روح الله الخميني:أكبر هاشمي رفسنجاني من الخميني كان بلا وسيط في حين أن المناصب التي مَنحها الخُميني لخامنئي كانت بوساطة أفراد آخرين

 

إحسان مهرابي – إيران وير

إنّ khamenei.com سلسلة تقاريرَ ستتطرق إلى أداء علي خامنئي كمرشد أعلى لإيران خلال 31 سنة، وموضوع جميع هذه التقارير هو “علي خامنئي”، إحدى أكثر الشخصيات القيادية العالمية المليئة بالأسرار غير المكشوفة.

 فلا نعرف عن حياته الشخصية إلا قليلاً، وإذا ما استثنينا ابنه “مجتبى” الذي يُطرح اسمه في السنوات الأخيرة قلّما نرى في الإعلام أحداً من عائلته أو صورة لها أو قولاً منسوباً إلى أعضائها. لكن هذا الغموض الزاخر بالألغاز والأسرار لا يخص حياته الشخصية والعائلية فحسب، ففي العام 2017 أيْ بعد 28 سنة من تبوُّئِه أعلى سلطة في الجمهورية الإيرانية نُشِرت عدةُ مقاطع مصوَّرة قصيرة كَشفت النقاب عن سرّ من تلك الأسرار، وبيّنت أن اختياره كمرشد كان مؤقتاً. 

ناهيك عن أن المنشآت الاقتصادية الـمُدارة تحت إشرافه تُشكّل أكثر القطاعات الاقتصادية غموضاً في إيران، فلا أداؤها شفّاف ولا أرباحها وخسائرها معلومة. فضلاً عن أن خامنئي لم يَتّخذ منهجاً واضحاً في السياسة، وكلما سنحت له الفرصة تنصّل من تحمل المسؤولية. لذلك، ستكون سلسلة khamenei.com مسعًى على طريق حلّ لغز بل ألغاز الخامنئي.

 ما بَرِحتِ المؤسسات المقرَّبة من علي خامنئي تُعرِّف به كأكثر الأشخاص قرباً من “روح الله الخميني”، لكن جميع الشواهد والروايات تنمّ عن أن قرب “أكبر هاشمي رفسنجاني” من الخميني كان بلا وسيط في حين أن المناصب التي مَنحها الخميني للخامنئي كانت بوساطة أفراد آخرين. كما أن الخميني أهان خامنئي إهانةً غير مباشرة في الفضاء السياسي مرتين على الأقل.

إذاً، خلافاً لتلك المؤسسات لم يتجاوز ثناءُ مؤسس الجمهورية الإيرانية على خامنئي ثناءَه على غيره من تلامذته؛ من ذلك ما قاله الخميني في صيف 1981 للسكرتير العام وأعضاء اللجنة المركزية لــ “حزب الجمهورية الإسلامية”: “أعرف الأشخاص الذين شكّلوا هذا الحزب. فأنا مَن ربّيتُ خامنئي، وأنا من ربّيت رفسنجاني، وأنا من ربّيت بهشتي”.

استناداً إلى روايات كثيرين من تلامذة الخميني كان كلٌّ من هاشمي رفسنجاني و“مرتضى مطهّري” و“محمد حسيني بهشتي” هم مَن يُشكّلون الحلقة الرئيسية لتلامذته في النضال قبل الثورة الإسلامية. كذلك كان آية الله “حسين علي منتظري” وآية الله “محمود طالقاني” في مكانة أعلى قياساً إلى هؤلاء، وكانَا من المحوريِّينَ في الكفاح ضد حكم الشاه.

كما لم يَرِد اسم خامنئي في قائمة الأوائل الذين عَيّنهم الخميني في “مجلس الثورة”. في إحدى المرات أدلى منتظري أنه اقترح على الخميني حين التقى به في باريس إضافةَ اسم خامنئي أيضاً إلى هذا المجلس. وتُفيدنا هذه الرواية أن الخميني أجاب أن خامنئي في مَشهد. فقال منتظري: “وإن كان في مشهد! يستطيع أن يأتي إلى طهران”.

وصرّح منتظري مرة أخرى أنه عندما قرّر الإقامة في قُم اقترح اسم خامنئي بديلاً عنه كإمام لخطبة الجمعة.

في سياق متصل، حين كان خامنئي رئيساً للجمهورية اضطر كارها إلى إعادة تكليف ميرحسين موسوي برئاسة الوزراء بأمر من الخميني.زِدْ على ذلك أن الخميني أهان خامنئي مرتين في الفضاء السياسي علناً، حيث اصطف في قضية “قانون العمل” في صف تيار اليسار الإسلامي.

فعندما صرّح خامنئي في خطبة الجمعة بتاريخ 1  يناير 1988 بشأن الاختلافات حول قانون العمل قال: “ما تفضّل به الإمام الخميني من أن الحكومة تستطيع أن تُلْقي بأيّ شرط على عاتق صاحب العمل فإن هذا ليس أيّ شرط، بل هو الشرط الذي يكون في إطار أحكام الإسلام المقبولة، وليس أبعد من ذلك”.

فما كان من الخميني إلا أنْ فَنّد ما قاله خامنئي ووجّه إليه رسالة مؤرَّخة بــ 16 يناير 1988 قائلاً فيها؛ إن كلام خامنئي يتعارض مع ما قاله هو”. وأوضح: “يبدو من كلامك أنك تحكم بعدم الصحة على الحكومةَ التي تعني الولاية المطلقة الـمَنوطة بالنبي من قِبل الله، وأنها أهم الأحكام الإلهية، ولها فضل التقدّم على جميع الأحكام الإلهية الشرعية.


 وتفسيرك بأنني قلتُ إنّ للحكومة حقَّ الاختيار في الأحكام الإلهية هو تفسير مغاير لأقوالي جملةً وتفصيلاً. ولو كانت صلاحيات الحكومة ضمن إطار الأحكام الإلهية الفرعية لَـمَا كان هناك أيُّ معنًـى لتفويض الحكومة الإلهية والولاية المطلقة إلى نبي الإسلام”.

بعد تراجع خامنئي عن موقفه وتوسُّط رفسنجاني وَجّه الخميني رسالة أخرى إلى رئيس الجمهورية يُعرِّفه فيها بالمسائل الفقهية ويدعوه إلى الالتزام بها، مُضيفاً بالطبع: “من بين الأصدقاء والملتزمين بالإسلام ومبادئه فأنت أحد هؤلاء النادرين الذين يَنشرون النور كما يفعل شعاع الشمس”.

كذلك شكّل كلام خامنئي عن إلغاء فتوى قتل “سلمان رشدي” موضوعاً آخر أبدى فيه الخميني ردّة فعل.

فبعد ثلاثة أيام من إصدار الخميني فتوى قتل سلمان رشدي لنشره كتاب “آيات شيطانية”، قال خامنئي في خطبة الجمعة: “لا شك أن هذا الإعدام الثوري سيُطبَّق بحق سلمان رشدي، إلا إذا أعلن توبته وألَّف كتاباً واعتذر فيه لمسلمي العالَـم ولإمام الأمّة، ونَفى ارتباطه بهذا الكتاب، في هذه الحالة يُمكن أن يَصفح عنه الناس”.

فأصدر مكتب الخميني بعد هذا التصريح بيوم واحد بتاريخ 18  فبراير 1989 بياناً رفض فيه 100% إلغاء حكم قتل سلمان رشدي في حال توبته. وجاء في البيان: “حتى لو تاب سلمان رشدي وأصبح زاهد عصره كان واجباً على كل مسلم أن يُسخِّر كل ما يستطيع من مال وروح حتى يُلْقي به في الدرك الأسفل”.

فاضطر خامنئي هذه المرة أيضاً إلى التقهقر، وأدلى بتصريح في مارس 1989 قائلاً “حُكْم الإمام الخميني عن هذا الكاتب حكم شرعي ثابت لا يتغير، وهو محكوم بالإعدام بلا أيِّ قيد أو شرط لأنه أهان مقدّسات أكثر من مليار مسلم في العالَـم”.

علاوة على ما تقدّم، تقول الروايات إن رأي الخميني بشأن القيادة لم يقتصر بعد آية الله منتظري على خامنئي وحده، بل كان يأخذ في حسبانه كلّا من هاشمي رفسنجاني و“موسوي الأردبيلي” أيضاً، حتى إن حظوظ رفسنجاني كانت أكبر. والدليل أن آية الله “محمد رضا توسّلي”، من أعضاء مكتب الخميني، يَنقل أن الأخير طلب قبل عدة أيام من موته من رفسنجاني إعداد نفسه ليكون المرشد الأعلى من بعده، فعارض رفسنجاني الفكرة.

وتأسيساً على بعض التحليلات، كان رفسنجاني يَتصور أن في استطاعته إدارةَ البلاد من دون أن يكون في منصب المرشد كدأبه في عهد الخميني. وبناء على هذا التصور أدار اجتماعاً لمجلس خبراء القيادة ليصبح خامنئي المرشدَ الأعلى ويُصبح هو رئيساً للجمهورية فيما بعد.


نهتْ الثورةُ الإيرَانيةُ النظامَ الملكيّ الحَاكِمْ بالبلادْ فِي عامِ ألفٍ وتسعمائةٍ وتسعةٍ وسبعينْ ميلاديًا لتُصبِحَ جمهوريةً مُؤسسةً علَى نَظريةِ ولاَيةِ الفَقِيهْ الشّيِعيّة، ولكنْ الثّورةَ الّتِي نَجَحتْ بَعدَ مَقتلِ سِتّينَ ألفِ مُتظَاهرْ خِلالَ عامٍ ونَيّفْ، لاَحقَتهَا تَحدياتٍ خَارجِيةٍ أَدّتْ لمُعَاداةِ القُوتَين العُظمِيينْ،آنذاك واكتَملتُ المأسَاةُ بِنشُوبِ حَربٍ طَويلةٍ مَعَ العِراقِ امتدّتْ لنَحوِ ثَمانِي سَنواتٍ عِجَافٍ وعُدّتْ أطولَ حُروبِ القَرنِ العِشرينْ؛ فَكَيفَ نشأت الثورةُ الإيِرانِية، ونَجَحتْ دَاخليًا فِي البِداية ثُمّ تَعقَدتْ أموُرُها خِلالِ تِسعِ سَنواتْ؟


تَزَاوجتْ سُلطة نظامِ حَاكمِ إيرَانْ"الشاه محمد رضا بهلوي" بِرأسِ مَالِ رجَالِ الأعمَالِ مِمّا أَدّىَ لتَوحُشْ الرأسِمَاليةِ واستِفحالِ التّضَخُّم الاقتِصَاديّ فيِ البِلادٍ؛ فثروةُ الشاهْ وحدهُ قُدّرتْ بأَكثَر مِنْ "واحد ثلاثين مليار دولار"،معَ امتلاكِهِ وأسْرَتهِ مَشروعَاتٍ اقتصَاديةٍ عِملاقةٍ صَارتْ مَضرِبًا للأمثَالِ عالميًا؛ وبالتّاليِ تَزايَد إنفٍجارُ موجاتِ الغَضبِ الشّعْبِي عَبرَ عَشراتِ السنواتِ معَ انتشَارِ الفَقرِ والبَطالةِ وتَدَخُل عُلماءِ الدّين الشّيعةْ بفتاواهُم السّياسيِة ضِدّ حُكمِ الشّاه؛ وكان الخامس من يونيو/حزيران من العام ألفٍ وتسعمائةٍ وثلاثةٍ وستينَ، 

أَحدَ أيام المظاهراتِ العارمةِ  التّي بَرزَ فِيهَا دَوْرُ الخوميني كأحَدِ قادةِ المُتَظَاهِرينَ، وَفيِ المقابلِ إتفقَ كَبارُ المَرَاجِعِ الدّينِيةِ عَلَى تَرقِيةِ الخوميني إلىَ منزلةِ "آية الله العظمىَ" كرتبةٍ تَمنَعُ سَجنَهُ، لكِنّ نِظامَ الشّاه نفاهُ إلىَ تُركيِا ومنهَا اتّجهَ الخوميني إلىَ النّجفْ العِراقِية، وقبلَ الثورةِ بِعَامَينْ إلَى بَاريسْ، وفيِ كلّ الأحوَالِ أسهَمَ مِنَ الخارجِ فيِ تَزايُدْ الاحتجَاجاتِ وتكثِيفِها وصولًا لتَحَالُفْ التّياراتِ الإسلاَميةِ مَع الليبرَالِيةِ واليساريةِ ضِدّ الشّاه بَعدَ أنْ طَالَ ظُلمِ نظامه بكبت الحُريّات الّذيِ اكتَملَ بالتكريسِ لحِزبٍ واحدٍ، وتعاونَ الأخيرُ معَ "السّافاك" أو جهازِ الأمنِ لتصفِيةِ المُعَارضِين.


وفِيِ الأولِ منْ أبريل جَرىَ استفتاءٌ شعبيٌ عَلَى تأسيسِ "الجُمهورية" وأعلَنَ الخُوميني موافَقةَ ثمانيةً وتِسعِينَ فيِ المَائةِ مِنَ الشّعبِ عَلىَ قيامِ "الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، وبَعدَ خمسَةٍ وثلاثينَ يومًا فحسبُ يُشكل "الحرسُ الثّورِي" مِنَ التنظيِماتِ الثّوريةِ لحِمَايةِ الثّورةْ.      

خارجيًا اتخذتْ الجُمهوريةُ الوليدةُ مواقفَ سياسيةً بالغةَ الشّدةْ والحِدةْ بدأتْ بأزمَةِ رهائنَ السفارةِ الأمرِيكيةِ في طهران، فيِ الرّابعِ مِنْ نُوفَمبر الثاني مِنَ عَامِ الثورةِ الأولْ إذْ اقتحمَها متظاهرونَ مطالبينَ بِتَسليمِ الشاهُ الذّي كانَ يُعالجْ"بالولاياتِ المتحدةِ" حينها. استَمرتْ الأزمةُ أربعُ مَائةٍ وأربعةٍ وأربعينَ يومًا وانتَهتْ بالإفْرَاجِ عَنْ اثنَينِ وخَمسينً أمريكيًا كانُوا محتجزينَ فيِهَا، لكنّ الولاياتُ المتحدةُ بادَرَتْ بقطعِ العِلاقاتِ الدُّبلوماسيةِ مَعَ إيرانَ منْذُ حِينَها ومَا تَزَالُ مُجمدةً حتّى اليومْ.

وقبلَ نهايةِ العامِ الثوريّ بستةِ أيامٍ فَتَحَتْ طَهرانُ جَبهة عَداوةٍ أُخرَىَ مَعَ الاتحادِ السّوفييتي لمّا غَزاَ الأخيرُ أفغانِستَان إذْ وطّدَ الخوميني عِلاقاتَه مَعَ مجموعاتٍ متغيرةٍ مِنَ الجَمَاعاتِ المُسلّحةِ فِي أفغَانِستَانْ، وحَشَدتْ مُقاتِلينَ شِيعةً أحيانًا وتَحَالفتْ مَعَ المقَاتِلينَ السُّنة في مرَاحِلَ أخُرى.

ولمْ تكتفِ جمهورية إيران الوليدة بالجبهتين الأمريكية/السوفيتية بل فتحت جبهةً جديدةً معَ بَغدَاد أيضًا بحربِ طَويلةِ الأمَد بدأتْ فِيِ سبتمبر/أيلول من العام ألفٍ وتسعمائةٍ وثمانينْ وانتهتْ فِي أغسطس/آب بعد ثَمانيِ سنواتٍ تقريبًا، مخلّفة أكثرَ مِنْ مليُونَ قتيلٍ وأضعافُهُم مِنْ المصابينَ وأضرارًا بالغةً باقتصاد البلدينِ وبنيتِهمَا التحتِيةَ قُدِّرتْ بأربعمائة مليونَ دُولار؛ تَسببتْ فيها أولًا الدعايةَ الإيرَانيةَ بتَصديرِ الثّورةِ ولوْ بالقُوة إلىَ الدّولِ المُجَاورةِ وبخاصةٍ العربيةِ مَعَ الخلافِ عَلىَ تَرسِيمِ الحدودِ مَعَ العراقِ بخاصةٍ فِيِ منطقةِ شطّ العربِ المليئةِ بالنفطْ.

فيِ العامِ التّاليِ لتَوَقُفِ الحَربِ الإيرانيّة/العراقيّة توفي الخوميني تاركًا البلادَ وسْطَ عدَاواتٍ خَارجيةٍ خًلّفَتْ خَسائرَ بشريةً واقتصاديةً بالغةً وأسئلةً حَولَ مَا جَرّتهُ الثّورةُ عَلىَ البلادِ وإمكَانِيّة تَحَققْ أهم أهَدافِ الثّورةْ مِنْ العنَايةِ بِحُريةِ وحَياةِ المِوَاطِنْ.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان