بطل هذه القصة سليل إحدى العائلات المصرية العريقة ، الثرية ، المحافظة ، عاش حياة رغدة ،وطموح بلا حد .. أنهى دراسته بكلية الحقوق .. ورأى والده ان يكمل تعليمة فى باريس بالحصول على درجتى الماجستير والدكتوراة فى العلوم السياسية والإقتصادية من جامعة" السوربون

 











أوراق من سيرة دبلوماسى سابق !
بطل هذه القصة سليل إحدى العائلات المصرية العريقة ، الثرية ، المحافظة ، عاش حياة رغدة ،وطموح بلا حد .. أنهى دراسته بكلية الحقوق .. ورأى والده ان يكمل تعليمة فى باريس بالحصول على درجتى الماجستير والدكتوراة فى العلوم السياسية والإقتصادية من جامعة" السوربون " .. وذهب الفتى إلى باريس وإلتحق بـ " السوربون " .. وكما أوصاه والده بحث عن سكن لدى إحدى العائلات الفرنسية - حفاظاً عليه من غوايات الشيطان ! .. لم يكن يدرك أنه يسعى نحو قدرة , حيث القلوب لا تخضع لفوارق الدين واللغة والجنسية ، وحيث يمكن إخضاع العقول .. إلا أن القلوب لا تخضع !
ماذا كان يستطيع فتانا " شهدى " أن يفعل أمام جمال " جانيت " الساحر - الابنة الوحيدة لهذه الأسرة - كانت ولا شك إحدى جميلات باريس ، جمال يتميز بخصوصية ، فإذا كانت باريس بلاد الجن والملائكة .. فمما لا شك فيه أنها إحدى هؤلاء الملائكة !.. قوام رشيق رائع ، وشعر أشقر ، وعينان زرقاوان .. وفوق كل ذلك ، حباها الله بصوت ناعم حنون - تجعل الناسك يفكر فى أشياء تغضب الرحمن !
فى خلواتهما ، عرف أنها تحب القراءة وتعشق المعرفه .. فكانت تطلب منه أن يحدثها عن مصر .. وبدت مصر فى حكاياته عنها : تحفه العالم ومتعة الأخبار , وتمضى الشهور .. ويتمكن الحب بين القاهرة وباريس !
أسهمت " جانيت " فى أن تصبح باريس بالنسبة لفتانا : حلماً وغواية ، طافت به فى شوارعها، وبين بيوتها القديمة ، وقضى أحلى ساعات العمر فى أحياء الفن والثقافة : " مونمارتر " و " مونبارناس " و " الحى اللاتينى " حيث المقاهى الشهيرة وشارع المدارس والسوربون والكوليج دى فرانس ومكتبة سانت جنيفييف وحى سان جيرمان دى برييه .. وتمر ثلاث سنوات ، نجح خلالها " شهدى " فى الحصول على درجة الماجستير ، ويزداد شوق والديه لرؤيته .. وتقضى " جانيت " أياماً عصيبة قبيل سفره ، وتفضى إليه برغبتها فى الرحيل معه ، فيعدها عندما يحصل على الدكتوراه ويعود نهائياً .. ولولا تربيته الشرقية وحبه وطاعته لوالديه ، لفضل أن يبقى بجوار حبيبته وفى لحظة الوداع ، حيث رافقته إلى ميناء مارسيليا ، تمتد يدها إليه " بسلسلة فضية تزدان بصليب " .. هذه هدية أمى، وهى أعز هدية ، وأنت أعز مالدى فأمنحك إياها !..
وفي القاهرة .. يقضى فتانا أياما بين والديه وأقاربه الذين توافدوا فرحاً بلقائه .. وفى إحدى الليالى وفى وجود عماته وخالاته ، يطرح أمر زواجه ويتحمس الجميع لهذه الفكرة ، بل ويستقر قرارهم على " عنايات " ابنه خالته الكبرى .. متذكرين عهد الطفولة و"عنايات" اتسمت عليه.. " اسم الله عليه كبر " واسم الله عليها هى كمان كبرت ! .. وتآمر الجميع على ان تكون الدخلة قبل عودته إلى فرنسا ..
ملحقاً بالسلك الدبلوماسى :
عاد الفتي حاملا لدرجة الدكتوراه ويتوسط له والده في أن يعين بوزارة الخارجية .. ويتولي عدة مناصب ما بين سكرتير وملحق في سفاراتنا بعدة دول ، وخلال هذه السنوات تتلمذ علي يدي نخبة من أساتذة مدرسة الدبلوماسية المصرية العريقة .
تنقل صاحبنا بين عدة بلدان في امريكا اللاتينية وفي أوربا وعقد الكثير من العلاقات مع دبلوماسيين ووزراء الخارجية .. كما إلتحق بعدة دورات بجهاز المخابرات العامة , ومع مطلع عام 1966 طلب منه الملحق الأمريكي باحدي الدول الافريقية أن يلقاه علي عجل ، وقد عرف عن هذا الملحق كراهيته لليهود الذين قتلوا والده .. وفي هذا اللقاء " السري " أطلعه علي وثائق تؤكد بإن اسرائيل تعد لحرب ضد مصر وسوريا خلال عام 1967 ..
الطريق الى السجن الحربى !
ويتصل بوزير الخارجية " محمود رياض " ويطلب منه تحديد موعد مع الرئيس عبد الناصر علي وجه السرعة !
وخلال 48 ساعة ، كان وجهاً لوجه أمام الزعيم وأطلعه وحدثة بكل ما لديه ، وطلب الرئيس " صلاح نصر " مدير المخابرات العامة في ذلك الوقت ، وكانت المفاجأة في تعقيب صلاح نصر أنه يتشكك في هذا الكلام وأن الاسرائيليين غير قادرين علي مواجهة أكبر " قوة ضاربة في الشرق الأوسط " ولا يمكن أن يفكروا في حرب فيها نهايتهم !
ويطلب صلاح نصر الحديث علي انفراد مع الرئيس .. وينصرف السفير ، وقال صلاح نصر : هذا الرجل عميل مزدوج وهذا الكلام لا يمكن أن يصدر عن رجل وطني !
وكانت بداية المأساة الرهيبة التي عاشها بطلنا ، حيث توجهت قوة الي منزله وألقت القبض عليه ، وأودع معتقلاً في السجن الحربي ! .. وما أدراك ما السجن الحربي في زمن الفريق " الدجوي " .. وفي مواجهة ألوان التعذيب اليومي لم يجد سوي التوجه الي الله تبارك وتعالي أن ينقذه من هذه المحنه .. واستجاب الله لدعائه ، يوم أن استدعاه الفريق الدجوي الي مكتبة وأخبره بأن لديه ولد وبنت في المرحلة الاعدادية فاشلان ومشاغبان ، والجميع في المدرسه يتجنبهما لأنهما أولاد الفريق الدجوي .. والامتحانات اقتربت ، فعرض عليه أن يقوم بالتدريس لهما في المنزل ، واستعان بالله في هذه المهمه ، وبامكاناته الدبلوماسية ، فعمل في البداية علي أن يقربهما منه ، فكان يحكي لهما عن أسفاره ورحلاته بين ربوع العالم ، وبأسلوبه المتميز أقبلا علي دروسهما .. وكانت النتيجة في نهاية العام ليس فقط النجاح وإنما التفوق بجدارة ! ..
الرئيس يتذكر السفير !
ومرت الشهور ، ورفع عنه التعذيب ، الي أن حدثت كارثة 5 يونيو .. ومع تداعيات الأحداث ، يتذكر عبد الناصر بطلنا .. ويطلب من وزير الخارجية إستدعائه .. ويفاجأ الرئيس بأن سيادة السفير في المعتقل .. وتثور ثورته علي الجميع .. بدءا من سامي شرف : " انتو عايزين تعملوا ايه ف البلد أكتر من كده " ! .. ويأمر محمد أحمد باستدعائه فوراً .. ويؤتي به في سيارة سوداء مسدلة الستائر ، علي رأسه الطاقية إياها ، ومدفع رشاش في جانبه الأيمن ، وآخر في جانبة الأيسر .. ويفاجأ محمد احمد بهذا المشهد عند إخراجه من السيارة ، فيصرخ ويسب الجميع ، معتذراً لسيادة السفير : " الريس عايز يشوفك " وعبثاً حاول مع محمد احمد أن يعود الي منزله – تحت الحراسة – ليأخذ دشاً ويغير ملابسه ، لكنه رفض ! .. وأدخل علي الرئيس الذي اعتذر له عما حدث وأنه لم يكن يعلم ! .. طلب منه الجلوس وأن يتغديا سوياً ، فقط يطلب ما يشاء ، أما هو – الرئيس – فسيأكل " عيش ناشف وجبنة خفيفة " حسب تعليمات الاطباء .. غير أن الرجل الدبلوماسي قال بأنه سيأكل من نفس ما سيأكله الرئيس !
- طبعا عرفت المصيبة اللي حصلت
- أيوة يا ريس
- في رأيك .. إيه الحل ؟
- رأيي يا ريس .. إن الحل في إيد الامريكان بنسبة 99 % ( فكان صاحب هذه المقولة الشهيرة التي كان يرددها السادات ) !
- انا عرفت انك علي صله ممتازة بالمسئولين في الادارة الأمريكية خصوصاً " دين راسك " وزير الخارجية .. عموماً افتح قناة سرية معاهم ومعاك " كارت بلانش " في كل خطوة .. وضروري تتصل بي في أي وقت وتطلعني أول بأول علي آخر التطورات .. !
افطار مع الرئيس جونسون !
عن طريق " دين راسك " يتحدد له ميعاد في البيت الأبيض ، في اليوم التالي مباشرة " بكرة الساعة السابعة والنصف حتفطر مع الرئيس جونسون " !
( تفاصيل مذهلة لهذا اللقاء التاريخي ، والذي يكشف عن براعته الدبلوماسية أمام عنجهية جونسون ) !
عرض عليه عبد الناصر أن يكون وزيراً للخارجية ، فرفض ان يخلف أستاذه محمود رياض الي أن صدر قرار تعيينه سفيرا بالارجنتين التي قضي بها سنوات لم ينساها !
فى مؤتمر الخرطوم الشهير !
وقد شارك بطلنا في الوفد الرسمي المصاحب للزعيم عبد الناصر ، في مؤتمر الخرطوم الشهير عام 1970 قبل عدة أشهر من وفاة الزعيم .. وقبيل عقد الجلسة الأولي اقترح عبد الناصر بأن يبادر للصلح مع الملك فيصل ، لتبدأ مشاهد في الكواليس كان بطلها سعادة السفير ، وتفاصيل بالغة الاثارة والتأثير ( وقد ارتبط بطلنا بعلاقة وثيقة بالملك فيصل وصهره " كمال أدهم " الرجل الرهيب ومدير المخابرات السعودية ) كان يعتبر الملك فيصل أعظم ملوك جزيرة العرب .. بسيطا , مهابا , ذكيا , تميزه أخلاق البدو .. حج واعتمر 17 مرة علي نفقة الملك !
يجدر بالذكر أن السادات ، في الفترة التي فصل فيها من الجيش وكان مطارداً .. كان صديقاً لبطلنا ، كما كان صديقاً لزكريا الحجاوي في الجيزة .. كان يأتي لبطلنا في سراي العائلة بحدائق القبة ، وروي الكثير من ذكريات تلك الفترة ، خاصة فيما يتعلق بأم ابراهيم الشغالة والتي كانت تصفه بـ " الواد صاحبك الأسود " !
اتخذه السادات – عقب توليه الرئاسة – صديقاً ، مع الحذر الكامل لبطلنا وهو يعلم أن السادات " ليس لديه عزيز " ! .. وتلاقت أفكارهما السياسية ، وفي " كامب دافيد " كان عضواً بوفد مصر- خبيرا سياسيا وقانونيا - وأبدي مع غيره من المخلصين تحفظاتهم علي تنازلات السادات من أجل " صديقة كاتر " !
مفاجأة .. فى احتفالية السفارة الفرنسية
فى شهر يوليو عام 1988 قرر بطلنا قبول دعوة السفارة الفرنسية بالقاهرة ، للإحتفال بالعيد الوطنى لفرنسا ، ليخرج قليلاً من شواغل الحياة والعمل ويستعيد أجواء الحفلات الدبلوماسية .. ضم الحفل بعض المسؤولين السياسيين والدبلوماسيين المصريين، والسفراء الأجانب ، وعلماء المصريات ، وبعض الصحفيين ، والبعض من العاملين بالمؤسسات الفرنسية فى مصر ... وكانت المفاجأة ، عندما رأى حبيبة عمره "جانيت" .. التقت العيون وخفقت القلوب .. تسللت شعيرات بيضاء إلى رأسها وترك الزمن بعض بصماته على وجهها ، لكنها احتفظت بنضارتها ورقتها وجاذبيتها فكانت أشبه بالفراشة وهى توزع إبتساماتها وكلمات المجاملة والترحيب بالمدعوين .. عرف منها أنها ترأس قسم العلاقات العامة بالسفارة الذى التحقت به منذ عدة سنوات .. وعرف ما مر بها من أحداث ، كان أبرزها زواجها من ضابط طيار ، لم تسعد به كثيراً ، عندما سقطت به طائرته فى مناورة تدريبية .. وسرعان ما خرجت من أحزانها بالإستغراق فى عملها .. تنقلت بين عدة شركات خاصة ومؤسسات فى أعمال السكرتارية والعلاقات العامة ، مما أكسبها خبرة رائعة مكنتها من الإلتحاق بقسم العلاقات العامة بالسفارة الفرنسية .. ومضت بها الحياة ...
كان طبيعياً أن يسألها : لماذا لم تحاول الإتصال به ؟.. ويستعيدا ذكريات باريس وزمن البراءة .. هو الآن يملك قراره .. فلماذا لم تتصل به ؟.. وأخبرها برغبته فى تحقيق الحلم "القديم" ويتوج حبهما بالزواج بها .. لكنها أخبرته بأنها : فضلت ـ ومازالت ـ أن تحيا فى ذكرياتها ، تاركة إياه لزوجته وأولاده .. ووطنه !

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان