كان الحصار الذي ضربه الأمن الباكستاني على "لال مسجد" أي المسجد الأحمر الثلاثاء 3 يوليو 2007 واقتحام المسجد صبيحة الثلاثاء 10 يوليو

سياسية ـ المسجد الأحمر


لعبة الكبار ولا عزاء
للضحايا في باكستان

رأي : عادل صديق

كان الحصار الذي ضربه الأمن الباكستاني على
"لال مسجد" أي المسجد الأحمر الثلاثاء 3 يوليو 2007 واقتحام المسجد صبيحة الثلاثاء 10 يوليو أي بعد أسبوع من بدء حصار دامٍ، لينتهي نهاية مأساوية، كان وقودها أربعين شاباً،وثلاثة جنود، وعشرات الجرحى امتداداً لحملة كبيرة قادها "برويز مشرّف" على المدارس الدينية التي وصفت بأنها متشددة وأنها لها صلات بالقاعدة، وبالطبع اتخذت أحداث سبتمبر 2001 ذريعة ملائمة لتحقيق الإرادة الأمريكية التي عدت نفسها المتضرر الرئيس عقب تفجيرات منهاتن ، لتعقب ذلك حملة معلنة لضرب أفغانستان 2001، وملاحقة القاعدة حتى داخل الحدود للدول المجاورة ثم ضرب العراق، واحتلالها إيذاناً بحملة كبرىعلى العالم الإسلامي للقضاء على حالة الرعب الذي أطلقوا عليه "وهم الرعب الإسلامي" ووصفه البعض بصناعةالموت
لقد كان الهدف تجفيف المنابع ولم يكن الأمر قاصراً على باكستان الدولة المجاورة لأفغانستان التي تأوي القاعدة وقوات طالبان بل امتد إلى التعليم الديني في الدول الإسلامية، والتوجّه لإلغاء أو تحجيم المدارس الدينية في اليمن أيضاً، وتقليص دور الأزهر في مصر، ثم غيرها من البلدان بإيعاز من أمريكا.
لكن ما لفت الانتباه أن برويزمشرف
قاد توجّها عنيفاً لا هوادة فيه ـ تعاطى بإخلاص مع التوجيهات الأمريكية ـ مما أثار حفيظة المدارس الدينية ـ حتى المعتدلة منها ـ لقد كانت الحملة موجهة إلى الأجانب الذين جاءوا من الكثير من البلدان من أمريكا وكندا ومن بلدان غربية، والكثيرون يعودون لأصول آسيوية، كانوا يعدون أنفسهم ضيوفاً على باكستان، ولكن منعتهم الإجراءات من الاستمرار.
لقد اعتبروا ذلك أمراً مخزياً لباكستان لأنهم جاءوا فقط يدرسون الإسلام، ولكن حملة التشكيك المنظمة منعتهم من ذلك، كانت الكثير من المدارس الدينية والشرعية تستقبل طلاباً من المعاهد التي لها ثقلها الشرعي "جامعة بنورية" في كراتشي كانت تضم بين جنباتها أكثر من 5500 طالب وطالبة كانوا جميعا يتسمون بالاعتدال، ولكن بذريعة القضاء على الإرهاب تعرضوا للتضييق، كان الطلاب يقولون إنها لعبة سياسية، لقد صدر قرار بالطرد لهؤلاء، خصوصاً عقب تفجيرات يوليو 2005 التي وقعت في لندن، فقد اتهمت المدارس أنها تبث أفكاراً متطرفة، لقد صارت "المدارس الدينية في قفص الاتهام" كما قالت قناة العربية التي اتسمت بالتحامل والإثارة في طرحها وعدم الحياد، ولم تكن على غرار ما ذكره الباحث الأمريكي"بيتر بيرغن" ونشرته "نيورك تايمز" أحد الادعاءات التي تروّج لها الحكومة الأمريكية والدول الحليفة لها في الحرب على "الإرهاب"، وهو أن المدارس الدينية الإسلامية التي تمارس أدوارًا في إعالة العديد من العائلات المسلمة الفقيرة، يكون لها أثر في تخريج الطلاب الذين يتحولون في المستقبل إلى "إرهابيين". ولفت "بيرغن" الذي ألف كتاب "الحرب المقدسة" والباحث في معهد "نيو أمريكا" إلى أن وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول، كان قد شجب هذه المدارس الدينية ولاسيما في باكستان والعديد من البلدان الأخرى، زاعمًا أنها تمثل تربة خصبة لـ"الأصوليين والإرهابيين".
ويؤكد بيرغن على أن هذه المدارس الإسلامية التي شنت ـ ولا تزال ـ الإدارة الأمريكية حربًا شعواء عليها باعتبارها مفارخ لـ"الإرهاب" وإن كانت قد تسفر عن تخريج دفعات ممن وصفهم بـ "الأصوليين" الذين تعلموا القرآن باللغة العربية حفظًا بدون فهم، فإن هذه المدارس لا تعلّم طلابها مطلقًا المهارات التقنية اللازمة لكي يكون هناك "إرهابيون" فعّالون، الذين وقـفوا وراء بعض الهجمات الأخيرة التي استهدفت غربيين، أغلبهم متعلمون تعليمًا جيدًا ومدنيًا وفي كثير من الأحيان متخصصون في مجالات علمية
ويأتي الحدث ليؤكد أن المسجد في باكستان له صفة اعتبارية خاصة، فهو يشمل المدرسة، ومكاناً لإعاشة الطلاب، بالتالي يحدد ذلك ولاءهم، وأكثر طلاب المدارس الدينية من ضواحي باكستان ولم يكن هناك طلاب من جنسيات أخرى لسعي الحكومة لإفراغ المدارس الدينية من الطلاب الأجانب حتى لا تزعج نفسها باتهام الدعم العقدي للإرهاب، أو أنها لا زالت تؤوي خارجين على الإرادة الأمريكية، وقامت الحكومة بهذا الجانب بدافع المشاركة في "الحرب على الإرهاب" الدعوى التي دعت لها امريكا.
ويقوم الإمام في هذه المدارس ـ بجانب الدور التعليمي ـ بدور صاحب الرأي في القضايا الحادثة، حيث يعايش الحدث ويبدي فيه رأياً، بل يقود جماعة الطلاب لإبداء الرأي في الأمور السياسية، من هنا نقدر مدى الهوّة التي سقطت فيها الحكومة الباكستانية، وربما تجدّ أحداث جسام في باكستان لا قبل لـ "برويز مشرف" بها على أثر المصادمة مع التعليم الديني، وربما يدفع الشعب الباكستاني ثمن خطايا قرار لم يحسن إدارة الأزمة وتضطر باكستان إلى التخلي عن برامج بذل الشعب الكثير لكي ترى النور حين يدخل الناتو ـ وهذا احتمال وارد ـ دعما لحلفائه "برويز مشرف" وحكومته في الشأن الباكستاني كأحد المقتضيات السياسية التي تخالف إرادات الشعب
.
و"لال مسجد" أي المسجد الأحمر، ليس استثناء مما سبق إلا أنه حظي بأهمية أكبر بسبب موقعه في العاصمة إسلام آباد، وفي منطقة تكثر فيها المراكز الأمنية والسياسية الحساسة للدولة فضلاً عن السفارات، فقد بني المسجد في العام 1969 حين صارت "إسلام أباد" عاصمة لدولة باكستان بدلاً من كراتشي الميناء الذي يطل على بحر العرب، مما جعله مركزاً دينياً متقدماً، وساعد على ذلك إمام المسجد وخطيبه الشيخ "محمد عبد الله غازي" الذي كانت تربطه علاقة وطيدة بالرئيس الجنرال "ضياء الحق"، حيث كان دور المسجد آنذاك يلائم توجهات الدولة في حقبة الثمانينيات حيث تدعم "المجاهدين الأفغان" في حربهم ضد الروس، ولكن تراجع دور المسجد بالنسبة للدولة ببناء " مسجد فيصل " الذي يعد أحد أهم معالم المدينة الآن، وتراجعت علاقة الإمام مع الحكومات المتعاقبة بعد اغتيال الرئيس "ضياء الحق" عام 1988 وساءت أكثر مع تصاعد جهود السلطات لمحاصرة الظاهرة الدينية "الجهادية" المرتبطة بالحالة الأفغانية.
حدثت مواجهات بين الحكومة والمسجد قتل خلالها الإمام "محمد عبد الله غازي" أواخر التسعينات ليخلفه ابناه عبد العزيز، وعبد الرشيد في الوقت الذي استجابت فيه الحكومة لإملاءات أمريكا بتقليص دور المدارس الدينية، وتتجدد الاشتباكات عقب تفجيرات فندق ماريوت إسلام أباد 2004 ، واتخذت الحكومة إجراءات بإخضاع المدارس والمنتمين إليها للمراقبة، ووجوب عدم قبول دراسة الأجانب فيها. وقامت السلطات بترحيل المئات من الطلاب لخارج باكستان ليصل الأمر بمولانا عبد العزيز بإنشاء محكمة شرعية والدعوة لتطبيق الشريعة لتحاصره الحكومة هو وأنصاره من الطلبة، ويغادر عبد العزيز المسجد متخفياً لتقبض عليه القوات المحاصرة، ويدعو عقب ذلك أنصاره للاستسلام عقب إدراكه لخطورة الأمر والهلاك المحقق الذي تقدم المدرسة المسجد عليه، وربما يصدق ما تردد عن اتفاق الإمام مع الحكومة لإنهاء الأزمة ثم تراجعها لتحرز "نصراً عنيفا" يخفف من غلواء المدارس الدينية - في زعمها - فيسلم قيادها للحكومة الباكستانية، ثم كانت بداية سقوط باكستان في أتون حرب داخلية في بلد متفاوت التوجهات، ولا يرضى أحد أن يمس ما يؤمن به من ثوابت وستثبت الأيام مدى صحة هذا الادعاء من خطئه

ويبدو أن النيران بدأ اشتعالها مبكر بيد من أوقدوها فمن يطفئ النيران؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان