الحقيقة والخيال والشعر
الشعر
شعور، وخيال يبعد عن عوالم الحقيقة، التي يحياها البشر، وغالبا ما يكون الشاعر
حالة نفسية، على غرارالحالة الشعرية، ويصور لذاته وقرآئه عالما آخر يحبونه من أجله،
وهو عالم المستحيل لا الممكن، وأنظر إلى
القصائد التي قيلت في آداب العالم، واكتشف إلى أي شيء يطمحون .
بالطبع هناك شعر موضوعي، وهو قليل بخلاف الشعر
المحلّق الذاتي فمثلا كلمات "الشاعر كمال عبد الحليم" إبان
العدوان الثلاثي على مصر، وانظر لقوة الكلمات التي تدعو المقاومة إلى الحفاظ على
بلادنا، ولا نتخلى عنها لأعدائنا .
دعْ سمائي فسمائي محرقه
دع قنالي فمياهي مغرقه
واحذر الارض فأرضي صاعقه
هذه أرضي أنا
وأخي ضحي هنا
وابي قال لنا
مزّقوا اعدائنا
والشعر استغواء للنفوس بموسيقاه، وبحوره
وقافيته التي ترسم نهاية بيت، وانظر إلى شعر الرومانسية الذي ينسي الإنسان
احتياجاته، ويغرق في نغماته، إنه جنون، وحُلم يستيقظ منه على واقع أمر، وللأسف لا
يوجد توازن لهؤلاء إلا لمن رحم الله.
صديقنا الكاتب "علاءالبشبيشي ينعى مشهد الغروب" الحزين حيث يتذكر جدته ـ رحمها الله
ـ حين أصاب عينهامرض"لعين"أدى لانقباضه للون الغروب إيذانا بالمساء
والظلام، ولامس الكاتب نظرة الشعراء إلى الغروب والليل رغم أن الليل يمثل سهدا
للعاشقين، وربما كان ليلا طويلا للمحرومين، ما بين سارح مع الإحبة، وفاقد لهم.
وأردف
الكاتب بمشهد غيوم الشتاء التي تدعو
للانقباض، وإن كان الأمر نسبيا، فقد كانت غيوم الشتاء محببة لنا ـ أهل الإسكندرية
ـ ومن عشقوا شتاءها .
ومزج"لبشبيشي "الغروب بلمسة تفاؤل حيث ربط بين الغروب وصوت الشيخ طوبار،
وإن كنت أظن أنه قصد "الشيخ النقشبندي" وفي رمضان حين كان يشجي المحبين ويفرحهم
بابتهالاته التي كانت تذاع في راديوالقاهرة مغرب كل يوم من أيام رمضان.
ويضيف"البشبيشي":أستعيد ذكريات الطفولة
حين كان صوت القرآن ينبعث من المآذن القريبة قبيل الإفطار في رمضان؛ فيتسرَّب نسيم
الفرحة التي بشّر بها المعصوم إلى قلبي المرهق.. ويتساءل مستنكرا :"وهل غير
ذلك يُهَوِّن علينا طول السفر ويَطوى عنا بُعدَه ويُنجينا من وعثاء الطريق ويُخفف
عنا كآبة المنظر؟
حقيقة ذكرني صديقي بالكثير، وما
فعلته إلا أستدعاء للكلمات وما قد قرأته يوما، فمثلا: قصيدة "الشاعر خليل مطران" تعبّر
وجدانيا عن الحالة التي نعيشها إن كانت حزنا ملأتنا الأحزان والمواجع، وإن كان الغروب
لدى الشعراء حالما، في وجود النسيم العليل حين يقبل الليل يأتي الشاعر بمفردات أخرى،
من لمعان النجوم، ورومانسية الشعور، والمقارنة بين القمروإشراق نوروجه المحبين، وابتسامة
العاشقين .
يا للغُرُوبِ ومابهِ من عَبْرةٍ للمُسْتَهَـامِ! وعِبْرَةٍ للرّائـي!!
أوليسَ نزْعاً للنَّهار وصَرْعةً للشَّمسِ
بينَ مـآتمِ الأضـواءِ؟
أوليسَ طمساً لليقينِ ومبعـثاً للشَّكِّ
بينَ غـــلائلِ الظَّلْمَـاءِ؟
أوليسَ محواً للوجودِ إلى مـدىً وإبـادةً
لمعـالم الأشيـــاءِ؟
حتى يكونَ النّورُ تجديداً لـها ويكونَ
شِبْهَ البعثِ عَوْدُ ذُكاءِ
تساؤلات متوالية للشاعرللدليل على ما لديه من
أحزان المساء والاغتراب والوحدة ، ومقابلات بين الوجود والعدم والموت والحياة،
ومحو الوجود، والمساء حين ذاك دلالة على
يأس وكآبة ورغبة في طمس الحياة وإبادة لمعالم
الأشياء..
يأتي الشعورحسب حالة الإنسان، فمشاعره هي التي تحدد إن كان حزينا أم سعيدا منقبضا أم
منبسطا، فالمساء ظاهرة كونية لا تسبغ الأحزان، ولا تجلب الأفراح والمشاعر حين قال
شاعر:
عندمـــا يأتي المساء، ونجــوم الليل تُنْثرُ
أسألُ الليلَ عن نجمي، متى نجـميَ يظهرُ
عندما تبدو النجوم في السما، مثلَ اللآلي
أسألُ، هل من حبيبٍ، عنده علمٌ بحالي
فالشاعر محمود ابو الوفا يعاني الوحدة،
لذا يسمعنا أنينه، ووحدته تؤلمه بعدما افتقد من يحب ، بعدا أو موتا، والشعراء دوما
ينصهرون في مشاعرهم ،وقليل من الشعراء الفلاسفة مثل أبي العلاء المعري من
يفضح الكلمات التي يتغنى بها الشعراء ويعدّها من قبيل الوهم فقال :
تَوَهَّمتُ خَيراً في الزَمانِ وَأَهلِهِ
وَكانَ خَيالاً لا يَصِحُّ التَوَهُّمُ
تعليقات