الرؤية القرآنية لحل الأزمة الليبية... لحقن الدماء وبناء إن ما يحدث الآن في بلادنا علاجه في تطبيق قول الله تعالى عز وجل:” وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
د. علي محمّد الصلابيّ
كان موسى – عليه السلام – من أولي العزم من الرسل الذين حققوا التوحيد وإفراد الله بالعبادة، وحارب فرعون ونظامه الظالم بالعقل والحكمة والحجج والبراهين، وجعله الله سبباً في إنقاذ بني إسرائيل من النظام الاستبداديِّ الفرعوني، وقد تميزت شخصيته العظيمة بصفات حميدة وأخلاق كريمة، كان كثير الدعاء لله عزَّ وجَلَّ، والتضرع بين يديه وشديد الخوف منه، ومتوكلاً عليه، صابراً على تكاليف الدعوة ومشاقّها، صادقاً مع ربه، شجاعاً لا يخاف إلا الله، عالماً وحكيماً وأميناً وقوياً ورحيماً ومعيناً للمستضعفين، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والصفات الكريمة التي عاش بها وسط الناس، ودعا إليها وعلّمها لمن استجاب لدعوته، وقد أسهمت تلك المنظومة الأخلاقية المتينة في التأسيس الأخلاقي والمنهج الرباني الذي سار عليه الموحدون لله عزَّ وجَلَّ في عهده وبعد وفاته، ومن أهم تلك الأخلاق والصفات:
إخلاص موسى عليه السلام:
إن الدعوة إلى الله عزَّ وجَلَّ وإلى توحيده وعبادته، إن لم يصاحبها الإخلاص لله سبحانه وابتغاء وجهه عزَّ وجَلَّ وعدم الطمع في الأجر من الناس أو نيل أي عرض من الدنيا، فإنها دعوة منزوعة البركة، عديمة الأثر على الناس. (وقفات تربوية في ضوء القرآن، عبد العزيز الجليل، (٣/١٥٦)
ولقد قصّ الله علينا في كتابه العزيز قصة موسى – عليه السلام – في إخلاصه له تعالى وترفعه عن الدنيا وزخرفها وإرادته في عمله وجه الله عزَّ وجَلَّ في كل حرمة وسكنة من حياته وذكر الله هذه الصفة الحميدة والخلق الكريم، وأن من أعظم أسباب رفعته وعلو شأنه هذا الخلق الكريم، قال تعالى:﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (٥١) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (٥٢) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (٥٣)﴾]مريم:٥١-٥٣[.
أي: واذكر في هذا القرآن العظيم موسى بن عمران على وجه التبجيل له والتعظيم والتعريف بمقامه الكريم وأخلاقه الكاملة.
- ﴿إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا﴾: قرئ بفتح اللام على معنى أنَّ الله تعالى اختاره واستخلصه واصطفاه على العالمين، وقرئ بكسرها على أنه ﴿مُخْلِصًا﴾ لله تعالى في جميع أعماله وأقواله ونيّاته، فوصفه الإخلاص في جميع أحواله، والمعنيان متلازمان، فإن الله أخلصه لإخلاصه، وإخلاصه موجب لاستخلاصه، وأجلُّ حالة يوصف بها العبد الإخلاصُ منه والاستخلاصُ من ربِّه.
- ﴿وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا﴾ أي: جمع الله له بين الرسالة والنبوة، فالرسالة تقتضي تبليغ كلام المرسل وتبليغ جميع ما جاء به من الشرع دقّه وجلّه، والنبوة تقتضي إيحاء الله إليه وتخصيصه بإنزال الوحي إليه؛ فالنبوة بينه وبين ربه، والرسالة بينه وبين الخلق.
- ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ﴾: بل خصه الله من أنواع الوحي بأجل أنواعه وأفضلها وهو تكليمه تعالى وتقريبه مناجياً لله تعالى، وبهذا اختص من بين الأنبياء، بأنه كليم الرحمان.
- ولهذا قال: ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ﴾ أي: الأيمن من موسى في وقت مسيره، أو الأيمن أي: الأبرك من اليمن والبركة ويدل على هذا المعنى قوله تعالى: ﴿أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾.
- ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا﴾: والفرق بين النداء والنجاء أن النداء هو الصوت الرفيع والنجاء ما دون ذلك، وفي هذا إثبات لكلام الله وأنواعه من النداء والنجاء، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة.
- ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا﴾ هذا من أكبر فضائل موسى وإحسانه ونصحه لأخيه هارون أنه سأل ربه أن يشركه في أمره وأن يجعله رسولاً مثله، فاستجاب الله له ذلك، ووهب له من رحمته أخاه هارون نبياً، فنبوة هارون تابعة لنبوة موسى عليه السلام، فقد ساعدَهُ في أمره وأعانه عليه. (تفسير السعدي، ص٤٦٤)
إن الآيات الكريمة ركزت على صفات عديدة لموسى – عليه السلام – منها الإخلاص لله تعالى، فموسى – عليه السلام – كان مخلصاً لله في دعائه والتجائه إليه؛ ليهديه سواء السبيل، ويكشف الكروب والصعاب، وموسى – عليه السلام – كان مخلصاً في دعوته للسحرة وإقامة الحجة عليهم، ودعوتهم إلى توحيد الله عزَّ وجَلَّ وإفراده بالعبادة. - وموسى – عليه السلام – كان مخلصاً في دعوته لقومه لمعرفة الله وتوحيده وإفراده بالعبادة والالتزام بشرعه سبحانه وتعالى.
من سيرة موسى – عليه السلام – تعلّمنا أهمية أن يتجرد الإنسان من الدنيا، ويزهد فيها ويجعل أعماله خالصة لوجه الكريم، وأن يسعى الإنسان المؤمن لرضا خالقه العظيم غير متأثر بمدح ولا بذمّ.
ولقد وجه موسى – عليه السلام – ضربة موجعة إلى إبليس من خلال قيمة الإخلاص وصفة الإخلاص وخُلُق الإخلاص، ونجا من وساوسه، وكذلك من سار على هديه، قال تعالى: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣)﴾]ص:٨٢-٨٣[، فقد اعترف إبليس سلفاً أنه لا سلطان له على الخلاصة الصافية من عباد الله المؤمنين الصادقين، ويئس منهم قبل أن يراهم. (منهج الدعوة إلى الله في سورة نوح، أحمد سليمان، ص٢٤٦).
ملاحظة هامة: اعتمد المقال في مادته على كتاب: “موسى عليه السلام كليم الله”، للدكتور علي محمد الصلابي، واستفاد كثيراً من مادته من كتاب: “وقفات تربوية في ضوء القرآن”، للدكتور عبد العزيز الجليل.
المراجع:
• وقفات تربوية في ضوء القرآن، عبد العزيز الجليل.
• تفسير السعدي، عبد الرحمن بن ناصر السعدي.
• منهج الدعوة إلى الله في سورة نوح، أحمد سليمان.
• علي محمد الصلابي، موسى كليم الله. عدو المستكبرين وقائد المستضعفين.
تعليقات