشاكل العملية دون الخوض في المرجعيات الفكرية؛ كما قلت من قبل.
* هناك مشاكل عملية، كتعدد وقائع حرق كنائس جديدة يتم إنشاؤها في بعض المحافظات الريفية..
- لا أحد يجيز حرق الكنائس، وإذا قام أحد بذلك فلْيُجازى، ليست لدينا مشكلة فكرية في هذا الأمر، ولا في كون المسيحيين مواطنين يتمتعون بحقوق المواطنة كاملة.
* ولكن هناك من يقول بعدم أحقيتهم في تولي بعض المناصب..
- هناك آراء في الفقه الإسلامي ناقشت ذلك، وفقهاء كبار ناقشوا ذلك.
* لديك اهتمام بالحالة المسيحية وكتبت عدة كتب في ذلك الأمر، فما الذي أوصل العلاقات لهذا التوتر في تقديرك، وكيف نقوم بحل هذا الإشكال؟
- هناك، سواء في الداخل أو الخارج، من يريد لنا أن نركّز على الاختلافات وألا نجتمع على شيء واحد، حتى نظل هكذا متفرقين ولا نملك من أمرنا شيئا. وتجاوز ذلك - كما قلت - بالبحث عن المشتركات والحلول العملية، وابتعاد الإعلام عن حدّة التركيز على المختلفات، فنحن عندما طالبنا بالاستقلال في سنة 1919 ركزنا على المشتركات وتكوّن تيار أساسي لمصر رغم وجود مختلفات.
الجهاز الإداري للدولة والإسلاميون
* ذكرت في كتابك "جهاز الدولة وإدارة الحكم في مصر المعاصرة" أن الجهاز الإداري للدولة غير منحاز، فهل لا زلت تراه كذلك بعد ما جرى في سنوات ما بعد الثورة؟
- عدم انحياز الجهاز بمعنى أن مصر ليس فيها طوائف أو قبائل أو خلافات تجعل الشعب متعارضا مع بعضه، فهناك توافق بين الشعب من أسوان للإسكندرية، وهذا قديم. والجهاز الإداري يعكس عينة تلقائية لكل طوائف وثقافات الشعب المصري، لكن السلطات المستبدة للدولة هي التي تثير المشكلات، ومصر قديما كان لديها نشاط أهلي متمثل في الطرق الصوفية والنقابات المهنية والحرفية كما كان يوجد نظام الوقف، مما سمح للنشاط الأهلي بأن يوازن سلطة الدولة.
والدولة الآن مالكة لكل الأنشطة الأهلية في مصر، وهي تمتلك قدرات استبدادية، فعلينا أن نوجد نشاطا أهليا منظما كالنقابات العمالية والمهنية والجمعيات الخيرية والأحزاب وتكون كلها حرة ومستقلة. فالموجود في مصر جهاز تابع للاستبداد، وتكوينه بطبيعته مستبد لوجوده في ظل طوارئ دائمة؛ لأنه أحكم قبضته على البلد بنفي كل التكوينات الأهلية ونفي إدراتها لشؤونها.
* لماذا تصطدم الأجنحة القوية داخل الدولة مع الإسلاميين فقط؟- لأنهم قادرون على تكوين الأحزاب ويقدرون على إقامة تكوينات أهلية. الدولة لا تعادي الإسلام، لكن هذا التوجه هو القادر على تكوين تكوينات أهلية، فهذا صدام مصالح وليس صداما فكريا، والدليل على ذلك أن ثورة 23 تموز/ يوليو 1953 اصطدمت بالوفد أولا لأنه كان التنظيم الأهلي الأساسي وقتها، ولم يحدث عداء مع التنظيمات الإسلامية إلا بعد القضاء على الوفد.
* هل تتحمل التيارات السياسية الإسلامية قسطا من أسباب الصدام؟- عليها أن تفهم الوضع وتتعامل معه بالشكل المناسب، وأن العداء ليس مع الإسلام، بل العداء مع وجود تكوين أهلي خارج عن تكوين الدولة، وأنه لا تكفي الدعوة لمطلق الإسلام، لأنه بحمد الله موجود وقوي، ومجاله هو الدعوة وليس العمل السياسي الحزبي، ولكن العمل السياسي الحزبي يتعلق بمشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية، فيجب بحثها والوصول إلى مشروعات حلول لها يتركز فيها العمل السياسي، أي يتعيّن أن نميّز بين العمل الدعوي والعمل السياسي في التنظيم وفي النشاط.
مصر وفلسطين
* ما أثر التقارب المصري مع حماس على مصر؟- ما أشعر به أن الوجود الإسرائيلي يهدد استقلالية الشعب المصري واستقلالية مصر ويهدد الأمن القومي المصري، وما يحكم هذه المسألة مدى الإحساس بالخطر الإسرائيلي علينا كشعب مستقل له سيادة. وجزء من تكوين إسرائيل أن تكون شوكة في جنبنا، أو تهدد كل ما يمكن أن نتخذه من سياسات استقلالية.
* هل ترى أن هذا الإحساس موجود لدى الدولة؟- عليها أن تدركه.
الثورة والأحوال المصرية
* كيف تحولت الحالة المصرية من بعد كانون الثاني/ يناير 2011 بحيويتها إلى الحالة الحالية؟
- ثورة 25 يناير قامت ضد الحكم الاستبدادي وطالبت بالديمقراطية، والدولة تكوينها استبدادي منذ 60 سنة، فكانت الانتكاسة تتعلق بأن الدولة استردت سيطرتها التي كانت موجودة على المجتمع بشكل أكثر حدة مما كان قبل 25 يناير؛ لأن الدولة شعرت بخطر الثورة على تشكّلاتها الاستبدادية.
* هل ترى أن الثورة المصرية انكسرت؟
- لا أقدر أن أقول أنها انكسرت؛ لأننا لا زلنا في أجوائها. وإن شاء الله لا تكون انكسرت، والثورات العربية التي تعاصرت مع بدايات عام 2011 سُميت بثورات الربيع العربي، وأنا أقبل هذه التسمية بشرط إدراك أن مصر ربيعها ليس ربيعا من الناحية الجغرافية والجوية؛ لأنها خلال فترة الربيع على الأخص تعرف ما يسمى بـ"الرياح الخماسينية" التي يتحول بها الربيع إلى زوابع ترابية، والفلاح المصري لا يقول بالربيع أبدا، ويُعبّر بالشتويّ عن فصل الشتاء، وبالصيفي عن فصل الصيف، وبالنّيلي عن فصل الخريف، وهو فصل الجو الصحو في مصر الآتي مع الفيضان، وهذا ما كان عليه قول المصريين من قديم.
* كيف يمكن إنشاء نظام ديمقراطي والتشكيلات السياسية نفسها غير ديمقراطية؟
- الديمقراطية لا تأتي بين يوم وليلة. اترك المناخ الديمقراطي ليتعلم الشعب من خلال الحريات تشكيل التكوينات السياسية ومراقبتها، وما ينجح منها يبقى ومن لا ينجح يزول مع الوقت. والانتخابات الحرة النزيهة هي الأساس، وربما لا تأتي في البداية بمن يحقق الاستقلال كاملا ويحدث ذلك في مرحلة تالية، لكن المهم أن نحافظ على الديمقراطية رغم ما سيقابلنا من صعوبات في البداية.
* ألا تحتاج البداية لوضع بعض القيود على الاختيار الديمقراطي حتى لا تحدث ارتدادات لمطالب التغيير بآلية الاختيار الشعبي، كمنع بعض الفئات من المشاركة الانتخابية؟
- يتعلم الشعب بنفسه بممارسة الديمقراطية، وسيعلم الشعب مع الوقت من هو التنظيم الأكثر أمانة والأكثر دفاعا عن مصالحه، وهذا يحتاج لتجربة الأشخاص والأحزاب والجمعيات والنقابات وكل التكوينات الأهلية وليس مجرد الأحزاب فقط بل حتى الحركات الصوفية، بشرط أن تكون تكوينات شعبية حقيقية ليس للدولة تدخل فيها. المهم أن تبقى هناك انتخابات حقيقية ونترك الشعب يجرب حتى لو أخطأ، والخائف من اختيار الشعب مستبد يخاف على استبداده وليس على المجتمع.
* ما الذي يفترض على القوى الوطنية أن تفعله إنقاذا للوطن؟
- تشغل نفسها بأهداف المجتمع وسياساته المستقبلية وكيف يمكن حل مشاكلنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولدينا مهنيّون كُثُر يمكنهم المساهمة في هذا الأمر. وعلى الدولة أن تفتح الحريات التنظيمية الكاملة في جميع مجالات العمل الاجتماعي والسياسي. نحن نترك حريات كاملة لرأس المال أن يعمل في أي مجال، فلنترك العمل الاجتماعي والسياسي يعمل في جو من الحرية الكاملة.
* هل ترى في انتخابات 2018 فرصة لحلحلة الأوضاع؟
- لم أجد في واقعنا الحاضر ما يعتبر أملا لتغيير يحدث في 2018.
* قدمت مع مجموعة من المفكرين مبادرة للحل في 2013، ما الذي طرحتموه وما كان مصيرها؟
- ذهبت هباء منثورا.
* ما هي رؤيتك لحل الأزمة المصرية؟
- لا بد أن نهتم بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمشتغلون عليها كثيرون، ونحتاج لإثارة النقاش حولها وتنفيذها متاح وميسّر، ولكن هذا مرتبط بحرية تكوين التنظيمات الشعبية والأهلية دون سيطرة الدولة عليها في المجالات كافة.
* هل يمكن أن تحدث مصالحة بين أطراف الأزمة؟
- أدعو إلى المصالحة بين أطراف الأزمة، على أساس إتاحة الحريات التنظيمية ومراجعة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في إطار من التقبّل لكل الاتجاهات المعبرة عن نفسها في الواقع المصري سياسيا وثقافيا واجتماعيا، ومحاولة إدراك المشتركات بينها لتكوين ما يمكن أن أكون مهتما بالدعوة إليه لتَشَكّل تيار أساسي للأمة في إطار المشتركات الوطنية العامة التي يتحقق بها الصالح العام لفئات الشعب كافة، وذلك مع الالتزام بأساليب العمل السياسي السلمية التي لا تعرف مصر غيرها، للوصول إلى هذا التيار الأساسي، ولإدراك المشتركات العامة دون نفي لاتجاهات ولا لجماعات مما تتشكّل منه الأمة.
* لماذا تصطدم الأجنحة القوية داخل الدولة مع الإسلاميين فقط؟- لأنهم قادرون على تكوين الأحزاب ويقدرون على إقامة تكوينات أهلية. الدولة لا تعادي الإسلام، لكن هذا التوجه هو القادر على تكوين تكوينات أهلية، فهذا صدام مصالح وليس صداما فكريا، والدليل على ذلك أن ثورة 23 تموز/ يوليو 1953 اصطدمت بالوفد أولا لأنه كان التنظيم الأهلي الأساسي وقتها، ولم يحدث عداء مع التنظيمات الإسلامية إلا بعد القضاء على الوفد.
* هل تتحمل التيارات السياسية الإسلامية قسطا من أسباب الصدام؟- عليها أن تفهم الوضع وتتعامل معه بالشكل المناسب، وأن العداء ليس مع الإسلام، بل العداء مع وجود تكوين أهلي خارج عن تكوين الدولة، وأنه لا تكفي الدعوة لمطلق الإسلام، لأنه بحمد الله موجود وقوي، ومجاله هو الدعوة وليس العمل السياسي الحزبي، ولكن العمل السياسي الحزبي يتعلق بمشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية، فيجب بحثها والوصول إلى مشروعات حلول لها يتركز فيها العمل السياسي، أي يتعيّن أن نميّز بين العمل الدعوي والعمل السياسي في التنظيم وفي النشاط.
مصر وفلسطين
* ما أثر التقارب المصري مع حماس على مصر؟- ما أشعر به أن الوجود الإسرائيلي يهدد استقلالية الشعب المصري واستقلالية مصر ويهدد الأمن القومي المصري، وما يحكم هذه المسألة مدى الإحساس بالخطر الإسرائيلي علينا كشعب مستقل له سيادة. وجزء من تكوين إسرائيل أن تكون شوكة في جنبنا، أو تهدد كل ما يمكن أن نتخذه من سياسات استقلالية.
* هل ترى أن هذا الإحساس موجود لدى الدولة؟- عليها أن تدركه.
الثورة والأحوال المصرية
* كيف تحولت الحالة المصرية من بعد كانون الثاني/ يناير 2011 بحيويتها إلى الحالة الحالية؟
- ثورة 25 يناير قامت ضد الحكم الاستبدادي وطالبت بالديمقراطية، والدولة تكوينها استبدادي منذ 60 سنة، فكانت الانتكاسة تتعلق بأن الدولة استردت سيطرتها التي كانت موجودة على المجتمع بشكل أكثر حدة مما كان قبل 25 يناير؛ لأن الدولة شعرت بخطر الثورة على تشكّلاتها الاستبدادية.
* هل ترى أن الثورة المصرية انكسرت؟
- لا أقدر أن أقول أنها انكسرت؛ لأننا لا زلنا في أجوائها. وإن شاء الله لا تكون انكسرت، والثورات العربية التي تعاصرت مع بدايات عام 2011 سُميت بثورات الربيع العربي، وأنا أقبل هذه التسمية بشرط إدراك أن مصر ربيعها ليس ربيعا من الناحية الجغرافية والجوية؛ لأنها خلال فترة الربيع على الأخص تعرف ما يسمى بـ"الرياح الخماسينية" التي يتحول بها الربيع إلى زوابع ترابية، والفلاح المصري لا يقول بالربيع أبدا، ويُعبّر بالشتويّ عن فصل الشتاء، وبالصيفي عن فصل الصيف، وبالنّيلي عن فصل الخريف، وهو فصل الجو الصحو في مصر الآتي مع الفيضان، وهذا ما كان عليه قول المصريين من قديم.
* كيف يمكن إنشاء نظام ديمقراطي والتشكيلات السياسية نفسها غير ديمقراطية؟
- الديمقراطية لا تأتي بين يوم وليلة. اترك المناخ الديمقراطي ليتعلم الشعب من خلال الحريات تشكيل التكوينات السياسية ومراقبتها، وما ينجح منها يبقى ومن لا ينجح يزول مع الوقت. والانتخابات الحرة النزيهة هي الأساس، وربما لا تأتي في البداية بمن يحقق الاستقلال كاملا ويحدث ذلك في مرحلة تالية، لكن المهم أن نحافظ على الديمقراطية رغم ما سيقابلنا من صعوبات في البداية.
* ألا تحتاج البداية لوضع بعض القيود على الاختيار الديمقراطي حتى لا تحدث ارتدادات لمطالب التغيير بآلية الاختيار الشعبي، كمنع بعض الفئات من المشاركة الانتخابية؟
- يتعلم الشعب بنفسه بممارسة الديمقراطية، وسيعلم الشعب مع الوقت من هو التنظيم الأكثر أمانة والأكثر دفاعا عن مصالحه، وهذا يحتاج لتجربة الأشخاص والأحزاب والجمعيات والنقابات وكل التكوينات الأهلية وليس مجرد الأحزاب فقط بل حتى الحركات الصوفية، بشرط أن تكون تكوينات شعبية حقيقية ليس للدولة تدخل فيها. المهم أن تبقى هناك انتخابات حقيقية ونترك الشعب يجرب حتى لو أخطأ، والخائف من اختيار الشعب مستبد يخاف على استبداده وليس على المجتمع.
* ما الذي يفترض على القوى الوطنية أن تفعله إنقاذا للوطن؟
- تشغل نفسها بأهداف المجتمع وسياساته المستقبلية وكيف يمكن حل مشاكلنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولدينا مهنيّون كُثُر يمكنهم المساهمة في هذا الأمر. وعلى الدولة أن تفتح الحريات التنظيمية الكاملة في جميع مجالات العمل الاجتماعي والسياسي. نحن نترك حريات كاملة لرأس المال أن يعمل في أي مجال، فلنترك العمل الاجتماعي والسياسي يعمل في جو من الحرية الكاملة.
* هل ترى في انتخابات 2018 فرصة لحلحلة الأوضاع؟
- لم أجد في واقعنا الحاضر ما يعتبر أملا لتغيير يحدث في 2018.
* قدمت مع مجموعة من المفكرين مبادرة للحل في 2013، ما الذي طرحتموه وما كان مصيرها؟
- ذهبت هباء منثورا.
* ما هي رؤيتك لحل الأزمة المصرية؟
- لا بد أن نهتم بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمشتغلون عليها كثيرون، ونحتاج لإثارة النقاش حولها وتنفيذها متاح وميسّر، ولكن هذا مرتبط بحرية تكوين التنظيمات الشعبية والأهلية دون سيطرة الدولة عليها في المجالات كافة.
* هل يمكن أن تحدث مصالحة بين أطراف الأزمة؟
- أدعو إلى المصالحة بين أطراف الأزمة، على أساس إتاحة الحريات التنظيمية ومراجعة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في إطار من التقبّل لكل الاتجاهات المعبرة عن نفسها في الواقع المصري سياسيا وثقافيا واجتماعيا، ومحاولة إدراك المشتركات بينها لتكوين ما يمكن أن أكون مهتما بالدعوة إليه لتَشَكّل تيار أساسي للأمة في إطار المشتركات الوطنية العامة التي يتحقق بها الصالح العام لفئات الشعب كافة، وذلك مع الالتزام بأساليب العمل السياسي السلمية التي لا تعرف مصر غيرها، للوصول إلى هذا التيار الأساسي، ولإدراك المشتركات العامة دون نفي لاتجاهات ولا لجماعات مما تتشكّل منه الأمة.
تعليقات