أمة واحدة ..كانت العرب فى الجاهلية قبائل متفرقة متصارعة تنتشر فى شبه الجزيرة العربية ؛ وكانت مهنة العربي رعي الغنم ؛ وكانت الخيمة عنوانه والناقة مركبه والسيف شعاره

 
                                     





أمة واحدة

- كانت العرب فى الجاهلية قبائل متفرقة متصارعة تنتشر فى شبه الجزيرة العربية ؛ وكانت مهنة العربي رعي الغنم ؛ وكانت الخيمة عنوانه والناقة مركبه والسيف شعاره ؛ وكان لكل قبيلة شيخها وشاعرها ؛ وربما نشبت الحرب بين قبيلتين واستمرت عقودا بسبب سهم أصاب ناقة بالخطأ
ثم أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق فصبر وثابر على الجاهلية ثلاث عشرة سنة ثم هاجر إلى يثرب وأنشأ دولة المدينة فى عشية وضحاها ؛ وكانت أول دولة فى تاريخ العرب ؛ وشملت هذه الدولة قبائل الأوس والخزرج والمهاجرين من قريش كما شملت الحبشي والرومي والفارسي ؛ ويخاطب الله تعالى رسوله الكريم فيقول له: لو أنفقت مافى الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم ؛

ونسمع الله تعالى على مدى القرآن كله يخاطب "الناس" فيقول : ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ؛ بل يقرر الذكر الحكيم أن الإختلاف دليل على حكمة الله وقدرته : ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم؛ وهكذا ظهرت أول دعوة عالمية وأول نظام عالمي فى التاريخ
وفى حجة الوداع وقف خاتم النبيين يخطب فى "الناس" فى آخر عهده بالدنيا فقال :

أيها "الناس" إسمعوا منى فإنى لاأدرى لعلى لاألقاكم بعد عامى هذا فى موقفى هذا أبدا ؛ إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا ؛ كلكم لآدم وآدم من تراب ؛ لافضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ؛ أنظروا لاترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ؛ اللهم هل بلغت اللهم فاشهد ...

- ثم قفل رسول الله راجعا إلى المدينة ؛ وجهز جيش أسامة بن زيد ؛ ولم يلبث أن لحق بالرفيق الأعلى ؛ وتوقف جيش أسامة على باب المدينة ينتظر مايأمره به خليفة رسول الله
- وفى عهد الخلافة الراشدة خرج الصحابة من قلب الصحراء العربية وقادوا مسيرة الفتوحات الباهرة ؛ وأخذوا على عاتقهم إزالة الطاغوت وتصدير الحرية والكرامة

إلى الشعوب يدفعهم إلى ذلك إيمانهم الراسخ بتكليف الله لهم بإبلاغ الرسالة للناس كافة ؛ وهاهو ربعي بن عامر يخاطب رستم فيقول له : إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ؛ وهذا هو الجهاد فى سبيل الله

- وفى عهد بنى أمية وبنى العباس امتدت دولة الإسلام من الصين وإندونيسيا فى أقصى الشرق إلى مراكش والأندلس فى أقصى الغرب ؛ ووقف عقبة بن نافع ذات يوم على شاطئ المحيط الأطلسي وقد خاضت قوائم فرسه فى الماء وقال كلمته الخالدة : لو علمت أن وراء هذا البحر أرضا لخضته فى سبيل الله

- وكان رحالة مثل ابن بطوطة يجوب الآفاق ويرحل فى أمان الله من الأندلس إلى المغرب ثم شمال أفريقيا ومصر ومنها إلى الحجاز واليمن ثم الشام والعراق ثم فارس ثم الهند ومنها إلى الصين وإندونيسيا لايعوقه عائق
- ورأينا رجالا أعلاما من العجم أسسوا قواعد اللسان العربي وعلوم الفقه والحديث وعلوم الطب والفلك والضوء والكيمياء والرياضة ؛ ومنهم سيبويه الفارسي وابن المقفع وأبوحنيفة النعمان والبخاري صاحب الجامع الصحيح وابن سينا صاحب القانون فى الطب ؛ ومنهم من حول مجرى التاريخ العالمي مثل طارق ابن زياد ويوسف بن تاشفين وقطز وصلاح الدين الأيوبي وعثمان بن أرطغرل

- ولولا الإسلام لاندثر العرب فى جزيرتهم كما اندثرت عاد وثمود وجرهم والعماليق ؛ ولولا كتاب الله لاندثرت اللغة العربية كما اندثرت عشرات اللغات على مدار التاريخ ؛ ولقد شاء الله تعالى أن تكون رسالته الأخيرة إلى العالم بلسان عربي مبين ؛ ولم تزل هذه اللغة هي وعاء الرسالة الخاتمة

ثم ثارت نعرة القومية العربية وهاجت العصبية الجاهلية التى نهانا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : دعوها فإنها منتنة ؛ ونحن نقرأ قول الله تعالى : إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ؛ والأمة الواحدة هي أمة الإسلام التى احتوت العرب والعجم والبربر ؛ وكان من آثار هذه النعرات أن تتابعت النكسات على الأمة ؛ وتسابقت إنجلترا وفرنسا فى إذكاء هذه الجاهلية لتقطيع الأمة الواحدة وهضمها قطعة قطعة ؛ ورسم سايكس وبيكو وزيرا الخارجية حدود كل قطعة ؛ وتحولت الأمة الواحدة إلى دويلات هزيلة ؛ وراح أعداء الأمة يحرشون بين هذه الدويلات ويصطنعون العملاء
- بدأت أوروبا بإسقاط السلطان عبدالحميد الذى عارض فكرة الوطن القومي لليهود فى فلسطين وطرد هرتزل ؛ ونشط دعاة القومية أمثال أتاتورك وعبدالعزيز آل سعود والشريف حسين بن علي الهاشمي ؛ واعترف عبدالعزيز بحق اليهود فى فلسطين فأقرته انجلترا على الحجاز ..

واستقل أحفاد الشريف حسين بالشام والعراق ؛ وأخذ أعداء الأمة يحرضون اليهود على الهجرة إلى فلسطين ؛ ولم يزل المجاهد عبدالقادر الحسيني متغلبا على العصابات اليهودية فى فلسطين ؛ وما إن تأسست جامعة الدول العربية سنة ١٩٤٨ حتى حظرت إمداد عبدالقادر بالسلاح والمؤونة فقتل هو ورفاقه جميعا ؛ وكذلك تآمر أعداء الأمة على البطل أحمد عبد العزيز وسائر المجاهدين فى فلسطين؛ وأمر الملك فاروق ربيب الإنجليز بعودة القوات المصرية إلى ثكناتها وأقامت فرنسا متحفا فيه الآلاف من جماجم الشهداء الجزائريين وكأنها ترى هذه الجماجم شرفا عسكريا وسياسيا لها يحق لها أن تعرضه فى متحف

ورحل الإحتلال العسكري عن المنطقة العربية أخيرا بعد أن أقام أصناما من الملوك والأمراء والعسكر ؛ وما إن ظهر زعيم القومية العربية على المسرح بقامته الرائعة حتى توالت النكبات على مصر ؛ وتبعثرت أشلاء الآلاف من الجنود المصريين فى السويس وفى جبال اليمن وعلى رمال سيناء ؛ وضاعت بقية فلسطين كما ضاعت سيناء والجولان فى ساعات قليلة

ومازالت الأمة تعانى من القهر والتخلف والفساد والتشرذم ؛ ومازال الملوك والأمراء والعسكر يكنزون المليارات من الدولارات فى بنوك أوروبا ؛ وكلما هلك قيصر جاء قيصر وكلما هلك كسرى ورثه كسرى ؛ ومازالت كلمة أمير المؤمنين عمر تدوى بين صفحات التاريخ : نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة فى غيره أذلنا الله

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان