العالم الآن يحتاج إلى داعية ذي قلب كبير يسع الدنيا بأسرها.. وما حاجة الناس اليوم إلى دعاة ضيّقي الصدور وإن كانوا حافظين لكل المتون

                                                                                   خالد حمدي

المفضلة ‏٢٣ يونيو‏، الساعة ‏٧:٠٧ م‏ 
العالم الآن يحتاج إلى داعية ذي قلب كبير يسع الدنيا بأسرها..
وما حاجة الناس اليوم إلى دعاة ضيّقي الصدور وإن كانوا حافظين لكل المتون.
لعْن الظلام يجيده كل أحد، لكن حمل المصابيح للسائرين ليلا لا يطيقه كل أحد..
علماء الاجتماع يقولون إن الجرائم اليوم زادت من حيث الكم، ونزلت من حيث العمر، وتنوعت حتى وصلت إلى جرائم لم يكن يتخيلها المجتمع.
والحبل على الجرَّار...
وما يعيشه أبناء هذا الجيل من محفزات الانحراف أضعاف أضعاف ما مر على جيلنا..
لذلك لا أبالغ إن قلت إن هؤلاء المساكين يحتاجون إلى قلوب فسيحة، وصدور وسيعة على الرغم من سوء أحوالهم أكثر من أي شيء آخر...كان لقمان الحكيم إذا رأى في الطريق رجلين يحلفان بالله خلاف بعضهما، ذهب ودفع كفارة اليمين عن أحدهما مخافة أن يناله سخط الله.وحكي عن الإمام أحمد أنه كان يدعو ويقول:(اللهم إن قبلت عن عصاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم فداء فاجعلني فداء لهم.)

وكنت أذهب إلى شيخنا القرضاوي فأجده يجمع الذين عنده كل عدة أيام ويصلي صلاة الغائب على كل من مات في مشارق الأرض ومغاربها من المسلمين في هذه الأيام، وكأنه يقول:إذا أفلتوا من دعوتي لهم في الدنيا فلن يفلتوا من دعائي.

ولما شُجت رأس الربيع بن خيثيم بحجر لا يعرف صاحبه، كان الناس منشغلين بالجرح، وكان هو منشغلا بالدعاء لصاحب الحجر قائلا: اللهم اغفر له فإنه لم يتعمدني.
أقول هذا الكلام بعد تجارب مرت بي أو حكيت لي في الأيام الماضية مع بعض ساقطي المجتمع، المنغمسين في المعاصي لِلُجَجَهِم فألفينا وراء هذا الضياع قلوبا فيها بقية من فطرة، وصبابة من خوف، بل ومن حب لله أيضا...
حتى أن بعضهم قال:لو سمعتكم ورأيتكم منذ سنوات ما بلغت من الضياع هذا المبلغ!!

إننا بحاجة إلى ثقافة كره المنكر لا كره فاعله، بل الشفقة على فاعله.وقد سُئل الإمام البنا رحمه الله يومًا عن سر تأثر الناس به، وإقبالهم العجيب عليه، فأجاب: «كنت أدعوهم بالنهار وأدعو لهم بالليل».
ثم إننا بحاجة للوصول إلى مرابع هؤلاء الناس وأماكنهم، والربت على قلوبهم، وبث أنوار الهداية فيهم..خطبت خطبة يوما على مقبرة فإذا بشابين يعودان معي ويسرعان الخطى ليلحقا بي يريدان التحدث إلي، ولم يسعفني الوقت لأجيب على تساؤلاتهما فأكملنا الحديث في البيت...وكانا وكأنهما طفلان بريئان يسألان عن أول أمر الإسلام..ثم غادرا، وبعد أيام مات أحدهما، ولم يكن قد تجاوز الثلاثين من عمره، رحمة الله عليه.
وقد عرفت منهما أنهما كانا من أصحاب فرقة موسيقية للأفراح وما وراء الأفراح من مجون وعربدة!!
لا بد من سباق إلى فطر الناس، وما تبقى فيها من خير..لا بد من مغالبة ومدافعة إليها... لكن بحب.فخلف الأكمة ألفُ عمر يقول الناس عنهم ما قالوه عن عمر الأول:
(لو أسلم حمار الخطاب ما أسلم عمر.)ولم يكن عمر يحتاج سوى آيات من صدر طه لتقرأ عليه..لكن أين القارئون؟!أفسحوا للعصاة صدوركم، وانتقوا لهم كلماتكم، واغشوا أماكنهم، وأطمعوهم في رحمة ربهم..
فما يمارس عليهم من الإفساد، لو مورس على أجيال سبقتهم، ربما لم يكن الإسلام ليصل إلينا.

"وكان سعيكم مشكورا"
قرأتها في وردي أمس فعشتها بقلبي...
وكأن الله تعالى يقولها لكل من أنهى حياته فيما يرضيه..
وكأنه سبحانه يقولها لمن خرج من هذه الدنيا سليم الدين رغم شدة ما عانى، وعِظَم ما لاقى...
"وكان سعيكم مشكورا"
ما أروعه من عزاء، وما ألذه من تسرية بعد مكابدة شياطين الإنس والجن طوال عمر مديد...
وكأنها نهاية خدمة ربانية لمن أفنى عمره في مرضاة ربه، ولم يحد عن دربه..
يا لحظ من قيلت له... و يا لسعادة من عاشها على الحقيقة في عالم الآخرة!!
يقول عبد الرحمن بن مهدي: رأيت سفيان الثوري في النوم بعد موته، فقلت: ما فعل الله بك؟
فقال: لم يكن إلا أن وضعت في اللحد ووقفت بين يدي الله عز وجل فحاسبني حسابا يسيرا ثم أمر بي إلى الجنة فبينا أنا بين رياحينها وأشجارها لا أسمع حسا ولا حركة فإذا بصوت يقول:
يا سفيان بن سعيد، هل تعلم أنك آثرت الله على نفسك؟
فقلت: إي والله...
فأخذتني صواني النثار(الورود) من كل جانب...يعني وجد الورود تتساقط عليه من جنبات الجنة...
كم يحرك القرآن في النفس من سواكن، ويهيج فيها من أشواق؟!
لو لم يكن للمتعبين والمبتلين إلا هذه الجائزة بعد طريق طويل شائك مع الخلق من أجل الخالق سبحانه لكفى!!
"وكان سعيكم مشكورا "
اسمعها بأذن قلبك وهي تقال لك من رب العالمين، بعد صلاة لم تقطعها، وزكاة لم تمنعها، وأنفس لم تؤذها، فيلقاك سبحانه في أخراك يضحك إليك وتضحك إليه، وهو يقول لك:
"وكان سعيكم مشكورا "
قالت جارية لعمر بن عبدالعزيز:
رأيتك يا أمير المؤمنين في المنام وكأن القيامة قد قامت، فلم يتحمل سماع بقية الرؤيا فأغشي عليه، فأسرعت إلى أذنه وقالت: رأيتك والله وقد قيل لك: نجوت نجوت... فقام يحبو فرحا وهو يبكي..
واشوقاه إلى بشارة النجاة بعد حياة موحشة ملآى بالمكاره...
"وكان سعيكم مشكورا "
في دنيانا يختزلها الناس في مجالس العزاء شكرا منهم لمن جاء مواسيا معزيا...
لكنها في الآخرة تقال في مواضع الأفراح والبشارات بعد دخول الجنات، والتجاوز عن الزلات وتكفير السيئات:
"إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا "
ما أجمل القرآن وما ألذه!!
والأجمل أن تأتيك كلماته النورانية على فاقة وعوز...
اللهم لك الحمد على نعمة إبقاء كتابك الجليل بيننا ليستشفي به كل قلب عليل...
وأولهم قلبي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان