مصطفى كامل كان الناظر إليه وهو في سكينة الاطمئنان وطفرة المسرة يقرأ على جبينه المشرق ومعارف وجهه ما أكنه الغيب

                  



فاطمة عمارة- أمل أبو العلا

استهل أخوه سيرته بأن عائلته استبشرت بمولده لما ظهر من بشارات خير رأتها الأسرة فأسر القلوب جميعاً، ووصفه طفلاً بقوله:"كان الناظر إليه وهو في سكينة الاطمئنان وطفرة المسرة يقرأ على جبينه المشرق ومعارف وجهه ما أكنه الغيب في قلبه من تلك العظمة الوطنية التي امتزجت بروحه أيمّا امتزاج".. إنه باعث الحركة الوطنية، صاحب اللواء، مصطفى باشا كامل.

ولد فى بيت بحي الصليبة بالقاهرة فى 14 أغسطس 1874م، لأسرة عسكرية فوالده على أفندى محمد ضابطا من ضباط الجيش المصري، ورُزق به في سن الستين، وجده لوالدته السيدة حفيظة هو اليوزباشي محمد أفندى فهمي، لُقن القراءة والكتابة على يد مدرس أحضره والده للمنزل، ثم ألحقه بمدرسة عباس باشا الأول، وتوفى والده فى عام 1886م، فانتقل إلى المدرسة الأقرب لمنزل جده لأمه الذى أقام فيه و اخوته، وكفله أخوه الأكبر حسين بك واصف (وزير الأشغال الأسبق)، وحصل على شهادة الابتدائية عام 1887م فى احتفال فخم حضره الخديوى توفيق بنفسه.

التحق بالمدرسة الخديوية أفضل مدارس مصر آنذاك، فظهرت مواهبه، وأسس "جمعية الصليبة الأدبية" عام 1890م وخطب في زملائه فيها، التقي بوزير المعارف على مبارك واشتكي له ظلم نظام الامتحان، حيث أدى إلى رسوبه ورسوب زملائه، وأُعجب به الوزير وعَدل النظام فنجح هو رفاقه، ومنحه على مبارك جنيه شهريل وسجل اسمه في كشوف المعلمين، ونال شهادة الثانوية عام 1891م، ثم دخل بمدرسة الحقوق الخديوية فى نفس العام، وبدأ ينشر رسائل ومقالات في الصحف، ونجح فى امتحان السنة الأولى، ثم التحق بمدرسة الحقوق الفرنسية فى العام التالى مباشرة 1892م ليجمع بين المدرستين ويضاعف دراسته القانونية، ولأنه لا يتقن اللغة الفرنسية كان عليه أن يدرسها ليجيد الكتابة والخطابة بها.

انضم لعدة جمعيات أدبية وخطب فيها ودارت موضوعاته عن مصر والاحتلال والجلاء، وكتب مقالات في عدة صحف وطنية، وأصدر مجلة شهرية باسم "المدرسة" كمجلة ادبية وطنية علمية وكان مديرها ومحررها وصدر أول أعدادها في 18 فبراير 1892م، وسافر يونيو من نفس العام إلى فرنسا ليؤدي امتحان الحقوق الأول بباريس، وحصل على شهادة الحقوق من جامعة تولوز عام 1894م.

عاد إلى مصر وعمل بالمحاماة فترة قصيرة، ثم تفرغ للنضال الوطنى، واهتم بالخطب السياسية بالمنتديات، وألف مسرحية"فتح الأندلس" التمثيلية وهي أول مسرحية مصرية، وكتابًا في حياة الأمم والرق عند الرومان، وأول كتاب سياسى له بعنوان" المسألة الشرقية" عام 1898م، وهو من الكتب الهامة فى تاريخ السياسة المصرية، وهدفت مؤلفاته إلى تحبيب الاستقلال، ودعا إلى إنشاء جامعة وطنية مصرية، وكتب إلى مجلة المؤيد لفتح اكتتاب عام، وأصدر جريدة "اللواء اليومية" عام 1900م.

تقابل مصادفة بالكولونيل بارنج شقيق لورد كرومر، ودار بينهما حديث ذا قيمة كبيرة في العالم السياسي، وترتبت عليه حملة صحفية اشترك فيها فحالفه الفوز، فاتجهت إليه الأنظار، ونشرت جريدة "الأهرام" الصادرة في 28 يناير 1895م مقالًا عنوانه "حديث ذو شأن" موقعًا بإمضاءه "مصطفى كامل" حول ما دار بينه (الشاب المصري) وبين الضابط الإنجليزي من مناقشة أفضى فيها الضابط بكل سياسة إنجلترا في مصر مؤيدة بالدليل القاطع الذي لا يعرف حجة ولا جدلاً، بأن بريطانيا لا تعترف سوى بقوة السيف والمدفع، وقدم المصري الشاب حجة مصر وحقها لنيل هذا الحق على قوته في ذاته، وعلى أوروبا التي لا تنظر إلى إنجلترا في وادي النيل بعين مطمئنة.


كانت المقالة بمثابة نهجه الذي اتبعه في المستقبل وظهر ما قاله فيها مرة أخري في تعليقه على الاتفاق الودي بين فرنسا وإنجلترا، والذي انضمت إليه ألمانيا والنمسا في عام 1904م، فقال: "إن لمصر أن تأمل من أوروبا نجاتها وخلاصها، ولنا أوروبا بأسرها التي تناديها صوالحها العدة بأن تنصرنا نصرة لتلك الصوالح التي سعيتم من يوم احتلالكم البلاد في تقويض أركانها".


تأثرت صحته بنضاله الوطنى في عام 1903م، أصدر جريدة أسبوعية باسم "العالم الاسلامى" لتقوية الروابط بين الشعوب الإسلامية في عام 1905م، ثم سافر إلى أوروبا عام 1906 للاستشفاء، عرض القضية المصرية في فرنسا بلسان الحزب الوطني، ولم يكتف ببلاغته وفصاحة لسانه، فقدم لوحة فنية عبارة عن فرنسا واقفة في قوس نصر قام على نصب رفيع يجري النيل من تحته، وقد قامت مصر على شاطئه مقيدة يحرسها جندي بريطاني، وتقدم جماعة من المصريين إلى فرنسا يستنجدونها لتفك إسار وطنهم، ونقش على اللوحة بالعربية وبالفرنسية هذه الأبيات:

أفرنسا يا من رفعت البلايا عن شعوب تهزها ذكراك

انصري مصر إن مصر بسوء واحفظي النيل من مهاوي الهلاك

وانشري في الورى الحقائق حتى تجتلي الخير أمة تهواك

وطُبعت منها ألوف وُزِعت في أنحاء العالم ونشرت في كل صحيفة خاصة بعد أن قدمها مصطفي كمال برفقة عريضة إلى رئيس مجلس النواب الفرنسي قال فيها:"جاءت الأمة المصرية تستغيث بهذه الأمة الكريمة - فرنسا - التي حررت عدة من الأمم، فهل تجاب إلى استغاثتها وتضرعها؟ وهل لفرنسا أن تؤيد بهذا العمل الجليل مكانتها في العالم الإسلامي الواثق بها؟ على أن ذكر اسم مصر عندما تكون حرة مستقلة بجانب الأمم العديدة التي حررتها فرنسا ليس بالفخار القليل لها، فلتحيا فرنسا محررة الأمم؛ مما احدث ضجة عالمية كبيرة".


أنعم عليه السلطان بالرتب والألقاب حتى بلغ الرتبة الأولى من الصنف الثاني، والنيشان المجيدي الثاني، أسس الحزب الوطنى في عام 1907م، وانتخب رئيساً له طول حياته، ودعا إلى مقاومة الاحتلال والتنديد به فى كل مكان رغم مرضه الشديد وألقى خطبته المشهورة و المعروفة بخطبة الوداع يوم 27 ديسمبر 1907 في شدة مرضه، وعاد إلى غرفته ولم يتركها حتى توفى بمرض السل في 10 فبراير عام 1908 عن عمر يناهز 34 عاما، وأُعلن الحداد يوم 11 فبراير فى مصر كلها.

ووصف الأديب الكبير محمد حسين هكيل في كتابة "تراجم مصرية وغربية" أثر خبر وفاته آنذاك قائلاً:"في عصر يوم ١٠ فبراير سنة ١٩٠٨ بينما أنا جالس مع أحد زملائي طلبة مدرسة الحقوق الخديوية إذ ذاك على باب داره، جاز الطريق أمامنا رجل ممتطٍ جوادًا، فلما كان بإزائنا وقف برهة فحيانا 

وقال: "أبقى الله حياتكم، الباشا توفي" وكان زميلي من المتشيعين للحزب الوطني المتطرفين في تشيعهم، فلما سمع قول الناعي سأله في لهفة: مصطفى باشا كامل؟، فأجابه الرجل منطلقًا جواده: نعم، ولكم طول البقاء، وتركنا أنا وصاحبي واجمين من هول الخبر وإن كان حديث الباشا ومرضه والخوف على حياته بعض ما تواتر في ذلك الحين، وبعد زمن قصير تركت صاحبي عائدًا إلى بيتي فألفيت على الناس في الشوارع والحوانيت من أثر الذهول ما يدل على أن نعي الباشا إليهم مس من قلوبهم أدق أوتار الحزن والألم.

ووصف مشهد الجنازة قائلاً:"١١ فبراير سنة ١٩٠٨ يوم الاحتفال بجنازة مصطفى كامل هي المرة الثانية التي رأيت فيها قلب مصر يخفق، المرة الأولى كانت يوم تنفيذ حكم دنشواي، رأيت عند كل شخص تقابلت معه قلبًا مجروحًا وزورًا مخنوقًا ودهشة عصبية بادية في الأيدي وفي الأصوات، كان الحزن على جميع الوجوه، حزن ساكن مستسلم للقوة، مختلط بشيء من الدهشة والذهول، ترى الناس يتكلمون بصوت خافت وعبارات متقطعة وهيئة بائسة، منظرهم يشبه منظر قوم مجتمعين في دار ميت كأنما كانت أرواح المشنوقين تطوف في كل مكان من المدينة، ولكن هذا الإخاء في الشعور بقي مكتومًا في النفوس لم يجد سبيلًا يخرج منه فلم يبرز بروزًا واضحًا حتى يراه كل إنسان، أما في يوم الاحتفال بجنازة صاحب (اللواء) فقد ظهر ذلك الشعور ساطعًا في قوة جماله وانفجر بفرقعة هائلة سمع دويها في العاصمة ووصل صدى دويها إلى جميع أنحاء القطر، هذا الإحساس الجديد، هذا المولود الحديث الذي خرج من أحشاء الأمة، من دمها وأعصابها، هو الأمل الذي يبتسم في وجوهنا البائسة، هو الشعاع الذي يرسل حرارته إلى قلوبنا الجامدة الباردة، هو المستقبل".

وقد كتب أخوه على فهمي كامل سيرته في 9 أجزاء صغيرة، ثم توقف النشر لموانع سياسية، ثم بعد صدور الدستور وعودته من المنفي أعاد نشرها مع تغير أسلوب الكتابة مع جمع أحادثيه السياسية، ومقالاته المنشورة في الجرائد ومؤلفاته وما كُتب عنه في الصحف الأجنبية وكذلك رثاءه، وقال في مقدمة الجزء الأول:"هذا وقد طلبت إلينا الكاتبة الفرنسية المبجلة أمنا الأديبة "مدام جوليت آدم" أن ندمج في هذه السيرة ما كان يكتبه إليها زعيم مصر العظيم من الخطابات الخاصة، كما رأينا أن ننشر كذلك خطابات الذين كاتبوه في حياته من اشهر الساسة الأجانب، وكبراء المصريين وغيرهم" .

كان مصطفى كامل يرفض اليأس والخضوع والاستسلام للاحتلال وهو صاحب الجملة الشهيرة (لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس).ودائما كان يردد ( الأمل هو دليل الحياة والطريق إلى الحرية)، ومن أقواله عن التعليم ( إني أعتقد أن التعليم بلا تربية عديم الفائدة).

من أقواله الشهيرة ( إن الأمة التي لا تأكل مما تزرع وتلبس مما لا تصنع أمة محكوم عليها بالتبعية والفناء)، ومن أقواله أيضا ( أحرارا في أوطاننا، كرماء مع ضيوفنا).قضى كامل عمره كله ينادي بضرورة استقلال مصر مع التبعية للخلافة العثمانية.

ومن المواقف الهامة التي من الضروري ذكرها في حياة مصطفى كامل هو دوره بعد موقعة دنشواى، التي حدثت نتيجة قتل جنود بريطانيين لفلاحة مصرية. وبسبب وفاة أحد الجنود البريطانيين أعدم عدد من الأهالي دون ذنب، وهنا ندد مصطفى كامل بما فعله الإنجليز واعترض على المحاكمات ونشر مقالاته في العالم كله لإثارة الرأي العام.


توفى مصطفى كامل عن عمر صغير يناهز 34 عاما فقط قضى معظمهم في مقاومة لاحتلال، وظلت دروسه وكلماته في قلوب كل المحبين للوطن. كان تاريخ وفاته تحديدا يوم العاشر من فبراير عام 1908، ومازال الجميع يردد جملته الشهيرة حتى الآن (لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا).ويذكر أن هناك فيلم تم إنتاجه عام 1952 عن حياة الزعيم مصطفى كامل، كان من بطولة الفنان أنور أحمد والذي جسد فيه شخصية الزعيم.

ومعه في البطولة كل من أمينة رزق ماجدة ومحمود المليحي، من تأليف فتحي رضوان وسيناريو بطل العمل أنور أحمد، ومن إخراج المخرج الشهير أحمد بدرخان.




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

الكلمات:القدسُ وعكّا نحنُ إلى يافا في غزّةَ نحنُ وقلبِ جِنين الواحدُ منّا يُزهرُ آلافا لن تَذبُل فينا ورقةُ تين ما هان الحقُّ عليكِ ولا خافَ عودتُنا إيمانٌ ويقين لن نسكتَ لن نستسلمَ لا لا لا لا نفديكِ لنحيا يا فلسطين فلسطين بلادي نحملُها جُرحاً أو أملا لا لا لا ورح نبقى فيها ليوم الدين فلسطين بلادي كي تُشرقَ شمسُكِ فوقَ أمانينا وينامَ صغارُكِ مُبتسمين ونراكِ بخيرٍ حين تُنادينا لعمارِ بُيوتٍ وبساتين سنعيدُكِ وطناً رغم مآسينا أحراراً نشدو متّحدين لن نسكتَ لن نستسلمَ لا نفديكِ لنحيا يا فلسطين فلسطين بلادي نحملُها جُرحاً أو أملا لا ورح نبقى فيها ليوم الدين فلسطين بلادي#palestine #فلسطين

العالم روبرت غيلهم زعيم اليهود في معهد ألبرت أينشتاين، والمختص في علم الأجنة أعلن إسلامه بمجرد معرفته للحقيقة العلمية ولإعجاز القرآن