سلطان العلماء العز بن عبد السلام خرج من بيت المقدس إلى مصر واستقبله نجم الدين أيوب وأحسن استقباله

 



خرج العز بن عبد السلام من بيت المقدس إلى مصر واستقبله نجم الدين أيوب وأحسن استقباله وجعله في مناصب ومسؤوليات كبيرة في الدولة وكان المتوقع أن يقول العز بن عبد السلام: هذه مناصب توليتها ومن المصلحة أن أحافظ عليها حفاظًا على مصالح المسلمين وألاَّ أعكِّر ما بيني وبين هذا الحاكم خاصة أن الملك الصالح أيوب .
مع أنه رجل عفيف وشريف إلا أنه كان رجلاً جبارًا مستبدًّا شديد الهيبة حتى إنه ما كان أحدٌ يستطيع أن يتكلم بحضـرته أبدًا ولا يشفع لأحد ولا يتكلم إلا جوابًا لسؤال حتى إن بعض الأمراء في مجلسه يقولون: والله إننا دائمًا نقول ونحن في مجلس الملك الصالح أيوب: لن نخرج من المجلس إلا إلى السجن فهو رجل مهيب وإذا سجـن إنسانًا نسيـه ولا يستطيع أحد أن يكلِّمه فيه أو يذكره به وكان له عظمة وأبهة وخوف وذعر في نفوس الناس سواءً الخاصة منهم والعامة.

  فماذا كان موقف العز بن عبد السلام معه؟ 

في يوم العيد خرج موكب السلطان يجوس في شوارع القاهرة والشرطة مصطفّون على جوانب الطريق والسيوف مُسلطة والأمراء يقبّلون الأرض بين يدي السلطان هيبة وأبهة (وهذه كانت عادة سيئة موجودة عند الأمراء في ذلك الوقت) وهنا وقف العز بن عبد السلام وقال:

 يا أيوب (هكذا باسمـه مجردًا بلا ألقاب) فالتفت الحاكم ليرى: من الذي يخاطبه باسمه الصريح بلا مقدمات ولا ألقاب؟ ثم قال له العزّ: ما حُجَّتُك عند الله – عز وجل – غدًا إن قال لك: ألم أُبَوِّئْكَ ملك مصر فأبحت الخمور؟ فقال: أويحدث هذا في مصر؟ 

قال: نعم في مكان كذا وكذا حانة يباع فيها الخمر وغيرها من المنكرات وأنت تتقلّب في نعمة هذه المملكة؟ فقال: يا سيدي أنا ما فعلت هذا إنما هو من عهد أبي. فَهَزَّ العز بن عبد السلام رأسه وقال: إذن أنت من الذين يقولون: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ) فقال: لا أعوذ بالله وأصدر أمرًا بإبطالها فورًا ومنع بيع الخمور في مصر.

 رجع العز بن عبد السلام – رحمه الله – إلى مجلسه يعلِّم الطلاب ويدرِّسهم وكان يعلمهم مواقف البطولة والشجاعة كما يعلمهم الحلال والحرام ويعلمهم الغَيْرة على الدين مثل ما يعلمهم الأحكام إذ ما قيمة أن يوجد طالب يحفظ القرآن والصحيحين والسنن وكتب الفقه والحديث ومع ذلك هو ميت الغيرة على الإسلام لا يغضب لله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – ولا يَتَمَعَّر وجْهُهُ إذا رأى المنكر ويَتَطَلَّعُ لمنازل الصِّديقين والشهداء؟ 

ما قيمة هذا العلم؟ وعندما رجع العز بن عبد السلام إلى مجلس درسه جاءه أحد تلاميذه يقال له: الباجي يسأل: كيف الحال؟ قال: بخير والحمد لله. قال: كيف فعلت مع السلطان؟ قال: يا ولدي رأيت السلطان وهو في أبّهة وعظمة فخشيت أن تكبرَ عليه نفسه فتؤذيه فأردت أنْ أهينها.

 إذن العزّ بن عبد السلام أعلن هذا الأمر على الناس لأنه يريد أن يربي السلطان ويقصد إنكار مُنْكَرَيْن في وقت واحد: المنكر الأول: الحانة التي يباع فيها الخمر. والمنكر الثاني: هو هذا الغرور وهذه الأبهة والطغيان الذي بدأ يكبر في نفس الحاكم فأراد أن يقتلعه ويزيله من نفسه لذا قال العز: "لئلاّ تكبر عليه نفسه فتؤذيه". فقال له تلميذه الباجي: يا سيدي أما خِفْتَه؟ قال: "لا والله يا بني استحضرت عظمة الله – عز وجل – وهيبته فرأيت السلطان أمامي كالقط!

 من مواقفه الشهيرة أيضًا والتي اصطدم فيها مع الصالح أيوب نفسه أنه لما عاش في مصر اكتشف أن الولايات العامة والإمارة والمناصب الكبرى كلها للمماليك الذين اشتراهم نجم الدين أيوب قبل ذلك، ولذلك فهم في حكم الرقيق والعبيد ولا يجوز لهم الولاية على الأحرار فأصدر مباشرة فتواه بعدم جواز ولايتهم لأنهم من العبيد

وكان كلما جاءته رقعة فيها بيع أو شراء أو نكاح أو شيء من هذا للمماليك الذين لم يُحرروا أبطلها وقال: هذا عبد مملوك حتى لو كان أميرًا وكبيرًا عندهم أو قائدًا في الجيش يَرُدُّه إذ لابد أن يُبَاع ويحرَّرَ وبعد ذلك يُصَحِّحُ بيعهم وشراءهم وتصرفاتهم كلها أما الان فهم عبيد.

 واشتعلت مصر بغضب الأمراء الذين يتحكمون في كل المناصب الرفيعة حتى كان نائب السلطان مباشرة من المماليك وجاءوا إلى الشيخ العز بن عبد السلام وحاولوا إقناعه بالتخلي عن هذه الفتوى ثم حاولوا تهديده ولكنه رفض كل هذا – مع أنه قد جاء مصر بعد اضطهادٍ شديد في دمشق – وأصرَّ على كلمة الحق. 

فرُفع الأمر إلى الصالح أيوب فاستغرب من كلام الشيخ ورفضه، فهنا وجد الشيخ العز بن عبد السلام أن كلامه لا يُسمع فخلع نفسه من منصبه في القضاء فهو لايرضى أن يكون صورة مفتي وهو يعلم أن الله عز وجل سائله

وركب الشيخ العز بن عبد السلام حماره ليرحل من مصر وخرج خلف الشيخ العالم الأمة كلها حتى ذكر المؤرِّخون أنه خرج ورائه العلماءُ والصالحون والعباد والرجال والنساء والأطفال وحتى الذين لا يؤبه لهم -هكذا تقول الرواية - مثل: النجارين والصباغين والكناسين وخرج كل أصحاب الحرف والمهن -الشريفة والوضيعة- الجميع خرجوا وراء العز بن عبد السلام في موكب مهيب رهيب.

 ووصلت الأخبار إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب فأسرع بنفسه خلف الشيخ العز بن عبد السلام واسترضاه فقال له العزُّ: إن أردت أن يتولى هؤلاء الأمراء مناصبهم فلابد أن يباعوا أولاً ثم يعتقُهُم الذي يشتريهم ولما كان ثمن هؤلاء الأمراء قد دُفع قبل ذلك من بيت مال المسلمين فلابد أن يرد الثمن إلى بيت مال المسلمين. 

ووافق الملك الصالح أيوب وفعلاً فَعَلَها العز بن عبد السلام – رحمه الله – قام وجمع هؤلاء وأعلن عنهم وبدأ يبيعهم وكان لايبيع الواحد منهم إلا بعدما يوصله إلى أعلى الأسعار فلا يبيعه تَحِلَّةَ القسم وإنما يريد أن يزيل ما في النفوس من كبرياء فكان ينادي على الواحد بالمزاد العلني وقد حكّم مجموعة من العلماء والمؤرخين بأن هذه الواقعة لم يحدث مثيل لها في تاريخ البشرية كلها.

سلطان العلماء هو "أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن مهذّب السُلمي.. 

حيث لُقّب بهذا اللقب عن طريق تلميذه الأول وهو شيخ الإسلام ابن دقيق العيد، وقد ذُكر سببان لذلك اللقب؛ الأول أنه رفع مكانة العلماء وأكّدها، أما السبب الثاني أنه استمر بالتجديد وابتعد عن التقليد، كما أنه تمكن من الوصول إلى مرتبة الاجتهاد.

وقد ولد أبو محمد عز الدين في مدينة دمشق، وهو من أصل مغربي، ووافته المنية في جمهورية مصر العربية، كما عُرف باسم العز بن عبد السلام، وكان يُلقب بعدة ألقاب غير سلطان العلماء مثل: بائع الأمراء، كما أنه كان يتبع المذهب الشافعي. 

نشأة العز بن عبد السلام ومولده ولد العز بن عبد السلام في محافظة دمشق في الجمهورية السورية عام 577 هجري، وقد قيل أيضاً أنه ولد في عام 578 هجري، حيث نشأ في عائلة فقيرة، وكان أباه يصول ويجول جميع الأسواق بحثاً عن عمل،

 وحينما كبُر العز أصبح يذهب برفقة والده لتقديم المساعدة له، فقد كان يمد له يد العون في الأعمال التي تحتاج جهداً بدنياً مثل أعمال إصلاح الطرق، وكان يحمل الأمتعة في الأعمال التي تتطلب أمتعة ثقيلة، كما كان ينظّّف الواجهة الأمامية لبعض المحلات التي يملكها تجار من البلدة.


 ولكن لم يلبث العز حتى بقي وحيداً بلا أب، فقد مات والده وبقي العز يتيماً لا يملك طعاماً أو مأوى، ولم يعد يستطيع القيام بأعمال والده كالسابق حتى قابل شيخاً فاضلاً توسّط له وأمن له وظيفة في الجامع الأموي، فأصبح العز يساعد كبار السن في أعمال التنظيف ويساعدهم على حماية نعال المصلين أو الأشخاص القادمين للمسجد لحضور الحلقات الدينية التي تقام هناك، مع تأمين مكان النوم له، فقد سُمح له بالنوم في زاوية من زوايا الجامع على الرخام. 

حياة العز بن عبد السلام وتعليمه بسبب الوضع المادي الذي كان يتعرض له العز بن عبد السلام في صغره لم يستطع بأي شكل من الأشكال أن يكمل تعليمه، فكان أثناء فترة عمله في الجامع الأموي يشاهد الحلقات العلمية التي كانت تقام في المسجد.

 وكان من بين الطلبة المتواجدين فيها من هم في نفس سنّه أو أصغر منه، وكانت إحدى أمنياته الانضمام إليهم والتواجد معهم في تلك الحلقات، وفي يوم من الأيام رآه الشيخ الذي تواسط له لدخول الجامع وهو يبكي بسبب عدم إمكانيته للانضمام إلى تلك الحلقات العلمية، ومنذ ذلك اليوم تعهد الشيخ أن يهتم به ويتحمل عبأه حتى يكمل تعليمه.

 حين بدأ العز بن عبد السلام بالتعلّم أقبل بشغف كبير على التعليم، والقراءة، والكتابة، وحفظ القرآن، وبعد أن اطمأن الشيخ على العز وتأكد من أنه أتم حفظ القرآن وأتقن تجويده، وأتقن كذلك القراءة والكتابة وأصبح يمتلك الخط الجميل، أخبره بأنه سوف يسمح له بمشاركة الطلبة الآخرين حلقته.

 كما أنه تكفّل بشراء ثوب جديد له يمكّنه من القدوم إلى الحلقة العلمية خاصته، ثمّ أكمل بعدها العز بن عبد السلام تعليمه في مدينة دمشق التي كانت تعتبر من المدن المليئة بالعلماء خلال العصر الأموي وما بعده، وكان يأتيها العلماء من شرق العالم وغربه طلباً للعلم.

 لمّا كبُر العز وأصبح شيخاً له مكانته بين العلماء اتّصف بصفات عديدة، مثل الشجاعة والجرأة الكبيرة؛ فلم يخشَ من قول الحق، وأمر به ونهى عن المنكرات، كما ساعد بإعادة الإنكار العلمي على كل من السلاطين والأمراء، وكان يستخدم هذا الأسلوب معهم في الغالب وبشكل علني، فهذه الصفات التي كان يحملها العز هي ذاتها الصفات التي كان يمتلكها الصحابة رضوان الله عليهم، وقد كان ينكر أعمال بعض أعالي القوم والملوك وغيرهم بشكل علني وواضح، ومن بعض فوائد هذا الإنكار.

أنّ في ذلك عذراً للعالم أنه أنكر التصرّف ورفضه، ولكن الشخص الآخر لم يطعه فبالتالي لا يستطيع أي أحد لومه. قد يؤدي إلى جعل البشر يتبعون منهج هذا العالِم إذا ما رأوه لا يخشى قول الحق ويمتلك الشجاعة لذلك. كما كان لديه مواقف كانت توصف بأنها خيالية وعجيبة، ولولا أنه تمّ كتابتها من قِبل العلماء الذين كانوا في زمانه وعاشوا معه لقيل إنها أعجوبة.

مكانة العز بن عبد السلام عند الأمة 

لقد كان للشيخ العز بن عبد السلام مكانة كبيرة لدى جميع البشر، فقد كان بمثابة الحلقة الواصلة بين الحكام والمحكومين، وذلك لأن الحكام يحتاجونه في تأييدهم وكسب الناس في صفهم، لذلك كان الملوك حينما يتولون الحكم بشكل رسمي يبايعونه قبل أي شخص آخر، ثم من بعدهم الوزراء، ثم بعد ذلك يبايعه الناس.

 كان العلماء يدركون جيداً أنهم لا يستطيعون حكم هذا الشعب إلا إذا اتبعوا نهج العلماء وأرضوهم، حيث إنهم يعتبرون الواسطة بين الأمة والحكام، حيث كان الحكام يحتاجون العلماء، وفي الوقت ذاته يحتاجهم الشعب بسبب امتلاكهم مطالب كثيرة لا يستطيعون إيصالها للحاكم بأنفسهم فينوب عنهم العالِم في ذلك، فقد كان العالِم مناصراً لمصلحة الشعب سواءً كانت مصالح عامة أو خاصة.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

الكلمات:القدسُ وعكّا نحنُ إلى يافا في غزّةَ نحنُ وقلبِ جِنين الواحدُ منّا يُزهرُ آلافا لن تَذبُل فينا ورقةُ تين ما هان الحقُّ عليكِ ولا خافَ عودتُنا إيمانٌ ويقين لن نسكتَ لن نستسلمَ لا لا لا لا نفديكِ لنحيا يا فلسطين فلسطين بلادي نحملُها جُرحاً أو أملا لا لا لا ورح نبقى فيها ليوم الدين فلسطين بلادي كي تُشرقَ شمسُكِ فوقَ أمانينا وينامَ صغارُكِ مُبتسمين ونراكِ بخيرٍ حين تُنادينا لعمارِ بُيوتٍ وبساتين سنعيدُكِ وطناً رغم مآسينا أحراراً نشدو متّحدين لن نسكتَ لن نستسلمَ لا نفديكِ لنحيا يا فلسطين فلسطين بلادي نحملُها جُرحاً أو أملا لا ورح نبقى فيها ليوم الدين فلسطين بلادي#palestine #فلسطين

العالم روبرت غيلهم زعيم اليهود في معهد ألبرت أينشتاين، والمختص في علم الأجنة أعلن إسلامه بمجرد معرفته للحقيقة العلمية ولإعجاز القرآن