التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مهاتير محمد والتجربة الماليزية الرائدة وتجربة تركيا

 

 من هو مهاتير محمد؟

في عام 1970 كتب الدكتور مهاتير محمد كتابا بعنوان "معضلة المالايو" انتقد فيه بشدة شعب المالايو واتهمهه بالكسل، والرضا بان تظل بلاده دولة زراعية متخلفة دون محاولة تطويرها.

وقرر الحزب الحاكم في ماليزيا، والذي يحمل اسم منظمة المالايو القومية المتحدة، منع الكتاب من التداول نظرا للآراء العنيفة التي تضمنها، واصبح مهاتير محمد في نظر قادة الحزب مجرد شاب متمرد لابد ان تحظر مؤلفاته.

غير أن مهاتير سرعان ما أقنع قادة الحزب بقدراته، وصعد نجمه في الحياة السياسية بسرعة، وتولى رئاسة وزراء بلاده من عام 1981 لمدة 22 عاما، وأتيحت له الفرصة كاملة ليحول أفكاره إلى واقع، بحيث أصبحت ماليزيا أحد أنجح الاقتصاديات في جنوب آسيا والعالم الاسلامي.

تحولت ماليزيا في عهد مهاتير محمد من دولة زراعية الى دولة صناعية

نجيب عبد الرازق

فقد تحولت ماليزيا من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية، خاصة القصدير والمطاط، إلى دولة صناعية متقدمة يسهم قطاعي الصناعة والخدمات فيها بنحو 90 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي وكان من نتيجة ذلك ارتفاع معدل دخل الفرد وتراجع الفقر والبطالة في البلاد.

بالطبع لم يتحقق كل هذا من فراغ، بل كان وراءه مجموعة من السياسات التي جعلت ماليزيا تتمتع بأحد أفضل بيئات الاستثمار في جنوب آسيا حسب دراسات البنك الدولي. والأهم من ذلك هو أن الحكومة الماليزية كان لديها دائما تصور أو رؤية للمستقبل.

يقول مهاتير محمد في آخر تقرير له عن الموازنة العامة قبل تقاعده كرئيس للوزراء إن حكومته أدركت تماما أهمية اعتناق قيم إيجابية لتحقيق التقدم المنشود، ولهذا اعتنق سياسة النظر إلى الشرق، والمقصود بها اعتناق قيم العمل السائدة في اليابان وكوريا التي تقوم أساسا على الانضباط الشديد والاخلاص التام لجهة العمل، والحرص على اختيار المديرين ليكونوا قدوة لموظفيهم.

وقد يبدو هذا مخالفا لمفهوم البحث عن قيم التطور في الغرب عموما والولايات المتحدة بشكل خاص، لكن مهاتير رأى دائما أن ثقافة العمل في اليابان بشكل خاص هي الانسب لثقافة وتكوين بلاده.

ومن الامور اللافتة للنظر أيضا في تجربة ماليزيا قدرة المجتمع الماليزي على تجنب الصراعات والخلافات بين المجموعات العرقية الثلاثة المكونة للسكان البالغ عددهم 29.3 مليون نسمة، وهي المالايو الذين يمثلون 58 بالمئة من السكان، والصينيون الذين تبلغ نسبتهم 24 بالمئة، والهنود البالغ نسبتهم 7 بالمئة.

العولمة

أكد مهاتير دائما رفضه لفكرة العولمة حسبما تقدمها أو تفسرها الولايات المتحدة، ذلك لانها ستؤدي إلى فتح أسواق الدول النامية أمام الشركات الامريكية العملاقة التي لا تقوى مؤسسات الدول النامية على منافستها، وينتهي الأمر باستمرار احتكار الشركات الكبرى.

ورأى مهاتير أنه لا يجب أن تقبل أي أفكار أو سياسات لمجرد أنها صادرة من الغرب، وطبق أفكاره عمليا عندما رفض تطبيق السياسات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي أثناء أزمة الاسواق الآسيوية التي طالت دول منطقة جنوب آسيا بما فيها ماليزيا.

مهاتير محمد وزعيمة المعارضة وان عزيزة

صدر الصورة،

REUTERS

التعليق على الصورة،

مهاتير محمد وزعيمة المعارضة وان عزيزة

فقد تعرضت العملة الماليزية، وهي الرينجيت، إلى مضاربات واسعة بهدف تخفيض قيمتها، وظهرت عمليات تحويل نقدي واسعة إلى خارج ماليزيا، وبدا ان النجاح الذي حققته على وشك التحول الى فشل.

وبعد بحث مستفيض للموضوع، اصدر مهاتير مجموعة قرارات تهدف الى فرض قيود على التحويلات النقدية خاصة الحسابات التي يملكها غير المقيمين، وفرض اسعار صرف محددة لبعض المعاملات، وهذا يخالف سياسة تعويم العملة التي يصر عليها صندوق النقد الدولي دائما.

ورغم ضغوط الصندوق، أصر مهاتير على سياسته التي أثبتت الأيام أنها كانت ناجحة حتى أن دولا كثيرة تدرسها وتحاول تكرارها. لكن وسائل الاعلام العالمية، حسبما يقول مهاتير، ترفض الاعتراف بالنجاح الذي حققته ماليزيا في مواجهة الازمة المالية الآسيوية، ولا تظهره بالشكل الكافي.

مشكلات سياسية

أوضح تقرير خاص لمجلة الايكونومسيت عن تجربة ماليزيا في عهد مهاتير محمد أنه على الرغم من النجاح الاقتصادي الذي تحقق، إلا أن تركيز كل السلطات في يد مهاتير لم يسمح بتطور التجربة الديمقراطية في ماليزيا، كما لم يسمح بظهور أي زعيم قوي، وبدا الأمر وكأن مهاتير لن يتقاعد أبدا.

لقد اختار مهاتير في عام 1986 صديقه لسنوات طويلة موسى هيتلم نائبا له، إلا أنه استقال بعد خمس سنوات بسبب خلافه المستمر مع مهاتير، ووصفه الاسبوع الماضي بأنه "رجل عنيد جدا".

ماليزيا

صدر الصورة،

EPA

ثم اختار مهاتير أنور إبراهيم للمنصب الشاغر، وتكرر السيناريو ليرحل إبراهيم بعد خمس سنوات إثر خلافات حادة مع مهاتير، لكن الرحيل هذه المرة كان مدويا إذ صحبته اتهامات لابراهيم بالفساد والمثلية انتهت به الى السجن حتى الآن.

ويرى كثير من المراقبين أن مهاتير قرر انهاء الحياة السياسية لابراهيم بهذه الاتهامات، التي أنكرها ابراهيم باستمرار، بعد أن اشتد الخلاف بين الرجلين.

ثم وقع الاختيار على عبد الله بدوي لخلافة مهاتير، ويبدو أن بدوي تعلم من التجربتين السابقتين فعاش تحت ظلال مهاتير دون خلافات او مشكلات ظاهرة حتى تولى منصب رئيس الوزراء في مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2003.

وبالاضافة إلى مشكلاته السياسية الداخلية أثار مهاتير أيضا جدلا سياسيا خارجيا مستمرا بآرائه التي ينتقد فيها الغرب بشكل عام والولايات المتحدة وأستراليا بشكل خاص، وأخيرا تصريحاته الشهيرة عن اليهود التي قال فيها إن "اليهود يحكمون العالم بالوكالة ويرسلون غيرهم للموت نيابة عنهم".

انتقادات واسعة طالت رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، من أنصار النظام العسكري الحاكم في مصر وأذرعه الإعلامية، إثر "قمة كوالالمبور" الإسلامية المصغرة، وهو ما يخالف الحفاوة الرسمية والإعلامية التي طالما حظي بها مهاتير عند قدومه لمصر سابقا.


وشهدت كوالمبور، منذ الأربعاء، قمة إسلامية مصغرة من قادة ماليزيا وتركيا وقطر وإيران، غاب عنها حلف السعودية والإمارات ومصر، فيما أكد مهاتير محمد، (94 عاما) أن القمة تهدف للنهوض بالأمة الإسلامية.

 وفي هجومها على القمة؛ اتهمت صحيفة "اليوم السابع"، المقربة من جهات سيادية مصرية، الحضور في كوالالمبور، بأنهم زعماء التطرف والإرهاب، وقالت: "قمة كوالالمبور.. زعماء التطرف والإرهاب يبحثون شؤون 1.6 مليار مسلم"، وكتبت: "قمة كوالامبور.. قبلة حياة للإخوان ومخطط لضرب التعاون الإسلامي".


وبنفس الطريق حاولت صحيفة "الفجر"، تشويه زعماء القمة وربطهم بالإرهاب، وقالت بعض عناوينها: "قمة ماليزيا شجاع اليهود ومحفظة إسرائيل للدفاع عن الإسلام"، و"قمة ماليزيا.. إسلامية على الطريقة الإخوانية برعاية تركية"، و"قمة كوالالمبور ضمت داعمي الإرهاب وكلمة أمير قطر نكتة".

تلك الصورة الجديدة بالإعلام المصري تغاير واقع زيارات مهاتير، لمصر بعهد حسني مبارك، مطلع  فبراير 2006، حيث قوبل صانع النهضة الماليزية ورابع رئيس وزراء بها من (1981 إلى 2003)، بكثير من الحفاوة الرسمية والإعلامية.

 

وهي الحفاوة التي تضاعفت كثيرا عند زيارته لمصر، إثر ثورة يناير وتحديدا في حزيران/ يونيو 2011، وجولته بميدان التحرير وسط القاهرة؛ حيث أفردت وسائل الإعلام مساحات واسعة للحديث عن تجربته الاقتصادية، ونقلت صحف القاهرة لقاءاته بالرموز الثورية والوطنية، وخرجت عناوينها لتقول: "الحكومة تستعين بـ مهاتير محمد للمشاركة فى إنقاذ الاقتصاد".

واستلهم الكتاب المصريون بالصحف والمحللون في الفضائيات كثيرا من نجاحاته ودعوا السلطات المصرية حينها للتعلم من تجربته، فيما تسابقت الصحف والفضائيات المصرية للحوار الحصري معه، ومنها "المصري اليوم"، والإعلامية منى الشاذلي.

كما شهدت زيارة مهاتير للقاهرة في مايو 2013، بعهد الرئيس محمد مرسي، حفاوة إعلامية كبيرة، وخرجت وكالة "أنباء الشرق الأوسط" الرسمية بعناوين مثل "مهاتير محمد يزور القاهرة لعرض التجربة الماليزية".

المثير أن إشادة الإعلام المصري بمهاتير محمد، وتجربة ماليزيا، استمرت حتى بعد الانقلاب العسكري، منتصف 2013.

وحمّلت صحيفة "روزا اليوسف" الحكومية والمعروفة بتوجهاتها العدائية للإسلاميين مقالات بعناوين مثل "كيفية الاستفادة من التجربة الماليزية علي الحالة المصرية"، في تموز/ يوليو 2014، وفي نفس التوقيت كتب موقع مصراوي: "ماليزيا ..قصة نهضة بدأها بائع الموز المتمرد".

وقبل عام وفي 9 مايو 2018، أشاد الإعلامي المقرب من السلطات عمرو أديب، عبر فضائية "on"، بعودة مهاتير محمد، لرئاسة وزراء ماليزيا بعد 15 عاما، وطالب العرب بالتعلم من تجربته الجديدة.
فلماذا تغيرت صورة ماليزيا، ومهاتير محمد، في عيون الصحافة والإعلام المصري؟


"التماهي مع السلطة"

وفي إجابته قال الإعلامي والسياسي، ‏أحمد عبدالعزيز، إن"الإعلام المصري غير مهني، فهو منحاز دائما وأبدا، منذ انقلاب يوليو 1952، إلى السلطة وتحديدا الجناح القوي والمسيطر في السلطة".

وأضاف بحديثه لـ"عربي21": "إذن، فهو ليس إعلام الشعب، وإنما إعلام (مَن غلب)؛ وعلى ذلك، فمن الطبيعي أن يتغير موقفه من مهاتير محمد، بتغير (الغالب) في مصر".

وأوضح المستشار الإعلامي السابق للرئيس الراحل محمد مرسي، أنه "أثناء زيارة مهاتير لمصر في 2011، كان الإعلام يتملق الروح السائدة وقتذاك، والتي كانت تنذر بوصول الإخوان المسلمين إلى السلطة، وكذلك في مايو 2013، أي قبل الانقلاب بشهرين ونيّف".

وأكد أن الإعلام المصري اليوم، "يواصل مهمته في التماهي مع السلطة التي تناوئ وتعادي المشروع التركي، وكل ما يتصل به، أو يقيم شراكة استراتيجية معه، وقد كان لافتا بالفترة الأخيرة، التقارب الماليزي التركي في كثير من المواقف، وهذا بالطبع يثير غضب السلطة بمصر، ومن ثم إعلامها".

"من صاحب تجربة إلى شيطان"

وفي تعليقه يرى الكاتب الصحفي قطب العربي، أن "صورة مهاتير تغيرت بالإعلام المصري، نتيجة دعوته للقمة الإسلامية ببلاده، بينما استبعدت مصر من مجموعة المؤسسين لها".

وأكد لـ"عربي21"، أن "الإعلام المصري يعتبر أن كل ما يتم استبعاد مصر منه خطأ يجب محاربته"، مشيرا لحالة "التضافر بين الإعلام المصري والسعودي والإماراتي؛ وأنهم يرون القمة موجهة بجزء منها ضدهم".

وأوضح الكاتب المصري سوء تقدير إعلام الدول الثلاثة، مشدّدا على أن القمة "ليست كذلك وأنها مهتمة بشؤون المسلمين بالعالم وليست ضدهم".

الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى للصحافة سابقا، أشار إلى "حالة الاحتفاء الشديد بمهاتير، أيام مبارك، وإثر الثورة، وفي مقابلة الرئيس مرسي قبل الانقلاب بأسابيع، رغم أنه كان خارج السلطة".

وأوضح أن "الجميع كان يعتبر أنه صاحب تجربة ثرية يجب الاستفادة منها، كما اهتمت النخب المصرية بالاستماع إليه ونقل تجربته؛ لكنه تحول إلى شيطان الآن لمجرد دعوته للقمة ومصر ليست فيها".

وختم العربي بالقول: "وحسب علمي فقد تم توجيه الدعوة لمصر كمشارك ولكن  هناك موقف موحد مع السعودية والإمارت بعدم الحضور، بل وإفشال القمة".

وفي مقال له بصحيفة "رأي اليوم"، قال الصحفي الفلسطيني عبدالباري عطوان، إن "الرّد على قمّة كوالالمبور الإسلاميّة لا يجب أن يكون بتحريضِ الجُيوش الإلكترونيّة على إطلاق صواريخ الشَّتائم والسُّباب على الزّعماء المُشاركين في هذه القمّة، والتّغنّي بأمجاد الماضي، فهذا نهجُ العاجِزين المُفلِسين، وإنّما بإجراء مُراجعات جديدة ونقد ذاتيّ لمعرفة الأسباب التي هيّأت المجال لتهميش أكثر من عِشرين دولة عربيّة إسلاميّة".

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، كال أنصار السيسي، الاتهامات لمهاتير محمد، ووصف الباحث الاقتصادي محمد النجار، عودته للسلطة في سن 94 عاما بأنها "سعار السلطة"، وقال: "هذه مسخرة حقيقية، أعتقد أن هذا رقم قياسي لأي رئيس وزراء في تاريخ العالم".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان