طارق بن زياد فاتح الأندلس أحد قادة الجيش الإسلامي وأشهرهم، وقد فتح الأندلس في عام 92 للهجرة
لوثائقية-خاص
"مات طارق بن زياد مُعدِما لا يملك من حطام الدنيا شيئا، وقيل إنه شوهد في آخر أيامه يتسوّل أمام المسجد. نعم، مات القائد العظيم معدما، وكان يستحق أن يكون واليا على البلاد التي فتحها مثله مثل عمرو بن العاص الذي فتح مصر وتولى ولايتها"[1].
يقصد هذا الحديث الذي تردده الكتب والبحوث التاريخية شخصية يفترض أنها تضاهي أكبر الفاتحين في التاريخ الإسلامي من حيث الفضل والشهرة والأهمية.
إنه الرجل المسلم الذي قاد بضعة آلاف من المجاهدين، وعبر بهم البحر الأبيض المتوسط من أقصى نقطة وصلتها الفتوحات الإسلامية في القرن الأول للهجرة، أي ساحل المغرب الأقصى، واقتحم بهم أوروبا من مدخلها الأندلسي، وثبّت أقدام الدولة الإسلامية في قلب العالم الغربي خلال شهور قليلة، في الوقت الذي تطلّب فيه فتح بقعة تضاهي الأندلس من حيث الأهمية الرمزية والاستراتيجية مثل القسطنطينية عدة قرون.
طارق بن زياد، القائد الذي تُرجّح البحوث أنه أمازيغي الأصل، قاد الدولة الأموية إلى بسط سيطرتها على شبه الجزيرة الإيبيرية؛ إسبانيا والبرتغال حاليا، لكنه انتهى جنديا مجهولا لا قبر ولا ذكرى له، وآخر عهد لسجلات التاريخ به هو حين وصل إلى دمشق عاصمة الخلافة وقتها، لتسليم مغانم الفتح الكبير، ثم ليختفي من شاشات التاريخ.
طارق بن زياد يفتح شبه الجزيرة الآيبيرية التي ضمت إسبانيا والبرتغال
قائد أمازيغي يقود الفتوحات
تُرجّح المعطيات المتوفرة أن يكون طارق بن زياد قد ولد عام 50 للهجرة الموافق لـ670 م، في منطقة تقع بولاية وهران الجزائرية، وهناك ثلاث روايات حول أصوله؛ الأولى والأكثر وثوقا تنسبه إلى البربر الأفارقة، والثانية تنسبه إلى الفرس من همدان، والثالثة إلى العرب من حضرموت[2].
ويفيد كتاب "طارق بن زياد، فاتح الأندلس، شخصيات من التاريخ"، الذي أصدره حسين شعيب عن دار الفكر العربي، بأن هذا القائد العسكري الإسلامي ينتمي إلى قبيلة أمازيغية مستقرة في جبال المغرب، وكانت قبيلة معروفة بشدة بطشها واحترافها الغزو وميلها الفطري إلى التمرد وعدم الخضوع، وكانت قبل الفتح الإسلامي تعتنق الوثنية.
اختلف المؤرخون حول أصل طارق بن زياد، بين القول إنه بربري وبين نسبته إلى فارس، لكن المتفق عليه هو أنه كان مولى لموسى بن نصير، وأن موسى كان يثق به ثقة كبيرة، حيث ظل يحملّه المسؤوليات إلى أن ولّاه أمر جيشه حين أراد عبور البحر المتوسط نحو الأندلس.
التحاق طارق بن زياد بدائرة رجال ثقة موسى بن نصير يكتنفه بعض الغموض، حيث تتضارب الروايات بين القول إن القائد الأمازيغي أسلم برفقة باقي أفراد قبيلته، بينما تقول رواية أخرى إنه وُلد بعد الفتح الإسلامي الذي قاده عقبة بن نافع، ونشأ بالتالي في ظل تربية إسلامية تقوم على حفظ القرآن والحديث.
الروايات التي ترجح اعتناق طارق بن زياد للوثنية قبل وصول الفتح الإسلامي، تقول إنه أسلم على يد موسى بن نصير، وأن موسى قرّبه منه لدرجة جعلته يولّيه أمر قرطاج بأفريقيا عام 87 للهجرة الموافق لـ706 م. وواصل هذا القائد العسكري الأمازيغي صعوده في سلّم المسؤوليات إلى أن بات اسم طارق بن زياد مرتبطا بعبور المسلمين للمضيق الفاصل بين أفريقيا وأوروبا ونزوله بجيشه على المرتفع الجبلي الذي أصبح يحمل اسمه فيما بعد ويعرف اليوم بجبل طارق[3].
ومما يفسّر تقريب طارق بن زياد من قادة الفتح الإسلامي ما يورده الدكتور إبراهيم القادري بوتشيش من كون القائد العربي زهير بن قيس البلوي الذي كان من أبرز قادة الفتح الإسلامي لمنطقة المغرب اعتمد استراتيجية تقوم على التودد والتقرب من العنصر الأمازيغي، لذلك حرص على إشراك طارق بن زياد في قيادة الجيش العربي وهو لا يزال في عنفوان شبابه، كما أسندت له مهمات إدارية في برقة (ليبيا) وتلمسان (الجزائر)، ثم أسند له موسى بن نصير قيادة الكتائب العسكرية[4].
لكن هناك تفسيرا أكثر موضوعية يربط صعود طارق بن زياد في سلم المسؤوليات بما خلّفه الفتح الإسلامي لمنطقة شمال أفريقيا، حيث دخلت كثير من القبائل المحلية التي كانت تدين بالوثنية في الإسلام، وباتت بالتالي تشكل القوة الضاربة في الجيش الإسلامي، وهو ما يعني بالضرورة ترجيح كفة تولي شخصية أمازيغية مهمة القيادة، لما ستمتاز به من قدرة على الضبط والتواصل[5].
طارق بن زياد القائد المغربي الأمازيغي أحد قادة جيش موسى بن نصير كادت فتوحات جيشه أن تبلغ وسط أوروبا
جيش البربر.. حلم مبكر بفتح الأندلس
إلى جانب الحنكة والشجاعة اللتين أبانت عنهما شخصية طارق بن زياد في معاركه ضد القبائل الوثنية في بدايات ظهوره، تقول المصادر إنه كان يحمل حلما دفينا بالعبور نحو الضفة الشمالية للبحر المتوسط. وقبل تكليفه بالمهمة التي ستدخل كتب التاريخ؛ أي فتح الأندلس، ولّى موسى بن نصير طارق بن زياد مهمة والٍ على مدينة طنجة المغربية، كخطوة أخيرة قبل عبور البحر المتوسط. وتفسّر بعض المصادر اختياره لقيادة الجيش الإسلامي المتوجه نحو الأندلس بكون غالبية أفراد هذا الجيش كانوا من البربر، وبالتالي كان طارق بن زياد أقدر على قيادتهم والتأثير عليهم[6].
ومن الآثار القليلة التي احتفظت بها سجلات التاريخ عن مرحلة إقامة طارق بن زياد في مدينة طنجة وحكمه لها ما يشير إلى مسجد بناه هذا القائد الإسلامي في منطقة "الشرافات" غير البعيدة عن مدينة "شفشاون" الجبلية المغربية، وهو المسجد الذي يرجّح أن يكون أول مسجد بُني في بلاد المغرب الأقصى.
يحمل هذا المسجد القائم حتى الآن اسم طارق بن زياد، ويعتبره بعض المؤرخين منطلقا لرحلة المسلمين نحو فتح الأندلس، فالمنطقة الموجود فيها كانت معسكرا لجيش طارق بن زياد خلال فترة حكمه لمدينة طنجة ومحيطها، وهو المعسكر الذي تطلّب بناء مسجد.
دخول سبتة تحت اللواء الأموي.. بوابة الأندلس
بدأ الحلم الأندلسي يراود المسلمين منذ تمكن عقبة بن نافع من فتح الشمال الأفريقي حتى وصل عام 62 للهجرة الموافق لـ681 م إلى المحيط الأطلسي، وتحديدا إلى مدينة طنجة، حيث كان "يليان" يحكم المدينة فلم يجد بُدا من الاستسلام ووضع نفسه في خدمة المسلمين، محتفظا لنفسه بمدينة "سبتة" المنيعة. وبعد إتمام الفتح تولى موسى بن نصير ولاية أفريقيا جاعلا مدينة القيروان عاصمة له، وبعدما أخذت الأمور تستتبّ، كانت الأنظار تتجه نحو الضفة الشمالية للمتوسط، من أجل فتح الأندلس.
ويعتبر الأستاذ المغربي محمد مفتاح، المتخصص في الدراسات الأندلسية وتحقيق النصوص أن الفتح الإسلامي للمغرب انطلق على عهد عقبة بن نافع، وأن "الفتح الكامل لم يتم إلا في عهد موسى بن نصير، الذي كان طارق بن زياد مولى له وعهد إليه بالسير نحو شمال المغرب، باعتباره قائدا محنكا شجاعا من أجل إكمال الفتح"[7].
ويضيف المتحدث نفسه، أن طارق بن زياد خلال سيره نحو مدينة طنجة التي ولاه عليها موسى بن نصير، توقف بمنطقة "الشرافات" وبنى مسجدها القائم حتى الآن. ويضيف مفتاح أن ابن زياد وهو في طريقه نحو طنجة، كان يضع نصب عينيه مدينة سبتة، الممر الإلزامي قبل أي محاولة لعبور المضيق البحري نحو أوروبا، وهو ما تم له عام 92 هجرية الموافق لـ710 م، حيث أعلن حاكم مدينة سبتة نقل ولائه من "بيزنطة" إلى والي مدينة طنجة التابع للخلافة الإسلامية.
جزيرة "بالوما" التي سُميت فيما بعد باسم جزيرة طريف
جزيرة طريف.. غزو بأمر الخليفة
عزز فكرة غزو الأندلس لدى المسلمين الصراع الذي كان يدور وقتها بين حاكمها، المعروف بلقب "لذريق"، وبين ملوك مسيحيين مجاورين له، وبعد مراسلات بين هؤلاء الملوك وبين الخليفة الوليد بن عبد الملك، قرر الخليفة تكليف موسى بن نصير بفتح الأندلس، واختار موسى تكليف طارق بن زياد بهذه المهمة العسكرية.
كان حاكم مدينة سبتة "يليان"، يحث موسى بن نصير بشدة على عبور البحر لغزو الأندلس، مقدما له إغراءات كبيرة بما سيجده من غنائم، ومقدما خدماته كدليل يعرف شبه الجزيرة الآيبيرية جيدا. وبحسّه العسكري، احتاط موسى بن نصير من الأمر، وطلب اختبار أرض المعركة الموعودة من خلال شن غارات عبر مجموعات صغيرة من المقاتلين، حتى يستكشف المنطقة، ومن أجل ذلك جهز موسى بن نصير حملة صغيرة، ووجهها لعبور البحر المتوسط من أقرب نقطة إليها، أي من مدينة سبتة، وجعل على رأسهم قائدا أمازيغيا يدعى طريف بن مالك.
قدم "يليان" أربع سفن لنقل الجنود المسلمين، فعبروا البحر ونزلوا بجزيرة تحمل اسم طريف إلى اليوم، نسبة إلى القائد الأمازيغي، وكان ذلك في شهر رمضان 91 هجرية، الموافق لشهر يوليو 710 للميلاد. عبر هذا الجيش من سبتة ونزل في جزيرة "بالوما"، وهي التي سُميت فيما بعد باسم جزيرة طريف، وكانت الغاية من هذه الحملة هي استطلاع وتتبع أخبار العدو ومعرفة طبيعة البلاد والتعرُّف على مواقعها، فعادت هذه الحملة وهي تحمل أخبار مفرحة ومشجعة لعملية فتح الأندلس[8].
كانت هذه الحملة ناجحة عسكريا حيث انتصرت على من وجدتهم من جنود محليين، كما غنمت الكثير من الأموال والمعلومات الجغرافية والبشرية حول المنطقة، وهو ما يعتبر تمهيدا للحملة الكبرى التي ستفتح الأندلس بعد عام واحد.
إحراق السفن بعد العبور.. الموت أو النصر
توجد الكثير من الروايات في قصة عبور طارق بن زياد بجيشه نحو الأندلس، لكن أكثرها قربا إلى الوثوق تلك التي تقول بتعاون "يليان" حاكم مدينة سبتة الذي تقرب منه طارق بن زياد حتى تحالف معه، خاصة أن "يليان" كان يحمل حقدا خاصا وثأرا تجاه ملك الأندلس "لذريق".
بعد تسهيله الحملة الإسلامية الأولى على الأندلس، بعث "يليان" إلى طارق بن زياد يعده بتسهيل نقل جيشه، وتقول بعض الروايات إنه قدم ابنته الوحيدة على سبيل الضمان حيث استبقاها طارق كرهينة، فراح "يليان" يبعث سفنه إلى ضفة سبتة لتحمل جنود طارق بن زياد على دفعات نحو الضفة الشمالية، حتى كان طارق بن زياد في الدفعة الأخيرة، وكانت حركة السفن تبدو عادية باعتبارها معتادة على أنشطة التجارة في هذا المضيق البحري.
تذكر بعض الروايات التاريخية أن طارق بن زياد أحرق السفن بعد عبور جيشه نحو الأندلس، وذلك لدفع جنوده إلى الاستماتة في القتال وعدم التراجع لاستحالة العودة، بينما تذهب بعض الروايات إلى أن عملية إحراق السفن المفترضة هذه، كانت لإثبات إخلاصه باعتباره بربريا وليس عربيا، وبالتالي كان إحراقه السفن دليلا على عزمه الزحف دون تراجع.
طارق بن زياد ينتصر على "رودريغو" المعروف باسم "لذريق" في معركة وادي "لكة" لتفتح له الطريق نحو انتصارات متتاليةسقوط قرطبة.. مائدة سليمان الذهبية
بعد أول تحرك له داخل الأراضي الإسبانية، توجه طارق بن زياد نحو مدينة قرطبة، فانتصر جيش المسلمين رغم قلة جنوده، وما إن دخل طارق بن زياد هذه المدينة حتى بلغ الأمر "لذريق" الذي لم يتردد في تحريك جيشه بنفسه والتوجه نحو قرطبة لاستعادتها، ليلتقي الجيشان الإسلامي والمسيحي في منطقة يقال لها "شذرونة"، فانتصر طارق بن زياد وتوجه من فوره نحو مدينة طليطلة، باحثا بالدرجة الأولى عن مائدة سليمان بن داوود -عليهما السلام- الذهبية.
تقول بعض الروايات إن "لذريق" قام بجمع جيش قِوَامه مائة ألف من الفرسان، وجاء بهم من الشمال إلى الجنوب يقصد جيش المسلمين، وكان طارق بن زياد في سبعة آلاف فقط من المسلمين فأرسل إلى موسى بن نصير يطلب منه المدد فبعث إليه طريف بن مالك على رأس خمسة آلاف آخرين.
اجتاز طارق بن زياد المضيق بجيشه يوم 29 من أبريل عام 711، وفي مخيلته حلم اكتساح شبه الجزيرة الآيبيرية كاملا، وضمها إلى أرض الخلافة الأموية، وقبل مواجهته "لذريق"، بحث طارق بن زياد عن أرض تصلح للقتال استعدادا للمعركة الكبرى، حتى وجد منطقة تُسمى "وادي برباط"، وتُسَمِّيها بعض المصادر أيضاً وادي لُكَّة.
لم تمض سوى ثلاثة أشهر على هذا العبور، حتى كان طارق بن زياد يحقق النصر الأخير على "رودريغو"، المعروف في المصادر العربية باسم "لذريق"، في معركة وادي "لكة" غير بعيد عن "قادش" في الجنوب الإسباني، وذلك في يوم 9 يوليو/تموز من العام نفسه.
وتشير بعض المصادر التاريخية -وإنْ باختلاف في الوصف- إلى أن طارق بن زياد تولى بنفسه قتل ملك القوط، حيث تقول بعض الروايات إنه أجهز عليه بسيفه، بينما تقول أخرى إنه أصابه بجرح فقط مما دفعه إلى الانتحار بإلقاء نفسه في وادٍ حمله إلى قعر المحيط، وتذهب رواية ثالثة إلى أن ابن زياد أصاب "لذريق" من خلال رميه برمح فأرداه قتيلا.
لغز الخلاف مع موسى بن نصير.. إفراج بأوامر عليا
تذهب بعض الكتابات إلى أن موسى بن نصير لما جاءه خبر الزحف الكاسح الذي يقوم به جيش طارق بن زياد، كتب إليه بأن يتوقف حيث هو، ثم لحق به حتى يقود بنفسه بقية الفتوحات وتكتب باسمه بدل قائد جيشه.
وبما أن طارق بن زياد هو الذي كان يدير المعارك في الميدان، فقد اعتبر أن توقفه عن الزحف سيمنح الخصوم فرصة لالتقاط الأنفاس وترتيب الصفوف فواصل هجومه، وهو ما يعزز الرواية التي تقول إن موسى بن نصير عندما التقى بجيش طارق بن زياد، وبّخه بشدة وضربه بالسياط واتهمه بالتمرد والاستيلاء على الغنائم، وقام بسجنه بناء على تلك الاتهامات.
تمكن طارق بن زياد وهو في سجنه من الاتصال بالخليفة، وهو ما عجّل بإطلاق سراحه بأوامر صارمة، ثم عاد لمصاحبة موسى بن نصير في استكمال مسيرة الفتح نحو أقاليم "أرغونة" و"قشتالة" و"كطلونيا"، ولم يتوقفا حتى بلغا جبال "البرانس" التي تعتبر حدودا طبيعية بين إسبانيا وفرنسا.
هناك بعث الخليفة الوليد إلى موسى بن نصير يطلب منه الكف عن الزحف، واختلفت تفسيرات هذا الأمر بين القول إن الخليفة كان يخشى على المسلمين من الهلاك في حال تقدمهم أكثر داخل أوروبا، وبين القول إنه خشي من تعاظم نفوذ موسى بن نصير إذا فتح المزيد من الأراضي.
وتعتبر علاقة موسى بن نصير بطارق بن زياد من العلاقات المرتبكة، فابن نصير الذي اهتم بطارق في البداية وهيأ له المراقي واستطاع بفضله أن يحقق الانتصارات في المغرب، عاد ليحسده بعد أن وجده يغزو بلاد الأندلس بجيش صغير.
جمهورية جبل طارق دولة مستقلة تتبع التاج البريطاني ولا يزال اسمها وعملتها يحملان اسم وصورة هذا الرجل العظيممن الأندلس إلى قلب الخلافة.. رحلة إلى خارج التاريخ
توجه موسى بن نصير وطارق بن زياد نحو عاصمة الخلافة الإسلامية بالشام، ومعهما المئات من أفراد العائلات الحاكمة سابقا في الأندلس، وكميات كبيرة من الغنائم، وصادفت عودتهما وفاة الخليفة الوليد الذي خلفه أخوه سليمان فطلب من موسى بن نصير تأخير وصوله إلى عاصمة الخلافة إلى حين ما بعد وفاة الوليد، كي يستأثر بالغنائم وينسب فتح الأندلس لنفسه، وهو ما لم يستجب له قائدا الفتح الإسلامي في أقصى الغرب الأوروبي، مما جعلهما يواجهان غضب سليمان بن عبد الملك بعد توليه الخلافة.
سارع الخليفة الجديد سليمان إلى عزل موسى بن نصير وقتل ابنه عبد العزيز الذي شارك في فتح الأندلس، بينما دخل طارق بن زياد مرحلة نسيان كبير، حيث غادر سجلات التاريخ في هذه المرحلة ولم يعد يظهر له أثر، وتضاربت الأخبار بين قتله ونفيه وبين القول إنه تحول إلى رجل فقير وتائه في دروب الشام، إلى أن توفي حوالي عام 101 هجرية الموافق لـ720 من الميلاد.
وتتطرق بعض الروايات إلى شنآن محتمل بين موسى بن نصير وطارق بن زياد، حيث تحكي بعض المصادر كيف أن ابن زياد وعيا منه بأهمية مائدة ذهبية يقال إنها تعود إلى سليمان بن داوود، قام باستبدال أحد أرجلها الأصلية برجل بديلة، وبعد وصولهم إلى قصر الخلافة، وتقديم موسى بن نصير للمائدة على أنها هدية منه ودليل على قيادته للفتح، أخرج طارق بن زياد الرجل الرابعة الأصيلة ليكشف أنه هو من قاد النصر الإسلامي. تنافس هذه الرواية رواية أخرى تقول إن سليمان بن عبد الملك أسقط الرّجُلين معا لأنه أراد الاستئثار بشرف فتح الأندلس.
رمز العملة النقدية.. دولة جبل طارق
رغم ما يجسّده طارق بن زياد في المخيال الجماعي للأوروبيين، باعتباره قائد "العرب" الذين غزوا بلادهم قبل أكثر من 13 قرنا، فإن عملات أوروبية تحتفي به وباسمه من خلال وضع صورته فوق بعض الأوراق والقطع النقدية.
وتقوم بذلك أساسا دولة جبل طارق، وهي عبارة عن جبل صخري صغير المساحة في أقصى الجنوب الإسباني، لكنه تابع حاليا للسيادة البريطانية، وتعتبر هذه البقعة الاستراتيجية ضمن أولى المناطق التي فتحها طارق بن زياد، وبقيت تحمل اسمه حتى اليوم.
وتعتبر دولة جبل طارق كيانا ذا حكم ذاتي تابع للتاج الملكي البريطاني، وتقع تحديدا على البحر المتوسط جنوب غرب إسبانيا، ويقطنُ فيها ما يُقارب30 ألف نسمة، وتتشكَّل الغالبيّة العُظمى من السكان من أصول إيطاليّة وبرتغاليّة وإسبانيّة ومالطية.
وتحتفي دولة جبل طارق باسم هذه الشخصية الإسلامية، نظرا لكونه جزءا من تاريخها ومنه ينحدر اسمها، ويظهر طارق بن زياد فوق إحدى الأوراق النقدية حاملا سيفه، وفي الخلفية قوس إسلامي، ونجمة خماسية. وتحت الصورة يوجد اسم طارق بن زياد بالأحرف اللاتينية، وعلى يسار العملة "القلعة الحرة" التي تعود إلى العصر الأموي، ولا تزال موجودة حتى وقتنا هذا في دولة جبل طارق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليقات