علي عزت بيغوفيتش أول رئيس جمهوري لجمهورية البوسنة والهرسك بعد انتهاء حرب البوسنة والهرسك، هو ناشط سياسي بوسني وفيلسوف إسلامي
تعلم في مدارس العاصمة سراييفو، وتخرج من جامعة سراييفو تخصص القانون، وعمل مستشاراً قانونياً لمدة 25 سنة، ثم اعتزل وتفرغ للبحث والكتابة. نشأ علي عزت بيغوفيتش في وقت كانت البوسنة والهرسك جزءاً من مملكة يوغسلافيا التي تحكمها أسرة ليبرالية، ولم يكن التعليم الإسلامي جزءاً من المناهج الدراسية، وكان علي عزت، وهو لا يزال شاباً، واعياً بأهمية أن يتعرف على دينه الإسلام ويقرأ فيه قراءة مستفيضة، فاتفق مع بعض زملائه في المدرسة أن ينشئوا نادياً مدرسياً أو جمعية للمناقشات الدينية سموه ملادي مسلماني أي الشبان المسلمين، والتي تطورت فيما بعد، فلم تقتصر في نشاطها على الاجتماعات والنقاشات وإنما امتدت إلى أعمال اجتماعية وخيرية، وأنشأ بها قسماً خاصاً بالفتيات المسلمات. استطاعت هذه الجمعية أثناء الحرب العالمية الثانية أن تقدم خدمات فعالة في مجال إيواء اللاجئين ورعاية الأيتام والتخفيف من ويلات الحرب، وإلى جانب هذه الأنشطة تضمنت برامج الجماعة برنامجاً لبناء الشخصية، وقد تأثرت الجمعية بأفكار أخرى جاء بها بعض الطلاب البوسنيين الذين تعلموا في جامعة الأزهر.
وحينما احتلت النازية الألمانية مملكة يوغوسلافيا وأحالتها لجمهورية فاشية، قاطعت جمعية الشبان المسلمين النظام الفاشي، وضايق هذا الفعل النظام فحرمها من الشرعية القانونية، وفي جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية السابقة تحت زعامة قائدها القوي جوزيف بروز تيتو كان بيغوفيتش معارضاً بارزاً، وسجن عدة مرات في عهد تيتو، وكان كثيراً ما يتهم من قِبل أطراف صربية وكرواتية بأنه من داعمي الأصولية الإسلامية. تسلم بيغوفيتش رئاسة جمهورية البوسنة والهرسك من 19 نوفمبر عام 1990 إلى 5أكتوبر 1996 بعد التوقيع على اتفاقية دايتون، ومن ثم أصبح عضواً في مجلس الرئاسة البوسني من عام 1996 إلى عام 2000، يعد علي عزت بيغوفيتش من الموقعين في عام 1995 على اتفاقات دايتون للسلام التي أنهت الحرب ووضعت أسس تشكيل رئاسة حكومية ثلاثية الأطراف تضم المسلمين والصرب والكروات في البوسنة والهرسك تحت مسمى مجلس الرئاسة البوسني.
ولد علي عزت بيغوفيتش في يوم 8 أغسطس عام 1925 في مدينة بوسانا كروبا البوسنية، كانت عائلة بيغوفيتش مكونة من الأبوين «مصطفى» و«هبة» عزت بيغوفيتش، بالإضافة لخمسة أبناء: ابنين (علي الابن الأكبر) وثلاث بنات. كانت أسرة بيغوفيتش تنحدر من مسلمي البوسنة السابقين الأرستقراطيين الذين فروا من بلغراد إلى البوسنة والهرسك في عام 1868، وذلك بعد انسحاب قوات الجيش العثماني من صربيا، وكان جده يخدم كجندي في بلدة أسكدار التركية، فتزوج من امرأة تركية اسمها «سيديكا هانم»، وانتقل الزوجان فيما بعد إلى مدينة بوسانا كروبا البوسنية، وأنجبا خمسة أطفال، وأصبح الجد في وقت لاحق رئيساً لبلدية المدينة، وفي فترة رئاسته أنقذ أربعين صربياً من تنفيذ حكم الإعدام فيهم على أيدي السلطات النمساوية المجرية بعد اغتيال غافريلو برينسيب من الأرشيدوق لولي عهد الإمبراطورية النمساوية المجرية فرانس فرديناند، والذي سمي تاريخياً باغتيال سراييفو وذلك في 28 يونيو عام 1914، وكان والد عزت بيغوفيتش محاسباً، وخدم في الجيش النمساوي المجري على الجبهة الإيطالية خلال الحرب العالمية الأولى، وتعرض لإصابات خطيرة تركته في حالة شبه مشلول مدة لا تقل عن عشر سنوات، وأعلن الإفلاس في عام 1927.
في العام التالي من الإفلاس انتقلت العائلة إلى العاصمة سراييفو، حيث تلقى علي عزت بيغوفيتش التعليم العلماني. وعندما بلغ سن الرابعة عشر تأثر عزت بيغوفيتش بالكتابات الشيوعية، وبدأ إيمانه في الاهتزاز، وكانت الدعاية الشيوعية في أوجها في يوغوسلافيا قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، كانت تلك الدعاية الشيوعية قد تولدت كرد فعل ضد الفاشية، والتي كانت في وقتها تعيش عصرها الذهبي، كان علي عزت بيغوفيتش في بداية نشأته التعليمية يحضر مدرسة البنين الأولى (مدرسة قواعد اللغة) حيث كان الشيوعيون بشكل خاص نشطين في ذلك الوقت، المدرسة اشتهرت بكونها مدرسة شيوعية، حيث أن بعضاً من أساتذتها ينتمون إلى الفكر الشيوعي، وبالتالي وقع عدد من المنشورات الشيوعية في يديه حيث لم يكن بمنأى عن رسالتهم، وبدأ يتكون لعلي عزت بيغوفيتش عقلين متضادين، وذلك بين مشاكل العدالة الاجتماعية والظلم من جهة وبين الإيمان بالله من جهة أخرى، ومع ذلك وحتى الوهلة الأولى أثارت الشكوك بيغوفيتش من خلال حقيقة أن الدعاية الشيوعية صورت الله بأنه شخص سيء وأن الدين هو عبارة عن أفيون الشعوب، وخلافاً لذلك يبدو أن بيغوفيتش كان يعتقد أن الرسالة المركزية هي الإيمان بأشكاله المختلفة، وأنه يجب أن يعيش حياة تستشعر المسؤولية الأخلاقية.
وبعد سنة أو سنتين من التردد الروحي والفلسفي عاد علي عزت بيغوفيتش لإيمانه بقوة متجددة وبطريقة جديدة، وفي وقت لاحق من حياته صرح -أنه على ما يبدو له- أن ثبات إيمانه كان في الواقع نتيجة شكوك الشباب التي راودته، ولم يعد الإيمان الذي يحمله ذاك الإيمان الذي كان قد ولد عليه، ولم يعد ذاك الإيمان التقليدي الذي كان قد ورثه، ولكن هو الإيمان الذي اكتسبه واعتمده من جديد، ولم يكن أبداً ليخسره مرة أخرى، على الرغم من أن علي عزت بيغوفيتش في وقت لاحق من حياته وفي كتاباته في المسائل الدينية قال إنه وباستمرار يعيد النظر بدراسة الإيمان، وقال: «الكون من دون الله بدا عبثاً بالنسبة لي»، وفي الوقت نفسه قرأ بيغوفيتش الأعمال الكلاسيكية للفلسفة الأوروبية قبل سن التاسعة عشرة من عمره، وكان لديه قاعدة متينة في كتابات جورج فيلهلم فريدريش هيغل وباروخ سبينوزا وإيمانويل كانت التي كان لها تأثير خاص على رجل فضولي شاب.
وفي عام 1943، وفي ذروة الحرب العالمية الثانية، كانت عائلة عزت بيغوفيتش مثل معظم جيرانهم يعانون من آثار الحرب، وكانوا أكثر عرضة للجوع والفقر من أي وقت سبق. في نفس السنة احتُلت سراييفو من قِبل الكروات، الذين فرضوا على السكان أحكاماً نازية قاسية، كان يتوجب على علي عزت بيغوفيتش في تلك الفترة أن يلتحق بالخدمة العسكرية، ولكنه لم يفعل، وفي نظر السلطات أصبح مشروعاً نموذجياً للمراوغ، وكان يتوجب عليه أن يبقى مختبئاً طوال عام 1944، وعندما أصبح هناك مخاطرة كبيرة جداً في بقائه في سراييفو هرب إلى مسقط رأسه في مدينة بوسانا كروبا وبالتحديد في وادي سافا، في تلك المنطقة لم يكن يوجد أي من الجيوش، لا أنصار ولا ميليشيات إسلامية ولا قوات كرواتية، ومع ذلك فإن حقيقة أن علي عزت بيغوفيتش لم يحمل السلاح لا يعني أن عزت بيغوفيتش كان غير ملتزم بالنضال، على العكس من ذلك فقد سعى هو وعدد قليل من أقرانه للتعبير عن وجهات نظرهم السياسية من خلال إنشاء جمعية الشباب المسلمين، وكانت المحاولة الأولى لتسجيل الجمعية في ظل القوانين في تلك الفترة في شهر مارس من عام 1941، وليس من المستغرب أن تفشل محاولة تسجيل الجمعية؛ ففي أبريل من عام 1941 هاجمت ألمانيا يوغوسلافيا، وكانت الأولوية الوحيدة لبيغوفيتش هي البقاء على قيد الحياة، والغريب أنه في خضم الحروب والنزاعات الحاصلة إلا أن الجمعية واصلت نشاطها، وركزت بشكل رئيسي على السياسة الخارجية والمسائل الروحية، وبعبارة أخرى المسائل المتعلقة بالعالم الإسلامي المعاصر، واعترف هؤلاء المسلمون الشباب المؤسسون للجمعية أن الحالة السياسية في العالم الإسلامي هي حالة رديئة وغير مستدامة، بينما الإسلام هو فكر العيش الذي يمكن ويجب تحديثه دون أن يفقد أياً من جوهره، وكانوا أيضاً يدركون جيداً أن معظم الدول الإسلامية كانت تحت الحكم الأجنبي، سواء من خلال وجود عسكري أو من خلال رأس المال الأجنبي.
وإن لم تكن المنظمة قد تشكلت رسمياً إلا أنها أصبحت أكثر شعبية من أي وقت مضى، بين تلاميذ المدارس الثانوية والطلاب، واستمرت في العمل والنشاط طوال الحرب العالمية الثانية، وكان صدام علي عزت بيغوفيتش الأول مع الجمعية في عام 1944، عندما شكلت الجمعية تحالفاً مع جريدة الحجاز ورابطة الأئمة، كما أنه في كثير من الأحيان لم يكن يتفق تماماً مع طرح جريدة الحجاز، وذلك بسبب التفسير الصارم للإسلام التي كانت تنتهجه الجريدة، والنتيجة التي استنتجها على حد تعبيره في مذكراته: كانت السبب في منع تطور الفكر الإسلامي في الداخل والخارج.
التعليم
نشأ علي عزت بيغوفيتش في أسرة عريقة في إسلامها، وتعلم في مدارس مدينة سراييفو التي أمضى حياته فيها بعد انتقاله من مسقط رأسه بوسانا كروبا البوسنية، وفيها أكمل تعليمه الثانوي في عام 1943، ثم بعدها التحق بجامعة سراييفو، وحصل على الشهادة العليا في القانون في عام 1950، ثم نال شهادة الدكتوراه في عام 1962، وعلى شهادة عليا في الاقتصاد في عام 1964، وكان بيجوفيتش يقرأ ويتحدث ويكتب بعدة لغات أجنبية هي اللغة الألمانية، والفرنسية، والإنجليزية، مع إلمام جيد باللغة العربية، وعمل مستشاراً قانونياً لمدة 25 سنة، ثم عمل بالسياسة، وبعدها اعتزل العمل السياسي وتفرغ للبحث والكتابة، وحرص بيغوفيتش على تعلم اللغة العربية باعتبارها وسيلة الاتصال بالقرآن الكريم المصدر الرئيسي للإسلام، كما مكنته اللغة العربية من الاطلاع على التيارات الإسلامية وتجاربها.
بيان الإعلان الإسلامي
نشر علي عزت بيغوفيتش بياناً بعنوان «الإعلان الإسلامي»، معرباً فيه عن وجهات نظره بشأن العلاقات بين الإسلام والدولة والمجتمع، فسرت السلطات في جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية ذلك الإعلان أنه بمثابة دعوة لإدخال الشريعة الإسلامية في البوسنة، وحظرت نشره، وظل الإعلان مصدراً للجدل في البوسنة ويوغوسلافيا على حد سواء، أما الصرب الذين كانوا يعارضون بيغوفيتش فقد فهموا أن الإعلان يدل على وجود نية لاستنساخ أسلوب الجمهورية الإسلامية الإيرانية في البوسنة، وكثيراً ما نُقلت مقاطع من الإعلان مِن قِبل معارضي علي عزت بيغوفيتش خلال عام 1990، والذين اعتبروا أن البيان والإعلان هو خطاب مفتوح ومحرض للأصولية الإسلامية، وشارك في هذا الرأي بعض الكتاب الغربيين أمثال جون شندلر، من جانبه نفى علي عزت بيغوفيتش بشدة هذه الاتهامات، وأكد الكاتب البريطاني نويل مالكولم «أن التفسير القومي الصربي للإعلان هو دعاية كاذبة، وقال إن الإعلان مثل أطروحة عامة عن السياسة والإسلام الموجهة نحو العالم الإسلامي بأسره، وليس عن البوسنة ولم يذكر حتى البوسنة، وأنه لا يمكن وصف أياً من هذه النقاط على أنها أصولية»، وقال مالكولم إن علي عزت بيغوفيتش أوضح وجهات نظره في كتابه الذي ألفه في وقت لاحق بعنوان الإسلام بين الشرق والغرب، حيث قدَّم الإسلام على أنه نوع من التوليف الروحي والفكري الذي تضمن قيم الغرب وأوروبا، وذكر بيغوفيتش في ذلك الكتاب أن الإسلام نظرة عالمية وطريقة للحياة تعلو على كل البدائل الفكرية والروحية، بما في ذلك البدائل الفلسفية والسياسية. وفي وقت لاحق حول بيغوفيتش الإعلان الإسلامي من مبادئ منشورة إلى كتاب مطبوع أسماه الإعلان الإسلامي.
الرئاسة
بعد أن أُدخِل نظام التعددية الحزبية في جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية في نهاية الثمانينات الميلادية اندفع علي عزت بيغوفيتش ونشطاء بوسنيون آخرون لإنشاء حزب سياسي، وأسموه حزب العمل الديمقراطي، وذلك في 27مارس عام 1990، وكان الطابع الإسلامي هو سمة هذا الحزب إلى حد كبير. وبالمثل، فإن الجماعات العرقية الرئيسية الأخرى في البوسنة والهرسك وهم الصرب والكروات قد أنشأوا أيضاً أحزاباً على أساس عرقي، وفاز حزب العمل الديمقراطي بأكبر حصة من الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 1990. وفي 19 نوفمبر عام 1990 جرى تنصيب علي عزت بيغوفيتش رئيساً لجمهورية البوسنة والهرسك.
بعد هذا التنصيب اندلعت ترتيبات تقاسم السلطة في البوسنة، وأخذت وتيرتها تزداد بسرعة كبيرة مع تزايد التوترات العرقية، وذلك بعد اندلاع القتال بين الصرب والكروات في كرواتيا المجاورة، وعلى الرغم من أنه كان من المقرر على علي عزت بيغوفيتش أن يتسلم الرئاسة لمدة سنة واحدة فقط وفقاً للدستور، فقد علق هذا الترتيب في البداية بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وتخلى - في نهاية المطاف - حزب الاتحاد الديمقراطي الكرواتي وحزب العمل الديمقراطي عن الحكومة، وعندما اندلع القتال في سلوفينيا وكرواتيا في صيف عام 1991 كان واضحاً على الفور أن البوسنة والهرسك ستصبح قريباً متورطة في الصراع؛ اقترح بيغوفيتش في هذه الأثناء تشكيل كونفدرالية فضفاضة للحفاظ على الدولة البوسنية وحدودها، والحث بقوة لإيجاد حل سلمي في سلوفينيا وكرواتيا، وقال إنه لن يشارك في السلام إن كانت دولته ستتحمل جزءاً من التكلفة، وعلق في فبراير عام 1991 قائلاً: «أود أن أضحي بالسلام لسيادة البوسنة والهرسك ولكن لأن السلام قائم في البوسنة والهرسك أود أن ألا أضحي بالسيادة». ومع بداية عام 1992 أصبح من الواضح أن المطالب القومية المتنافسة في البوسنة لم تكن متوافقة فيما بينها، فالبوشناق والكروات كان بينهما سعي وتنافس للاستقلال بالبوسنة، بينما يريد الصرب أن تبقى البوسنة في ردف يوغوسلافيا التي يهيمن عليها الصرب.
وفي يناير من عام 1992 وضع الدبلوماسي البرتغالي «خوسيه كوتيليرو» خطة عرفت فيما بعد باسم اتفاق لشبونة، والتي من شأنها أن تحول البوسنة إلى دولة مكونة من ثلاثة كانتونات، في البداية وَقَّعَت كل الأطراف الثلاثة على الاتفاق: علي عزت بيغوفيتش ممثلاً عن البوشناق، ورادوفان كاراديتش ممثلاً عن الصرب و«ماتي بوبان» ممثلاً عن الكروات. وبعد نحو أسبوعين انسحب بيغوفيتش من توقيعه، وأعلن معارضته لأي نوع من تقسيم البوسنة والهرسك، ولقي هذا الانسحاب تشجيعاً من «وارن زيمرمان» سفير الولايات المتحدة الأمريكية في يوغوسلافيا في ذلك الوقت.
..........................................
تعليقات