الإسلامُ غرضٌ لا يُصابُ ،كثيرون ممن أتواصل معهم يعلنون تخوفهم على مستقبل الإسلام، بعد الحملات المتواصلة ضده، فى الداخل والخارج

 

كثيرون ممن أتواصل معهم يعلنون تخوفهم على مستقبل الإسلام، بعد الحملات المتواصلة ضده، فى الداخل والخارج، وبعد انصراف كثير من المسلمين عن الالتزام بتعاليمه، حتى صار كما قال القائل: "بين جهل أبنائه وكيد أعدائه".

ولعل هؤلاء لم يتيقنوا بعدُ أن الله حافظُ دينه، مُعلى شريعته، وأن الإسلام هو الدين الخاتم الذى رضيه الله تعالى للعالمين، فضلًا عن عقلانية هذا الدين ومناسبته لفطرة الله التى فطر الناس عليها؛ ما يفسِّر إقبال الخلق عليه رغم ما يكيدون له ولدعاته.

يرى المتخوفون مكرًا عالميًّا وحربًا شرسة ضد الإسلام لم تعد خافية، وخوفهم الأكبر من حملات المكر والتشويه فى الداخل بأيدى أنظمة وهيئات يتسمى مسؤولوها بأسماء المسلمين، وقد راقبوا المساجد، وسجنوا العلماء، ولاحقوا الدعاة، وهيئوا الساحة للتيارات المناهضة للإسلام، وشجعوا اللهو والمجون والفساد الخلقى، ناهيك عن تجفيف منابع البِر، وإصدار الفتاوى الشاذة التى تؤيد باطلهم، وتقييد المظاهر الإسلامية والأنشطة الدينية المختلفة إلخ.
وكلُّ هذا لا يفتُّ فى عضدَُ المؤمن، ولا يُيؤسه، ولا يقعده عن الحركة والعمل لدين الله، فكم مرت على الإسلام من محن، وكم عُرض على بنيه من فتن، وفى كل مرة يعود الإسلام أقوى مما كان، ويعود بنوه أصلب عودًا من ذى قبل، وقد قيل: "إن الإسلام إذا حاربوه اشتد، وإذا تركوه امتد".
ففى كل الحالات سيخلُد الإسلام، وسيفنى شانئوه؛هذا بشَّر به الله فى عديد من النصوص؛ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) [الأنفال: 36]، (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30].
ألم تر إلى ما جرى فى "المحروسة" في عقدى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى وقد حكى أحد الدعاة الذين كانوا فى السجن الحربى منذ عام 1954؛ أنه من قسوة الحرب ضد الدعاة وطول أمدها ظنوا أن الإسلام نفسه، وليس الدعاة فقط، قد انتهى فى مصر، ثم لمَّا جرت عمليات القبض على الشهيد "سيد قطب" وبرفقته نحو 36 ألفًا من الشباب المتدين، فى عام 1965، وأدخلوهم عليهم فى هذا السجن وغيره -رُدِّت إليهم أرواحُهم، وفرحوا بعودة الإسلام -على حد قوله! وازداد المتردِدون إيمانًا ويقينًا فى الله وبالله..
ثم كانت الجولة الثانية الرابحة، والتى عوَّضت ما خُصم من الدعوة والدعاة، بمجىء الصحوة الإسلامية الكبرى التى اجتاحت العالمين العربى والإسلامى، فى مطلع السبعينيات، فلم تترك قطرًا إلا اقتحمته، ولم تترك بيتًا إلا دخلته؛ (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال: 42].

ثم لمّا حُوربت هذه الصحوة وعُقدت لأجلها الأحلاف الآثمة وقد اطمأن الحلفاء إلى خفوتها، خرج المارد من قمقمه، وأطلت عليهم صحوة أخرى أشد وأوعى من أختها؛ ما يطلقون عليه "الربيع العربى"، الذى هو فى حقيقته بعث إسلامى جديد؛ ردًّا على حصار الإسلام وملاحقة المصلحين،وقد رأينا ما فُعل بهذا "الربيع"، ولا يزالون، وأن الغالبية الغالبة من ضحاياه إسلاميون.
إن المبشرات بغلبة وانتصار الإسلام لا تُعد ولا تُحصى، رغم واقع المسلمين المرّ وحال الحق المهيض؛ ففى حين اجتمع المعادون له وصاروا ملة واحدة وشنّوها حربًا شاملة لا هوادة فيها، رأينا الإسلام يقتحم عليهم بلادهم، ويغزوهم فى عقر دارهم؛ فتشير الإحصائيات إلى أن الإسلام هو الأسرع انتشارًا، من بين (4200) ديانة، بلا منازع بنسبة تصل إلى نحو (3%) في السنة الواحدة، وأنه سيكون فى العام (2050) الديانة الأولى بنسبة تزيد قليلًا على ثلث سكان العالم (30.1%)، بعد أن كانت نسبته فى عام (2000) نحو (19%)..
لقد بدأ المسلمون فى إسماع صوتهم للآخرين، وفرض ذاتهم على الدنيا بأسرها؛ فهنالك المعاملات البنكية الإسلامية، وهناك الإعلام الإسلامى المنافح عن شريعته، وهناك الزيادة الملحوظة لحفّاظ القرآن المجيد من غير العرب، وهناك وعى فى ردَّات الفعل فى حال الهجوم على الدين أو أحد رموزه، ولم يكن بهذه الدرجة فيما خلا، وهناك تراجع فى النفوذ الغربى في ديار الإسلام..
وهذا وغيره كثير تصديقٌ لوعد الله لعباده المؤمنين؛ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) [الفتح: 28]، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21]، ولوعد النبى ﷺ: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليل، عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلًّا يذل به الكفر».
إذًا: ليس من الإنصاف أن نتخوف على الإسلام، بل يجب أن نتخوف على أنفسنا ألا نلحق -لا سمح الله- بركب المؤمنين، ولا نقعد أيضًا ونقول كما قال «عبد المطلب»: (للبيت ربٌّ يحميه)، فالإسلام لا يعرف هذا الاستسلام وذلك الخور، وقد توَّعد الله تعالى من يتراخى أو يتنكب صراطه بقوله: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد: 38]..
فلا زال المسلم بخير ما ظن فى الله خيرًا، وجاهد وصابر، حتى يأتى الله بأمره؛ (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87]، "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتى أمر الله وهم كذلك".
عامر شماخ


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان