مذبحة 1842..عندما مَرَّغَ الأفغانُ شرفَ الإنجليز!

 


انتهت الهجمة البريطانية على أفغانستان بكارثة عام 1842م،عندما ذُبِح جيشٌ بريطانيٌ كامل في أثناء انسحابه نحو الهند. استطاع رجلٌ واحدٌ النجاة وعاد إلى المنطقة التي تُسيطر عليها بريطانيا. وقد افترض العديدون أن الأفغان هم من سمحوا لهذا الرجل أن يعيش ليحكي قصة ما حدث.

ترسم المنافسة الجيوسياسية الضارية في جنوبي آسيا خلفية هذه الكارثة العسكرية الصادمة، وقد أُطلِق على هذه المنافسة في آخر المطاف اسم “اللعبة الكبرى”. وقد كانت الإمبراطورية البريطانية في بواكير القرن التاسع عشر الميلادي تحكم الهند (من خلال شركة الهند الشرقية)، في حين كانت الإمبراطورية الروسية إلى الشمال تُخطِّط لمشاريعها الخاصة بشأن الهند.

كان البريطانيون يريدون غزو أفغانستان لمنع الروس من الغزو والتمدُّد باتجاه الجنوب عبر المناطق الجبلية التي تُفضي إلى “الهند البريطانية”. وقد كانت الحرب الإنجليزية الأفغانية الأولى، التي بدأت في أواخر ثلاثينات القرن التاسع عشر الميلادي، أحد الانفجارات المُبكِّرة في هذا الصراع الملحمي. فلحماية ممتلكاتها في الهند، تحالفت بريطانيا مع الحاكم الأفغاني دوست محمد، الذي وحَّد الفصائل الأفغانية المُتحارِبة بعد أن تولَّى زمام السلطة عام 1818م، وبدا أنه يقوم بخدمات مفيدة للبريطانيين. إلَّا أنه في العام 1837م، أصبح من الجلِّي أن دوست محمد يُغازل الروس.

الهجمة البريطانية على أفغانستان

بريطانيا تغزو أفغانستان

قرَّر البريطانيون غزو أفغانستان، وانطلق جيش السند –وهو قوة مُكوَّنة من أكثر من 20 ألف جندي بريطاني وهندي- نحو أفغانستان في أواخر عام 1838م. وبعد رحلة شاقة عبر ممرات الجبال، وصل البريطانيون إلى كابول في إبريل/نيسان من عام 1839م، وزحف الجيش بلا مقاومة وتوغَّل داخل العاصمة الأفغانية.

أطاح البريطانيون بالحاكم الأفغاني دوست محمد، ونصَّبوا بدلاً منه شاه شوجا، الذي كان قد أُطيح به من السلطة منذ عقود.

كانت الخطة الأصلية تقضي بسحب كل القوات البريطانية، لكن قبضة شاه شوجا على السلطة كانت مهتزة، وهكذا ظلَّت فرقتان من القوات البريطانية في كابول.

صاحَب الجيش البريطاني شخصيتان رئيستان كان تعيينهما في الأساس لإرشاد وتوجيه حكومة شاه شوجا، وهما سير ويليام ماكنوتِن وسير ألكسندر بيرنز. كان الرجلان ضابطيْن شهيريْن وأصحاب خبرة سياسية هائلة. وقد عاش بيرنز في كابول سابقًا، وكتب كتابًا عن الوقت الذي أمضاه هناك. كان بإمكان القوات البريطانية التي بقيت في كابول أن تنتقل إلى قلعة قديمة تُشرِف على المدينة، لكن شاه شوجا اعتقد أن ذلك قد يُظهِر سيطرة البريطانيين. لذا بدلاً من ذلك، بنى البريطانيون معسكرًا كبيرًا جديدًا (أو قاعدة) ثبت فيما بعد أنه من الصعب الدفاع عنه (أو عنها). كان سير ألكسندر بيرنز يشعر بثقةٍ كاملة، حتى إنه عاش خارج المعسكر بمنزل في كابول.

الجيش البريطاني في أفغانستان

ثورة الشعب الأفغاني

استاء الشعب الأفغاني بعمق من وجود القوات البريطانية، وتصاعدت التوترات ببطء. وعلى الرغم من تحذيرات الأفغان الودودين من أن الثورة أمر محتوم، فإن البريطانيين كانوا غير مُستعدِّين في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1841م عندما اندلعت انتفاضة مُسلَّحة في كابول.

أحاط حشدٌ من الجماهير بمنزل سير ألكسندر بيرنز، فحاول الدبلوماسي البريطاني أن يعرض أموالاً على الحشد مقابل أن ينصرفوا، إلَّا أن ذلك كان بلا فائدة. وهكذا، اجتيح المبنى السكني ذو التحصين الخفيف، وقُتِل بيرنز وأخوه بنحوٍ وحشيٍّ.

كانت أعداد القوات البريطانية في المدينة أقل كثيرًا من أعداد الجماهير الثائرة، ولم تكُن قادرة على الدفاع عن نفسها كما ينبغي عندما حوصر المعسكر.

جرى الإعداد لهدنة في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني وبدا أن الأفغان أرادوا ببساطة أن يغادر البريطانيون البلاد. لكن التوترات تصاعدت عندما ظهر محمد أكبر خان، ابن دوست محمد، في كابول واتخذ موقفًا أكثر تشدُّدًا.

البريطانيون يلوذونَ بالفرار

قُتِلَ السير ويليام ماكنوتِن، الذي كان يحاول التفاوض للخروج من المدينة في 23 ديسمبر/كانون الأول عام 1841م، ويُقال إن محمد أكبر خان هو من قتله بنفسه. وبطريقةٍ ما، نجح البريطانيون -الذين كان موقفهم يائسًا– أن يتفاوضوا على اتفاقية تُمكِّنهم من مغادرة أفغانستان.

وفي السادس من ينايرعام 1842م، بدأ البريطانيون الانسحاب من كابول. وغادر المدينة نحو 4500 جندي بريطاني و12 مدنيًّا تبعوا الجيش البريطاني إلى كابول. وكانت الخطة تقضي بالزحف إلى جلال أباد، التي تبعُد نحو 90 ميلاً (145 كيلومترًا).

دوست محمد خان

كان للانسحاب في الطقس قارس البرودة ثمنًا فوريًّا، ومات العديد من جرَّاء التعرُّض للبرودة في الأيام الأولى. ورغم الاتفاقية، فقد تعرَّض الجيش البريطاني للهجوم عند وصوله إلى الممر الجبلي خورد كابول، وأصبح الانسحاب مذبحة كبيرة.

دماء فوق الممَّرات 

نشرت مجلة “دورية الأمريكي الشمالي”، التي يقع مقرَّها في مدينة بوسطن الأمريكية، تقريرًا شاملاً على نحو ملحوظ في حينه، تحت عنوان “الإنجليز في أفغانستان” بعد 6 أشهر، في يوليو/تموز من عام 1842م. وتضمَّن التقرير هذا الوصف الحي:

“في السادس من يناير/كانون الثاني عام 1842م، بدأت قوَّات كابول في انسحابها خلال الممَّر الموحِش، الذي قُدِّر أن يكون مقبرة تلك القوات. ففي اليوم الثالث هاجم رجال الجبال القوَّات من جميع الاتجاهات، ونتجت عن ذلك مذبحة مخيفة…

استمرت القوَّات في المسيرة، ونتج عن ذلك مشاهد مريعة: فلا يوجد طعام، وهناك جثث مُشوَّهة ومُقطَّعة إربًا، وكل فرد يهتم فقط بنفسه، وكل المرؤوسين هربوا، وكانت هناك تقارير تُشير إلى أن جنود الفوج الرابع والأربعين الإنكليزي قد صرعوا ضُبَّاطهم باستخدام مُؤخِّرات بنادقهم.

وفي الثالث عشر من يناير:كانون الثاني، بعد 7 أيام وحسب من بدء الانسحاب، شوهِد رجلٌ وحيد، مُمزَّق الثياب وتُغطِّيه الدماء، يمتطي مُهْرًا بائسًا، ويُطارده بعض الفرسان، يحُث مهره بشراسة عبر سهول جلال أباد. كان هذا الرجل هو الدكتور بريدون، الشخص الوحيد الذي قصَّ حكاية ممر خورد كابول”.

شاه أمام المحكمة في كابول

ناجٍ وحيد؟!

بدأ أكثر من 16 ألف شخص رحلة الانسحاب من كابول، وفي النهاية، نجح رجلٌ واحد في الوصول حيًّا إلى جلال أباد، هو الدكتور ويليام بريدون، جرَّاح الجيش البريطاني.

أضاءت الحامية في جلال أباد نيران الإشارة وأطلقت النفير، لإرشاد بقية الناجين البريطانيين إلى سبيل النجاة. لكن بعد عدة أيام أدركت الحامية أن بريدون هو الناجي الوحيد.

استمرت أسطورة الناجي الوحيد في الانتشار. ففي سبعينات القرن التاسع عشر الميلادي، رسمت الرسَّامة البريطانية إليزابيث ثومبسون، سيدة بَتْلَر، لوحة درامية لجندي على فرسٍ يحتضر يُقال إنها مبنية على قصة بريدون.

وهذه اللوحة التي عنوانها “بقايا جيش”، هي من مُقتنيات معرض “تيت” في لندن.

ضربة قاسية لكبرياء التاج

كانت خسارة الكثير من القوَّات أمام رجال القبائل الجبلية –بالطبع– إذلالاً مريرًا للبريطانيين. ومع خسارة كابول، شُنَّت حملة لإخلاء بقية القوَّات البريطانية من الحاميات الموجودة في أفغانستان. ومن ثَمَّ، انسحب البريطانيون من كامل بلاد الأفغان.

وفيما ظلَّت الأسطورة الشعبية التي تقول إن الدكتور بريدون هو الناجي الوحيد من الانسحاب المُروِّع من كابول، فإن بعض أفراد القوَّات البريطانية وزوجاتهم احتفظ بهم الأفغان كرهائن، وأطلقوا سراحهم لاحقًا. كما ظهر بعض الناجين كذلك بمرور السنين.

وفي أحد التقارير المذكورة في كتاب “في تاريخ أفغانستان” الذي ألَّفه الدبلوماسي البريطاني السابق سير مارتِن إيوانز، يدَّعي المُؤلِّف أنه في عشرينات القرن العشرين تسلّم الدبلوماسيون البريطانيون امرأتيْن عجوزيْن، وعلى نحوٍ مذهل، اتضح أنهما كانتا ضمن القوَّات المُنسحِبة وهما طفلتيْن رضيعتيْن، ويبدو واضحًا أن آباءهما البريطانيين قد قُتِلوا، إلَّا أن عائلات أفغانية أنقذتهما وتكفَّلت بتربيتهما.

ورغم كارثة العام 1842م، لم يفقد البريطانيون أمل السيطرة على أفغانستان، وقد أمَّنت الحرب الإنجليزية–الأفغانية الثانية بين عاميْ 1878- 1880م حلاً دبلوماسيًّا حافظ على تأثير الروس خارج أفغانستان لما تبقَّى من القرن التاسع عشر الميلادي.

تأليف:
روبرت ماكنمارا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أفغانستان بين الماضي والحاضر

الإثنين 06/ سبتمبر/2021 

وأنا أطالع أحد المواقع الإخبارية وقع بصري علي صورإ ترجع لستينات وسبعينات القرن الماضي  لافغانستان صورقديمة تاريخيا كانت انعكاس لانفتاح حضاريا علي كل مظاهر الحياة الحديثة  لدولة افغانستان ومظاهر تقدم علمي  تتشارك فيها المراة والرجل في صنع المستقبل والتنمية صورة لبلد جميل وبمقارنتها بما يحدث الان ندرك الهوة الكبيرة والتغيير الجذري على الفسيفساء الدينية للشعب الأفغاني وكيف كان وماذا اصبح.

في اواخر السبيعينات وتحديد1979حدث الغزوالسوفيتي لمحاولة لفك طوق الولايات المتحدة في جنوب آسيا ووأد حركات التحرركي لاتنتقل الي دول اسيا الوسطي المجاورة والتي كانت جزء من الامبراطورية السوفيتية في ذلك الوقت اضافة التي التنافس مع الولايات المتحدة الامريكية علي منابع النفط في اطار الحرب الباردة ورغبةموسكو في تثبيت دعائم الحكومة الشيوعية التابعة لهم في افغانستان والتي تعرضت لتهديدات بسبب الحركات الاحتجاجية.

استمر هذا التدخل لمدة عشر سنوات والذي كان من ابرز نتائجه تبلورملامح ايدلوجية جديدة عنوانها الابرز الدين فمع بدء الحرب السوفيتية الأفغانية دخلت مفاهيم مثل الجهاد والمجاهدين إلى التداول بمساهمة كبيرة وفاعلة من وسائل الإعلام الغربية والامريكية ورغم ان هذه المفاهيم  كانت خاصة بالشعب الأفغاني الا انه جري تعميمها لإيجاد وعي في العالم الإسلامي ضد الغزو الشيوعي ومع زواله جرت شيطنة هذه المفاهيم من قبل وسائل الإعلام نفسها التي روجت لها وفق استراتجية تحقيق الاهداف.

وارتبط ميلاد المليشيات الدينية المتطرفة بالغزوالسوفيتي من مبدأ تم ترويجه مستخدما العزف علي وتر العقيدة فالذي حدث هواحتلال شيوعي كافر لدولة مسلمة سنية هي أفغانستان وكان لابدمن مقاومة الاحتلال ومن هنا تشكلت الجماعات السلفية الجهادية وظهرلاول مرة مصطلح المجاهدين وبدات معسكرات المجاهدين في باكستان وأفغانستان تستقبل العديد من المتطوعين من كافة انحاء العالم لتلقي تدريب على حرب العصابات برعاية امريكية.

فواشنطن استوعبت درس فيتنام جيدا والرأي العام الأميركي لن يقبل مواجهة مباشرة اوخسائر أخرى في صراع القوى العظمى ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان فكانت فكرة المحاربة بأيدي الآخرين كأحد أنواع الحرب بالوكالة.
ونجحت امريكا واستطاع مجموعة المجاهدين ان يكبدوا الدب الروسي خسائر فادحة وكان المستنقع الافغاني او حرب فيتنام السّوفيتي  من أهم العوامل التي ساهمت في انهيار الاتّحاد السّوفيتي فقد احدثت حالة من الانهيار الداخلي في المعسكر الشيوعي.

وانسحبت موسكو بعد 10سنوات تاركة القوات الحكومية برئاسة محمد نجيب الله وحدها في المعركة ضد المتمردين التقليدين علي الاوضاع السياسية والمجاهدين بالوكالة تصارع حتي وصلت لنهاية الطريق بانفراط العقد واصبحت افغانستان ملعب دولي واقليمي تستخدم فيه كافة اوراق اللعب لتغيير وجه العالم وكان الحرب السوفيتة الافغانية نقظة بدء لها ما بعدها.

وبعد انهيارحكومة نجيب الله عام 1992 بدات الجماعات الاصولية تتطلع لدور اكبر لها وبالفعل وقعت افغانستان في برائن حرب اهلية درات رحاها عدة سنوات حتي استطاع مجموعة من طلبة المدراس الدينية عام1996 ان يسيطروا علي معظم البلاد ويصلوا لمقاليد السلطة ويبايعوا الملا محمد عمر اميرا لهم ويبدأ كتاب التاريح ليسطر فصلا جديدا لامارة طالبان.    

اكتسبت الجماعات الدينية خبرة قتالية كبيرة في حرب العصابات وفي بيئة قتالية صعبة مما أدى الى توجه فائض القوة ضد الغرب والولايات المتحدة  وجاءت احداث 11سبتمبرالتي قد تكون نفذت بايدي الجماعات الاصولية لكن يظل المدبر وراء الستار وسيناريوهات مفتوحة علي كل الاحتمالات.

وكان11ستنمبرهو مفتاح التغلغل الامريكي لمنطقة الشرق الاوسط بحجة الحرب علي الارهاب والبداية أفغانستان ثم العراق ثم سوريا وتوالت حلقات المسلسل الدموي بظهور تنظيم الدولة الإسلامية داعش  وغيره من التنظيمات والحركات التي ما زالت تتوالى على الشرق الأوسط وكان الدين هو الستار رغم دموية هذه الجماعات البعيدة كل البعد عن وسطية ومنهج الدين الا ان القوي الدولية استطاعت ان توظفها كادوات ضغط سياسي وعقائدي من خلال فتن طائفية موجات ثورية ومن ثم جني مكاسب سياسية واقتصادية طائلة.

وهكذ اصبحت أفغانستان مسرحا لحرب جديدة بالوكالة وقبلة حاضنة للجماعات المتشددة تحت مسميات مختلفة ابرزها طالبان والقاعدة والذي تم استخدامهم من قبل لاعبين دوليين في تنفيذ مخططات زعزعة امن المنطقة العربية والشرق الاوسط وواصلت تلك الجماعات جهادها المزعوم سواء في أفغانستان اوخارجها وأصبح الآلاف من العرب المجاهدين الذين غادروا أفغانستان قادة مؤهلين ومنظرين دينين واذرع عسكرية يلعبون أدوارا بالوكالة تحت مسميات وايدلوجيات مختلفة شاهدناها في البوسنة والشّيشان والجزائر في التسعينات ومصر في شكل موجات ارهابية لم تنجح بفضل جيشها وشعبها ومؤسساتها .وللحديث بقية



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان