هذه شهادتي وهذه نصيحتي د. محمد عياش الكبيسي قبل سنوات كانت لي جولة مطوّلة في السويد
هذه شهادتي وهذه نصيحتي د محمد عياش الكبيسي قبل سنوات كانت لي جولة مطوّلة في السويد زرت أغلب مناطقها والتقيت بالعديد من خطبائها وشبابها، وألقيت خطب الجمعة في عدد من مساجدها، وقد كان انطباعي عنها جيدا قياسا بحال المسلمين في الدول الأوربية الأخرى، حتى فاجأتني هذه الأيام عاصفة من المنشورات والتصريحات والأخبار المقلقة عما صار يعرف بـ"خطف الأطفال المسلمين في السويد"!
لم أستعجل الأمر قبل أن أتصل بعدد ممن أثق بدينهم وأمانتهم ممن يعيشون هم وعوائلهم وأطفالهم هناك، وهنا أدوّن شهادتي ونصيحتي لإخواني المسلمين هناك، وأبدأ بذكر بعض المعلومات التي قد تفيد في تشكيل الصورة الصحيحة لهذه المشكلة الحقيقية:
- من حيث الواقع تعد السويد من الدول اللادينية بغالبية شعبها، كما تعاني الكنائس فيها عزوفا حتى من المسيحيين أنفسهم، وفي بعض الإحصاءات شكلت نسبة المرتادين للكنيسة أيام الأحد 2% فقط، وعليه فليس في السويد استقطاب أو تعصّب ديني أو طائفي، قد يفسره البعض سببا أو دافعا لهذه المشكلة.
- لا يوجد قانون يجيز خطف الأطفال المسلمين ولا غير المسلمين، وهذا أمر بديهي، ولكن هنالك اهتمام غير تقليدي بحماية الأطفال من أي ضرر يلحق بهم، وهذا الاهتمام ترجم إلى قانون خطير يلزم الدولة بسحب أي طفل يطلب هو حماية الدولة باتصاله على رقم "السوسيال" أو حينما ترد تقارير بأي طريق من المدرسة أو المستشفى أو أية جهة أخرى معتبرة، وأذكر هنا نموذجين حصلا بالفعل:
-بنت عربية في سن المراهقة تشعر بالظلم من أهلها فاتصلت بالسوسيال، فطبق عليها قانون الحماية هذا، ثم يبدو أنها ندمت على فعلتها، فتدخل بعض أقربائها لمعالجة الأمر فرجعت إليهم، وهي الآن تعيش بينهم.
- طفل عربي دون السنة -وقد حضرت هذه القصة بنفسي واستمعت لشهادة الطبيب المسلم في المستشفى- أخذه أهله للمستشفى لصراخه المستمر، وبعد الفحص تبين إصابته بكسور نتيجة تعرضه للضرب، فبدأ تحقيق الشرطة مع الأهل وبعد سلسلة من المحاكمات والإجراءات تم -مع الأسف- سحب الطفل من أبويه.
وفي تقديري أن الذي يفاقم الأمر ويزيد من خطورته:
-عدم معرفة الوافدين الجدد بقوانين البلاد، ومدى جدية الدولة في تطبيق القانون.
- وجود تثقيف في المدارس ووسائل الإعلام للأطفال والمراهقين بطلب الحماية عند تعرضهم لأدنى ضرر حتى من الأب أو الأم.
- إن هذا القانون يجري على الجميع، فهناك أطفال مسيحيون ومن ديانات أخرى يتم سحبهم أيضا، لكن المؤسف جدا أن تكون الحصة الأكبر من نصيب المسلمين خاصة من الوافدين الجدد.
- الطفل الذي تسحبه السوسيال تودعه عند عائلة تتكفله وفق عقد معين وبمكافأة من الدولة، وهذا الذي يدفع بعض العوائل للتسجيل في نظام الكفالة هذا، وهذا النظام مفتوح لكل العوائل مهما كان دينها، وقد حصل أن سحبت السوسيال أطفالا سويدين مسيحيين وأودعتهم في عوائل مسلمة، ولكن هذا قليل بحكم النقاط السابقة، والعائلة لا شك ستترك بصمتها التربوية على هذا الطفل، وبحكم النقاط السابقة فإن الاحتمال الأكبر وقوع الطفل في أسرة لا دينية أو مسيحية، وهذا مكمن الخطر بالنسبة للأطفال المسلمين.
- هناك خطر آخر يتمثل في تفسير "الضرر" الذي يحق للدولة أن تتدخل لحماية الطفل منه، فالإكراه على الحجاب مثلا قد يكون ضررا يستوجب تدخل الدولة، وهذه مشكلة حقيقية وخطيرة.
أما النصيحة التي أسديها لإخواني هناك فألخصها بالآتي:
- العائلة التي لديها أطفال أو مراهقون عندهم نزعة التمرد والخروج عن المألوف، فوالله هذه العائلة تجازف بنفسها وبأولادها وبسمعتها أيضا إذا قررت الهجرة إلى تلك البلاد، خاصة تلك العوائل التي لا ترى طريقا للتربية والتأديب إلا الصراخ والضرب، أما العوائل التي تتمتع بقدر من الحب والثقة والانسجام فهذا القانون لا يضرهم بشيء إن شاء الله.
- لا أرى أن تهييج الناس هناك بالتحريض على الدولة ونظامها وإحياء روح الكراهية مع غالبية المواطنين سيحل المشكلة، بل أرى أن يسلك المسلمون المسلك القانوني النظامي للتأثير على مصدر التشريع "البرلمان" والمسلمون برأيي قادرون على ذلك بحسب نسبتهم المتزايدة، لكن مشكلتهم في هذا الجانب تتلخص في الفتاوى التي تحرّم عليهم العمل السياسي وعقد التحالفات مع التيارات والأحزاب الأقرب إلى تحقيق مصالحهم، فالكفر هناك ليس ملة واحدة -على الأقل من حيث توجهاتهم وعلاقاتهم السياسية. وقد كتبت عدة مقالات في هذا بعد عودتي من أوربا بعنوان "المسلمون في الغرب حضور في الشارع وغياب في المشروع"
- لقد رأيت في السويد تجربة ناجحة ومشجعة تتمثل بإنشاء مدارس إسلامية، وقد اطلعت على بعض مناهجها فأعجبتني كثيرا، لكن مما يؤسف له ألف مرة أن تصدر بعض الفتاوى من مشايخ يعيشون في بلادنا العربية بتحريم بعض الإجراءات القانونية الرسمية هناك لأنها قوانين غير إسلامية! أدت إلى غلق المدرسة وضياع طلابها وطالباتها.
- إن الشعب السويدي -في تقديري- يعد من أكثر الشعوب الغربية استعدادا لقبول الدعوة، بحكم انتشار اللادينية السلبية وهي غير الإلحاد المؤدلج والعنيد، ولو قدم المسلمون النموذج المقنع من خلال سلوكهم وعلاقاتهم واحترامهم للنظام لكانوا الأقدر على كسب قلوب هؤلاء الناس، ولا زلت أذكر إسلام تلك الأستاذة السويدية بعد سماعها لخطبة الجمعة، مع أن الخطبة وصلتها مترجمة.
- إن قانون سحب الطفل من أسرته مهما كانت مسوغاته قانون مضر بالطفل نفسيا واجتماعيا وتربويا، وهذا الضرر أكبر ألف مرة من الضررالذي قد يتعرض له في أسرته، وهو مكلف كذلك للدولة ويسيء لسمعتها، وأرى أن تغييره أو تخفيفه ليس أمرا مستحيلا، وكلي أمل أن يتمكن العقلاء هناك من رسم طريق الحل بشرط تعاون المسلمين وتكاتفهم وفهمهم لطبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه ومفاتيح الحل فيه.
.
اللهم يارب أعن إخواننا هناك ووفقهم للطريق الذي تحبه وترضاه
وصلى الله تعالى وسلم على حبيبنا محمد وآله وأصحابه الطيبين المباركين...
تعليقات