الدكتور محمد ابن موسى الشريف، عالم، وكابتن طيار ورحالة و(معتقل)
يكتسب الحوار مع الشيخ الداعية الدكتور محمد بن موسى بن عقيل الشريف كنت ألتقي به حين كنت في أرض الحجاز حين يكون في مسجد الشيخ "علي عمر بادحدح" فك الله أسرهم جميعا ، والتقيت به مرات كثيرة حين تكون لديه رحلة قيمة في اسطنبول، أهمية خاصة، لأن الرجل يعمل طياراً وأستاذاً جامعياً، وبالإضافة إلى ذلك فهناك الدروس والمحاضرات والمشاركات الإعلامية والدعوية وإمامةُ المصلين في مسجد والخطابة في مسجد آخر، هذا غير النشاط في التأليف والكتابة، فمن أين يلقى الوقت لهذا كله؟
كم عدد أولاد الشيخ الدكتور محمد بن موسى الشريف؟
- عدد أولادي أحد عشر،خمسة أبناء وست بنات، وهم من أم واحدة، فأنا موحد ولله الحمد!
وكيف يجد الدكتور محمد الشريف الوقت الكافي لتربية أولاده، والتوفيق بين ذلك وبين الأعمال التي يقوم بها من تأليف وخطابة ومحاضرات ودروس،إضافة إلى العمل الوظيفي كابتن طيار كثير الأسفار والرحلات؟
- للحقيقة ولا أكتمكم، لا أجد الوقت الكافي لتربية الأولاد، إنما أستعين على ذلك بأمرين بعد الاستعانة بالله - تعالى - ودعائه بالهداية لهم:
1- أجلب للذكور مربين ومؤدبين، وألحقهم بالنوادي والمراكز الصيفية والدائمة التي يقوم عليها الأخيار.
2- وأستعين على الأبناء والبنات بأم مربية وصالحة، هي مديرة مدرسة فهي تعرف الأساليب التربوية المناسبة.
لكن عندي قناعة تامة بأن الله - تعالى - لن يضيع أولاد عبده إذا أقبل عليه وتفرغ للعمل الصالح والدعوة.
فقد قال جلّ من قائل: (كان أبوهما صالحا) وهذا في قصة الغلامين اليتيمين اللذين ساق الله لهما نبياً من أولي العزم وساق لهما ولياً كبيراً وهو الخضر، كل ذلك ليصلحا الجدار لهما لأنّ أبوهما كان صالحاً، وقيل كان الجد السابع فنفعهما الله - تعالى - بصلاح أبيهما أو جدهما..
ولا ننسى أيضاً قوله - تعالى -: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً)، إذاً كل من خاف على أولاده فعليه بتقوى الله والقول الصالح والعمل النافع، ولا يعني كلامي هذا إهمال الأولاد، معاذ الله، إنما أذكر ما تيسر لي صنيعه بسبب ازدحام الأشغال وقلة الأوقات، وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - وكثير من السلف الصالح يتركون أولادهم شهوراً طويلة وربما سنوات من أجل الجهاد أو الدعوة أو طلب العلم فلم يعب عليهم أحد من الناس صنيعهم هذا، والله أعلم.
كيف جمعتم بين كابتن طيار إلى دارس للعلوم الشرعية؟
انتسبت إلى جامعة الإمام محمد بن سعود فرع أبها كلية الشريعة، وتخرجت فيها سنة 1408هـ، ثم خرجت من(شركة الخطوط الجوية العربية السعودية) ستة أشهر بدون راتب لألتحق بجامعة أم القرى كلية الدعوة وأصول الدين قسم الكتابِ والسُنّة طالباً منتظماً بمرحلة الدراسات العليا وحصلت على الماجستير سنة 1413هـ، ثم الدكتوراة سنة 1417هـ ولله الحمد، وقد كنت أدرس العلوم على أيدي المشايخ قبل الدراسة النظامية لمدة ثلاثة سنوات.
سفراتكم الكثيرة وانتقالكم بين بلدان العالم لا شك أنها أكسبتكم مخزوناً كبيراً من المواقف والذكريات والدروس التي تسر أو تحزن فما هي أبرز هذه المواقف؟
- أبرز هذه المواقف أني كنت أرى بعض المسافرين العصاة إذا اهتزت بهم الطائرة واضطربت ارتعدت فرائصهم وربما بكوا وصاحوا فأتذكر قول الله - تعالى -: (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد).
ومن الذكريات التي لا تنسى أيامي في قازقستان وقيرغيزيا، وقد سجلتها في شريط وفي حلقات مكتوبة في موقع التاريخ، ومن الذكريات الجميلة الدورات الشرعية والدعوية التي تشرفت بإلقائها في أمريكا وأوربا.
ومن الذكريات التي لا تنسى قصة ذهابي إلى الهند لمقابلة الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي والأستاذ الكبير أبي الحسن الندوي والأستاذ سعيد الأعظمي، ولا أنسى أبداً حسن ذلك اللقاء في ندوة العلماء مع الندويين ونومي على ذلك السرير الشهير حيث أخبرني الأستاذ سعيد الأعظمي أني سأنام على سرير نام عليه عدد كبير من العظماء منهم الأستاذ الكبير علي الطنطاوي - رحمه الله تعالى.
ولا أنسى منظر الأصنام الهائلة في لكنؤ بلد الأستاذ الندوي إذ كل صنم كعمارة من أدوار أربعة تقريباً فكان منظراً هائلاً لا ينسى، ولا يمكن أن أنسى فقر أهل بومباي المدقع الذي لم أر مثله في حياتي، ولا أنسى القلعة المغولية الحمراء في دهلي وليست دلهي التي كانت مقر الحكام المغول العظام المسلمين والتي حكم فيها العالم السلطان الكبير أورنك زيب عالم كير الذي حكم الهند خمسين سنة، وإن أنس لا أنسى أبداً استانبول ومساجدها العظيمة، خاصة مسجد السلطان محمد الفاتح الذي دخلته مرات وكرات، فلم أدخله إلا بكيت بل ربما انتحبت كنحيب الطفل الصغير ولا تسلني لماذا؟
لأني لا أدري ما الذي حدث لي حين دخلت ذلك المسجد المبارك، ولا أنسى يوماً دخلته فإذا به يغص بالمصلين في يوم مطير فسألت فإذا هم يصلون لله شكراً على استقلال أذربيجان، والناس يبكون وأئمتهم يدعون فكان منظراً لا ينسى أبداً، ولا أنسى أبداً رحلة تونس سنة 1415هـ
وما شاهدته فيها من اندراس شريعة الإسلام حتى أني قد أصابني من الحزن والكآبة ما الله به عليم، ولا أنسى رحلتي إلى الجزائر سنة 1404هـ يوم كانت في بداية صحوتها الرائعة والمساجد مليئة بالشباب الأطهار، ولا أنسى رحلتي إلى ترنجانو بماليزيا، ولا رحلتي إلى ليبيا وما كان فيها من الغرائب العجيبة، ولا أنسى رحلتي إلى دمشق الشام مراراً وإلى جبل الضنية بلبنان وعشرات الزيارات الأخرى.
بعد أحداث 11 من سبتمبر تعرض كثير من الطيارين خاصة من عرف عنهم التدين والالتزام بكثير من المضايقات والمشاكل.. فهل مر بكم شيء من هذا القبيل؟ وكيف تعاملتم معه؟
- لم يمر بي أي موقف، والسبب أني لم أذهب إلى أمريكا بعد ذلك، وأعوذ بالله أن أذهب إليها يوماً من الدهر، إذ ليس للمرء أن يذل نفسه، وبلد يهان فيه المسلم ويذل، لا يمكن أن أطأه بعد ذلك أبداً إن شاء الله - تعالى -، فالمسلم عزيز فكيف يقبل بتسلط هؤلاء الكفرة عليه، والبلد لم يبق يحكمه قانون بل صار تحكمه مجموعة صليبية صهيونية فلماذا أذهب إلى مثل هؤلاء؟ !
لكم جهد ملموس في التأليف والكتابة، ولعل أشهر ما ظهر لكم في هذا الباب من كتاب تهذيب سير أعلام النبلاء(في أربعة مجلدات) فما قصة عنايتكم بهذا الكتاب؟ وما الفرق بين تهذيبكم وباقي التهذيبات الأخرى؟
- كنت قد دخلت جامعة الإمام كما ذكرت سابقاً وكان لي معرفة مسبقة بعقيدة السلف وفقههم وبعض أخبار كبارهم لكن كنت تلك الأخبار قليلة جداً وتكاد تقتصر على الصحابة - رضي الله عنهم -، فلما دخلت الجامعة لم تضف إلى علمي شيئاً عن هؤلاء العظام، وكان كتاب سير أعلام النبلاء قد نزل إلى الساحة آنذاك فاشتريته، فكان حالي لما قرأته كحال رجل سار بسيارته بسرعة مائة وستين كيلاً في الساعة ثم اصطدم فجأة بجدار فكيف يكون حاله؟ وهذا بالضبط ما حصل لي، إذ لما قرأته صدمت واندهشت كيف لم أقرأ عن هؤلاء العظماء قبل ذلك؟ !
بل كيف لا أعرف أسماء أكثر هؤلاء الذين قرأت عنهم؟ وكم بكيت طويلاً عند مواقف رائعة في هذا الكتاب العظيم، فأتيت عليه قراءة وكنت أتمنى ألا تفرغ صفحاته وهو 23 مجلداً ثمّ إني اختصرته بوضع علامات على المهم لعامة الناس، ثم إني لما التحقت بالدراسات العليا قسم الكتاب والسنة كما ذكرت سابقاً وتعلمت أصول التخريج ودراسة الأسانيد على هيئة موسوعة شاملة أعدت قراءة الكتاب مرة أخرى واختصرته على أصول منهجية حديثية علمية، ثم وفقني الله - تعالى -لإخراجه إلى النور، وأحمد الله على ذلك.
والفرق بين هذا التهذيب والتهذيب الذي أخرجته مؤسسة الرسالة، ولا ثالث لهما فيما أعلم، أن هذا التهذيب يسلط الضوء على قصص العظماء وأخبارهم فيما يهم عامة الناس متعلمهم، ومثقفهم، وداعيتهم، ومشايخهم، بل حتى من كان يعد في جهلة العوام لما فيه من قصص مشوقات وأخبار مرققات، وجهاد عظيم، وزهد جليل، وغير ذلك من الروائع، بينما كان التهذيب الذي أصدرته مؤسسة الرسالة تهذيباً علمياً محضاً فحذفوا أكثر القصص والأخبار وأبقوا ما لا يهتم به إلا الخواص من طلبة العلم، والله أعلم.
يلاحظ عليكم التركيز على الجانب الروحي في الخطاب الدعوي والتربوي الذي تنهجونه، وتغليب ذلك على الجوانب الفكرية، فما السبب في ذلك؟
- هذا في الحقيقة ليس مطرداً، فكتبي الفكرية أكثر من كتبي الروحية، بل أكثر كتبي يغلب عليها الطابع الفكري والثقافي لكن أمزج الفكر والثقافة بخطاب الروح وما يقوي الإيمان لأن ذلك هو عدة المسلم الحقيقية فربما لأجلِ هذا يظهر للقارئ أول وهلة أني اقتصر على خطاب الروح أو أن ذلك الخطاب يحتل المساحة الكبرى في رسائلي وكتبي، والله أعلم.
يمر العالم الإسلامي بمرحلة تحولات متسارعة في كل الأصعدة السياسية والإعلامية والتربوية والاقتصادية فكيف تقومون هذه المرحلة؟ وما تداعياتها على الصحوة الإسلامية؟
- تقويمي لهذه المرحلة التي نعيشها أنها مرحلة تمييز الخبيث من الطيب، وأنها مرحلة بلاء وفتنة يشتد بها عود المؤمن ويفتضح فيها المنافق، وهذه المرحلة ينبغي أن نواكب تحولاتها السريعة بثلاثة أمور:
أ- عدم اليأس والإحباط والتشاؤم، لأن ذلك يؤدي إلى ضعف وذلة وهوان.
ب- العمل الجاد المتواصل حتى نستطيع أن نقف بالله - تعالى -والاعتصام بحبله المتين، فهو المنجي من كل تلك الشدائد.
ت - وقبل كل ذلك وفي أثنائه وبعده: الاستعانة بالله - تعالى -والاعتصام بحبله المتين، فهو المنجي من كل تلك الشدائد.
وأنا أظن والله أعلم أن هذا الوقت الذي نعيشه هو السابق للفرج، السائق للتفاؤل، الرافع للحرج، ولا ننسى أن أشد ساعات الليل حلكة ما كان قبل الفجر، وأن المستقبل لهذا الدين والنصر لأهله ولو بعد حين.
أما تداعيات المرحلة على الصحوة فأنا أجزم إن شاء الله - تعالى -إنها لن تعود على الصحوة إلا بمزيد من الصلابة والقوة والعزم على التغيير، فالصحوة قد جازت القنطرة، وحازت كل مفخرة، وفاتت على الأعداء، واستعصمت على الإنهاء وهي سائرة في الطريق الموصل إلى المسجد الأقصى وخاتمة الحسنى لكن:
صبراً قليلاً ما أقرب الفرجا *** من راقب الله في الأمور نجا
مـن راقـب الله لم ينله أذى *** وكـان منـه اللـــــــه حيث رجا
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فُرجت وكنت أظنها لا تفرجا
لكن أناشدُ شباب الصحوة وشاباتها ألا يستنيموا لمثل هذا الكلام، وأن يشمروا عن ساعد الجد ويقشعوا عنهم الكسل والهوان وأن يغتنموا الفرصة المواتية للدعوة والعمل الصالح فربما تأتي الأيام المقبلة بما لا يمكنهم معه الدعوة والعمل: ليالي الزمان مثقلات حبالى... يلدن كل عجيب..
بعد احتلال العراق، هل عاد الاستعمار العسكري إلى العالم الإسلام من جديد؟ وهل تتوقعون توسعه ليشمل بلدانا أخرى؟
- الأمريكان ليس لهم قرار في العراق إن شاء الله ولا يستطيعون، والأيام القادمة ستثبت ذلك، لكنهم الآن يعيشون صدمة التخلص من صدام، فإن هدأوا عادوا لما هو معلوم من حال المسلمين من العزة والكرامة والأنفة من أن يقودهم كافرا أو يتسلط عليهم أجبني.
من ضمن التحديات التي أفرزتها الأزمة الأخيرة حالة من اليأس والإحباط لدى كثير من أبناء الأمة العربية والإسلامية، خاصة الشباب الذين كانوا يتطلعون لعلم شيء ما لكنهم لم يمكنوا من ذلك... كيف ترون أخطار مثل هذه المشاعر على مستقبل الصراع مع أعداء الأمة؟ وما الدروس التي يستفيدها الشباب من نتائج هذه الحرب؟
- لا ينبغي للشباب المسلم أن ييأس أو يحيط أو يتشاءم، إذ هذا غاية الأعداء التي ينفقون مئات الملايين من أجلها، وينبغي أن نتفاءل ونمتلئ أملأ، فهذه الأحداث مقدمة لنصر الإسلام والمسلمين إن شاء الله، وهي كلها دروس لهذه الأمة المباركة التي لا يمكن أن تستباح لزمن طويل، فالانتفاضة قادمة والمسلمون منتصرون، ولا ننسى أبداً قوله الله تعالى-: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) وقوله الله - تعالى -(إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) وهناك آيتان مهمتان جداً في تثبيت المسلمين (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) وآية أخرى (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون) الله أكبر إننا نرجو النصرة والتأييد ودخول الجنة وهم يرجون الهوان ودخول النيران، فكم هي عظيمة هذه الآية ورائعة.
وأنا أبشر الشباب بأن المعركة الحقيقية قادمة، وكل هذا الذي يحصل إنما هو إرهاص وتبشير بشيء قادم عظيم.
والدروس التي يستفيدها الشباب من هذه الأزمة هي:
1- الأمة ليست مستأهلة للنصر بعد وعواصمها مليئة بالكبائر والفواحش، فينبغي إذا الجد والاجتهاد في الدعوة والعمل الصالح.
2- إن الصليبيين المتصهينين لم ينتصروا علينا في معركة، بل إن البلاد سلمت إليهم عن خيانة يقيناً فلا ينبغي أن نتصور أبداً أننا هزمنا لأن هذا التصور محيط وقاتل.
3- الأمة ما زالت بخير على رغم كل الظروف الصعبة، والدليل على ذلك تلك الموجة الغاضبة المستنكرة لهذا الغزو الهمجي.
4- ينبغي التكاتف ونبذ الخلاف لتحقيق متطلبات المرحلة القادمة التي ستكون صعبة ولا شك، لكن المسلمين قادرون على تجاوزها إن شاء الله - تعالى -بطاعتهم واجتماعهم ووعيهم ودعوتهم.
* فقه الدعوة، خاصة في أوساط الشباب... هل من محددات جديدة للخطاب الدعوي في المرحلة القادمة وما أبرز ملامح هذا الخطاب؟
- أبرز ملامح هذا الخطاب؟
1- غرس الأمل في الأمة.
2- الاجتماع ورص الصفوف.
3- زيادة توعية الشباب للمخاطر القادمة، ومطالبتهم بالقراءة المكثفة تبعاً لذلك.
4- دعوة قطاعات كبيرة من الناس للرجوع إلى الله - تعالى -والتصدي لمخططات الأعداء.
5- وأهم من كل ذلك دعوة الناس لتدبر كتاب الله - تعالى -وتفهمه، والاطلاع على الأحاديث النبوية المثبتة والمبشرة.
المستقبل لهذا الدين... حقيقة نؤمن بها ونراها رأي العين... فهي وعد ربنا لنا، والله لا يخلف الميعاد... لكن كيف نعمل لتحقيق هذا الوعد؟ وبالنظر إلى المتغيرات الجديدة من أين نبدأ؟
- المستقبل لهذا الدين حقيقة واقعة، ودين الإسلام باق لكن الشرف كل الشرف لمن يشارك في القافلة الرائعة التي تعيد مجد الإسلام، ومن تخلف فلا يلومن إلا نفسه، فهو سيكون على هامش الحياة ويموت يوم يموت كما يموت همل الناس وعوامهم ولا يدري به أحداً ولا يترك المطلوب من الأثر.
أما من أين نبدأ؟ ! فالبداية كما قال البنا - رحمه الله تعالى -:(أصلح نفسك وادع غيرك) وهو في هذه مستنبط من قوله - تعالى -: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ومن قوله - تعالى -: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس) وفي رواية: (خير لك من حمر النعم) ومن قوله - صلى الله عليه وسلم -: (قل آمنت بالله ثم استقم).
* راهنت الصحوة الإسلامية في العقود الماضية على ضرورة إخراج أجيال ممن يجمعون العلم الشرعي والعلم الدنيوي ونجحت في إخراج الطبيب والمهندس والأستاذ الجامعي وعالم الفلك والجيولوجيا وغيرهم... وساهم في هذا تقديم الصحوة الإسلامية بديلاً للأفكار القويمة والاشتراكية والعلمانية... ما الذي ينقص الصحوة الإسلامية لكي تتمكن من تحقيق أهدافها وبلوغ غاياتها؟
- الذي ينقص الصحوة المسلمة أمور منها:
أ- الثقافة الواسعة الواعية الناتجة عن قراءة مطولة وعكوف على أمهات الكتب، والناتجة عن الاطلاع على الثقافات الإسلامية والإنسانية.
ب - الدأب وطول النفس في العمل الصالح والدعوة، فأكثر الدعاة الصالحين ينقطعون سريعاً ولا يكملون الطريق الذي ابتدؤوه، بينما أعداؤنا طويلوا النفس، عظيموا الصبر.
ت- ضحالة الأهداف في كثير من الأحيان: إذ قلما نجد داعية أو صالحاً ذا هدف عظيم خطير يستغرق حياة الداعية وينفق فيه أوقاته وكثيراً من أقواته بل ربما روحه التي بين جنبيه.
ث - العاطفة الدافقة الراشدة، فالوصول إلى الغايات لن تكون بمعسول الكلام، ولا ببليغ المقال، ولا بجميل الخطب الرنانة، وإنما يكون إن شاء الله - تعالى -بطاعة جليلة، دموع تذرف، وروح تشرق، وصفاء الصفوة، ونقاء الإخوة، وقيام الأسحار، والإكثار من الاستغفار، والتقرب إلى الله بالصلاة والصيام ومتابعة الحج والعمرة وأنواع من النوافل العظام، كل ذلك مع إحسان العمل، ومزيد من الأمل كفيل بعودة دولة الإسلام إن شاء الله - تعالى -.
ج- الثقة بنصر الله - تعالى -، والأمل الكبير بعودة الإسلام إلى سدة السيادة من جديد.
ح- الاتفاق ونبذ الخلاف، والاستعداد للتنازل في غير الحرام المتفق على حرمته أو الذي رجح دليل حرمته إلى الحد الذي لا ينبغي أن يهمل ويترك، أما ما عدا ذلك فينبغي ألا تثور الثائرة على المخالف فيه، ويبدع أو يضلل أو يفسق فيما يمكن التجاوز فيه والإعذار.
خ- وأخيراً مما ينقص الشباب المسلم الهمة العالية التي تذهب بصاحبها بعيداً عن القاعدين والمثبطين المخذلين، فأكثر الدعاة والصالحين تنقصهم مثل هذه الهمة.
في ضوء أحداث التفجير المؤسفة التي وقعت في عاصمة المملكة العربية السعودية الرياض نود منكم التعليق على ما حدث وما هي الكلمة التي توجهونها للشباب في هذا الصدد؟ وكيف يمكن تجنب حدوث مثل هذه الوقائع المؤلمة مستقبلاً؟
- الذي جرى في الرياض حرام لا يجوز: لما فيه من إراقة الدماء التي حرم الشرع إراقتها إلا بحقها. وما أصاب المسلمين بسببه من ترويع وخوف، وما أصاب البلد من اضطراب، وهذا البلد ينبغي أن يظل آمناً مطمئناً بالإضافة إلى ما يجره هذا الصنيع علينا من تسلط الكافرين واستباحتهم لنا ولديارنا وتحريض العلمانيين على الصالحين والتضييق عليهم وتجريء ضعاف البصيرة ليعملوا ذلك.
والعنف جرب قديماً من قبل الخوارج زمان عثمان وعلي - رضي الله عنهما - ولم يثمر شيئاً، وعطل مسيرة الفتوحات والدعوة، وجرب حديثاً في الجزائر ومصر ولم يثمر شيئاً وأزهق أرواحاً معصومة. والدعوة إنما تكون بالتربية والحكمة والموعظة الحسنة.
والحل لما جرى والله أعلم يكون بالتالي:
1- إصلاح الجبهة الداخلية بمعالجة الفقر والبطالة... الخ.
2- وقوف العلماء والدعاة صفاً واحداً لمعالجة ما يجري معالجة صحيحة.
3- السماح للدعاة بالانتشار في أوساط الشباب ومعالجة مشكلاتهم.
4- إعطاء حريات أوسع للتعبير والمشاركة في بناء الوطن.
5- النشر في كل وسائل الإعلام الممكنة لوجهة النظر الشرعية الصحيحة إزاء ما يجري والحرص على إيصال ذلك لكل بيت.
* ذكرتم بعض المواقف والذكريات في معرض إجابتكم عن سؤال مشاهداتكم أو مواقف عرضت لكم في أثناء رحلاتكم المختلفة، لكننا نود أن تتكرموا بذكر نموذج لبعض المواقف المشوقة أو المحرجة المتعلقة بالطيران؟
- أ - قبل إحدى الرحلات من الرياض إلى القاهرة اجتمعت بالمضيفين لألقي عليهم بعض التعليمات وفي أثناء ذلك سألني أحدهم قائلاً: عفواً يا كابتن هل عندك أخ دكتور يدرس في الجامعة؟ قلت له: لا ليس لي أخ يدرس في الجامعة، لكن لماذا تسأل هذا السؤال؟ قال: لأني درست مادة الثقافة الإسلامية في الجامعة عند واحد يشبهك تماماً... فقلت له أنا دكتور في الجامعة، وأنا الذي درستك مادة الثقافة الإسلامية فقال: يعني كابتن ودكتور في الجامعة! كيف؟ فكانت هذه مفاجأة عظيمة له، ولي أيضاً.
ب- في أعقاب حرب الخليج كنت في طيارة تقوم بمهمة إرجاع جنود بنغاليين إلى بلادهم، وكان من المفترض أن أكون في رحلة أخرى إلى أمريكا، وكنت مستعجلاً للعودة فاضطررت إلى التبديل مع أحد الزملاء، بحيث يقوم هو برحلة أمريكا، وأتولى أنا رحلة دكا، وبعد الاتفاق على التبديل قلت في نفسي: ما دمت سأذهب إلى دكا فلن أحتاج إلى ملابس لأنني سأعود خلال 18 ساعة ذهاباً وإياباً، ولذلك لم أخذ معي في حقيبتي سوى الفوطة، وعندما اقتربنا من دكا إذا سماؤها ملبدة بالغيوم وهناك عواصف قوية جداً، ولم نستطع الهبوط هناك فتم توجيهنا للهبوط في مطار بانكوك، وهناك أرغمنا على التبديل بطاقم طيران آخر لأن ساعات صلاحية طيراننا قد انتهت، وعلينا البقاء في بانكوك لمدة ستة أيام حتى يحين موعد التبديل مع طاقم آخر... ولم يكن معي من ملابس سوى الفوطة التي أخذتها معي من جدة... فاضطررت إلى شراء ملابس جديدة.. وكان موقفاً مضحكاً ومحرجاً جداً!!
ج- وكنت في رحلة إلى القاهرة.. وفي أثناء مروري بين الركاب داخل الطائرة حدثت مطبات هوائية قاسية جداً فاضطرب الركاب وتعالت أصواتهم.. وبدأ بعضهم يتشهد ويكبر، وكأنه يستعد للموت في ذلك الوقت.
د- وفي رحلة أخرى من الرياض إلى جدة تكرر نفس المشهد، وكان هناك راكب يتشهد يرفع إصبعه عالياً ويتقلب يميناً وشمالاً.. يريد النجاة.. فتذكرت قول الله - تعالى -: (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجد بآياتنا إلا كل ختار كفور). (لقمان: 32).. هذا وأسأل الله - تعالى -النصر لأمة الإسلام، وأن يقر أعيننا بالصلاة في المسجد الأقصى، ويختم لنا بخاتمة الحسنى، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
تعليقات