لايزال نور الاسلام منتشراً حتى يكون التمكين لهذا الدين ولاينطفئ نوره مادامت السموات والأرض ولاينطفئ حب رسولنافي قلوبنا حتى نلقاه لايزال نور الاسلام منتشرا
د. كازوكو شيوجيري
مديرة معهد التبادل الدولي، جامعة طوكيو الدولية
1.عدم كفاءة حوار الأديان يقال:إن الإسلام هو الدين الأبعد عن اليابانيين ليفهموه، بينما بعض تعاليم الإسلام في الواقع تشبه التدريس التقليدي الياباني لمبادئ الأخلاق الاجتماعية.
كما يقال:إن التوحيد في الإسلام يتناقض في شكل الإيمان مع العقيدة الشرك المتواجدة في الشنتو الياباني،بينما يبدو أن ذلك في واقع الأمرمجرد اختلاففقط في طريقة التعبير عن الإيمان، ويرمز إلى نفسه المضمون. وإن الإسلاميتمتع بكونه قوة دينية ب1.6 إلى 2 بليون تابع، فمن المهم أن نفهم دينهملكي نعرفوضع عالم اليوم.
وعلى رغم ذلك، لم يتحقق فهم الإسلام في اليابان إلا ضئيلاً في السنوات الأخيرة. ففيمحاضرتي هذه ، دعنا نفكر في إمكانية فهم اليابان للإسلام وقدرتها على تجنب مخاطر سوء الفهم والنظرة المتحيرة إلى لإسلام.
في عام 2002، شاركت أنا في "المنتدى الأول للحوار بين اليابان والعالم الإسلامي"والذي عقد في دولة البحرين تحت رعاية مركز البحرين للدراسات والبحوث. وكان هذا المنتدى يعدّالأول من نوعه في تاريخالحوار الحضاري بين اليابان والدول الإسلامية. ومن ثم شاهدناكثيرا من الندوات والمنتدياتالمنعقدة على المفهوم نفسه للإسلام في تقدم الحوارالسلمي وفهم الديانات الأخرى.
ومنذ ذلك حضرت عديداً من الندوات والمنتديات المنعقدة داخل اليابان وخارجها، حيثكان عدد كبير من المشاركين يعتاد حضورهم،وكانتوجوه الحاضرين هنا للأشخاص نفسهم تقريباً.
ويجادل الكثيرون في أن الحوار بين الأديان لا يسهم إسهاماً فعالاً في تعزيز التفاهم المتبادل بين الأديان، إذا لم يتم توسيع نطاق حضوره. ورغم ذلك، من الضرورة الملحة في الوقت الراهنأن نعرف الآخرين ونفهم الثقافات الأخرى، حينما يبدو أن العالم كله يغرق في فوضى المجتمعات المتغيرة.
ومن أجل تطوير التعايش السلمي وفهم الآخرين لابد من فهم الإسلام والمسلمين بصورة صحيحة، وهو من أهم الموضوعات الأكثر إلحاحاً وإخلاصاً، ليسلليابان فحسببل للعالم كله،ولو أنه دائما من الصعب جداًأن نحصل على المعرفة الموضوعية للإسلام .
في المجتمع الياباني على وجه الخصوص،يعدّ الإسلام ديناً بعيداً وغريباَ يصعب على المرء أن يتفهمه، ومن أجل تحقيق التفاهم بيننا بصورة مُرضية ينبغي أن نقترح نمطاً جديداً ومتحدياً لحوار الأديان، ليس فقط ما بين المسلمين الذين يعيشون في اليابان،بل أيضا ما بين البوذيين الذين يشكلون غالبية السكان في اليابان، ويبدو الإسلام للبوذيين عادة ديناً غير مبال وغريباً يصعب عليهم أن يدرسوه درساً موضوعياً ويفهموه فهماً موضوعياً.
2.التوحيد والشرك
في الحديث عن الأديان العالمية، يذكر كثيرمن الباحثين أن تأثير المناخ يعدعاملاً من العوامل الرئيسة لولادة أديان، وعلى سبيل المثال يصر بعض العلماء اليابانيين على أن البلدان أو المناطق مثل اليابان، التي لديها الرطوبة المرتفعة والأمطار الغزيرة والنعم الطبيعية المتوفرة، قد نشأت فيها الديانات الشركية. ويسمح الدين الشركي بعبادة آلهة متعددة في الجبال والأنهار والسماء والبحر والبرك والينابيع والغابات والأشجار والأحجار إلى آخره.
وعلى خلاف ذلك،في مثل المناطقالوعرة والجافة في الشرق الأوسط،والتي لديها قليلمن هطول الأمطار وقدر محدود من المنتجات الزراعية، يصبح السكان يعتنقون الإيمان بالله التوحيدي، الله الواحد العلي القادر.
ويصر هؤلاء الباحثون أيضا على أن الشرك عموماً هوإيمان تعددي ومتسامح يقبل أي شيء لإدراجه في عقائدهأو شعائره. ومن ناحية أخرى، فإن التوحيد هوإيمان محصور وغير متسامح بصورة صارمة في الاعتراف بآلهة أو عقائد أخرى.
ربما تبدو هذه المزاعم صحيحة لأول وهلة، ولكنها خاطئة لأسباب كثيرة: فلا يمكن أن نغفل عن تأثير المناخ والجيولوجيا أو الخصوصية الإقليمية في المناطق المعينة على خصائص ثقافاتها، بل إنه ليس من الصحيح أن يجعلوا من مجرد المناخ الإقليمي عاملاً يفصل بين الشرك والتوحيد، كما أنه ليس من المسّلم به أن يكون الشرك دائماً متسامحاً وشاملاً، والتوحيد دائماً محصوراً وغيرمتسامح.
إن اليابان بالفعل تتمتع بنعمة الطبيعة ومناظرها الجميلة وذلك بفضل وجود الفصول الأربعة المتعاقبة بالإضافة إلى وفرة المحاصيل والمأكولات البحرية والمنتجات الجبلية، وذلك قد يؤدي إلى عدّ هذه الخصائص أحد أسباب ولادة تقاليد الشرك في اليابان.
بحثا في تاريخ الأديان في العالم يمكننا أن نفهم أنه من السهل للإنسان أن يقع في عقيدة الشرك،ومن الصعب عليه أن يحافظ على إيمانه بإله واحد، وذلك في أي وقت أو أي مكان كان.
ورغما من ذلك، في هذا العالم قد تم تنفيذ ذلك العمل الصعب المسمى ب(الثورة التوحيدية)، والتي أكملتها الديانات الثلاث المنطلقة من الخطوط التقليدية نفسها، وهي اليهودية والمسيحية والإسلام.
لذلك، ليس هناك أساس مكتمل للرأي المزعوم بأن بلداً مثل اليابان موهوباً بنعمة الطبيعة الوافرة، لم تنشأ فيه عقيدة التوحيد أولم تكن تتناسب مع اليابانيين، ويقبل الشرك الياباني أصلا عبادة عدد من الآلهة؛إذيقال إن "هناك ثمانية ملايين إله".
ومن المفيد أن نعرف أن أسلوب التعبد في الشنتو يتعلق بطقوس التوحيد. وعلى سبيل المثال، يبدو عموما أن معبد الشنتو يعدّ مركزعقيدة الشرك، إلا أن كل معبد يقدمإلهاً واحداً فقط فيقدسه، بحيث لا توجد صور أو تماثيل للآلهة الأخرى. وفي الشرك التقليدي الياباني، لا يقوم اليابانيون أبداًبعبادة آلهةمجتمعة في وقت واحد،ولاتعلق صور أو تماثيل الآلهة لطقوسهم.
إنذلك هو الواقع في الشرك الياباني، إلا أنه نوع خاص من الشرك وفريد في العالم ويمكن تسميته Kathenotheism: تحويلا من التوحيد. يتمثل هذا التوحيد المتحول الفريد في معبد(جينغو) في مدينة (إيسي)، وهو أحد أقدم وأقدس المعابد في اليابان.
كما ذكرت من قبل، فإن الإسلام يعدّ دينا بعيدا جدا في نظر اليابانيين إلى الأديان، ففي العقيدة الإسلامية أيضا يوجد عديد من التعاليم والمبادئ التي تماثل ما يوجد في البوذية التقليدية والشنتوية مثل تعاليم الأخلاق والآدب الاجتماعية. ولكن النظامين الدينيين للتوحيد والشرك يرمزان إلى جوهر التديننفسه تقريبا.
3. البوذية والنقاد على التوحيد
إن غير قليل من العلماء المعاصرين الباحثين في البوذية ينظر نظرا قاسيا إلى الإسلام؛فقد قال أحدهم- نقلا عن تعليق (ناكامورا هاجيمي)-: "لا يمكن أبدا أن أعتقد أن الله خالق الكون الذي حمّلنا مثل هذه الآلام هو رحمان رحيم على الإطلاق" و"في كثير من الأديان التي تتمسك بالله خالق العالم، توجد فيها فجوة فاصلة مطلقة بين الله والإنسان، مهما كان الله قد أنقذه.
أما في البوذية، فيصبح الإنسان العادي بوذا جديدا بعدما قد أنقذه البوذا،" قال هذا الباحث البوذي: إنه إذا كانت هناك فجوة فاصلة مطلقة بين الله والإنسان كما يشير إليه الإسلام، فإن رحمة ذلك الله ليست مطلقة.
ليس فقط الإسلام هو الذي توجد فيه الفجوة الفاصلة بين الله والإنسان، فذلك يعدّ إحدى الخصائص لليهودية والمسيحية والإسلام كلها. ومن النظرة البوذية ينتقدون أيضا عدم وجوب الاعتراف بأن تطبيق الرحمة البوذية يتناسبمع الإسلام الذي تختلف طبيعته وعقيدتهاختلافا تاما عما كان يتمتع به البوذا.
ومع ذلك، تم تكوين عديد من الأفكار والعقائد لحل مسألة الفصل المطلق بين الله والناس مثل التفكير في الأشخاص المختارين في اليهودية، وعقيدة الثالوث الأقدس في المسيحية، والقرآن بوصفه كلمة الله في الإسلام، وإن فكرة أن الله هو المطلق تتشابه مع فكرة Darmah في البوذية.
وإن Darmah هو الحقيقة الأبدية والقانون،والتي يجب حتى على البوذا الأعلى أن يطيعها ليس من السهلأن نقرر شيئا في هذا الموضوع، ولكن إذا رأيناه متوجها النظر هذه، فأعتقد أن هناك يختفي تقريبا الاختلاف والفرق بين الشرك وبين التوحيد.
4.في عصر المجتمعات المتغيرة.
إن اليابان ليس لديها تاريخ عدائي مع معظم الدول الإسلامية، فقد تكون اليابان الأقرب لفهم الحضارة والأديان غير الأوروبية فهما موضوعيا، إن اليابانيين في الوقت الحاضر لديهمالأرض الكاملة لقبول الإسلام كما قبلوا المسيحية بكونها جزءاً من تعليمهم. ولوبفضل حب الاستطلاع للشؤون الغريبة والأجنبية،إن التعرف هو الخطوة المهمة الأولى نحو التفاهم بين الثقافات، وحان الوقت الآن للمزيد من تطوير المعرفة الموضوعية والصحيحة عن الإسلام.
وأعرض عليكم هنا مثلاً من أمثال الأنشطة الجديدة التي قامت بها الجمعية اليابانية للدراسات الدينية. وتشجيعا من هذه الجمعية، قد تأسس مركز التعليم في الثقافة الدينية (CERC، الذي باشرعملهاعتبارا من 9 يناير 2011) بهدف المزيد من التحسين النوعي للتعليم في الثقافة الدينية في اليابان. ويهدف هذا المركزعلى وجه الخصوص إلى تعزيز المعرفة الأساسية حول الثقافات الدينية، وإلى تحسين القدرة على فهم الثقافات الدينية اليابانية والعالمية على مستوى التعليم العالي. ويقوم هذا المركز بما يلي:
(1) الأنشطة المتعلقة بإصار شهادة "متخصص في الثقافة الدينية".
(2) الأنشطة لتطوير التعليم في الثقافة الدينية.
يقوم المركز بإصدار "شهادة متخصص في الثقافة الدينية" لمدرسي المدارس والموظفين الذين يحتاجون للحصول على المعرفة الغنية والموضوعية عن الثقافة الدينية.
إن أهلية الاختصاص في الثقافة الدينية يمنحها المركزCERC لأولئك الذين حصلوا على عدد معين من اعتمادات الجامعة واجتازوا امتحان الشهادة. وتتوزع في أماكن أخرى معلومات عن عدد الاعتمادات والشهادات المطلوبة. وينبغي على حاملي شهادة الاختصاص في التعليم الديني ألا يستخدموه كأداة لانتقاد أو ترويجأو إغراء لدين معين. ويمكن أن يستخدموا هذه الشهادة لتعزيز حياتهم المهنية ولقيامهم بالواجب المبعوث كمدرسي المدارس مثلا.
لقد توصلت من خلال دراسة الأديان العالمية إلى أن مسألة التوافق بين التوحيد وبين الشرك يمكن أن نراها في كل دين. من وجهة النظر هذه، لدينا الآن اقتراح جديد من شأنه أن يناشدنا عدم انتقاد بعضنابعضا في تقسيم الأديان إلى فئتين، ويناشدنا تطوير التفاهم المتبادل العالمي فيما بين الأديان. إن هذهالتجربة الجديدة لحوار الأديان بينالبوذية اليابانية بالإضافة إلى الشنتوية اليابانية وبين الإسلام، قد تسهم في حل بعض جوانب المخاوف الملحوظة من الإسلام في اليابان. وفي سبيل مواصلة الحوار السلمي بين الأديان وتطوير التفاهم المتبادل في اليابان بين اليابانيين والمسلمين، يجب علينا الآن أن نسعى إلى إزالة النظر المتحير وسوء الفهم تجاه الإسلام، وكذلك أعتقد أنه من الضرورة أن نعمل على مواصلة مثل هذا الحوار،مهما كان صعبا وعصيبا.
تعليقات