عذرا سيدي التلمساني في العام ١٩٨٠ وفي منتصف شهر رمضان استضاف أحد مساجد منطقة اللاظوغلي بوسط القاهرة الأستاذ عمر التلمساني ليلقي كلمة بين ركعات التراويح

 


عذرا سيدي التلمساني

في العام ١٩٨٠ وفي منتصف شهر رمضان استضاف أحد مساجد منطقة لاظوغلي بوسط القاهرة الأستاذ عمر التلمساني ليلقي كلمة بين ركعات التراويح ، وأعتقدت أيامها أن خاطرة بين ركعات التراويخ لن تستغرق أكثر من عشرة دقائق، لكن الكلمة تجاوزت الساعة وكنت اتغافل عن كل بديع فيها وأرصد ماظننته جرائم تقدح في عقيدة الرجل كأن يستعرض بعضا مما كنا نعرفه من كلمات الصوفية وخاصة رابعة العدوية ، فينظر بعضنا لبعض ببريق الغضب كأننا عصابة حق هاقد نجحت في فضح إمام الإخوان وتلقفت سقطاته التي تثبت صوفيته وانحرافه العقدي الظاهر في كلماته وبلا مواربة .

كان هذا العام هو عام بدأ قوافل الدعوة السلفية في الظهور لمنافسة الإخوان في الإستيلاء على الشارع والمساجد والجامعات ، ونجحت قوافل السلفية والجماعة الإسلامية أيامها في تحجيم جماعة الإخوان وحصرها في ساحات اقل من الذي كانت تتحرك فيه الجماعة في السنوات من ٧٦ : ٨٠ ، بعدما اتهموا الإخوان بالتفريط في هدي النبي وخاصة اللحية وسفور وجوه نسائهم ، وأتذكر أحدهم وهو يصرخ في وجه الاستاذ/ على خفاحي على عتبة مسجد بنت المعمار بشارع الالفي بالحلمية الجديدة: أهذه لحية تلقى بها الله ؟،

وتتركون وجوه نسائكم مكشوفة عارية لينظر إليها اللئام والفاسدين ، بينما الرجل واقفا منتظرا أن ي يُنهي هذا ثورته الصارخة ليجيبه بأدب الإخوان الذي كنا نظنه ايامها ضعفا وانهزاما، لكن الشاب بعدما صرخ بجملة الاتهامات انصرف مسرعا مهددا متوعدا ليفضحنهم في كل سبيل يجمعهم ولم يترك للرجل الخمسيني فرصة الرد ، والعجيب أننا كنا نعد ذلك صدحا بالحق وفضحا لانحراف الإخوان .

وفي العام ١٩٨٢ خرجت جرائد الصباح تعلن عن حرج حالة التلمساني الصحية وانه تم نقله إلى قسم العناية المركزة بمستشفى القصر العيني، وقبلها كان الطاغية مبارك قد أخرج كل المعارضين الذين سجنهم السادات واولهم نوال السعداوي بينما ترك الإسلاميين وعلى رأسهم التلمساني الذين بقوا في السجون تعذبهم اتهامات وافتراءات وسباب مسجوني الجماعة الإسلامية المتهمين بالانتماء لتنظيم الجهاد أكثر مما يعذبهم اوغاد أمن الدولة ..

وكنت في الإسكندرية يومها وأسير بمحاذة شاطئ قلعة قيتباي برفقة اربعة من سلفنجية إسكندرية ، فلما أبديت أسفي من أجل هذا الرجل المريض والطاعن في السن وجدت رفاقي يغضبون مني ويتهمونني برفق في غير محله، ثم رفع احدهم كفيه للسماء وهو يدعو أن ينتقم الله من التلمساني وكل مجرمي الإخوان وألا يذوقوا نسيم الحرية ابدا، ووالله دعا اللهم لاتخرجهم من السجون إلا محمولين إلى قبورهم ملعونين فلقد أخروا الدعوة وقتلوا رئيس الدولة واشاعوا في البلاد الهرج والقتل ..

غضبت بشدة وحاولت إنزال يديه وانا أقول : أنسيت انهم مسلمين، وليسوا هم من قتلوا السادات، ثم السادات كان طاغية خائنا مجرما عدوا لله وغار في مليون داهية ، فلما وجدت من رفاقي هزءا بكلامي يممت وجهي شطر القطار عائدا للقاهرة وقبل يومين من الموعد الاصلي للعودة .
وفي مساء ذات اليوم توجهت لمقابلة الشيخ أسامة عبد العظيم رأس السلفنجية القاهرية اشكوا له ماسمعت من رفاق الإسكندرية فرفع طالب بطب القاهرة أيامها يديه ليردد نفس الدعاء الذي نقلته لهم شاكيا ، فابتسم شيخهم وهو يقول:مشكلة الإخوان ياأخي عادل أنهم غارقون في السياسة ويريدون الحكم وهذه بدعة كبيرة منكرة.. فسألته وهل لم يكن النبي يسعى للحكم ليقيم أمة الإسلام ودولة الإسلام وشريعة الإسلام" لماذا نتهم المسلم الساعي للحكم ولانتهم الشيوعيين والعلمانيين، نظر إليّ الجمع ككائن غريب قادم من كوكب المريخ مثلا، فاستدرت وغادرت المسجد الذي طالما صليت فيه كثيرا ، ورضعت فيه بغض الإخوان أكثر ، ومن يومها زهدت في الإتجاه السلفي برمته وعددته خارج المنطق الفطري وليس فقط خارج الساحة الأصيلة لدين الله الحق .

جاءت سنة ٨٦ والتي قضى فيها الحبيب التلمساني نحبه بعدما خرج من السجن بنحو العام ، وحينها فضح الله التيار السلفي والجماعة الإسلامية بما اعلنوه أيامها من كلمات الشماتة والحقارة والافتراءات البغيضة فما زادني ذلك إلا زهدا فيهم وإعادة القراءة في تاريخ وأدبيات الإخوان لاكتشف كنوزا كنت غافلا عنها بالأحجبة السلفنجية الغبية والجامدة .
يارب ارحم واغفر لكل رجالات هذه الدعوة الجادة الفاقهة المستنيرة ، والوسطية النبيلة ، واعف عن كل من ظلمها جاهلا قدرها .. اللهم عودا حميدا للمخلصين منهم وحررهم اللهم من سجون الظالمين وانتقم من كل من ظلمهم واشف بنصر إخواننا وتمكينهم صدور قوم مؤمنين .

ربما قبل خمس سنوات تقريبا خرجت مجموعة من الشباب المتحمسين للإسلام على الطريقة السلفنجية المتهورة في ألمانيا بابتداعة صارخة حين وضعوا شارات على صدورهم وأيديهم مكتوب عليها(بوليس الشريعة) فأثار ذالك الرأي العام الأوروبي، وكنت أحاور أحد الأصدقاء الحكماء الذين يفكرون خارج الصندوق فعلا مستشرفا آفاقا بعيدة تبدو ساعة النطق بها غريبة مجنونة أن هذا الفريق الأقرب للتهور والسفه سيكون هو المطلوب بعد عدة سنوات لتترك له الأبواب مواربة لينتشر أكثر.

سيكون المسلم العاقل الوسطي الخلوق هو محط العداء والنبذ والإتهام فتعجبت من كلام الصديق جداً ساعتها ، ولكني ومنذ ساعات لما أُخبرت أن برنامج التطبيق لمجلس الإفتاء الأوروبي قد تم حجبه والتضييق على رجالات المجلس من علماء فقهاء حتى في أمور معايشهم وإقامتهم والإتهامات التي توجه إليهم عبر الصحافة التي تمثل المقدمة للإجراءات العملية المغرضة بعد قليل وقت .

إن أوروبا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان متجهزة اليوم أكثر من أي وقت سبق للكفر بهذه المبادئ والأسس التي أثرت حياتهم وجمّلتها وجعلت الإقامة في بلادهم محط أحلام شباب العالم الثاني والثالث جميعا مسلمين وغير مسلمين، مادام الطرح الفكري الإسلامي المنطقي النظيف يحوز ولاءات الكثير من عقلائهم وحكمائهم ومفكريهم والطبقات المتقدمة في مجتمعاتهم، إذن فليكن الطرح السلفي الجامد والمتيبس والخشن للإسلام هو البديل المتروك لتبغيض الناس في الإسلام ، ولتحكم محكمة سويسرية بحق المرأة في ارتداء النقاب ليس لسواد عيون الحرية بقدر ماهو طاقة تنفير وتبغيض في دين يلزم المرأة بهذا الشكل الغريب الأسود على حد قول محامي ألماني ..

وحتى لو أجبر بن سلمان المرأة السعودية على ترك النقاب فإن أوروبا لاتريد اليوم تركه لأنه من أكبر العقبات أمام انتشار دعوة الإسلام في الواقع الأوروبي، وإذن فليُترك السلفنجي الجامد ليؤدي دوره التبغيضي في الإسلام، وليُحاصر المسلم الوسطي الحكيم ولتكون التهمة الموجهة إليه حال انعدام قرائن العنف والإرهاب أنه للأسف أحمر الخدين .
عادل الشريف






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان