الدكتور أسامة جادولا تفرط في الفرص المتاحة: حياتنا الدنيا مليئة بالفرص التي تُتاح للبشر ، و في مجالات كثيرة

 

خاطرة...

لا تفرط في الفرص المتاحة
حياتنا الدنيا مليئة بالفرص التي تُتاح للبشر ، و في مجالات كثيرة ، وآفةُ كثيرٍ من النَّاس أنَّهم لا يحسنون التعامل مع الفرص ، ولو قُدرَ لهم حُسن التعامل اﻷمثل مع هذه الفرص المتاحة لهم لتغيرت حياتهم كثيراً ،يستوي في ذلك الفرصُ التي تُتاح للدعاة أو طلاب العلم أو عوام الناس ، سواء تعلقت الفرص بالأحوال المعيشية أو الأوضاع التعليمية أو الشؤون الدعوية ، كما يستوي في ذلك الفرص التي تتعلق بعالم الروح و تزكية النفس و تطهير القلب و تحسين السلوك ، أو اكتساب المعارف أو المهارات، أو تطوير الذات و الترقي في سُلم الحياة .
مجالاتُ الفرص عديدةٌ ومتنوعةٌ وكثيرةٌ بعرض الحياة وطولها . كتبتُ عبارةً يرددها المحاضرون في التربية و التنمية البشرية :
المتفائلُ يجدُ في كلِ صعوبةٍ فرصة .والمتشائمُ يجدُ في كلِ فرصةٍ صعوبة .وتأملتُ هذه العبارة فكانت خاطرتي عن الصحابي " ذو الجوشن الضبابي " رضى الله عنه و أهمية استثمار الفرصة وإلا كان الندم والتوجع .الفرصة عامل مهم يساعد الإنسان على تحقيق أهدافه ،الفرصة جزء من القوة و القدرة و الاستطاعة .لكنَّ مشكلة الفرصة

أنَّها تُتاح لك ولغيرك
وصاحبُ السبق والهمة و الإرادة يسبق إليها و يفوز بها الفرصةُ تأتي الإنسان ، وهو لا يصنعها ، من أقوال الإمام الشهيد حسن البنا ( نحن لا نصنع الفرص ، ولكنْ إذا أُتيحت لنا لا نضيعها ).تحملُها الأقدارُ إليك ، و الإنسانُ لا يخطط لها قبل بروزهافإذا أتيحت يفوزُ بها من يحسن التعامل معها ،ويُسمى القناص الماهر .أمَّا الكسولُ الاتكاليُّ التنبل فإنَّه لا يهتم بها إلا متأخرا ، هو يجيدُ مهارة عض أصبعه ندما على ضياع الفرصة تلو الأخرى ، و بعضُهم لا يرى الفرصة إلا مدبرةً أو مع غيره الذي سبقه إليها ، و أشدُّ منه من يجادلُ في كونها فرصة .
" ذو الجوشن الضبابيُّ رضى الله عنه " نموذجاً
اقرأ معي هذه الرواية في مسند الإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه ( أول مسند المدنيين رضي الله عنهم أجمعين حديث ذي الجوشن الضبابي رضي الله تعالى عنه )، وأوردها ابن سعد رضى الله عنه في الطبقات الكبرى حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ ، قَالَ : قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم جَوْشَنُ بْنُ رَبِيعَةَ الْكِلاَبِيُّ وَأَهْدَى إِلَيْهِ فَرَسًا ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ فَأَبَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ قَالَ : وَقَالَ : إِنْ شِئْتَ بِعْتَنِيهِ بِالْمُخَيَّرَاتِ مِنْ أَدْرَاعِ بَدْرٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ : يَا ذَا الْجَوْشَنِ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَكُونَ مِنْ أَوَائِلِ هَذَا الأَمْرِ ؟ قَالَ : لاَ , قَالَ : فَمَا يَمْنَعُكَ مِنْهُ ؟ قَالَ : رَأَيْتُ قَوْمَكَ كَذَّبُوكَ وَأَخْرَجُوكَ وَقَاتَلُوكَ ، فَأَنْظُرُ فَإِنْ ظَهَرْتَ عَلَيْهِمْ آمَنْتُ بِكَ وَاتَّبَعْتُكَ ، وَإِنْ ظَهَرُوا عَلَيْكَ لَمْ أَتَّبِعْكَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم :
يَا ذَا الْجَوْشَنِ لَعَلَّكَ إِنْ بَقِيَتَ قَرِيبًا أَنْ تَرَى ظُهُورِي عَلَيْهِمْ قَالَ : فَوَاللَّهِ إِنِّي لَبِضَرِيَّةٍ إِذْ قَدِمَ عَلَيْنَا رَاكِبٌ مِنْ قِبَلِ مَكَّةَ فَقُلْنَا : مَا الْخَبَرُ وَرَاءَكَ ؟ قَالَ : ظَهَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ . قَالَ : فَكَانَ ذُو الْجَوْشَنِ يَتَوَجَّعُ عَلَى تَرْكِهِ الإِسْلاَمَ حِينَ دَعَاهُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم .
ضع ألف خط تحت هذه الكلمة ( فكَانَ ذُو الْجَوْشَنِ يَتَوَجَّعُ عَلَى تَرْكِهِ الإِسْلاَمَ حِينَ دَعَاهُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم) . إنها لحظات الندم على فوات فرصة السبق و الفوز ، ربحها السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار الذين أسلموا وبايعوا أول الأمر ، وخسر هذه المنزلة من تردد و أمسك العصا من وسطها وبقي على الحياد ، ولم يرغب في البذل والتضحية ، ففاتت الفرصة .
وحياتُنا مليئةٌ بالفرص :
فرصٌ لكسبِ علمٍ ومعرفةٍ فرصٌ لكسبِ عمل صالح و حسنات باقيات صالحاتفرصٌ لكسبِ رزق حلال و عمل يتعيش منه الإنسان فرصٌ لتغييرٍ حقيقيٍ مؤثر ٍ في حياتنا أو دوائر علاقاتنا أو دوائر عملنا أو دوائر مشروعاتنا الخاصة أو العامة فرصٌ لتصحيح مسارات حياتنا الدعوية أو الاجتماعية فرصٌ للتخلص من نقاط ضعفنا و أسباب تأخرنا و حزننا
فرصٌ لتمتين رابطة الأخوة و تقوية بنيان دعوتنا المباركة فرصٌ لتوحيد الصف و التغافر بيننا و الحفاظ على ثوابتنا و مؤسساتنا و نبذ الفرقة و ترك الخصومة وتحقيق رابطة لقلب الواحد فرصٌ لتسجيل أسمائنا في سجلات الشرف عند مليكٍ مقتدرٍ، حين نلبي نداءات الرفعة و الكرامة والعزة ، بَدءً من نداء حيْ على الصلاة إلى حيْ على العمل الصالح وصالح العمل ، حيْ على الحفاظ على أُخوتنا وتآخينا المقدس ، حيْ على إصلاح ذات بيننا و رأب الصدع و سد الثغرات في جدران سلامتنا ، مروراً بنداء حيْ على الجهاد حيْ على الثبات ، وصولاً إلى هلموا إلى الفردوس الأعلى .

فطوبى لعبدٍ دُعى فاستجاب ، ولبى النداء وفاز بالسباق فهل أحسنا استثمارَ تلك الفرص و التعامل معها بما يليق بها ويتناسب معها ؟ اللهمَّ قد بلغتُ اللهمَّ فاشهد وقبل الختام :
صلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد معلم الناس الخير
_____________________________________
خواطر ..
التوقيع قبل الانصراف
انتبهت لورقةٍ تمرُعلى صفوف الحاضرين أثناء إلقائي المحاضرة ، وكانت الورقة تخص إثبات الحضور والانصراف ، و منظمُ الدورة يقول : لا تنسوا التوقيع قبل الانصراف، تأملتُ في هذه العبارة " التوقيع قبل الانصراف " فسالت مني هذه الأفكارو كانت خاطرة .
أمَّا الانصراف الذي أقصده هو الانصراف الختامي الذي لا حضور بعده ، إنَّه الانصراف من هذه الحياة الدنيا ، ختام العمر و تمام الأجل و لحظة الرحيل و ترك الحياة وما فيها ، وقد علم الخلقُ أنَّهم إلى الله منصرفون ، ألسنا نردد قول الله تعالى " إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون " ، فليس الخلود لغير الله تعالى ، ولو كان الخلود في الحياة الدنيا لغير الله تعالى لكان أولى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالانصرافُ حقٌ و عقيدةٌ نؤمنُ بها .
وأمَّا التوقيعُ الذي أقصده فهو دلالةُ حضورك و إثباتُ شهودك ، التوقيع هو الأثرُ الذي نتركه في سجل أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتنتفع به الأجيال القادمة من رحم الغيب ، التوقيعُ هو البصماتُ التي نضعها علاماتٍ مضيئةً تنير الطريق للسائرين بعدنا على طريق الدعوة والهداية .
كُلُّنا منصرفون و يبقى الأثر
تلك حقيقةٌ نؤمنُ بها ، ننصرف من الحياة الدنيا إلى الآخرة و يبقى الأثر الطيب الذي غرسناه وتبقى الأعمالُ التي ينتفع بها الخلقُ ، قال الله تعالى :( إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَٰهُ فِىٓ إِمَامٍۢ مُّبِينٍۢ ) سورة يس الآية ١٢
قال الإمامُ ابنُ كثير رضى الله عنه في تفسيره : قال تعالى : ( إنا نحن نحيي الموتى ) أي : يوم القيامة ، وفيه إشارة إلى أن الله تعالى يحيي قلب من يشاء من الكفار الذين قد ماتت قلوبهم بالضلالة ، فيهديهم بعد ذلك إلى الحق ، كما قال تعالى بعد ذكر قسوة القلوب : (اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون )الحديد : 17 ]
وقوله : ( ونكتب ما قدموا ) أي : من الأعمال وفي قوله :( وآثارهم ) قولان :أحدهما : نكتب أعمالهم التي باشروها بأنفسهم ، وآثارهم التي أثروها من بعدهم ، فنجزيهم على ذلك أيضا، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " من سن في الإسلام سنة حسنة ، كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا " رواه مسلم،والقول الثاني : أن المراد بذلك آثار خطاهم إلى الطاعة أو المعصية . أﻫ .
نحن نعيشُ على آثار السابقين من عباد الله الصالحين الذين تركوا لنا علوماً نافعةً ، و أفكاراً صالحةً مفيدةً ، و منارات نهتدي بها في دروب حياتنا ، و مؤسسات تُعيننا على السير إلى الله تعالى و السعي في جلب المنافع و درء المفاسد و بلوغ الغايات الشريفة ، تركوا لنا مناهج الهدى والرشاد ، و برامج و تجارب و خبرات تأخذ بنا إلى الرحاب الميمونة في مجالات الدعوة الإسلامية لتتحقق السعادة للإنسان و البشرية في الدنيا و الآخرة ، هذه آثارُ السائرين على درب الهُدى فأين آثارُنا ؟
قلتُ :
أدعو كُلَّ الحضور و الأحبة و المتابعين أن يتأملوا في هذا المعنى و يتدبروا أمرهم ( التوقيع قبل الانصراف ) ، ورقة وقلم و 5 دقائق مع كوب من الشاي أو القهوة أو العصير ، فكرْ و سجلْ ما تتأملُه من توقيعات و آثار و بصمات تضعها في سجل السائرين على درب الإصلاح على منهاج النبوة ، ما زال في الوقت متسعٌ لمزيدٍ من التوقيعات الدالة على حضورك و شهودك و عطائك و إرادتك السبق و الرقي إلى مراقي الخالدين الكُمل
من فضلك لا تنصرف قبل أن تضع توقيعاتك الدالة على حضورك و شهودك و إرادتك هداية الناس ، إنما المنازل هناك والمقامات على قدر ما نقدم من أعمال و توقيعات .
فهل نفعل ؟ … أرجو لكم الخير
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد معلم الناس الخير
__________________________________
مثل للآخرين
بسم الله الرحمن الرحيم
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }
دكتور حمدي حسن شهيداً
هذه اﻵية الكريمة شعار المؤمنين الصادقين المجاهدين الذين عقدوا أغلى الصفقات وأربح التجارات مع الله تعالى فقبل منهم ، و مضوا في الحياة يصدقون مع الله تعالى ويبذلون وسعهم و ينفقون حياتهم في طاعته وفاءا بالعهد و برا بالقسم ، اشتدت بهم الفتن وعصفت بهم المحن ، و عرضت عليهم مباهج الدنيا وعلو مناصبها فما حرفتهم عن عهدهم المقدس مع ربهم الجليل ، عاشوا حياتهم بين المنح و المحن ، لم تنل منهم المنحةُ فتحرفهم عن الطريق و تزيغ بهم عن السبيل ، ولم تنل منهم المحنةُ فتردَّهم عن الدعوة الكريمة أو تجعلهم ينقلبون عليها أو ينصرفون عنها .

بل زادتهم المنحةُ تمسكاً بقيم دعوتهم و تشبثاً بالعمل لتحقيق أهدافها النبيلة وغايتها المجيدة ، خرجوا من المنح أعظم من حالهم يوم حصولها .وزادتهم المحنة صلابة في الحق و قوة في اتباعه ، تعرضوا لصنوف التهديد والوعيد و أنفذ المجرمون وعيدهم واعملوا تهديداتهم فما ﻻنوا لهم وما داهنوا بل ظلوا على عهدهم مستمسكين وكل همهم أن يرضى عنهم ربهم ، وأن تبقى راية الحق عالية ﻻ تسقط في حفر الترخص او برك التساقط ؛ بل تبقى شامخة تنطق في سمع الدنيا هذا دينٌ عظيمٌ يستحق الفداء و التضحية فى سبيل التمكين له .
ونحسب أن أخانا الكريم الدكتور حمدي حسن قد ضرب المثل وسبقنا الى الله تعالى نموذجا فريدا ، عاشرناه في وقت الرخاء ( يوم أن انتخبه الشعبُ السكندريُّ نائباً في مجلس الشعب المصري عام 2000 م ، ثم جددوا الثقة فيه عام ٢٠٠٥ م ، ظل عشرة أعوام نائبا برلمانيا متميزا ، كان ملء السمع والبصر ، له في كل يوم خبر عبر وسائل الإعلام و الفضائيات والمواقع الإخبارية و الإجتماعية ) لم يتغير ، ظلَّ كما هو حبيب جماهير أهل الإسكندرية و خاصة غربها ، بل كان من خيرة الرجال و الدعاة نحسبه كذلك والله حسيبه .
كنتُ قريباً منه منذ الإعداد لإنتخابات مجلس الشعب عام ٢٠٠٠م و تزاملتُ معه في الدورة البرلمانية ٢٠٠٥ – ٢٠١٠ م و بعد الثورة المصرية حتى يوم الإنقلاب المشؤوم ثم افترقنا ، لم نجد منه إلَّا كلَّ خير و نفع للناس و همٍ كبيرٍ بقضايا الشعب المصري و الأمة الإسلامية .
صاحبُ خلق رفيع و أدب جم ، وتواضع للصغير والكبير ، رفيقٌ رقيقٌ صديقٌ ، حمدي حسن إنسانٌ ممتلئ بالمشاعر الإيجابية و المعاني الراقية ، نموذج وقدوة للداعية والقيادي و المسؤول ، دمعتُه صادقةٌ حاضرةٌ ، تُعبر عن مشاعره الصادقة .
نموذج للتربية الناجحة على منهاج الدعوة المبارك ، دعوة الإخوان المسلمين ، سمعناه يهتف " والموت في سبيل الله أسمى أمانينا " وها هو اليوم يموت في سبيل الله تعالى ، نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا .
عرفته قضايا الأمة الإسلامية الكبرى مناصرا ومدافعا و مجاهدا في سبيل رفع الظلم و احقاق الحق و ابطال الباطل ، لم يتخلف عن مناصرة قضايا الأمة ، ونقلها إلى ساحة البرلمان .
حمدي حسن تبكيه اليوم فلسطين و القدس والأقصى ، فقد فقدوا اليوم مجاهدا عظيما سكنت قضية فلسطين و الأقصى قلبه وعقله و حياته ، عرفته مدافعا صلبا و صاحب هم و عمل و بذل ، له مواقف كثيرة تشهد له عند ربه الكريم .
عرفته السجون منذ حكم مبارك ثم المنقلب السيسي ، ولقى ربه سجينا مظلوما مغدورا ، نحسبه عند الله شهيدا ، ثابتا محتسبا واضحا على الحق ، لم يتلون ولم يعط الدنية في دينه أو قضايا أمته ، ليضيف صفحة عظيمة من صفحات تاريخ الدعوة الإسلامية المباركة ، تظل محل فخر للأجيال الحالية والقادمة من رحم الغيب .
رضى الله عنك أخى الكريم دكتور حمدي حسن ورفع شأنك وأعلى مقامك وطيبك وزكاك وجعل منزلتك الفردوس اﻷعلى ، ذهب اﻷسر وبقى عند الله اﻷجر، ذهب المرض والتعب واﻷلم و صرت الى جنات ونهر ، إلى مقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ .
إنَّ العين لتدمع وإنَّ القلب ليحزن وﻻ نقول إﻻ ما يرضى ربنا ، إنا لله وإنا إليه راجعون وإنا لفراقك لمحزونون .
تمضى أخى الشهيد مرفوع الرأس موفور الكرامة ويظل جلادُك و سجَّانُك تلاحقه اللعناتُ وينتظره القصاصُ اﻷليم .
طبت حياً ومجاهداً و مسجوناً و ميتا شهيداً، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون اللهمَّ تقبله في الصديقين و الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد معلم الناس الخير
دكتور / أسامة جادو
_______________________
كلماتٌ على هامش ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم
مضت أيامٌ طويلة شديدة، أثقلت النفوس وأرهقتها بين شد وجذب، ومنافسة ومناكفة، كثُر الكلام وقلَّ العمل، وغالب دعاة الفتنة والفرقة وتسلطوا وتصبروا، حتى كادوا أن يزرعوا الشك في كل شيء وكاد الحصاد أن يبور، لولا أن قيد الله تعالى للحق دعاة يذودون عنه ويبددون دعاوى الزيف والبهتان والشك والتضليل.

وقد أدمت قلوب المؤمنين حملات شرسة و مخططات وقحة تنال من الإسلام و مقدساته ، و تسخر من القرآن الكريم و تستهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكرم الخلق و أشرفهم و أعلاهم قدرا ، ولم يقف الأمر على سفهاء و موتورين أعماهم الحقد و عنصرية بغيضة ، بل اتسع وشمل زعماء سياسيين و نخبة فكرية في بلاد الغرب ، ماكرون فرنسا ومن معه ومن يؤيد انحطاطه وتسفله .

وأشدُّ من ذلك وقوع الأحبة الأكارم في براثن الفتنة و نيران الفرقة واختلاف الرؤى و شؤم الخلاف المقيت المذموم شرعاً ، وتابعهم في ذلك من لا يُحسن الفهمَ و تقديرَ الموقف و اتخاذَ القرار ، وسط إزكاء و تسخين و تشجيع من جهات و أفراد يغيظهم دائماً أن يروا القلوب متآلفة و الصف متحداً و الجمع على كلمة واحدة .

قديما قال شيوخنا " لو سكت الجاهل لقلَّ الخلاف " ، هى نصيحة ذهبية لو سكت جاهلُ الموقف و لم يطلق لسانه وينشر على الآخرين مشاركته لقلَّ الخلاف و أمكن علاجه و حله .

يا هذا : أمسك عليك لسانك ، ولا تقل إلا خيراً ، ولا تشهد أو تتحدث إلا عن بينةً صادقةٍ عندك فيها دليلٌ كوضوح الشمس في نهار الصيف ، وليس كلاماً مُرسلاً ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِرَجُلٍ: تَرَى الشَّمْسَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أو دَعْ " . ( والحديث صححه الحاكم . وهو صحيح المعنى متفقٌ على صوابه ، وإن كان فيه ضعف . )

نصيحتي لكل الأحبة و خاصة الرموز التي يُقتدى بها لا تتعجلوا و كونوا عباد الله إخواناً يلتئمُ بكم الشملُ من جديد ، و تخمدُ نيرانُ الفتنة بصدق توجهكم لربكم المجيد ، و بلطيف كلماتكم و عذب عباراتكم الطيبة التي تلطفُ وهج حرارة الفتنة و لهيب الفرقة ، وعسى ربنا أن يبدل أحوالنا إلى الخير و الوحدة و خير العمل و عمل الخير .

تلهفت لمجيء شهر ميلاد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ليقيني أن الذكريات خزينة المشاعر ومسكونة بوجدانيات طيبة وروحانيات سامية تسمو بنفوس المحبين وتخفف عنهم وطأة الأقدار المؤلمة التي تعترض مسار حياتهم، ولا أبالغ إذا قلت إنَّ ذكرى مولد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لها مكان التربع في قلوب المسلمين؛ لهذا كنت أترقب الهلال ليحمل لأمتنا التعبة روح المحبة والتقدير والشوق للحبيب الأكرم صلى الله عليه وسلم.
نستقبل ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونتذكر القيم العليا والأخلاق الطيبة والمثل السامية التي تجسدت في شخصه الكريم، نتذكر رسالته الخاتمة وسنته الباقية ومشروع إنقاذ البشرية من الهلاك في الدنيا والخسران في الآخرة وكيف كان رحمة للعالمين وكان رحمة مهداة من رب العالمين، بشر المؤمنين وأنذر العصاة وانحاز دائمًا للحق وحكم بالعدل فما زلَّ وما ضلَّ، صلى الله عليه وسلم.

نستقبل ذكرى ميلاده والقلوب مشتاقة إلى لقياه والنفوس تواقة لرؤياه، والعيون تتوق للنظر إلى وجهه الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وقد حُرمنا من كل ذلك الفضل في الدنيا، وندعو الله تعالى أن يُعوضنا في الآخرة صحبته ومرافقته في الفردوس الأعلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسُ محمدٍ بيده ليأتينَّ على أحدكم يومٌ ولا يراني. ثمَّ لأن يراني أحب إليه من أهله وماله معهم" (رواه مسلم في الفضائل، باب فضل النظر إليه وتمنيه- 4/1836).
لقد تكرم الله تعالى على جيل من البشر وأكرمهم وزادهم من فضله فجعلهم الجيل الذي آمن بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ورأوه وسمعوا صوته ونالوا شرف صحبته وهم جيل الصحابة الكرام فكانوا خير الأجيال وأفضل الناس، أحاطوا بقلوبهم حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وضربوا المثل في علوِّ الهمة في محبته وشدة الشوق إليه، ليس في الدنيا وحدها بل سبق شوقهم إليه حتى وصل إلى الجنة..

هذا ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم- كما روى البغوي- كان شديد الحب لرسول الله صلي الله عليه وسلم، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه، فقال عليه الصلاة والسلام: ما غير لونك؟ فقال يا رسول الله: ما بي مرض ولا وجع، غير أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة فأخاف أن لا أراك؛ لأنك ترفع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة فأنا في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبدًا، فنزلت هذه الآية: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فأولئك مَعَ الَّذِينَ أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقا) (النساء: 69).
رضي الله تعالى عن أصحاب نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد مضت عليهم سنوات طوال بعد موت حبيبهم، ثم وفد عليهم بلال بن رباح مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد رحل عن المدينة بعد موت النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، لم يستطع العيش فيها بعد موته فسكن الشام واستقر بها.

تابع معنا ما رواه الحافظ ابن عساكر بسند جيد عن بلال بن رباح رضي الله عنه، أنه لما نزل (بداريا)- اسم مكان قريب من الشام- رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بعد وفاته وهو يقول: ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني؟ فانتبه بلال حزينًا خائفًا، فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي ويمرغ وجهه عليه!!! فأقبل الحسن والحسين، رضي الله عنهما، فجعل بلال يضمهما ويقبلهما فقالا له: نتمنى أن نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فعلا سطح المسجد ووقف موقفه الذي كان يقف فيه فلما قال: (الله أكبر، الله أكبر) ارتجت المدينة فلما قال: (أشهد أن لا إله إلا الله) ازدادت رجتها، فلما قال: (أشهد أن محمدًا رسول الله) خرجت العواتق- النساء- من خدورهن وقلن: أبُعِثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فما رؤي يوم أكثر باكيًا ولا باكية بالمدينة بعده صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك اليوم. (سير أعلام النبلاء- 1/358).
تقبل الله منكم الطاعات ، ورضى عنكم أجمعين و من قال آمين
اللهمَّ ربنا صل و سلم وبارك على سيدنا محمد معلم النَّاس الخير .

حادي السائرين و زاد العاملين
( ١ ) البيان في فضائل شهر شعبان
أتوجه إلى الأحبـــة الكرام جميعًا ونحن على عتبات شهر شعبان، بعظيم التحية والدعاء أن يبلغنا الله تعالى شهر رمضان على خير حال، وأن يصب الخير على بلادنا و أمتنا صبًا ويجمع شمل الأمـة كلها على الحق، و أن يوحدَ صفنا و يحفظَ جمعنا الكريم .
وأُسَطر كلماتٍ وخواطـرَ لبيان منزلة شهر شعبان وفضائله عسى أن تكون كلماتي مذكرةً وهاديةً وباعثةً لهمــةٍ فى السعي للخير والعمل الصالح.
إنَّ الدعاة العاملين لنصرة الإسلام و تمكين شريعته يظلون في حاجة يومية إلى زاد يتزودون به ، و وقود إيماني يولد فيهم طاقات عديدة ؛
طاقة الثبات على الحق و استمرارية البذل و دوام العطاء ،
طاقة الصبر وتحمل الشدائد و اجتياز الصعاب ،
طاقة الأمل و القدرة على امتصاص البلاءات و تحمل رذائل الخلق و أكدار القدر ،
طاقة الأُخوة و العفو عن زلات رفقاء الطريق و حماقات الملأ المَدْعو و القدرة على التبسم في وجه المصائب و بث روح الحياة وحياة الروح في من حولهم ،
طاقة تُعينهم على إخلاص العمل لله تعالى ، و نكران حظ النفس و إثبات الفضل لأهله و القول به و الوفاء لمن علمهم حرفاً أو بلغهم فهماً أو أدبهم و أكسبهم خُلقاً و قوَّم سلوكاً ،
طاقة تُعينُهم على التماسك و التآخي و اللين في جنب بعضهم و لين الكلام للأحبة الذين نذكرهم في أورادنا و لا سيما ورد الرابطة عند الغروب ونتذكر :
" إذا غابت الشمس أو غربت فإنَّ شمس دعوتنا المباركة لا تعرف المغيب أو الكسوف أو الأُفول ، إنَّها من نور الله الحي القيوم " .
و إني وجدتُ أنَّ الذكريات و المناسبات الدعوية والتاريخية تحوي مخزوناً عظيماً من الوقود الإيماني القادر على إمداد الدعاة العاملين بحاجاتهم من الطاقة ، إنَّ الذكريات و المناسبات تُعدُّ بحقٍ من أكبر محطات توليد الطاقات الإيمانية و الإيجابية ، و استأنسُ بقول الله تعالى من سورة إبراهيم " وذكرهم بأيام الله " .
من أجل ذلك أتوقفُ كثيراً أمام الذكريات و المناسبات ، أطيلُ تأملها و أجهدُ في تدبرها ، مما دفعني من قبل إلى إعداد محاضرة ، ثم توسعتُ فيها لتصير دورة تدريبية - لا يزالُ كثيرٌ من أحبتي يتذكرونه - بعنوان :
{ التعامل الأمثل مع الظواهر و الأحداث و توظيف المناسبات } .
أعود إلى المناسبة الكريمة و أهتف في الكرام :
هذا شهرٌ كريمٌ مباركٌ أظلَّنا عن قريب، فأهاج مشاعر الهداية والإيمان، وهتف بنا إلى الطاعة والعبادة والإحسان.
فهو تقدمةٌ لشهر رمضان المبارك، وتمرينٌ للأمة الإسلامية على الصيام والقيام وصالح الأعمال ؛ حتى يذوقوا لذَّة القرب من الله تعالى، ويستطعموا حلاوة الإيمان ، فإذا أقبل عليهم شهرُ رمضان أقبلوا عليه بهمَّة عالية ، ونفس مشتاقة، وانكبُّوا على الطاعة، وانعكفوا على العبادة ، وتخلقوا بأحسن الأخلاق .
فضائل شهر شعبان
روى الإمام أحمد في مسنده والنسائي في سننه بسند حسن، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: "كان رسول الله يسرد حتى نقول: لا يفطر ، ويفطر حتى لا يكاد يصوم ، إلا يومين من الجمعة إن كان في صيامه ، وإلا صامهما، ولم يكن يصوم من الشهور ما يصوم من شعبان. فقلت: يا رسول الله، إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك، وإلا صمتهما. قال رسولُ الله: "أي يومين؟" قال: الإثنين والخميس. قال: "ذلك يومان تُعرض فيهما الأعمالُ على رب العالمين، وأُحبُّ أن يُعرض عملي وأنا صائم".
في هذا الحديث يصف الصحابي الجليل أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم على مدار العام، فكان من هديه أن يصوم ويطيل الصوم حتى يخيَّل لأصحابه أنه لا يفطر، وكان يفطر أيامًا متتاليةً حتى يُظن أنه لا يصوم. وهذا ما عبَّرت عنه أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: "كان رسول الله يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم". وكان أنس بن مالك-رضي الله عنه- يقول: "كان رسول الله يصوم حتى يُقال: قد صام قد صام، ويفطر حتى يُقال: قد أفطر قد أفطر".
ومعنى ذلك أن صومه وفطره قد علِمَه الكافَّةُ ، فمن رآه أيام صومه يقول: لا يفطر؛ من كثرة أيام صيامه، ومن يرَاه أيام فطره يقول: لا يصوم؛ من كثرة أيام فطره، بل كان ذلك هديه.
كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يكثر الصيام في شهر شعبان
اشتُهر عن النبي صيامه في شهر شعبان، وأن صيامه في شعبان أكثر من صيامه في غيره؛ فعن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- قالت: "ما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان".
فإلى الذين يستنُّون بسُنَّة النبي ويقتدون به، ويعلنون للدنيا أن الرسول قدوتهم نقول: قد أقبل عليكم شهر حبيب إلى حبيبكم، وقد بان لكم خصوصية هذا الشهر ومكانته وعلمتم فضائله ومنزلته، وكيف كان حال النبي فيه، فلقد شاع الخبر أنه كان يُكثرُ الصيامَ فيه ، فماذا أنتم فاعلون؟!
إنَّ الباقَة الكريمة من الأحاديث الشريفة التي نورت السطور السابقة، وعطَّرت مسامعنا تنادي فينا:
"هلموا يا أتباع محمد ( صلى الله عليه وسلم ) إلى خيرٍ كان يحرص عليه حتى وفاته".
حكمة إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام في شعبان
لم يختلف الصحابة الكرام في حالِ النبي في شهر شعبان، وكيف كان يُكثر الصيام فيه، فما الحكمة من ذلك؟!
ذكر الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى:
"ولعل الحكمة في صوم شهر شعبان أنه يعقُبه رمضان، وصومُه مفروضٌ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر من الصوم في شعبان قدر ما يصوم في شهرين غيره ؛ لما يفوته من التطوع الذي يعتاده بسبب صوم رمضان".
وقد ذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي- رحمه الله تعالى- في بيان حكمة إكثار النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من الصيام في شعبان:
أن شهر شعبان يغفُل عنه الناس بين رجب ورمضان؛ حيث يكتنفه شهران عظيمان، الشهر الحرام رجب وشهر الصيام رمضان، فقد اشتغل الناس بهما عنه فصار مغفولاً عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه؛ لأن رجب شهر حرام، وليس الأمر كذلك، فقد روت السيدة عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: "ذُكر لرسول الله ناسٌ يصومون شهر رجب، فقال: فأين هم من شعبان؟".
وفي قوله: "يغفل الناسُ عنه بين رجب ورمضان".. دليل على استحباب عمارة الأوقات التي يغفلُ عنها الناسُ ولا يفطنون لها، كما كان في بعض السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين (المغرب والعشاء)، ويقولون: هي ساعة غفلة. وكذلك فضل القيام في وسط الليل؛ حيث يغفل أكثر الناس عن الذكر؛ لانشغالهم بالنوم في هذه الساعة، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم :
"إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن". وفي هذا إشارة إلى فضيلة التفرد بذكر الله تعالى في وقت من الأوقات، قلَّ منّ يذكرُ الله فيه.
وقد صحَّ عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قولُه: "العبادة في الهرج كالهجرة إليَّ"، وخرجه الإمام أحمد في مسنده ولفظه: "العبادة في الفتنة كالهجرة إليَّ". وسبب ذلك أنَّ الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم، ولا يرجعون إلى دين، فيكون حالهم شبيهًا بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع ما يرضيه ويجتنب ما يغضبه ، كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله مؤمنًا به، متبعًا لأوامره، مجتنبًا لنواهيه.
والمعنى الآخر للحكمة ما عبر عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما: "وهو شهر تُرفع فيه الأعمالُ إلى رب العالمين، وأحبُّ أن يُرفع عملي وأنا صائم". فأحبَّ النبيُّ ( صلى الله عليه و سلم ) أن تُرفع أعماله وتُختَم أعمال السنة وهو على أفضل حال من العبادة والطاعة؛ ولذلك قال: "وأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم".
وذُكر في صوم شعبان معنى آخر، وهو أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلاّ يدخل في رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قَبْلَه حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.
ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شُرِع فيه ما يُشْرَع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن؛ ليحصل التأهب لصيام رمضان، وتروضَ النفوس على طاعة الرحمن.
أحبتي الكرام تقبل الله منا ومنكم .. و للحديث بقية إن كان في العمر بقية .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد معلم النَّاس الخير

___________________________________
تدبر رائع وتفكير حكيم ان نري في كل ما يحدث حولنا امثلةً دالة علي كيفية النجاة في هذه الحياة الدنياوفي هذا التدبر الرائع بأن كل الحضور ابد من دليل فعلي علي حضورهم وان كنا نُساءل عن حضورنا فيما لا قيمة له فكيف لا نُساءل عما هو قيِّم بل هو الاكثر اهمية من كل شيء وهو طوق النجاة في الدنيا والاخرة
ففي فكرة ان نفكر في اثبات الحضور في هذه الدنيا بمثابة العمل الذي له اثر يبقي واننا مُساءلون عليه امام رب العزة وما ذكره هذا الحكيم الرائع بمثابة انه الشيء المنطقي والطبيعي ولا غرابة فيه فان كان البشر يطلبون دليل الحضور بالتوقيع فان رب العزة من البدهي ينتظر منا هذا الدليل لحضورنا ولكن بالفعل والعمل
هذا التدبر يعصم كل فرد وينجيه من ان يجد نفسه مع الذين (ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا
فيكون الغبن يوم لا رجعة فيه لاصلاح اي شيء فتكون الحسرة عارمة والخسران شديد والعواقب وخيمة فهو خلود بلا نهاية
وقد حذرنا رب العزة من هذا في سورة الكهف وسورة التغابن حين قال عز وجل لنا ﴿قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرينَ أَعمالًا ۝ الَّذينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَهُم يَحسَبونَ أَنَّهُم يُحسِنونَ صُنعًا ۝ أُولئِكَ الَّذينَ كَفَروا بِآياتِ رَبِّهِم وَلِقائِهِ فَحَبِطَت أَعمالُهُم فَلا نُقيمُ لَهُم يَومَ القِيامَةِ وَزنًا ۝ ذلِكَ جَزاؤُهُم جَهَنَّمُ بِما كَفَروا وَاتَّخَذوا آياتي وَرُسُلي هُزُوًا﴾ [الكهف: ١٠٣-١٠٦]
{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التغابن
والبشارة في هذه الايات التي في سورة الحديد لتطمئن الجميع انه طالما هناك نفس وقلب ينبض فالعودة والنجاة في متناول ايدينا والله ينتظر ذالك من الجميع حين قال عز وجل
﴿أَلَم يَأنِ لِلَّذينَ آمَنوا أَن تَخشَعَ قُلوبُهُم لِذِكرِ اللَّهِ وَما نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلا يَكونوا كَالَّذينَ أوتُوا الكِتابَ مِن قَبلُ فَطالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ فَقَسَت قُلوبُهُم وَكَثيرٌ مِنهُم فاسِقونَ ۝ اعلَموا أَنَّ اللَّهَ يُحيِي الأَرضَ بَعدَ مَوتِها قَد بَيَّنّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُم تَعقِلونَ ۝ إِنَّ المُصَّدِّقينَ وَالمُصَّدِّقاتِ وَأَقرَضُوا اللَّهَ قَرضًا حَسَنًا يُضاعَفُ لَهُم وَلَهُم أَجرٌ كَريمٌ ۝ وَالَّذينَ آمَنوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدّيقونَ وَالشُّهَداءُ عِندَ رَبِّهِم لَهُم أَجرُهُم وَنورُهُم وَالَّذينَ كَفَروا وَكَذَّبوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصحابُ الجَحيمِ ۝ اعلَموا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنيا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَينَكُم وَتَكاثُرٌ فِي الأَموالِ وَالأَولادِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهيجُ فَتَراهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكونُ حُطامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضوانٌ وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إِلّا مَتاعُ الغُرورِ ۝ سابِقوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُها كَعَرضِ السَّماءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذينَ آمَنوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتيهِ مَن يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظيمِ ۝ ما أَصابَ مِن مُصيبَةٍ فِي الأَرضِ وَلا في أَنفُسِكُم إِلّا في كِتابٍ مِن قَبلِ أَن نَبرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسيرٌ ۝ لِكَيلا تَأسَوا عَلى ما فاتَكُم وَلا تَفرَحوا بِما آتاكُم وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُختالٍ فَخورٍ﴾ [الحديد: ١٦-٢٣]
وغاية المطلوب من كل منا هو ما قاله رب العزة في ختام سورة الكهف
﴿قُل إِنَّما أَنا بَشَرٌ مِثلُكُم يوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُم إِلهٌ واحِدٌ فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلًا صالِحًا وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ١١٠]
                                                                                                                    _____________________________

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان