الـمشترك بيـن الثقافات.. مشروع السوِيسرِي هانس كينج لحوار الأديان وتـوحيد الأَخلاقِ

 

مقدّمة(هانس كينج - Hans Küng - (بضم الكاف هو أشهر علماء اللّاهوت السّويسريّين والألمان في عصرنا 

 

بقلم: الدكتور ثابت عيد 

بكانتون لوتسرن بسويسرا في التّاسع عشر من شهر مارس سنة 1928م. درس الفلسفة في جامعة جريجوريانا البابويّة في روما من سنة 1948م حتّى سنة 1951م، حيث حصل على الماچستير. ثمّ انتقل لدراسة علم اللّاهوت حتّي سنة 1955م. عيّن قسيسًا سنة 1954م. حصل على ماچستير اللّاهوت سنة 1955م، ثمّ انتقل إلى المعهد الكاثوليكيّ في السّوربون بفرنسا، حيث حصل على الدّكتوراة في علم اللّاهوت سنة 1957م.

عمل واعظًا دينيَّا في كنيسة هوفكيرخه Hofkirche في لوتسرن من سنة 1957م حتّى سنة 1959م. قضى بعد ذلك عامًا كباحث في كلية اللّاهوت بجامعة موينستر في ألمانيا. في عام 1960م عُيّن أستاذًا لأصول اللّاهوت في جامعة تويبنجن في ألمانيا. ثمّ عيّنه البابا يوحنّا الثّالث والعشرين مستشارًا لاهوتيًّا رسميًّا للمجمع الملّيّ سنة 1962م. بعد ذلك - 1963م حتّى 1980م - صار أستاذًا للعقيدة واللّاهوت المسيحيّ التّوحيدي في كلّيّة اللّاهوت الكاثوليكيّة في جامعة تويبنجن، ورئيسًا لمعهد دراسات اللّاهوت التّوحيدي في الجامعة نفسها. تفاقمت خلافاته مع الكنيسة الكاثوليكيّة حول الإصلاحات الّتي ينبغي إدخالها على العقيدة المسيحيّة، فحرمته الكنيسة من حقّ التّدريس باسمها سنة 1979م.

بيد أنّ جامعة تويبنجن ساندته في صراعه هذا مع الكنيسة، حيث سمحت له بالعمل كأستاذ مستقل عن كلية اللّاهوت الكاثوليكيّة، واحتفظ برئاسة معهد دراسات توحيد اللّاهوت المسيحيّ في الجامعة نفسها من سنة 1980م حتّى سنة 1996م. أسّس كينج في عام 1995م »وقف الأخلاق العالميّة لدراسات حوار الأديان والثّقافات«. ثمّ تقاعد عن التّدريس الجامعي سنة 1996م، حيث يخصّص وقته لإدارة شؤون »وقف الأخلاق« المذكور، ويعكف الآن على إنهاء الجزء الثّاني من مذكراته.

لفت كينج نظري في أوائل تسعينات القرن العشرين من خلال نشاطه الدؤوب لعمل حوار بين الأديان السّماويّة الثّلاثة. تواصلنا بعدها، وتكاتبنا، وتهاتفنا كثيرًا، والتقينا مرّتين في سويسرا. ذكرتُ في مناسبات مختلفة أنّه سبق عصره بعقود، إن لم يكن بقرون طويلة. رجوته سنة 1992م تأليف دراسة موجزة للقارئ العربيّ عن »ظاهرة التّطرّف الدّيني«. لبّى طلبي مشكورًا، فسارعت بترجمة دراسته إلى اللّغة العربيّة، وزوّدتها بمقدّمة تعريفيّة، حيث نشرتها أكثر من مطبوعة عربيّة، قبل ظهورها في كتاب "الإسلام في عيون السّويسريّين".

بلغت مؤلفات كينج 62 كتابًا حتّى سنة 2006م. شغلته قضايا إصلاح الكنيسة الكاثوليكيّة، وكانت همّه الأوّل حتّى ثمانينات القرن العشرين. ثمّ انطلق بعد ذلك يدرس الأديان العالميّة، مكتشفًا »المشترك« بينها، فأصبح »الحوار« بين الأديان والثّقافات، ومشروعه الخاصّ بوضع معايير لأخلاق عالميّة، شغله الشّاغل. الملفت للنّظر في قائمة مؤلفاته هو وجود ترجمات كثيرة لها. نظرة إلى أعماله المترجمة تعكس غياب العرب والمسلمين الكامل عن السّاحة الثّقافيّة في مراكز الحضارة الحديثة. فلنأخذ مثلًا كتابه: Unfehlbar? Eine Anfrage (= معصوم؟ مجرّد استفسار).

هذا الكتاب الّذي ساهم في غضب الكنيسة على كينج ظهر في أصله الألماني لأوّل مرّة سنة 1970م. فلننظر كيف سارعت دول العالم المختلفة إلى ترجمته إلى لغاتها: في العام نفسه 1970م ظهرت ترجمته الإيطاليّة والهولنديّة. في عام 1971م ظهرت ترجمته الفرنسيّة والإنجليزيّة والأمريكيّة والأسبانيّة. ثمّ قام اليابانيّون بترجمته إلى اليابانيّة سنة 1973م.

إشكاليّة غياب العرب عن ساحة الثّقافة العالميّة تعود لا محالة إلى حالة التّقهقر الحضاري الّتي يعيشُ العرب والمسلمون فيها منذ قرون طويلة. أشار برنارد لويس في كتابه »اكتشاف المسلمين لأوروبّا« لظاهرة عدم اهتمام العرب والمسلمين بما يحدث من تطورات دينيّة في الدّول الغربيّة. حصل كينج على الدّكتوراة الفخريّة من أكثر من عشر جامعات أوروبيّة وأمريكيّة، بينما لا تزال دولنا العربيّة الإسلاميّة لا تعرف قدر هذا المفكّر العظيم.

هانس كينج هو عملاق من عملاقة الفكر الإنساني في القرنين العشرين والواحد والعشرين. هو صاحب قضية يتنفّسها ليل نهار في سراحه ورواحه. قضية هانس كينج الكبرى هي إصلاح الحياة في عالمنا هذا الّذي مزّقته الحروب، وقسّمته الصّراعات، وفرّقته الإيديولوجيّات، ودمّره الجشع، وفتكت به الجهالات. هانس كينج هو مفكّر عظيم يحملُ هموم عصره، ويتألّم لما أصاب الإنسانيّة من توحُّش وكراهية وبغضاء. إنّه يبذل قصارى جهده للمساهمة في نشر قيم التّسامح، والعدل، والمساواة، والحريّة، والصّدق، بينَ البشر.

اقتضت قسمة الرّحمن منح المصلحين أجنحة يحلّقون بها في الفضاء عاليًا، ويتجاوزون قيود الحاضر إلى آفاق المستقبل، فيرونَ ما لا يراه معاصروهم، ويُشاهدون ما لا يدركه مواطنوهم، العاجزون عن الفهم، لثقل أجسادهم، وقصر عقولهم. هنا يكونُ الصّدام مقرّرًا لا مناص منه بينَ المصلح صاحب الرؤية وبين معاصريه عديمي البصيرة. هذا هو ما حدث وما زال يحدث لعملاقنا هانس كينج.

حياة هانس كينج هي حياة مجاهد، وهب نفسَهُ للإصلاح، فكُتب عليه الدّخول في معارك متواصلة مع خصوم الإصلاح. حياته هي محطات صدام مع منكري الإصلاح، وخصام مع رافضي التّسامح، وخلاف مع المتشبّثين بالقديم، الرّافضين للتّجديد. لا عجب بعد كلّ هذه المعارك الطّاحنة الّتي خرج منها منتصرًا ظافرًا أن يعنوّنَ مذكّراته: »الحريّة المنتزعة« Erkämpfte Freiheit، أو بالأصحّ »الحريّة الّتي لم أنلها إلّا بعد كفاح طويل«.

انشغل كينج في مطلع حياته الفكريّة بقضية إصلاح الكنيسة الكاثوليكيّة، ثمّ تحوّل إلى دراسة ديانات العالم، من أجل وضع أسس قويّة للحوار بين الأديان. بالتّوازي مع دراسته لأديان العالم نشر كتابه الشّهير عن »مشروع معايير أخلاق عالميّة«. إحلال السّلام العالمي صار شغله الشّاغل في السّنوات الأخيرة. ثلاثيّة هانس كينج عن الأديان السّماويّة الثّلاثة هي عمل فريد بكلّ المقاييس. لا يوجد مفكّر غربيّ أو شرقيّ تمكّن من تقديم عمل يضاهي هذه الثّلاثيّة الضّخمة المتميّزة: »اليهوديّة«، ثمّ »المسيحيّة«، وأخيرًا »الإسلام«. دراساته للأديان تتميّز بالعمق، والتّفهّم، والنّقد، والرّغبة في تنقية الشّوائب، والتّخلّص من البدع.

أثناء إنجازه هذا المشروع الضّخم لدراسة أديان العالم طوّر كينج مشروعه الآخر الشّهير الخاصّ بمعايير الأخلاق العالميّة: Projekt Weltethos (= مشروع معايير أخلاق عالميّة). وهو الكتاب الّذي تصدى فيه لشتّى إيديولوچيّات العصر بالنّقد والتّفنيد، في محاولة رائعة للبحث عن القيم الأخلاقيّة المشتركة بين مختلف الّثقافات، وشتّي الدّيانات. عبّر كينج في كتابه هذا عن همه وقلقه وحزنه لما وصلت إليه البشريّة في عصرنا هذا من أوضاع يرثى لها: حروب مروّعة، وصراعات قاتلة، وتدمير للبيئة، وظلم، ونهب، واستغلال، وقمع، وقهر.

مواقف كينج وكتاباته، بل مشروعه الفكريّ برمته، لم يلقَ من معاصريه التّقدير المناسب، ولا الاحترام اللّائق، ولا التّبجيل اللّازم. لا عجب في هذا، ألم ترَ أنّ بعض عظماء الفنّانينَ يموت فقيرًا معدمًا، لتباع لوحاته بعد مماته بملايين الّدولارات. يا للحسرة من القصور الإنساني، ويا للعار على إنسانيّة لم تتعلّم من أخطائها إلّا أقلّ من القليل. يقينًا تجاوب بعض نبلاء أوروبّا مع مشروع كينج الخاصّ بالأخلاق العالميّة، وقدّموا له العون اللّازم لتأسيس »وقف الأخلاق العالميّة«. لكن هذا لا يكفي. قلت لكينج قبل سنوات مواسيًا: »النّبي في قومه مهان«!! إشارة إلى عدم اكتراث السّويسريّين به. ردّ مبتسمًا: »هم يتذكّرونِّي من وقت لآخر«!!

كثير من خصوم كينج ينتمي إلى معسكر "المحافظين الجدد"، أو خصوم الإسلام بصفة عامّة. لا عجبَ في هذا، فهو يُطالبُ بالحوار، وهم يخطّطون للصّدام. هو يُريدُ التّنوير، وهم يأبون إلّا التّشويه. هو يُصحّح، وهم يُلطّخون. هو يُريدُ السّلامَ، وهم يُريدون سفك الّدماء، وهتك الأعراض، وقتل الأبرياء. قال كينج في كتابه „Der Islam“ »الإسلام« إنّه يقوم بدور المحامي المسيحيّ المدافع عن الإسلام.

بالأمس القريب كاد خصومُ الإسلامِ في ألمانيا أن يتمكّنوا من حجب "جائزة السّلام لاتّحاد النّاشرين الألمان" عن عميدة الاستشراق الألمانيّ، أستاذتي وصديقتي، أنّا ماري شيمل (توفيت إلى رحمة اللّه تعالى سنة 2003م). لكن رومان هيرتسوج، رئيس ألمانيا في ذلك الوقت، دافع عنها دفاعًا مجيدًا، وأصرّ على تسليمها الجائزة بنفسه سنة 1995م. أصحاب الإيديولوچيّات هؤلاء أنفسهم نجحوا هذه المرّة في عرقلة منح كينج الجائزة ذاتها سنة 2006م، بعدما رشّحته أحزاب ألمانيا الرّئيسيّة لنيلها. إنّهم منحوها لشخصيّة مغمورة لا ترقى إلى مرتبة تلميذ من تلامذة كينج!. برغم هذا لا يخلو زماننا من أُصلاء شُرفاء، يعرفون الحقّ، ويُقدّرون الإبداع. فقد تسلّم كينج في الثّالث من ديسمبر سنة 2006م جائزة Lew-Kopelew بحضور وزيرة الخارجيّة السّويسريّة، وذكر في خطابه أمام الحضور أنّه يدعو إلى السّلام والحوار، ونبذ العنف، وووقف القتال، مشيرًا إلى أنّ سياسة الرّئيس الأمريكيّ بوش الحربيّة لا علاقة لها بالمسيحيّة الصّحيحة الّتي تدعو إلى المحبّة والسّلام.

مشروع هانس كينج  الإصلاحي والحواري يستحقُّ ألفَ جائزة وجائزة. حجب الجوائز عنه لا يقلِّل من عظمته، ولا ينقص من قيمة عمله، بقدر ما يُبيّن قصر نظر أصحاب الإيديولوچيّات، وضحالة فكرهم. كينج لم يكتب يومًا من أجل الجوائز. بل يكتب من أجل الإصلاح. تجاهل المسؤولين عن جائزة اتّحاد النّاشرين الألمان، وجائزة نوبل، لكينج، سوف يُحسبُ له، وسوف يُلامون عليه. ذلك لأنّ المقياس عنده هو تقويم الخطأ، وتصحيح الانحراف، وتشجيع الإيجابيّات، وشجب السّلبيّات، ونشر الفضائل، ومقاومة الرّذائل. الفيصل عنده هو الحقّ والصّدق، وليس الجوائز، والتّكريم.

أسوأ من هذا لا محالة هو سلوكنا - نحنُ العربَ المسلمينَ - تجاه العملاق هانس كُينج. لم تتحرّك أي جهة عربيّة حتّى الآن لمنحه ما يستحقّ من تكريم. قد يقولُ قائل إنّ تقهقرنا الحضاري يحجب الرّؤية عنّا، فلا نعرف عظماء عصرنا، ولا نلمُّ بأعمالهم. قد يكونُ هذا صحيحًا. لكن أليس منَ الممكن كسر هذا الجمود، والاجتهاد في تقديم الحدّ الأدنى من التّكريم لهذا المفكّر العملاق، ولتلميذيه الوفيّين: هيرمان هيرينج، وكارل يوسف كوشل؟

قضية هانس كينج الكبرى هي الحلم بعالم تسوده قيم العدالة، والصّدق، والسّلام، والأخوة، والمحبّة، والمساواة، والتّسامح، والرّوحانيّات. أي إنسان يحدّد لنفسه موقفًا من قضايا العصر، يجد تابعين، ويواجه معارضين. هذه سنّة الحياة. المناداة بالقيم المذكورة يعني لا محالة الصّدام مع الظّلمة، ومشعلي الحروب، ومستغلي الشّعوب، ومعارضي الأديان، وممارسي القمع والعنصريّة. لكن عند التّحدّي تظهر الرّجال. كينج لا يتّصف بالإخلاص والصّدق فحسب، بل أيضًا بالشّجاعة والجرأة وقوّة الشّخصيّة، وكلّها صفات ساعدته في منازلة خصومه، ومواجهة أعدائة، ببسالة وصمود، وإصرار على مواصلة طريق الإصلاح حتّى نهايته. ومَن هذا الّذي يحتمل أن يقف بمفرده في وجه الكنيسة الكاثوليكيّة في روما، بإمكانيّاتها، وميزانيتها، وحلفائها، وجحافلها؟ هذا أمر جُسامٌ، لا يحتمله إلّا العظام. يكفي مثلًا أن نقرأ سخرية كينج من بابا روما الحالي - يوسف راتسينجر - في الجزء الأوّل من مذكراته، حيث يتهمه بالانتهازيّة، وقلّة الإنتاج العلميّ.

وضع كينج نظريته الشّهيرة عن استحالة تحقيق أي سلام عالميّ، بدون التّوصُّل أوّلًا إلى سلام واتّفاق بين الأديان العالميّة، أثناء دراسته للأديان العالميّة في مطلع الثّمانينات من القرن العشرين في جامعة تويبنجن. هنا ينبغي أن نشير إلى ظاهرة من ظواهر انحطاطنا في هذا العصر - كمسلمين وعرب. الانحطاط يعني قلّة عدد العلماء الحقيقيّين. كما يعني أيضًا غياب هؤلاء العلماء المسلمين وعدم وجودهم في ديار الغرب. هل يمكن أن نتخيّل مثلًا صورة الإسلام عند مارتن لوتر (بالتّاء وليس بالثّاء)، لو أنّه التقى أحد العلماء المسلمين الأفاضل، وتعرّف على حقيقة الإسلام منه، قبل أن يكتب ما كتبه عن الإسلام؟

باختصار: ليس يوجد في ديار الغرب علماء مسلمون، بل هواة، وأدعياء، وانتهازيّون. نتج عن هذا أنّ الإسلام يشرحه للغربيّين: إمّا مسلم غير عالم، أو إيديولوچيّ غربيّ متحيّز. هذا بالضّبط ما حدث مع هانس كينج عند دراسته للإسلام، حيث لم يجد عالـمًا مسلمًا واحدًا في ألمانيا يستطيع مناقشته ومحاورته في القضايا الإسلاميّة، فاضطر إلى محاورة الصّهيونيّ يوسف فان إس الّذي لا يكنّ للمسلمين إلّا الكراهية، ولا يذكر الإسلام إلّا بالسخرية. إشكاليّة غياب العلماء المسلمين الكامل عن السّاحة في الدّول الغربيّة شغل بال شيمل وكينج. تقول شيمل عن هذه الظّاهرة: »إنّ العلماء المسلمين الّذين يأتون إلى أوروبّا غير متمرسين على الجدل مثل نظرائهم البرتستانت والكاثوليك. كثيرًا ما يحدث أن يوضع التّاجر أو المهندس التّركي بجوار الأسقف الكاثوليكيّّ«!! هذه الظّاهرة منتشرة أيضًا في سويسرا، حيث نجد من كبار المتحدثين باسم الإسلام: المهندس، وعالم الاجتماع، وعالم النّفس!! أمّا كينج، فيشير في كتابه عن المسيحيّة الّذي يحاول الدّفاع فيه عن موقف توماس الأكويني من الإسلام، قائلًا: »لم يعرف توماس أي مسلم معرفة شخصيّة، ولا هو حاور أي مسلم«!!

بداية من نشر كتابه عن »المسيحيّة والأديان العالميّة« سنة 1984م صار كينج يُصدّر معظم كتبه بشعار نظريته هذه:

„Kein Frieden unter den Nationen

ohne Frieden unter den Religionen.

Kein Frieden unter den Religionen

ohne Dialog zwischen den Religionen

Kein Dialog zwischen den Religionen

ohne Grundlagenforschung in den Religionen“

»لا سلامَ بينَ الأمم

بلا سلام بين الأديان.

لا سلام بين الأديان

بلا حوار بين الأديان

لا حوار بين الأديان

بلا دراسة لأصول الأديان".

بالطّبع تعرّضت هذه النّظريّة لكثير من النّقد، حيث قالوا: كيف يمكن للأديان أن تحاور بعضها، بينما هي منشقة على نفسها؟ فهناك صراع بين الكاثوليك والبروتستانت في المسيحيّة، وخلافات شديدة بين الشّيعة والسّنّة في الإسلام، وخصومات بين العلمانيّين والأرثوذكس في اليهوديّة.

هذه حقيقة لا خلاف عليها. لكنّها لا ينبغي أن تحول بيننا وبين التّطلّع إلى حوار حقيقيّ بين الأديان، يؤدي ويساهم في تحقيق السّلام العالميّ. من هذا المنطلق تتسم دراسة كينج للأديان السّماويّة في ثلاثيته المتميّزة عن اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام، برغبة صادقة في فهم عميق لهذه الأديان، مع ميل إلى نقد ما ألحقه أصحابها بها من بدع وشوائب. الوصول إلى المشترك بين الأديان العالميّة لن يتمّ إلّا من خلال دراسة متأنية عميقة لهذه الدّيانات.

الحوار بين الأديان والثّقافات لا يعني عند كينج تجاهل السّلبيّات، وصرف النّظر عن الخلافات، بل إنّه يرى ضرورة مواجهة السّلبيّات بشجاعة، وتصحيح الأخطاء بحماسة، من أجل إقامة حوار بنّاء مثمر بين الأديان. نقد كينج للأديان لا يهدف إلى هدمها، بل يرمي إلى إصلاحها وتقويتها.

إصلاح اليهوديّة

الأوضاع السّياسيّة في عصرنا هذا جعلت النّاس تخاف من توجيه أيِّ نقد - بنّاء أو هدّام - إلى اليهود. بالطّبع لا أحدَ يحبّ النّقد بصفة عامّة. المثل الألماني يقولُ: »إنّ الإنسانَ يُفضّل مدحًا يهلكه، عن نقدٍ يُصلحه«!! حساسيّة اليهود لأي نقد يوجّه إليهم قد يمكن تبريرها بما عانوه من اضطهاد على مرّ العصور. منَ الواضح أيضًا أنّ اليهود قد وصلوا في عصرنا هذا إلى قمة قوتهم، وذروة بطشهم. لكنّ عدم تقبّل النّقد لا يمكنُ أن يكونَ تعبيرًا عن القوّة. أشار إسرائيل شاحاك في كتابه: »الدّيانة اليهوديّة وموقفها من غير اليهود« إلى هذه الحقيقة. فمن يتنقد اليهود هو واحد من اثنين: معادٍ للسّاميّة، إن كان غير يهوديّ، أو يهوديّ يكره نفسه، إن كان النّاقد يهوديًّا. يكفي أن نتذكّر مثلًا ما تعرّضَ له روجيه جارودي من اضطهاد جراء نشر كتابه »الأساطير المؤسّسة للسّياسة الإسرائيليّة«.

هل يستطيع أي باحث في عصرنا هذا دراسة الدّيانة اليهوديّة بأسلوب نقديّ، بدون أي خوف أو ذعر من ردود فعل اليهود العنيفة على أي نقد يوجّه إلى دينهم؟ لا شكّ أنّ كينج كان مدركًا لوعورة الطّريق الّذي يسلكه، وحساسيّة الموضوع الّذي يطرقه. لذلك فهو لا ينفكّ يعلنُ تعاطفه، ويؤكّد تضامنه مع اليهوديّة:

„Und so ist dieses Buch aus einer tiefen Sympathie für das Judentum heraus geschrieben“.

»وهكذا فإنّ هذا الكتاب قد كُتب انطلاقًا من تعاطف عميق مع اليهوديّة«.

„Klar ist freilich: Ein solches Buch über das Judentum ist ein Abenteuer“.

»لكن من الواضح أنّ كتاب كهذا عن اليهوديّة هو مغامرة«.

بيد أنّ كينج لا يعرفُ النّفاق، ويرفض المجاملات. فهو يؤكّد أنّ مشروعه الخاصّ بحوار الأديان يقوم على الصّدق والشّجاعة في المقام الأوّل. يشيرُ كينج في كتابه: »الإسلام« „Der Islam“ إلى أنّ دراسة الأديان السّماويّة الثّلاثة تعدّ شرطًا أساسيًّا لحوار جادّ لا يتحاشى مناقشة مسائل الخلاف بطريقة موضوعيّة. موقف كينج العام من الأديان السّماويّة الثّلاثة هو موقف معتدل بين التّمجيد الّذي لا يرى العيوب، والطّعن الّذي يتجاهلُ المحاسن.

بدأ كينج ثلاثيّته الفريدة عن أديان العالم بكتابه الضّخم عن اليهوديّة الّذي يقع في أكثر من تسعمائة صفحة. قسّم كينج التّاريخ اليهوديّ إلى ستّ حقب مختلفة تمثّل كلّ حقبة نموذجًا قائمًا بذاته: 1- (2000 - 1200 ق.م.): نموذج القبائل، عصر ما قبل الدّولة - حيث ظهرت عقيدة »شعب اللّه« و»أرض اللّه« في القرنين الثّاني عشر والحادي عشر قبل الميلاد. 2- (1000 - 556 ق.م.): نموذج الممالك، العصر الملكيّ - حيث فنيت المملكة الشّماليّة: إسرائيل، والمملكة الجنوبيّة: يودا. 3- (حتّى عصر المسيح): نموذج سيطرة رجال الدّين - يهوديّة ما بعد المنفى. 4- (منَ القرن الثّاني الميلادي حتّى القرن الثّامن عشر ميلاديًّا): نموذج الأحبار والمعابد والتّلمود. 5- (منَ القرن الثّامن عشر حتّى القرن العشرين بعد الميلاد): نموذج الاندماج والحداثة. 6- (1881م - 1945م): نموذج ما بعد الحداثة، وهو عصر العنصريّة، والصّهيونيّة، والنّازيّة.

منَ الأمور الّتي يحرص كينج على إلقاء الضّوء عليها في هذا السّياق »مكانة المرأة في اليهوديّة«. هنا ينبغي التّحلي بروح هذا العملاق الّذي لا ينفكّ يدعونا إلى الموضوعيّة والصّدق والتّسامح والنّزاهة في النّقد والإنصاف في الحكم. إذ لا ينبغي أن يكون المرء كالذّبابة الّتي لا تبحث إلّا عن القاذورات، أو كما يقول أفلاطون: »الأشرار يتتبعون مساوئ النّاس، ويتركون محاسنهم، كما يتتبع الذّباب المواضع الفاسدة منَ الجسد، ويتركُ الصّحيح منه«، بل يجب معاملة الآخر باحترام وتفهم وتسامح. فهو مثلًا يحذّر القارئ المسيحيّ من التّهكّم على مكانة المرأة في الإسلام، والشّماتة في المسلمين، لأنّ مكانة المرأة في المسيحيّة ليست بأفضل، حيثُ يقولُ: »ينبغي أن نوصي العدد الكبير من المسيحيّين الّذين لديهم حكم سابق سلبي جاهز عن دور المرأة في الإسلام بالتّريّث وممارسة النّقد الذّاتي أوّلًا«. التّحذير نفسه يوجّه كينج إلى القارئ المسيحيّ لكتابه عن اليهوديّة، حيث يقول إنّه من الخطأ اعتبار »مشكلة المرأة« تخصّ الدّيانة اليهوديّة فحسب. يقينًا هذا الاحترام تجاه الآخر، وممارسة النّقد الذّاتي، قبل نقد الآخر، هما منَ الفضائل الّتي يدعو إليها كينج في مختلف كتاباته والّتي ينبغي ممارستها وتطبيقها، إن كنّا نريد حقًّا تحقيق حوار جدي بينَ الأديان، وتعاون فعّال بين الثّقافات.

يشيرُ كينج إلى المكانة المتردية للمرأة في اليهوديّة، حيث مازالت تُعامل على أنّها أقلّ قيمة من الرّجل: فالرّجل اليهوديّّ مازال يحمدُ ربَّه في صلاة الصّباح على أنّه لم يخلقه امرأة!! يتساءل هانس كينج: ألم يقل الرّبّ في الكتاب المقدّس إنّه خلقَ الإنسان - رجلًا وامرأة - على صورته؟ فلماذا إذن هذا التّحقير لشأن المرأة في اليهوديّة؟ من ناحية أخرى يشير كينج إلى استحقار الشّريعة اليهوديّة للمرأة، حيث لا يحقّ للمرأة اليهوديّة المطالبة بالطّلاق. الرّجل اليهوديّ وحده هو الّذي يحقّ له طلب الطّلاق. نتج عن هذا أنّ المرأة اليهوديّة تظلّ مرتبطة بزوجها حتّى إن رحل ولم يعد، أو إذا هجرها.

هناك تقديرات بوجود حوالي عشرة آلاف يهوديّة لا يحقّ لهن الطّلاق، برغم غياب الزّوج. يقولُ كينج إنّ قوانين الزّواج والطّلاق في اليهوديّة عمرها ألفي عام، وهي قوانين لا تساوي بين الرّجل والمرأة، بل تستحقرّ المرأة وتدني من مرتبتها. يضيف كينج إلى هذا حقيقة عدم تمثيل المرأة بصورة لائقة في الحياة العامّة في إسرائيل: لا يوجد إلّا سبع نساء ضمن أعضاء الكنيست البالغ عددهم مائة وعشرين عضوًا. يرصدُ كينج ما حدث من تطوّر في مكانة المرأة اليهوديّة، فقبل حوالي قرن من الزّمان كان التّعليم محرّمًا على المرأة اليهوديّة.

أمّا اليومَ، فتحصل المرأة اليهوديّة في العائلات الأورثوذكسيّة على تعليم مناسب. كذلك فإنّ المرأة اليهوديّة لم يعد يحقّ لها تلاوة التّوراة. نتج عن كلّ هذا قيام باحثات يهوديّات متخصّصات في علم اللّاهوت بنقد التّراث اليهوديّ الذكوري الأبوي، ووضع أسس لاهوت يهودي نسوي. يذكر كينج أنّ الممثّلة الرّئيسيّة لهذا التّيار هي البروفيسورة الأمريكيّة: يوديت پلاسكوف Judith Plaskow الأستاذة في كليّة مانهاتن بنيويورك الّتي قدّمت رؤيتها للدّيانة اليهوديّة من وجهة نظر نسويّة في كتابها الّذي ظهر مؤخرًا بعنوان: „Standing Again at Sinai“. يذكر كينج أنّ أفكار هذه الأستاذة اليهوديّة الثّائرة قد تغضب كثيرًا من اليهود المحافظين، إلّا أنّه لا يمكن تجاهلها. تتّهم يوديت پلاسكوف التّوراة بالظّلم، وتطالب النّساء اليهوديّات بالكفاح من أجل تحقيق المساواة بين الرّجل والمرأة في اليهوديّة.

نستطيعُ الإشارة في هذا السّياق إلى نقد كينج لفكر هنري كيسنجر. ذلك أنّ كيسنجر كان دائمًا يصيغ قراراته وفقًا لمصالح إسرائيل، دون مراعاة لأي شيء آخر. يذكر مثلًا مطالبته بضرب العراق بالقنبلة النّوويّة عندما أطلق صدّام حسين صواريخه على إسرائيل. كثيرًا ما قيل عن كيسنجر إنّه يجمع في شخصه ثلاثة أمور عجيبة: ألماني الأصل، يهودي الديانة، أمريكي الجنسيّة. تجدر الإشارة هنا إلى ضلوع كيسنجر في التّخطيط لحروب أمريكيّة كثيرة، دون أدنى مراعاة للنّتائج المدمّرة لهذه الحروب. يقول كينج إنّ هنري كيسنجر يمارس ويُبرّر في كتاباته سياسة استعماريّة تتسم بالعنف وازدراء الإنسانيّة، ويتساءل عن إمكانية التّضحية بحقوق الإنسان والحريّات من أجل الاستقرار في العالم!! يقينًا هناك كثير من أصحاب الإيديولوچيّات اليهود يشاركون كيسنجر هذه الآراء.

يوجّه كينج أيضًا نقدًا صريحًا ومباشرًا إلى دولة إسرائيل. ثمّة خياران: إمّا أنّ تتحوّل إسرائيل إلى دولة ديمقراطيّة حقيقيّة، أو تبقى دولة يهوديّة. التّحوّل إلى الديمقراطيّة يعني خطر التّحوّل إلى مجتمع غير يهوديّ. مواصلة السّياسة الحاليّة تعني خطر خرق قواعد الدّيمقراطيّة. حيث يقول:

„Entweder verhält Israel sich konsequent demokratisch, läuft dann aber Gefahr, unjüdisch zu werden. (...) Oder der Staat Israel bleibt jüdisch, läuft dann aber Gefahr, undemokratisch zu werden“.

يشجب كينج سياسة القتل والتّذبيح والإبادة الّتي تمارسها إسرائيل تجاه العرب، حيث يتساءل: هل يتحوّل الإرهاب - إذا مارسته الدّولة - إلى بطولة؟ هل تُبرّر الغاية القوميّة الوسيلة الإرهابيّة؟ يشير إلى الأوضاع المروّعة في الأراضي الفلسطينيّة المحتلة: الأطباء اليهود، برغم كثرتهم، لا يعالجون الفلسطينيّين، رجال القانون الإسرائيليّونَ لا يساعدون الفلسطينيّين، القضاة اليهود لا يحكمون بالعدل - أمّا الجيش الإسرائيليّ، فهو هناك ليس للدّفاع، بل للقتل والتّعذيب.

يذكرُ كينج أنّ الصّحفيّ الإسرائيليّ دافيد جروسمان David Grossmann الحائز على عدّة جوائز مختلفة قد وصف معاناة الفلسطيّنيّين في تقرير باللّغة العبريّة كانَ من أكثر الكتب مبيعًا في إسرائيل. يقول جروسمان في تقريره هذا إنّ الجيش الإسرائيليّ يرتكب »جرائم ضدّ الإنسانيّة« في تعامله مع عرب فلسطين، لكن المحاكم الإسرائيليّة لا تنظر إلى هذه القضايا، أو تحكم فيها على الجناة بالبراءة. كما أنّ وسائل الإعلام الإسرائيليّة تتجاهل هذه الجرائم أو تقلّل من خطورتها. يعلّق كينج على هذه المجريات قائلًا: إنّ ما يحدث الآن في إسرائيل هو معاداة جديدة للسّاميّة، من ساميّين يهود تجاه ساميّين فلسطينيّن. كلّ هذا يحدث في دولة قامت كنتيجة للمعاناة من التّمييز والقهر والعنصريّة، أي معاناة اليهود من بطش النّازيّين.

يهمّنا في هذا السّياق ذكر جهود المحامية اليهوديّة فليسيا لانجر Felicia Langer الّتي قابلناها في مدينة زيورخ سنة 2004م، وناقشناها في أنشطتها الهادفة إلى تحقيق سلام عادل بين العرب والفلسطينيّين، حيث أهدتنا بعض كتبها. تعيش لانجر مع زوجها في ألمانيا منذ سنة 1990م حيث كانت مضطرة إلى مغادرة إسرائيل بعد تلقيها تهديدات منتظمة بالقتل من المتطرفين اليهود، بسبب دفاعها عن المقهورين الفلسطينيّين. يشير كينج إلى فليسيا لانج في كتابه عن »اليهوديّة«، معبرًا عن امتنانه لها لما قدّمته له من معلومات قيّمة عن الأوضاع في الأراضي المحتلة. يذكر كينج أيضًا أنّ لانجر دافعت عن الفلسطينيّين أمام المحاكم الإسرائيليّة منذ سنة 1967م، بيد أنّها شعرت باستحالة تحقيق العدالة في إسرائيل، وتلقت تهديدات كثيرة. نشرت فليسيا كتابًا بعنوان: „An Age of Stone“ (عصر الحجارة) في لندن سنة 1988م روت فيه تجربتها في إسرائيل من سنة 1979م حتّى سنة 1988م. حصلت فليسيا سنة 1990م على جائزة نوبل البديلة تقديرًا لجهودها في الدّفاع عن حقوق الإنسان.

باعتباره داعية سلام وحوار وأخلاق عالميّة لا يتردّد هانس كينج في توجيه أصابع الاتّهام إلى المتطرفين اليهود في إسرائيل، مثل جماعة جوش أمونيم Gusch Emunim الّتي تعرّض لها إسرائيل شاحاك في كتابه »الأصوليّة اليهوديّة في إسرائيل«. لا يتردّد كينج في وصف أعضاء هذه الجماعة بأنّهم إرهابيّون، ذوو أصول أوروبيّة أمريكيّة في الغالب، يعتبرون القوّة المحرّكة للسّياسة التّوسعيّة الّتي تقوم بها إسرائيل. أسّست هذه الجماعة حوالي رُبع المستوطنات الإسرائيليّة في الأراضي العربيّة المحتلة، وتعوّد أعضاؤها على ترديد شعارات عنصريّة ضدّ العرب، مثل: »الموت للعرب«، و»اطردوا العرب«.

برغم كلّ المعاناة والحروب والمجازر الّتي حدثت منذ تأسيس دولة إسرائيل سنة 1948م والّتي لا تُبشّر بأي إمكانية للتّعايش السّلمي بين العرب واليهود، لا يكلّ كينج ولا يتعب من مطالبة اليهود بوقف العنف، وعمل سلام حقيقيّ مع العرب. إنّه يُعبّر عن حلم قد يكون صعب المنال في الوقت الحالي على الأقلّ، عندما يقول إنّ إسرائيل يمكنها أنّ تتحوّل من دولة حرب إلى دولة سلام، ومن بلد مدجّج بالسّلاح إلى واحة للديمقراطيّة والتّسامح:

 

„Im Rahmen einer Konföderation mit einem neuen Palästinenserstaat und Jordanien könnte der Staat Israel aus einem waffenstarrenden Heerlager und einem hochgerüsteten Kriegervolk zu einem friedlichen Brückenstaat und einem Friedensvolk - ähnlich wie eben (bei all ihren Schwächen) die Schweizer Eidgenossenschaft, die früher auch auf militärische Expansion und „sichere Grenzen“ aus war, Söldner in alle Richtungen schickte, aber schließlich durch Siege und Niederlagen hindurch zu einer Insel des Friedens wurde“.

»في إطار اتّحاد فيدراليّ مع دولة فلسطينيّة جديدة والأردن تستطيع دولة إسرائيل أنّ تتحوّل من معكسر حربيّ محمّل بالأسلحة، وشعب محارب مدجّج بالسّلاح إلى دولة تمتد عبرها جسور السّلام، وشعب مسالم - مثلما حدث مع الاتّحاد الفيدراليّ السّويسريّ (برغم كلّ عيوبه) الّذي كان أيضًا ينتهج في الماضي سياسة حربيّة توسّعيّة، ويسعى لتحقيق »حدود آمنة«، وأرسل بالمرتزقة في كلّ صوب وحدب - لكنّه في النّهاية تحوّل بعد الانتصارات والهزائم إلى جزيرة سلام«.

يتطرّق كينج أيضًا إلى »المحرقة« ويعالجها لاهوتيًّا وأخلاقيًّا. لاهوتيًّا يتساءل كينج عن إمكانية وقوع مثل هذه الأحداث المروّعة في عصر النّازيّة في ظلّ وجود الرّبّ. أو بعبارة أخرى: كيف يسمح الإله بوقوع مثل هذه الجرائم؟ يقينًا اختلف النّاس منذ الخليقة في تفسير الخير والشّرّ في عالمنا هذا. في التّراث الإسلامي قالت المعتزلة إنّ الخير والشّرّ جميعًا من الإنسان، وقالت فرق إسلاميّة أخرى إنّ اللَّه تعالى هو خالق الخير والشّرّ جميعًا. يقول القاضي عبد الجبّار:

»إن قيل أليس المعلوم على لسان الأمّة أنّ الخير والشّرّ من اللَّه، وأنّ الخير والشّرّ بقضاء اللّه وقدره، ولا شرّ أعظم منَ الكفر والمعاصي - فقولوا: إنّهما من اللّه تعالى، وإلّا خرجتم عنِ الإجماع. قيل له: إنّ الخير هو النّفع الحسن وما يؤدي إليه. والشّرّ هو الضّرر القبيح وما يؤدي إليه في الأصل، ويجري على غيره مجازًا. ولذلك لا يُقالُ في الضّرر الحسن أنّه شرّ. ولذلك لا نصفُ ما يفعله اللّه تعالى منَ العقاب في الآخرة، ولا ما أمر به في الدّنيا من الذّمّ، وإقامة الحدود وغيرها، بأنّه شرّ. وعلى هذا الوجه لا يُوصف تعالى بأنّه شرير، وإنْ أكثرَ منَ المضارّ الحسنة. ومَن وصفه بذلك، أو قال هوَ منَ الأشرار، يكونُ كافرًا. فإذا صحّ ذلك وثبت أنّه لا يفعل القبيحَ، كانَ من باب الضّرر وغيره، لم يجُز أن يُقال: إنّه تعالى يفعل الشّرّ. ولما كان ما ينزلُ بالمؤمن من مرض وفقر ومصيبة منها، لما يقعُ به منَ المضار القبيحة كالظّلم وغيره، توهّم النّاسُ الّذين يقلُّ تمييزهم وقد علموا أنّ ذلك من قبل اللّه تعالى، أنّه يجوز أن يُقالُ: خلق الشّرّ والخير. ومتى بُيّن لهم أنّ كلّ ذلك من باب المصالح، ومـمّا للمرء فيه أغراض، وله في الصّبر عليه ثواب - على ما ذكرناه في كتاب »الشّكر والصّبر«، علموا أنّ ذلك الوصف لا يليقُ باللّه. وإنّما يستجيز إطلاق ذلك من يزعم أنّ أفعال العباد مخلوقة للّه تعالى. وذلك لو ثبت، لكان الصّحيح أن يُقال ذلك مطلقًا، مع أنّ القوم يتحرزون من ذلك، وإن كان مذهبهم نقيضه«.

يعترف كينج بصعوبة إيجاد حلّ معقول لإشكالية الشّرّ والألم في عالمنا هذا، حيث يشير إلى أنّ أوغسطين وتوماس وكالفن ولايبنيتس وهيجل لم يتمكّنوا من حلّ هذه المشكلة. الملفت هنا هو استشهاد كينج بالكاتب اليهودي إيلي ڤيسل Elie Wiesel - الّذي سئل: »هل يمكنّا بعد أوشڤيتس (المحرقة) أن نتحدّث عنِ اللَّه؟« فردّ قائلًا: »لا أعتقد أن بوسعنا التّحدّث عن اللَّهِ. نحن نستطيع فقط أن نتحدّث إلى اللَّهِ، مثلما قال كافاكا. يعتمد الأمر على مَن يتحدّث. ما أحاوله شخصيًّا هو مخاطبة الرّبّ. أنا أتحدّث إليه، حتّى إن كنتُ أدينه!! حتّى إن كنت غاضبًا منه، أحاول أن أريه غضبي. هذا بالذّات اعتراف باللّه، وليس نفيًّا له«.

بيد أن كينج يطالب اليهود بالعفو والصّفح. وهو يفرّق هنا بينَ العفو الّذي يطالب به، والنسيان الّذي يرفضه. جرائم النّازية لا ينبغي نسيانها، بل يجب على اليهود أن يعفوا ويغفروا للألمان ما ارتكبوه من جرائم ومذابح ضدّهم. يقول كينج إنّ الصفح ليس شيئًا طبيعًّا في سلوك الإنسان، مشيرًا إلى أنّه طالب - بعد الحرب العالميّة الثّانية - بالصّفح، وحذّر من تخليد »المحرقة«، لأنّ هذا هو الطّريق الوحيد للتّصالح بين الإسرائيليّين والألمان، والمسيحيّين واليهود.

 

لكن ماذا عن الشّريعة اليهوديّة وموقفها من غير اليهود؟ ما رأي كينج فيما يعتبره النّقّاد عنصريّة سافرة، وغطرسة جلية منَ اليهود تجاه الأغيار؟ إسرائيل شاحاك مثلًا يطالب بإدخال إصلاحات جوهريّة على الشّريعة اليهوديّة، حيث يقول: «إنّ السبيل إلى ثورة حقيقية في اليهودية - أي جعلها إنسانية - والسماح لليهود بفهم ماضيهم، أي إعادة تربية أنفسهم خارج طغيان الدّيانة اليهودية - يكمن في ممارسة نقد صارم للديانة اليهودية دون خوف أو انتظار فضل من أحد. يجب علينا الحديث ضدّ ما ينتمي إلى ماضينا، كما تحدث فولتير ضدّ الأشياء التي تنتمي إلى ماضيه: أزيلوا الأشياء المشينة». يقينًا الإقدام على نقد ما يستحقّ النّقد في الشّريعة اليهوديّة قد يجلب على كينج متاعب جمّة. بيد أنّ شخصيّته وأخلاقه لا يسمحان له بالسّكوت على ما يعتبره خطأ. مثل جارودي في نقده للدّيانة اليهوديّة، استعان كينج أيضًا بكتابات يهوديّة، ومراجع معروفة لمفكّرين يهود يسعون إلى إصلاح الدّيانة اليهوديّة.

يقول حسن خضر - مترجم كتاب إسرائيل شاحاك "الدّيانة اليهوديّة وموقفها من غير اليهود": "في هذا السّياق يستكمل شاحاك ما بدأته حركة التّنوير اليهوديّة في القرن التّاسع عشر، ويقدّم مزيدًا من البراهين حول ضرورة وصحّة النّظر إلى الإيديولوچيا الصّهيونيّة كردّة رجعيّة مقاومة للاتّجاهات الإصلاحيّة اليهوديّة الّتي حاولت تحرير اليهود من أساطير “الوعد الإلهي”، و”شعب اللّه المختار”، و”وحدة الأرض والشّعب".

 في كتابه هذا يشير شاحاك في مواضع مختلفة إلى العنصريّة المتأصلة في الشّريعة اليهوديّة تجاه الأغيار، دون أن يكلّ أو يتعب من المناداة بالإصلاح. ننتقي هنا بعض الأمثلة المعبّرة عن هذه العنصريّة: »ينبغي الإقرار منَ البداية أنّ التّلمود والأدب التّلمودي ... يحتويان على مقاطع معادية جدًّا، ووصايا موجّهة أساسًا ضدّ المسيحيّة. على سبيل المثال، إضافة إلى الاتّهامات الجنسيّة البذيئة ضدّ يسوع، ينصّ التّلمود على أنّ عقوبة يسوع في الجحيم هي إغراقه في غائط يغلي«. ثمّ يشير شاحاك إلى عداء ابن ميمون للمسيحيّة، حيث اعتاد كلّما ذكر اسم المسيح أن يضيف إليه: أهلك اللّه الاسم الشّرير. ويقول شاحاك عن عنصريّة اليهود: »...

ويتمّ تعليم الأطفال اليهود فعليًّا مقاطع مثل تلك الّتي تأمر كلّ يهوديّ كلّما مرّ بجوار مقبرة أن يدعو بالرّحمة، إذا كانت يهوديّة، وأن يلعن الموتى إذا كانت المقبرة غير يهوديّة«. ويذكر شاحاك أنّ الحركة الحسيديّة اليهوديّة يؤمن أفرادها بأنّ جميع الأغيار مخلوقات شيطانيّة، ليس بداخلها أي شيء جيّد على الإطلاق، حتّى الجنين غير اليهوديّ يختلف نوعيًّا عن الجنين اليهوديّ. كما أنّ وجود غير اليهوديّ مسألة غير جوهريّة في الكون، فقد نشأ كلّ الخلق من أجل اليهوديّ فقط!!

يرى هانس كينج أنّ تطبيق الشّريعة اليهوديّة - كما كان يحدث في عصر ما قبل الحداثة - بدون مراعاة الحريّة الشّخصيّة والاستقلال الذّاتي (مثلما هو الحال عند اليهود الأورثوذكس) لن يساهم في حلّ أزمة الهويّة اليهوديّة المعاصرة. فالعودة إلى الخضوع الكامل لهذه الشّريعة لم يعد ممكنًا. ذلك أنّ الطّاعة العمياء للشّريعة الدّينيّة، أو لأي قانون آخر، كثيرًا ما أدّت إلى شرور جمّة:

„Blinder Gehorsam gegenüber einem religiösen oder staatlichen Gesetz hat im Lauf der Geschichte zu viel Unheil angerichtet ...“.

»الطّاعة العمياء لأي شريعة دينيّة، أو قانون حكومي، قد تسبّبت على مرّ التّاريخ في كثير من المصائب ...«.

لكن كينج يدعو برغم هذا إلى عدم إنكار أو رفض التّراث اليهودي برمته. إذن فالحلّ يكون عن طريق التّوفيق بينَ الاستقلال الشّخصيّ من ناحية، والالتزام الذّاتي بعهد الإله من ناحية أخرى. ذلك أنّ الالتزام الحرفي بالشّريعة اليهوديّة لم يعدّ من الممكن أن يكون مقياسًا ليهوديّة اليهود، وانتمائهم لدينهم.

يُثير كينج أيضًا مسألة مقاصد الشّريعة اليهوديّة، ومعنى العبادات. ثمة يهود أورثوذكس يعتقدون أنّ الشّريعة هدفها الرئيسيّ هو الإخلاص في عبادة الإله، دون أدنى مراعاة للإنسان، وحاجاته، وظروفه. هنا لابدّ من استحضار قول هام لابن القيم استشهد به القرضاوي في دراسة له، رجوته كتابتها لمجلة du كبرى مجلات أوروبّا الثّقافيّة، حيث قمتُ بنقلها إلى الألمانيّة مع السويسريّ توني بريم، ونشرت التّرجمة في صيف سنة 1994م. يقول ابن القيّم:

إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها. فكلّ مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث - فليست من الشريعة، وإن أُدخلت فيها بالتأويل”.

هذا بالطّبع خلافًا لكثير من الآيات والأحاديث الّتي تؤكد أنّ الدّين يسر، ليس عسرًا. على عكس هذا الموقف نجد بعض جهابذة مفكري اليهود الأورثوذكس يذهب إلى القول بأنّ الشّريعة اليهوديّة هدفها الأساسي هو الرّبّ وليس العبد، الخالق وليس المخلوق. يستشهد كينج بالبروفيسور اليهودي يشاياهو لايبوڤيتس Jeshajahu Leibowitz  الأستاذ في جامعة القدس الّذي يرى أنّ »الوصايا - أي الفرائض الدّينيّة - لم تنزل من أجل الإنسان، بل من أجل الرّبّ وحده«!! وهو يضيف أنّ مَن يعتقد أنّ التّوراة نزلت من أجل الإنسان، فهو لا يعبد الرّبّ، بل يسيء استخدام التّوراة!! ثم يتساءل كينج عن مغزى عطلة السّبت ومعناها والهدف منها: أفليس المرجو منها هو راحة اليهوديّ المؤمن؟ يجيب البروفيسور لايبوڤيتس على هذا السّؤال قائلًا: لا. ليس الهدف من عطلة السّبت عند اليهود هو الرّاحة من العمل الأسبوعي، »فلو لم يكن ليوم السّبت معنى مقدّس ... لفقد معناه تمامًا«.

يرى البروفيسور لايبوڤيتس أيضًا أنّ اليهوديّة تواجه اليوم أزمة صعبة بدأت قبل تأسيس دولة إسرائيل بقرن من الزّمان: إنّها أكبر مشكلة فيما بعد الهالاخاة ـ أي ما بعد الشّريعة اليهوديّة. وهي مشكلة نشأت مع اعتبار جزء كبير من الشّعب اليهوديّ نفسه أنّه لم يعد »شعب التّوراة«. هذا يعني إذن أنّ اليهوديّة تعيش في معظمها الآن في عصر ما بعد الشّريعة اليهوديّة. فالهالاخاة لا تقبل حقيقة شعب يهودي هو ليس شعب التّوراة. يشيرُ كينج إلى أنّ كثيرًا من اليهود اليوم يعيش حياة علمانيّة، أو يكتفي بحلّ وسط بين الاندماج وتأكيد الهويّة، أو يختار ما يناسبه من العادات والقوانين اليهوديّة، ويترك ما لا يناسبه. يطرح كينج الأسئلة التّالية: هل حقًّا لا يوجد إلّا: إمّا كلّ شيء، أو لا شيء؟ هل لا يوجد فعلًا خيار آخر سوى: قبول اليهود بـ: »نير التّوراة«، أو النّظر بتشاؤم إلى مستقبل اليهوديّة؟ هل اليهوديّة هي التّوراة والهالاخاة فقط؟ هل يوجد طريق وسط - لاهوتي من الكتاب المقدّس - يجمع بينَ الشّريعة والحريّة؟

مسألة أخرى عالجها كينج في كتابه عن »اليهوديّة« تخصّ تصوّرات اليهود بالرّبّ على أنّه ربّهم وحدهم!! كنّا قد عرضنا هذه المشكلة في مراجعتنا لكتاب عبد الرّحمن بدوي: »دفاع عن القرآن«، حيث ذكرنا:

»زعم جولدتسيهر أنّ التّوحيد الإسلاميّ يتّفقُ معَ التّوحيد اليهوديّ!! ردّ بدوي بأنّ إله العهد القديم هو إله إسرائيل فقط، أمّا إله الإسلام، فهو »ربّ العالمين«. وإله إسرائيل هو »الأب«. أمّا إله الإسلام، فهو »لم يلد ولم يولد«. توحيد إسرائيل قوميّ، وتوحيد الإسلام عالميّ«.

هنا يُطالب كينج اليهود بإصلاح عقيدتهم هذه، حيث يقول إنّ مبدأ التّعدّديّة يعني الاحتفاظ بعقيدة «شعب اللّه وأرض اللّه« كثوابت، إلّا أنّ هذا يتطلّب إعادة التّفكير في العقيدة اليهوديّة. فلم يعد من المقبول أن يضع اليهود أنفسهم فوق البشر. فالكتاب المقدّس العبري ينصّ على أنّ: 1- الّله هو خالق السّموات والأرض، وبذلك يكون قد خلق أيضًا كلّ البشر، وجميع الأجناس، ومختلف الأمم، جميعًا. 2- أوّل إنسان ليس هو أوّل يهوديّ، بل »آدم« »الإنسان«. 3- أوّل عهد قد تمّ بعد الفيضان مع نوح، وبذلك مع البشريّة بأسرها. 4- أوّل عهد مع البطارقة لم يكن صدامًا على الإطلاق مع الشّعوب الأخرى، ويعني أنّ جميع شعوب الأرض يجب أن تُباركَ في شخص سيّدنا إبراهيم. 5- قصة سيّدنا يوسف عليه السّلام كما وردت في الكتاب المقدّس تفترض أنّ المصريّين أيضًا كانوا يعرفون الإله الحقّ. 6- أنبياء إسرائيل قد اعتنوا أيضًا واهتموا بالشّعوب الأخرى. 7- تراث الحكمة اليهوديّ، مثله مثل حكمة الشّرق القديمة، يفترض تعريفًا وتصوّرًا عالميًّا للإله: إله الحكماء هو خالق العالم ومدبّر شؤونه، وهو بذلك ربّ كلّ النّاس وجميع الدّيانات. 8- أيضًا النّبي أيوب Ijob نموذج الإنسان الصّبور، كان - مثله مثل آدم ونوح - ليس إسرائيليًّا.

المشترك بين الأديان والثّقافات

بحث هانس كينج مسألة المشترك بين الأديان والثّقافات في مؤلّفاته المختلفة الّتي نشرها منذ بداية اهتمامه بدراسة الأديان العالميّة في مطلع ثمانينات القرن العشرين، حيث دشّن هذه المرحلة بكتابه عن »المسيحيّة والأديان العالميّة« سنة 1984م. همُّ هانس كينج الأوّل هو تمهيد الطّريق لعالم تسوده المحبّة والسّلام والعدل، عالم ينبذ العنف، ويهجر البغضاء، ويكفّ عن تدمير الطّبيعة، ويسعى إلى التّعاون من أجل إيجاد حلول لمشاكل البشريّة جمعاء في عصرنا هذا.

بنظرته الفاحصة يُحاولُ كينج التّقريبَ بينَ أصحاب الدّيانات السّماويّة الثّلاثة، مؤكدًا إمكانية الحوار بينها على أساس ما يجمعها منَ المشتركات، برغم كلّ ما حدث بينها تاريخيًّا من نزاعات وخصامات، حيث يقول:

1- إنّ اليهودَ والمسيحيّين لديهم جذور مشتركة. بيد أنّ المسيحيّينَ يتذكّرونَ رفض اليهودِ الاعتراف بالمسيح، عليه السّلام. أمّا اليهود، فيتذكّرون بألم ومرارة اضطهاد المسيحيّين لهم في كلّ صوب وحدب في أوروبّا خلالَ قرونٍ طويلةٍ.

2- إنّ اليهودَ والمسلمينَ قد عاشوا قرونًا طويلة في سلام ووئام وتفاهم وانسجام (في مصر والأندلس وإستانبول). لكنّهم لا يُفكّرونَ اليومَ إلّا في الصّراع العربيّ الإسرائيليّ في فلسطين.

3- إنّ المسيحيّينَ والمسلمينَ يعدّونَ أنفسهم - مثل اليهودِ - من أبناء إبراهيم، عليه السّلام. لكنّهم لا يتذكّرون اليومَ إلّا خمسة صدامات رئيسيّة: الصّدام الأوّل وقع في القرن السّابع الميلاديّ عندما فقدت المسيحيّة فلسطين وسوريا ومصرَ، بهزيمتها أمام الجيوش الإسلاميّة. الصّدام الثّاني حدث في القرن الثّامن الميلاديّ عندما فتح المسلمونَ شمال أفريقيا وأسبانيا. تلى هذا الصّدامُ الثّالثُ في القرنين الثّاني عشر والثّالث عشر عندما تمكّن المسيحيّون منَ السّيطرة مؤقتًا على فلسطين والقدس. الصّدام الرّابع حدث في القرنين الخامس عشر والسّادس عشر بعد الميلاد عندما فتح الأتراك القسطنطينيّة والبلقانَ. أمّا الصّدام الخامس، فقد وقع في القرنينِ التّاسع عشرَ والعشرينَ بعد الميلاد عندما تمكّنت القوى الاستعماريّة الأوروبيّة المسيحيّة من السّيطرة على شمال أفريقيا والشّرق الأوسط.

يشيرُ كينج أيضًا إلى قاعدة مشتركات أخرى بينَ الأديان السّماويّة الثّلاثة، وهي قيم مشتركة لا يمكنُ الاختلاف عليها. فالأديانُ السّماويّة الثّلاثة تقولُ: 1- لا تقتلْ. 2- لا تكذبْ. 3- لا تسرقْ. 4- لا تمارسِ الزّنى. 5- احترمِ الوالدينِ. كلُّ هذهِ القيم جميعًا ينبغي تذكيرُ النّاسِ بها، لتشجيعهم على الحوار. يضيف كينج مبدأ آخرَ - شدّد عليه في كتاباته اللّاحقة - وهو: »لا تفعلْ بالآخرين ما لا تحبّ أن يفعله أحدٌ بك«. هذا المبدأ الأخير سنعود إليه لاحقًا بشيء من الإسهاب.

يهمّنا أن نشير في هذا السّياق إلى أنّ هذه المبادئ الأخلاقيّة قد عرفها أيضًا قدماء المصريّون حيث لاحظ بعض الباحثين أوجه التّشابه بين التّراث الأخلاقي في مصر القديمة وبين ما ورد في التّوراة من وصايا. يكفي أن نذكر على وجه السّرعة بعض ما ورد في »كتاب الموتى« من اعتراف:

„Ich habe nicht Unrecht getan gegen die Menschen ...

Ich habe nicht getan, was der Gott verabscheut.

Ich habe keinen Diener bei seinem Vorgesetzten schlechtgemacht.

Ich habe nicht hungern lassen.

Ich habe nicht weinen gemacht.

Ich habe nicht getötet.

Ich habe nicht zu töten befohlen.

Ich habe gegen niemanden schlecht gehandelt.

Ich habe die Opferspeisen in den Tempeln nicht verringert.

Ich habe die Opferkuchen der Götter nicht vermindert.

Ich habe die Opferbrote der Toten nicht weggenommen.

Ich habe nicht Ehebruch begangen und nicht Unzucht getrieben.

Ich habe das Kornmaß weder vergrößert noch verkleinert ...

Ich habe nicht die Milch vom Munde eines Säuglings weggenommen“.

»لم أظلم أحدًا.

لم أفعل ما يكرهه الإلهُ.

لم أشِ بعاملٍ لدى رئيسه.

لم أتسبّب في جوع أحد.

لم أتسبّب في بكاء أحد.

لم أقتل.

لم آمـُـرْ بقتل أحد.

لم أُسيءْ معاملة أحد.

لم أنقصْ من أطعمة القرابين في المعبد.

لم أقلّل من حلوى قرابين الآلهة.

لم أنزعْ خبز قرابين الموتى.

لم أرتكب خيانة زوجيّة، ولا مارست الزّنى.

لم أغشّ في كيل الحبوب.

لم أنزع الحليب من فم الرّضيع«.

يذكر كينج مشتركات أخرى بينَ الأديانِ السّماويّة الثّلاثة تخصّ التّراث النّبويّ الإبراهيمي: 1- يؤمنُ اليهودُ والمسحيّونَ والمسلمونَ بإله واحدٍ، أحد، هو إله جميع الشّعوب والأجناس، وربّ العالمين. تطرق كينج إلى مسائل الخلاف حول هذه النّقطة في مواضع أخرى، فيما يخصّ التّثليث، وكون ربّ اليهود إلهًا لهم وحدهم. 2- يتمسّكُ اليهود والمسيحيّون والمسلمون بمبدأ أخلاقيّ نبويّ، هو المطالبة بالعدل، والصّدق، والأمانة، والسّلام، والخير. 3- يجمع بينَ اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام نقدُ الأنبياء للظلّم والأوضاع غير الإنسانيّة الّتي يُجبرُ المقهورونَ والمستضعفون على العيش فيها. إذ لا يمكنُ للمرء أن يتوجّه إلى الخالق البارئ بالدّعاء والصّلاة، دون أدنى اهتمام بمساعدة إخوته في الإنسانيّة، والحفاظ على حقوقهم الشّخصيّة.

يُطالبُ كينج أتباع الدّيانات الإبراهيميّة الثّلاثة بالعمل الجادِّ من أجل تحقيق سلام عالميّ حقيقيّ، فيقولُ: 1- انطلاقًا منَ الكتاب المقدّس العبريِّ والعهد الجديد ينبغي على اليهود والمسيحيّين العمل معًا من أجل الحفاظ على كرامة الشّعوب العربيّة والإسلاميّة الّتي ترفض أن تكونَ آخر مستعمرات عالمنا. 2- بناء على القرآن والعهد الجديد يجبُ على المسلمينَ والمسيحيّينَ أن يتعاونوا معًا من أجل ضمان حقّ الشّعب اليهوديّ في الوجود. فاليهودُ عانوا مثلما لم يعانِ أيّ شعب آخر خلال الألفي السّنة الأخيرين، بل وكادوا يفنون منَ الوجود. 3- بناء على الكتاب المقدّس العبريّ والقرآن ينبغي أن يتعاونَ اليهودُ والمسلمونَ من أجل الحفاظ على حريّة الأقلّيّات المسيحيّة في بُلدان الشّرق الأوسط. 4- المطلوب إذن عمل مشترك للأديان الثّلاثة جميعًا من أجل تحقيق الحريّة، والعدل، والسّلام، والحفاظ على كرامة الإنسان وحقوقه.

يتساءل كينج عنِ الأثر البالغِ الّذي يمكنُ إحداثه: 1- إذا قامت قيادات الأديان العالميّة الثّلاثة بالكفّ عن تأجيج الحروب، وإضرام النّيران، وسعت إلى إحلالِ السّلام والتّفاهم بينَ الشّعوب. 2- إذا قام قادة الفكر في الأديان السّماويّة الثّلاثة - في عصر ذوبان القيم والأخلاق خاصّة بين الأجيال الشّابّة في الدّول الغربيّة - بشرح القيم والمعايير والمقاييس المشتركة بينَ الثّقافات والأديان والتّرويج لها. 3- إذا سعى مندوبو الأديان الإبراهيميّة الثّلاثة - في ظلّ الانفجار السّكّانيّ، وتزايد حالات الإجهاض، وتفاقم أزمة الهجرة إلى الدّول الغنيّة - إلى وضع برامج لمساعدة المحتاجين، والاتّفاق على سياسة معقولة لتنظيم النّسل.

أمّا أزمة الشّرق الأوسط، فيقول كينج بصورة واضحة لا تحتملُ اللّبسَ إنّه بدون حلّ المشاكل الدّينيّة بينَ اليهودِ والمسلمينَ والمسيحيّينَ، لن يكون هناك أي حلول سياسيّة دائمة في المنطقة. يطرح كينج أسئلة صعبة وحسّاسة في هذا السّياق، حيث يتساءل: 1- هل حدود دولة إسرائيل منصوص عليها بالفعل في الكتاب المقدّس؟ 2- هل ينصّ القرآن حقًّا على استخدام العنف والدّعوة إليه، كما يدّعي بعض المتطرفين المسلمين؟ 3- وأخيرًا هل ينفي العهد الجديد حقًّا التّسامح، كما يدّعي بعض المسيحيّين؟

 

يُذكِّرُ كينج أتباع الدّيانات السّماويّة الثّلاثة بالنّصوصِ الّتي تحثّهم على طلب السّلام وتحقيقه: 1- يقولُ العهد القديم: »حِدْ عنِ الشّرّ، واصنعِ الخيرَ. اطلبِ السّلامةَ، واسعَ وراءها«. هناك أيضًا رؤيةُ النّبي إشعياء للسّلام: »فيقضي بينَ الأمم ويُنصفُ لشعوب كثيرين. فيطبعون سيوفهم سككًا، ورماحهم مناجل. لا ترفع أمّة على أمّة سيفًا، ولا يتعلّمونَ الحربَ في ما بعد«. 2- أمّا المسيحيّونَ، فعليهم أن يعودوا إلى روح التّسامح والسّلام والحبّ الّتي تدعو إليها الأناجيل: »طوبي لصانعي السّلام، لأنّهم أبناء اللَّهِ يُدعونَ«. ويقولُ بولس الرّسولُ: »لا تُجازوا أحدًا عنْ شرٍّ بشرٍّ«. أمّا القرآنُ، فهو يحثُّ المسلمينَ على طلبِ السَّلامِ، حيث يقولُ: }وإن جنحوا للسّلم، فاجنح لها، وتوكّل على اللَّه، إنّه هو السّميع العليم{. وفي آية أخرى: }فإنِ اعتزلوكم، فلم يقتلوكم، وألقوا إليكم السّلام، فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلًا{.

 

تجدر الإشارة هنا إلى موقف كينج البنّاء من معوقات الحوار الإسلاميّ - المسيحيّ. من ذلك مثلًا إشكاليّة التّبشير المسيحيّ في البلاد الإسلاميّة الّتي تحول بالفعل بين الطّرفين وبين إقامة حوار هادف مثمر. إذا كيف يمكن للمسلمين أن يبنوا جسور الثّقة مع المسيحيّين، في الوقت الّذي تنفق فيه الكنائس الغربيّة مليارات الدّولارات من أجل تنصير المسلمين؟ يقينًا لا نستطيع استعراض هذه القضية برمتها هنا، لكن يهمّنا كشف بعض جوانبها، باعتبارها بالفعل عائقًا أمام أي حوار بنّاء بينَ المسلمين والمسيحيّين. يقول فهمي هويدي عن هذه الإشكاليّة:

 

»ما أن ينفتحُ بابُ الحديثِ مع علماء الأزهر حولَ موضوع الحوار الإسلاميّ المسيحيّ، حتّى تنهمر الحكايات والملاحظات من كلّ اتّجاه. قال لي أحد كبارهم: إنّ كاردينالَ النِّمسا جاءه حاملًا دعوة إلى المشاركة في حوارٍ من ذلك القبيل. وبعد أخذ وردّ في الموضوع، بدا أنّ عنوانَ »السّلام« يُمثّلُ ساحةً مشتركة، يمكنُ أن يسهم الجانبان الإسلاميّ والمسيحيّ في دعمها وإثرائها. عند ذلك الحدّ قال الشّيخُ الأزهريّ: ألا ترى أنّ السّلام بينَ رجالِ الأديان المختلفة هو نقطة البدء الطبيعيّة في تلك الرّحلة؟ نظر إليه الكاردينال مستفهمًا. فاستطرد الشّيخُ الأزهريُّ، قائلًا: حتّى يحقِّقُ الحوارُ مرادَه، فإنّه ينبغي أن ينهض فوقَ قاعدة من حسن النّيّة والثّقة المتبادلة. وبصراحة أكثرَ، فإنّه يتعذّر أن يتقدّمَ ذلكَ الحوار في ظلّ حملات التّبشير المكثّفة الّتي يُشجّعها بابا الفاتيكان في مختلف أنحاء العالم الإسلاميّ. هذه الحملات هي من وجهة نظرنا »حرب عقيديّة« تشنّها جيوشٌ مبثوثة في مجتمعات المسلمينَ، مزوّدة بمختلف أسلحة التّرغيب والغواية، ومدعومة بميزانيات ضخمة تتجاوز ميزانيات بعض دول العالم الثّالث. أضاف الشّيخُ: كيف يمكنُ أن تقومَ الثّقة اللّازمة لإنجاح الحوار في ظلّ تلك الأجواء؟ وهل يمكنُ أن نتحدّثَ بصدق عنِ السّلام بينَ دول العالم، بينما نحن عاجزون عن أن نقيم سلامًا بينَ أهل الأديان المختلفة؟ استمع الكاردينال إلى الكلام، ودوّن بعضَ الملاحظاتِ أثناء الحديث، ثمّ وعد ببحث الموضوع مع المعنيينَ بالأمر في الفاتيكان، واستأذن في الانصراف بعد ذلك مباشرة«.

هناك ثلاث ملاحظات بخصوص موقف هانس كينج من إشكاليّة التّبشير المسيحيّ الّتي تُزعج المسلمينَ، وتُثير حفيظتهم تجاه الكنائس الغربيّة بالذّات. أوّلًا: ليس يتّفقُ هانس كينج مع كلّ ما تقوم به الكنيسة الكاثوليكيّة في روما، بل إنّه راح ضحيتها، عندما تمسّك بمواقفه الإصلاحيّة، وشكّك في مبدأ عصمة البابا. ثانيًا: عبّر هانس كينج عن معارضته لسياسة التّبشير هذه، حيث دعا في مقدّمة كتاب: »مسلمون بين ظهرانينا. الإسلام في سويسرا« إلى وقف الأنشطة المسيحيّة الهادفة إلى تشكيك المسلمين في دينهم. ثالثًا: يشيرُ هانس كينج إلى الأنشطة الّتي يقوم بها بعض مسلمي أوروبّا في مجال الدعوة الّتي يعتبرها الأوروبيّون مطابقة للتّبشير المسيحيّ.

يدعو هانس كينج مندوبو الدّيانات المختلفة إلى موقف أكثر إيجابيّة وجديّة. السّلبيّة لم تعد مقبولة، اللّامبالاة مرفوضة تجاه تحدّيات عصرنا. يقول كينج: »لسنا بحاجة إلى اتّحاد بين الأديان، ولا إلى دين واحد، ولا إلى لاهوت تلفيقي، ولا إلى خلطة من الورع والرّوحانيّة. لكنّنا نحتاجُ إلى سلام بين الأديان. على جميع الكنائس المسيحيّة، والمعابد اليهوديّة، والمساجد الإسلاميّة، ألّا تصلّي فقط من أجل السّلام، بل تقوم أيضًا بالدّعوة إليه بنشاط وحماس«.

العلاقة بين ديانات العالم والأخلاق العالميّة

يشير كينج إلى حماسة النّاس في التّفقّه فيما يفرّق، وهرولتهم لمعرفة الاختلافات بينَ الأديان، والتّناقضات بينَ الثّقافات. لكن لا أحد يهتم ببحث المشترك بينَ الدّيانات، والجامع بينَ الحضارات. الجميع يعرفُ مثلًا أنّ شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، وتعدّد الزّوجات، وذبح الحيوان، هي جميعًا من مسائل الخلاف بين الأديان. لكن: »هل يعرفُ أتباع الدّيانات المختلفة بالطّريقة نفسها ما عندهم من قواسم مشتركة في المجال الأخلاقيّ؟« يجيب هانس كينج بالنّفي على هذا السّؤال. ثمّ يقولُ: »لذا يجبُ أن نعملَ على كلّ الأصعدة استنادًا إلى المصادر من أجل إبراز ما يُوّحدُ الدّيانات الكبرى. إنّه عمل مهم ومفرح لعلماء الدّيانات المختلفة ... فلا يهمنا العمل على إظهار الاختلافات والتّناقضات ... بينَ الدّيانات الكبرى، بل التّشديد مهما يكن على ما يجمعها، عملًا بمبدأ المسؤولية. ويمكني صياغة السّؤال على النّحو التّالي: كيف تتمكن الدّيانات - على الرّغم من أنظمتها العقائديّة والرّمزيّة المتباينة بشكل كبير - من تنمية الأخلاق؟«.

يضعُ كينج »خير الإنسان« على قمة أولويّات مشروعه الإصلاحي. هذا يُذكِّرنا لا محالة بالآية الكريمة: }يُريدُ اللّه بكم اليُسرَ، ولا يُريد بكم العسرَ{. الدّين عند كينج هو سلوك ومعاملة وممارسة في المقام الأوّل، وليس مجرّد قوانين بلا روح، ونظريّات بلا تطبيق. المؤمن عند كينج: »ينبغي أن يضعَ نصب عينيه الحياة العمليّة كنتيجة منطقيّة لخير الإنسان«.وضعُ كينج الإنسانَ هدفًا للأخلاق الكريمة، يقود إلى الحديث عن قيم الحبّ، والعدل، والمساواة. يقولُ كينج: »إنّ خير الإنسان وكرامته يبرزانِ في كلّ مكان كمبدأ أساسيّ، وكهدف جدير بالأخلاق الإنسانيّة. وذلك من خلال سلطة مطلقة، ليس بوسع أحد أن يمارسها مثل الدّيانات. ويتلخّص هذا الخير في الاستقامة والحريّة والتّضامن في واقع عمليّ كلّيًّا. فكرامة الإنسان، وحريّة الإنسان، وحقوق الإنسان، لا تنجم عن الفكر الوضعي فحسب، بل تجد في الدّين أساسًا له عمق لا يُضاهى«.

يدعو هانس كينج أتباع الدّيانات العالميّة إلى استخراج القيم الأخلاقيّة المشتركة منَ النّصوص الدّينيّة المقدّسة، ونشرها بينَ النّاس، والدّعوة إلى تطبيقها في الحياة العمليّة: »هناك خمس وصايا إنسانيّة تقرّ بها الدّيانات العالميّة الكبرى، حتّى في المجالين الاقتصادي والسّياسيّ: 1- لا تقتل. 2- لا تكذب. 3- لا تسرق. 4- لا تستسلم إلى الفسق. 5- أكرم الأهل وأحبب الأولاد«. يعي كينج تمام الوعي عدم إدراك كثير من النّاس لأهمية الحرص على تطبيق مثل هذه الوصايا، فيسارع قائلًا: »قد تبدو هذه الوصايا للكثيرين مبادئ عامّة. لكن كم من الأشياء يمكن تتغيّر، إذا أخذت وصية »لا تسرق« مثلًا مكانها من جديد في ضمير البشريّة، ووُجّهت ضدّ آفة الفساد ...؟«.

يُعبّر كينج عن استنكافه من أصحاب العقليّات القانونيّة الصّرفة، أو هؤلاء الّذين لا يعرفون إلّا حرفيّة النّصوص. الأخلاق عند كينج مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالواقع العملي. فهي ليست مجرّد شعارات جوفاء، أو نظريّات جامدة: »ما هو صالح، وما هو أخلاقيّ، ليس الخير المجرّد، أو الصّلاح المجرّد، بل الخير الواقعي، والصّلاح الواقعي. هذا هو الشيء المناسب«.

يُنادي كينج أيضًا بسلوك إنسانيّ يتّسم بالوسطيّة، ويبتعدُ عن التّطرّف والمغالاة. هنا نلاحظُ تقارب أفكاره وأفكار يوسف القرضاوي الّذي يدعو أيضًا إلى الاعتدال والوسطيّة. الوسطيّة عند كينج ينبغي أن تكون معيار الإنسان في تعامله مع العالم الخارجيّ. لا ينبغي مثلًا المبالغة في الحياة الماديّة، أو في طلب المتعة بلا حدود، بل الموازنة بينَ الماديّ والرّوحانيّ، والاعتدال في الاستمتاع بالمتع المباحة. الشّيء نفسه ينطبقُ على نظرة كينج إلى قيم الحداثة: »هذا يعني إيجاد طريق بين العقلانيّة الجاهلة، واللّاعقلانيّة المبكية، بينَ الإيمان الأعمى بالعلم، ولعن العلم، بينَ ديمقراطيّة شكليّة، وديمقراطيّة شعبيّة شموليّة«.

يرى كينج أنّ عالمنا هذا بوسعه مكافحة الشّرّ بصورة فعّالة، إذا طبّق النّاسُ قاعدة أساسيّة في سلوكهم العامّ: »لا تفعل بالآخرين ما لا تحبّ أن يفعلوه بك«. نشر هذه القاعدة الّتي يُسمّيها كينج »القاعدة الذّهبيّة«، وتطبيقها في المجتمعات الإنسانيّة من شأنه أن يُجنّبَ الإنسانيّة شرورًا جمّة: »يؤكدُ كونفوشيوس هذه القاعدة الذّهبيّة بقوله: »ما لا ترغبنه لنفسك، لا تفعله بالآخرينَ« ... وأيضًا في اليهوديّة: »لا تفعل بالآخرين ما لا تريد أن يفعله الغير بك« ... وفي المسيحيّة: »كلّ ما تُريدونَ أن يفعل النّاسُ بكم، فافعلوه أنتم أيضًا«. يهمّنا لا محالة أن نُضيفَ هنا موقف الإسلام من هذه »القاعدة الذّهبيّة«. يقول ابن حزم في رسالته »مداواة النّفوس وإصلاح الأخلاق الذّميمة«:

 

»(...) قول رسول اللّه (صلعم) للّذي استوصاه: »لا تغضب«، وأمره، عليه السّلام، أن يحبّ المرء لغيره ما يُحبّ لنفسه، جامعان لكلّ فضيلة، لأنّ في نهيه عن الغضب ردعَ النّفس ذات القوّة الغضبيّة عن هواها، وفي أمره عليه السّلام أن يُحبَّ المرءُ لغيره ما يحبّ لنفسه ردع النّفوس عن القوّة الشّهوانيّة ...«.

يُشيرُ كينج أيضًا إلى أهمية القدوة الحسنة في تطبيق الأخلاق الجميلة ونشرها بينَ النّاس. ذلك أنّ أتباع كلّ ديانة يمكنُ إقناعهم بالقيم الأخلاقيّة من خلال أمثلة محدّدة من حياة مؤسّسي هذه الدّيانات: »بوذا، أو يسوع المسيح، أو كونفوشيوس، أو لاوتسي، أو النّبي محمّد«. كلام هانس كينج هذا يتّفقُ مع الآية القرآنيّة الكريمة - الّتي لم يذكرها -: )لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة(

المسلمونَ واليهودُ - آفاق التّصالح

»وعلى مرّ عهود طويلة - وهو ما يتجلّى بصورة أوضح في الماضي عن الحاضر بالطّبع - كان هناك بين قطاعات عريضة من اليهود أعلى درجات التّعاطّف مع الشّعوب المحمّديّة. وجعلت رابطة الصّداقة بينَ اليهود والمسلمين من المسيحيّينَ عدوًا مشتركًا، استطاع أن يقيم رابطة قويّة من الصّداقة بينهما، حيث أنّ المسيحيّ كان عدوًا على قدم المساواة للمحمّديّ (= المسلّم) كما لليهوديّ، حتّى أنّهما انساقوا إلى تحالف مع بعضهم البعض، والّذي كانَ الأكثر تقاربًا في مناسبات أخرى عديدة. ففي عهد الصّليبيّين كان اليهودُ هم الحلفاء الّذين ساعدوا المسلمينَ في صدّ موجة الغزو المسيحيّ إبان تدفّقه على الشّرق، وفي أسبانيا كان اليهود الأصدقاء والحلفاء الدّائمين لهم، وتحالفوا مع المراكشيّين ضدّ المسيحيّين فيها، كان لابدّ لمثل هذا التّحالف أن يكونَ قويًا ولصيقًا في واقع الأمر، حتّى يترك هذه الآثار العميقة عبر التّاريخ.برنارد لويس

يشكو العرب والمسلمون في عصرنا هذا مرّ الشّكوى من الأعمال العدائيّة الّتي يقوم بها اليهود تجاههم، من قتل الأبرياء، وتشويه متعمّد لصورتهم على السّاحة الدّوليّة. علاقة العرب باليهود في الوقت الحاضر هي علاقة معقّدة، لها خلفيات تاريخيّة قديمة، وتحكمها ظروف سياسيّة وحضاريّة متداخلة. لكن أن تصل الأمور إلى درجة اعتراف قادة إسرائيل مثلًا بأنّه لولا مذبحة دير ياسين الّتي ارتكبوها بحقّ الفلسطينيّين وذبحوا فيها الأبرياء العرب، لما قامت دولة إسرائيل - فهذا شيء مروّع، مفجع. لقد تمكّن اليهود من وضع خطة محكمة نجحوا من خلالها في إقناع الرأي العامّ العالمي بأنّ الفلسطينيّين الّذين يقاومون الاحتلال الإسرائيليّ هم إرهابيّون، قتلة، سفّاكو دماء. هذا برغم أنّ اليهود أنفسهم يردّدون شعار: »مَن لا يدافع عن نفسه، لا يستحقّ الحياة«!! أعمال التّصفية والقتل والاغتيال الّتي يقوم بها الجيش الإسرائيليّ في الأراضي العربيّة المحتلة لا تساهم في بناء جسور الثّقة بين العرب واليهود، ولا تساعد على إقامة أي حوار بنّاء بينَ الطّرفين.

التّحدّي الأكبر الّذي يواجه أي مفكّر معاصر، أو مصلح من مصلحي عصرنا هذا، هو: هل يوجد حلّ للنّزاع العربيّ الإسرائيليّ؟ هل يمكن أن يلتقي الطّرفان، وينبذا العنف، ويطرحا الكراهية، ويوقفا الأحقاد، ويتحوّلا من العداوة إلى الصّداقة، ومن الحرب إلى السّلام، ومن القطيعة إلى التّعاون، ومن الشّتم والتّشويه إلى التّضامن والاحترام؟ يقينًا يبدو هذا الاحتمال في حكم المستحيل بالنّسبة للغالبيّة العظمى من العرب واليهود. بيد أنّ كينج، رائد الإصلاح في عصرنا هذا، له رأي مختلف.

يؤكد كينج بثقة عجيبة أنّ النّزاع العربيّ الإسرائيليّ يمكن حلّه، وأنّ الصّراع بين اليهوديّة والإسلام يمكن إنهاؤه بطريقة سلميّة، بحيث ينتقل الطّرفان من مرحلة الخصام والصّدام إلى مرحلة السّلام والتّعاون. فمن أين تنبع ثقة كينج هذه الملفتة بإمكانية إيجاد حلّ لهذا الصّراع الّذي يبدو مستعصيًّا على الحلّ؟ يسوق كينج أمثلة تاريخيّة دامغة تؤكد أمكانية تحوّل أعداء الأمس إلى حلفاء الغد.

يهمنا قبل استعراض رأي كينج في هذا المسألة شرح ما لم يشرحه كينج في كتبه الّتي اطّلعنا عليها حتّى الآن، بخصوص علاقة اليهود بالعرب والمسلمين. أوّل ما نودّ الإشارة إليه هنا هو ما يمكن تسميته نظرية المدح والذّم الّتي عرفها العرب في العصور الوسطى. تقضي هذه النّظريّة بإمكانية مدح أي شيء أو ذمّه حسب ما تقتضي الظّروف. عند المدح يتمّ التّركيز على المحاسن. عند الذّمّ لا تُذكرُ إلّا المساوئ.

 نذكر مثلًا أنّ الجاحظ عندما اضطر إلى مدح السّود في عصره، لم يذكر شيئًا عن كونهم مستضعفين، رقيقًا، مقهورين، بل قال إنّهم يرقصون ببراعة، ويتفاعلون مع الأنغام بصورة فريدة، وهم أيضًا من أكرم الأمم!! الشّيء نفسه نلاحظه عندما امتدح الجاحظ الأتراك، حيث قال إنّهم محاربون شجعان، دون أن يُبرزَ شيئًا مما كان شائعًا في عصره من إهمال الأتراك للثّقافة والعلم. الشّيء نفسه ينطبق على العلاقة بين اليهود والعرب.

من خلال تجاربي الشّخصيّة مع يهود أوروبّا لاحظت إتقانهم لمدح العرب والمسلمين، عندما يريدون. لأنّهم يعرفون مواضع الضّعف ومكامن القوّة. قوّة العرب في ماضيهم العظيم، وفي ثرواتهم الطّبيعيّة في عصرنا هذا. ضعفهم يتمثّل في تخلّفهم عن حضارة العصر، وانشقاقهم، وجهلهم. يقينًا يمكنّا تطبيق هذه القاعدة على كلّ شيء في الحياة، لأنّ الكمال للَّه وحده، ولأنّ الحبّ يُرينا المحاسن، كما لا ترينا الكراهية إلّا المساوئ. ليس الحبّ وحده أعمى، بل الكراهية أيضًا. يمكن أن نقول أيضًا عن محاسن اليهود إنّهم متضامون جدًّا، ناجحون جدًّا، طموحون جدًّا. كما نستطيع أن نرصد لهم مساوئ جمّة تحدّثنا عنها وسائل الإعلام العربيّة ليل نهار. إذن إذا كان الأمر يتعلّق بالتّفاهم بين العرب واليهود، فلن يعدم الطّرفان الحجج الّتي تُثبت القواسم المشتركة، وتؤكد القواعد المتشابهة.

 

باختصار: يمكنّا وضع قائمة محاسن ومناقب وجوامع، وكتالوج مساوئ ومثالب وفواصل، لأي حضارة، أو أمة، أو ثقافة، نذكر المحاسن والمشتركات، إن شئنا التّعاون والتّفاهم، ونتلو المساوئ والمفرّقات، إن شئنا الحرب والتّخاصم. ألم ترَ الثّعلب الّذي أجهد قريحته من أجل الوصول إلى حبّات العنب اللّذيذة، فلمّا فشل، قال: إنّها شديدة المرارة!! توظيف المشتركات أو الخلافات سياسيًّا لاحظه أحمد كمال أبو المجد في تتبعه لكتابات الصّهيونيّ برنارد لويس عن الإسلام، حيث يقول في تقديمه لكتاب برنارد لويس »الإسلام في التّاريخ«: »وقد لا تتّضحُ في هذا الكتاب وحده معالم فكر برنارد لويس، ومواقفه الحقيقيّة منَ العالمينِ العربيّ والإسلاميّ، ورؤيته الّتي يقدّم من خلالها نصائحه لمراكز الأبحاث، وصانعي السّياسيات، وأصحاب القرارات، في الولايات المتّحدة الأمريكيّة.

 وهي رؤية أقلّ ما يُقالُ عنها أنّها كانت في مراحلها الأولى أكثر إنصافًا وموضوعيّة، ثمّ تحوّلت خلال السّنوات العشرين الأخيرة إلى رؤية متحاملة على الإسلام والمسلمين، على نحو يثير القلق تجاه ما عساه يقدّمه للإدارة الأمريكيّة من نصائح وآراء متعلّقة بنا نحنُ - العرب والمسلمينَ - ولكن تلك الرّؤية تتّضحُ من خلال قراءة كتبه الأخرى ومن أهمها كتاب من تأليفه نشرته مطبعة جامعة أكسفورد عام 2002م، بعنوان: أين الخطأ؟ ووصلت ترجمته العربيّة إلى أيدي القرّاء عام 2003م. أي قبل وصول ترجمة هذا الكتاب بنحو عامين ...«. برنارد لويس يستطيع أن يعزف لنا أنشودة جميلة للتّفاهم والتّواصل، كما أنّه قادر على عزف أناشيد الحقد والكراهية، وأنغام الحرب والقتال. هو الآن متحالف مع الأمريكيّين ضدّ العرب، فلا نسمع منه إلّا الشّتم، والطّعن، برغم قدرته على رصد المشتركات والملتقيات بين الإسلام واليهوديّة.

 

ملاحظة أخرى ينبغي ذكرها بإيجاز قبل العودة إلى عملاقنا كينج: اليهود أقلّيّة بين شعوب العالم. كُتب عليهم الشّتات منذ القدم. كلّ الأقلّيّات تحكمها قوانين خاصّة، وقواعد محدّدة تهدف إلى الحفاظ على الهوية، ومقاومة الاضطهاد، وعدم الذّوبان في المجتمعات الّتي تعيش فيها، وتحقيق المصالح. يذكر بعض النّقّاد مثلًا أنّ اليهود لا يهمهم الدّين بقدر ما يهمهم القيام بدور تجاريّ اقتصادي في المجتمعات الّتي يعيشون فيها. باختصار: أي أقلّيّة مضطرة إلى الحرص على مصالحها من ناحية، وتقديم التّنازلات المطلوبة من أجل البقاء والاستمرار.

نظرة سريعة على بعض فصول تاريخ اليهود في العالم تُرينا الارتباط القوي لليهود بمراكز الحضارة في العالم. في القرون الوسطى كانت حضارة المسلمين هي السّائدة، فصار اليهود حلفاءً للمسلمين في أسبانيا وسائر أنحاء العالم الإسلامي. في العصر الحديث صارت الحضارة غربيّة، فأصبح اليهود حلفاء للغرب ضدّ المسلمينَ. هكذا بكلّ بساطة!! إن شعر اليهود وأدركوا اليوم أنّ مصالحهم تحتم عليهم التّحالف مع المسلمين والعرب، فسوف يفعلون ذلك دون تردّد.

يقول كينج إنّ الكراهية الموجودة اليوم بين العرب واليهود، والرّيبة المتبادلة بين الطّرفين، يمكن إنهاؤهما كما حدث مع أمم أخرى في الماضي. ذلك أنّ الفرنسيّين والألمان عاشوا في عداوة بالغة لعقود طويلة، جعلت النّاس يستبعدون إمكانية تحقيق التّفاهم بينهما. إلّا أنّ المعجزة حدثت، وتصالح الفرنسيّون والألمان، وصاروا اليوم أصدقاء، برغم اختلافاتهم، وحلفاء برغم تناقضاتهم. يرى كينج أنّ هذا المثال يمكن أن يتكرّر بسهولة مع العرب واليهود.

يذكر كينج أيضًا أنّ اليهود نعموا بالرّاحة والسّلام والطّمأنينة عندما عاشوا في ظلّ الحكم الإسلامي، وكان يفضّلون الحياة بين العرب والمسلمين على العيش بين المسيحيّين في أوروبّا حيث اكتووا بنار العنصريّة والاضطهاد لقرون طويلة. المدهش أن كينج قد رصد حقيقة شيقة من خلال دراسته المتعمّقة للتّاريخ: أحد أسباب اضطهاد مسيحيّي أوروبّا لليهود في القرون الوسطى هو اكتشاف الأوروبيّين تحالف اليهود مع المسلمينَ!!

المشترك: الإنسان ليس له حقوق فقط، بل عليه أيضًا واجبات

يُشير كينج إلى »إعلان برلمان الأديان العالميّة بخصوص الأخلاق العالميّة«(شيكاغو سنة 1993م) الّذي نصّ على الواجبات الأساسيّة المشتركة بين كلّ البشر: 1- نبذ العنف، 2- احترام الحياة، 3- العدل والتّضامن، 4- الاحترام المتبادل، 5- شراكة الرّجل والمرأة. يُوضّح كينج أنّ بعض هذه الواجبات مطلوبة في بعض المهن بصورة خاصّة: ففي عالم الإعلام مثلًا: ينبغي التّشديد على واجب الصّدق الّذي ينبغي الحرص عليه التأكيد عليه فيما يخصّ علماء اللّاهوت. أمّا السّياسيّون، فالمطلوب منهم بصورة خاصّة هو العدل والتّضامن. احترام الحياة واجب على الأطباء. بيد أنّ هذه الواجبات تخصّ البشر جميعًا، وليس طبقة أو فئة واحدة في المجتمع. ثمة فضائل معينة تكون هامّة في مواقف محدّدة. فكينج يطالب مثلًا بالتّشديد على واجب أو فضيلة »الصّدق« في عالم الدّيبلوماسيّة الّذي تسوده الأكاذيب، ويحكمه النّفاق.

يُشيد كينج بكتاب تعليميّ للدّيبلوماسيّين ألّفه الإنجليزيّ هارولد نيكولسون Harlod Nicolson حيث ورد فيه أنّ »الصّدق« ينبغي أن يكون أوّل ما يتحلّي به الدّيبلوماسيّ من صفات. ذلك لأنّ الثّقة مرتبطة بالصّدق. ثمّ يلمّح كيسنجر إلى سلوك هنري كيسنجر المخالف لهذه الحقيقة، حيث تعوّد أن يقولَ في القاهرة خلاف ما يرويه في تل أبيب!!

نعود إلى واجب »نبذ العنف« المذكور أعلاه. ورد في »إعلان الأخلاق العالميّة« بخصوص هذا الواجب أنّه مرتبط بالواجب التّالي: »احترام الحياة«. فالواجب الأوّل يمكن صياغته بعبارة أخرى: »لا تقتل«، أي بصيغة النّهي، ثمّ يأتي الأمر التّالي المكمّل: »احترم الحياة«. فكلّ إنسان له حقّ في الحياة، وفي عدم الإصابة الجسديّة، وفي تطوير شخصيّته، طالما أنّه لا يتعدّى على حقوق الآخرين. لا يحقّ لأي إنسان إلحاق أيّ أذًى جسميّ أو نفسي بإنسان آخر، أو إصابته، أو حتّى قتله. لا يحقّ لأي شعب، ولا لأي دولة، ولا لأي جنس من الأجناس، أو دين من الأديان، اضطهاد أقليّة معيّنة دينيّة أو غير دينيّة، أو تطيرها عرقيًّا، أو تصفيتها جسديًّا.

يدعو كينج من خلال »إعلان الأخلاق العالميّة« إلى حلّ النّزاعات قانونيًّا، وليس حربيًّا. هذا ينطبق على الأفراد والدّول على السّواء. سباق التّسلّح ومن وجهة نظر كينج هو الطّريق الخطأ، نزع السّلاح هو المطلوب الآن وفورًا. لا يخدعن أحدٌ نفسَه: »بدون سلام عالميّ، لن تستطيع الإنسانيّة الاستمرار في الحياة فوق كوكب الأرض«. لهذا السّبب يرى »إعلان الأخلاق العالميّة« ضرورة تلقين النشء في البيت والمدرسة بأنّ العنف لا يمكن أن يكون وسيلة لحلّ النّزاعات مع الآخرين. بهذا فقط يمكن نشر ثقافة »نبذ العنف« بين الأفراد.

بُعد آخر لواجب »نبذ العنف« لا يقلّ أهمية عمّا سبق ذكره يتمثّل في تطبيق هذا المبدأ على البيئة، والطّبيعة. »نبذ العنف« في تعامل الإنسان مع الطّبيعة والبيئة يعني وقف الاعتداء على الغابات، ووقف تدمير البيئة بالغازات السّامّة، والتّعامل مع الطّبيعة على أنّها أمانة ينبغي المحافظة عليها. يقول »إعلان الأخلاق العالميّة«: »ليس فقط حياة الإنسان غالية ينبغي حمايتها، بل أيضًا حياة الحيوان والنّبات اللّذين يعيشان معنا فوق هذا الكوكب، ويستحقّان الحماية، والعناية، والرّعاية«. أكبر جناية يرتكبها الإنسان هنا هي تعامله بإهمال وغير مسؤوليّة مع الطّبيعة والبيئة: ينبغي وقف تلويث الهواء، والمياه، والأرض. ليس يعيش الإنسانُ وحدَه فوق هذا الكوكب، بل تعيش معه كائنات أخرى، تقتضي التّعامل مع الطّبيعة برفق وحذر، لأنّ سلامة الإنسان مرتبطة بسلامة سائر الكائنات الأخرى. نظرة الإنسان للطّبيعة ينبغي أن تتغيّر. الطّبيعة يجب أن يُنظر إليها على أنّها شريكٌ، وليس خصمًا للإنسان. وأخيرًا فإنّ واجب »نبذ العنف« يتضمّن أيضًا أن يتصرّف الجميع بمسؤوليّة، وتسامح، واحترام تجاه الآخر.

معالجة كينج للمشترك بين الأديان لم يكن لها لتكتمل بدون الاستعانة بالتّراث الصّوفي في الأديان العالميّة. يستشهد كينج وزميلته أنجلا رين ماورر ببعض أناشيد الصّوفي المسيحيّ فرانتس فون أسيزي Franz von Assisi وهو بالطّبع يذكّرنا بأشعار ذي النّون المصري، وابن الفارض، وابن عطاء. يقول فرانتس فون أسيزي:

»اللهمّ اجعلني وسيلتك لتحقيق السّلام - بأنّ أحبّ عندما تسود الكراهية - وأسامح عند الإهانة - وأتوسّط بين المتخاصمين - وأقول الحقيقة عندما يسود الضّلال - وآتي بالإيمان عندما يطأ الشّكّ - وأبعث الأمل عندما يُؤلم اليأس - وأضيء النّور عند حلول الظّلام - وأثير البهجة عند انتشار الغمّ - يا ربّ إنّي أتوق ألّا يواسيني الآخرون، بل أن أواسي أنا الآخرين، وأطمح ألّا أكون مفهومًا من الآخرين، بل فاهمًا لهم - وأطمع ألّا أكون محبوبًا، بل عاشقًا - لأنّ العطاء أفضل من الأخذ - فمن يتفانَ في خدمة الآخرين يفز بالكثير - ومن يسامِحْ، يتسامحِ الآخرونَ معه - ومنْ يمتْ، يحيَ حياةً سرمديّة«.

يقودنا هذا إلى سؤالين هامّين. أوّلهما هو هل هناك تطابق بين صوفيّة الإسلام وصوفيّة المسيحيّة؟ والثّاني: ما هي صورة اللّه عند الصّوفيّة؟ لعلّ عقيدة التّثليث هي مصدر الخلاف الرئيسيّ هنا أيضًا بين صوفيّة الإسلام وصوفيّة المسيحيّة. ذلك لأنّ الصّوفيّ في الإسلام يخاطب إلهًا واحدًا منزّهًا، بينما يخاطب الصّوفيّ في المسيحيّة سيّدنا عيسى عليه السّلام. يقول جارودي:

»ولكن بينَ التّصوّف المسيحيّ ومثيله الإسلاميّ - على ما فيهما من عظمة - ختلافًا جوهريًّا في الأهداف والطّرائق. فالتّصوّف المسيحيّ حوار مع شخص المسيح، يحلّ اللّه بواسطته في حياة المؤمن. بينما لا يرى المتصوّف المسلم في المسيح إلّا نبيًّا عظيمًا فحسب ... واللّه لا يتجلّى بذاته، وإنّما في كلمته ودينه. كما يرى المسلم أنّ الإيمان »بتجسيد الكلمة«، وتسمية اللّه باسم «الأب»، فيه تخفيف من شأن «ذات اللّه العليا«.

لكن هناك تشابهًا كبيرًا بين صورة اللّه عند الصوفيّة في الإسلام وصوفيّة المسيحيّة. نعني هنا بصورة »اللّه« تعالى: تصوّراتهم عن البارئ تعالى. ولنقتصر على مسألتين محدّدتين بخصوص قوّة اللّه تعالى، وقربه أو بعده من الإنسان. قوّة اللّه تعالى لها حدود عند المعتزلة مثلًا، ناهيك عن الفلاسفة. فقد ذهبت المعتزلة إلى فرض واجبات على البارئ تعالى، قائلين إنّ كلّ ما حسُن، وجب عليه فعله. وقالت الفلاسفة إنّ البارئ تعالى لا يعرف الجزئيات، بل الكلّيّات فقط. في مقابل هذا فإن قدرة اللّه عند الصّوفيّة جميعًا - في المسيحيّة والإسلام على السّواء - لا حدود لها. أمّا بخصوص قرب الخالق من مخلوقاته، فيرى المتصوّفون إنّه تعالى قريب جدًّا، بينما يدّعى الفلاسفة أنّه بعيد عن عباده. نورد هنا ترجمتنا لدعاء أورده كينج وزميلته ماورر للفيلسوف اليهودي مارتن بوبر، يتحدّث فيه عن البارئ تعالى وقربه من عباده، حيث يقول:

“Wo ich gehe - du!

Wo ich stehe - du!

Nur du, wieder du, immer du!

Du, du, du!

Ergeht´s mir gut - du!

Wenn´s weh mir tut - du!

Nur du, wieder du, immer du!

DU, du, du!

Himmel - du, Erde - du,

Oben - du, unten - du,

Wohin ich mich wende, an jedem Ende

Nur du, wieder du, immer du!

Du, du, du!“

Martin Buber

»أينما ذهبتُ - أنتَ!

أينما وقفتُ - أنتَ!

أنتَ وحدَك، ثمّ أنتَ ثانيةً، ثمّ أنتَ دائمًا!

أنتَ، أنتَ، أنتَ!

إذا شعرت بالرّاحة - أنتَ!

إذا إصابني ألم - أنت!

أنتَ وحدَكَ، ثمّ أنتَ ثانيةً، ثمّ أنتَ دائمًا!

أنتَ، أنتَ، أنتَ!

في السّماء - أنت، في الأرض - أنت،

فوقُ - أنتَ، تحتُ - أنتَ،

أينما توجّهتُ، في كلّ صوب وحدب

أنتَ وحدَكَ، ثمّ أنتَ ثانيةً، ثمّ أنتَ دائمًا!

أنتَ، أنتَ، أنتَ

يهمّنا الإشارة هنا إلى قصيدة قصيرة للحلّاج أوردت أنّا ماري شيمل ترجمة غير حرفيّة لها في أحد مصنّفاتها الصّوفيّة. سنلاحظ التّشابه الشّديد في المعنى بين قصيدة الحلّاج وقصيدة مارتن بوبر. بالطّبع لا ينبغي الادّعاء بتأثير الحلّاج على مارتن بوبر، لأنّ المشاعر الإنسانيّة قد تتشابه على مرّ العصور. يقول الحلّاج معبّرًا عن حبّه للبارئ تعالى، وإحساسه بقربه منه في كلّ مكان:

»رقيبـــــــان منّي شــــــاهــدان لحــــــبّه   واثنــــــان منّي شــــاهدان تــــراني

فمال حالَ في سريّ لغيــرك خاطـــــرٌ   ولا قال إلّا في هــــواك لســـــاني

فإن رمتُ شرقًا أنت في الشّرق شرقُهُ   وإن رمتُ غربًا أنت نُصبَ عياني

وإن رمتُ فوقًا أنت في الفـوق فوقــــه   وإن رمت تحتًا أنت كــلُّ مكــــان

وأنت محـــــــــلّ الكلّ بــــل لا محــلّه   وأنت بكلّ الكـــلّ ليـــــس بفــــان

بقلبي وروحي والضّمير وخــــاطـــــري  وترداد أنفاسـي وعقد لســـاني«.

أمّا التّرجمة الألمانيّة - كما وردت عند شيمل، فهي كما يلي:

„In Meinem Herzen kreisen

all Gedanken um Dich,

Anderes nicht spricht die Zunge,

als meine Liebe zu Dir.

Wenn ich nach Osten mich wende,

strahlst Du im Osten mir auf,

Wenn ich nach Westen mich wende,

stehst vor den Augen Du mir,

Wenn ich nach Oben mich wende,

bist Du noch höher als dies,

Wenn ich nach Unten mich wende,

bist Du das Überall hier.

Du bist, der allem den Ort gibt,

aber Du bist nicht sein Ort,

Du bist in allem das Ganze,

doch nicht vergänglich wie wir,

Du bist mein Herz, mein Gewissen,

bist mein Gedanke, mein Geist,

Du bist der Rhythmus des Atmens,

Du bist der Herzknoten mir“.

تكملة لهذا الباب الخاصّ بالمشترك الصّوفي بين الأديان يهمّنا أن نورد بعض أدعية ذي النّون المصريّ، وابن عطاء, وابن الفارض. هنا لابدّ من كلمة شكر وامتنان للعلّامة الألمانيّة أنّا ماري شيمل الّتي أوصلت كنوز التّراث الصّوفي الإسلامي إلى القارئ الألمانيّ والأمريكيّ من خلال دراساتها المتميّزة وترجماتها البديعة لأشعار الصّوفيّة. يقول ذو النّون المصريّ:

»إلهي، ما أصغي إلى صوت حيوان، ولا حفيف شجر، ولا خرير ماء، ولا ترنُّم طائر، ولا تنعّم ظلّ، ولا دوي ريح، ولا قعقعة رعد -

إلّا وجدتها شاهدة بوحدانيتك، دالّة على أنّه ليس كمثلك شيء، وأنّك غالب لا تغلب، وعالم لا تجهل، وحليم لا تسفه، وعدل لا تجور، وصادق لا تكذب«.

ترجمت شيمل هذه المناجاة، أو بالأصحّ معظمها، في كتابها عن التّصوّف الإسلامي، كما يلي:

„O Gott, niemals lausche ich auf die Stimme eines Tieres

oder das Rauschen eines Baumes, das Sprudeln von Wasser

oder den Sang eines Vogels, das Brausen des Windes

oder das Grollen des Donners,

ohne zu finden, daß sie Deine Einzigkeit bezeugen

und darauf hinweisen, daß es keinen gleich Dir gibt,

daß Du der All-Umfassende, der Allwissende bist“.

عالمية التّراث الصّوفي الإسلامي تتّضح من خلال إقبال الغربيّين على أشعار المتصوّفينَ المسلمين، ونقلهم لها إلى اللّغات الأوروبيّة. تشير شيمل مثلًا إلى قيام العالم الألمانيّ المعروف يوسف فون هامّر پورجشتال بترجمة أشعار ابن الفارض إلى الألمانيّة، كما ترجم المستشرق نيكلسون بعضها إلى الإنجليزيّة، هذا فضلًا عن وجود ترجمة فرنسيّة لها. يقولُ الشّيخُ مصطفى عبد الرّازق عن ابن الفارض إنّه: »الصّوفيّ المصريّ الأوّل بلا منازع، ورأس شعراء الصّوفيّة«. يهمّنا ذكر بعض نماذج هذا الشّاعر الصّوفي الكبير هنا، حيث يصف في إحدى قصائده الحضور الإلهي في كلّ مخلوقاته تعالى، فيقول:

»تراه إن غاب عنّي كلُّ جـــارحـــــــة   في كلّ معنًى لطيف رائق بهـــــجِ

في نغمة العُــود والنّاي الرّخـيم إذا   تألّقا بين ألحــــــان من الهــــــــــــزجِ

وفي مســـارح غزلانِ الخمـائل في   برد الأصائل والإصباح في البلجِ

وفي مساقط أنداء الغمـــــام عــــلى   بساط نور منَ الأزهار منتســــــجِ

وفي مساحب أذيـال النّســـــيم إذا   أهدى إليّ ســــــحيرًا أطيب الأرجِ

وفي التّثامي ثغر الكأس مرتشـــــفًا   ريق المدامــــة في مســـتنزه فــــــرجِ

لم أدرِ ما غربة الأوطان وهو معي   وخاطــــــري أين كنّا غير منزعــــجِ

فالدّار داري وحبي حاضـــر ومتى   بدا فــمنعرج الجــرعاء منعرجــي«.

أوردت شيمل التّرجمة الألمانيّة لهذه الأبيات كما يلي:

„Es sieht ihn, sei er fern auch, jedes Glied doch,

In jedem zarten, klaren, holden Wesen,

Im Lied der Laute und der sanften Flöte,

wenn sie in süßen Melodien sich mischen,

in baumbestandener Gazellenweide,

in Dämm`rungskühle und beim Morgengalnze,

im Tropfenfall aus feinen Wolkenschleiern

auf Teppiche, aus Blumen licht gewoben,

und wo der Morgenwind schleift seine Säume,

wenn er mir früh die Düfte lieblich zuträgt;

Wenn ich des Bechers Lippe küsse, schlürfend

den reinsten Wein in tiefem Glück und Freude!

Ich kannte Heimweh nicht, da Er bei mir war,

mein Herz war ruhlos nicht, wo wir auch waren;

dort war mein Heim, als mein Geliebter dort war,

wo sich die Düne neigte, neigt` ich mich ...“.

أخيرًا نورد مناجاة لابن عطاء اللّـه يُعبّر فيها عن وجهة النّظر الصّوفيّة من قرب اللّه من عبده، وعلم اللّه الّذي يشمل كلّ شيء. من المعروف أنّ حكم ابن عطاء الله المصريّ تعدّ من روائع الأدب الصّوفيّ على الإطلاق، وقد ترجمت إلى لغات أوروبيّة كثيرة. يقول ابن عطاء الله:

»ها أنا أتوسّل إليك بفقري إليك

وكيف أتوسّل إليك بما هو مُحال أن يصل إليك؟

أم كيف أشكو إليك حالي، وهي لا تَخفى عليك؟

أم كيف أُتَرجمُ لك بمقالي، وهو منك بـَـرَزٌ إليك؟

أم كيف تَخيبُ آمالي، وهي قد وفدت إليك؟

أم كيف لا تحسُنُ أحوالي، وبك قامت وإليك؟

إلهي ما ألطفك بي مع عظيم جهلي،

وما أرحمك بي مع قبيح فعلي.

إلهي ما أقربك منّي، وما أبعدني عنك.

ما أرأفك بي، فما الّذي يحجبني عنك«.

نشرت أنّا ماري شيمل ترجمة ألمانيّة لمعظم حكم ابن عطاء اللّـه. وقد ترجمت المناجاة السّابقة - وهي رقم 6 و7 - كما يلي:

„Hier bin ich und suche Zutritt zu Dir durch mein Dein-Bedürfen.

Doch wie könnte ich Zutritt zu Dir suchen durch das,

was dich unmöglich erreichen kann?

Oder wie könnte ich klagen bei Dir über meine Lage,

wo sie Dir nicht verborgen ist?

Oder wie könnte ich´s Dir erklären mit meiner Rede,

wo sie von Dir kommt und auch zu Dir geht?

Und wie könnten meine Hoffnungen scheitern,

wo sie zu Dir gekommen sind?

Und wie könnte meine Lage nicht gut sein,

wo sie durch Dich besteht und zu Dir hin geht?

Mein Gott, wie gütig bist Du mir trotz meiner gewaltigen Torheit,

und wie barmherzig trotz meiner abscheulichen Taten!

Mein Gott, wie nah bist Du mir und wie fern bin ich Dir!

Wie freundlich bist Du zu mir -

Was ist´s, das noch immer als Schleier steht zwischen Dir und mir?“.

نقد الرّأسماليّة

يستعرض كينج في كتابه »مشروع مقاييس أخلاق عالميّة« تجربة الرّأسماليّة في الدّول الغربيّة. هنا لابدّ من الإشارة إلى أنّ المفكّرين المسلمين كانوا قد تصدّوا للرّأسماليّة الغربيّة بنقد مسهب. يشيرُ كينج إلى أنّ »مبدأ الدّيمقراطيّة، ومُثُل الحريّة والتّسامح، هي أقوى من كلّ الدّيكتاتوريّات السّمراء والحمراء والسّوداء«. نقد هانس كينج للرّأسماليّة ليس يعني رفضه الكلّيّ لها، بل رغبته في إصلاح عيوبها، وتصحيح مسارها. يقولُ كينج في نقده للرّأسماليّة:

»بيد أنّ أصدقاء أمريكا لا يمكنهم أن يتجاهلوا هذا الواقع، فشعارات الرّأسماليّة الجديدة في وال ستريت،  شعارات الجشع الّذي لا يرتوي، الّتي سادت في الثّمانينات، أثبتت عجزها عن استيعاب المستقبل، وخطرها الدّاهم على الولايات المتّحدة ودائرة تأثيرها. اغتنِ، اقترضْ، أنفقْ وتنعّمْ - أي إثراء ذاتيّ، وتنعّم ذاتيّ، واكتفاء ذاتيّ. ومع أنّ ثورة ريجان استهوت الكثيرينَ منَ المعجبينَ والمقلّدينَ في بريطانيا العظمى وقارة أوروبّا، فقد دفعت الولايات المتّحدة - تلك القوّة الاقتصاديّة والعسكريّة الّتي لا تُضاهى - إلى زيادة التّسلّح على حساب الإنجازات الاجتماعيّة، وأوصلتها في الوقت نفسه إلى الانحطاط. ففي مطلع الثّمانينات كانتِ الولاياتُ المتّحدة هي المُقرِضة الكبرى في العالم، إلّا أنّها وُجِدَتْ في آخر رئاسة ريجان - هذه الرّئاسة الّتي نُظّمت بطريقة باهرة - على الرّغم من كلّ الفضائح (كفضيحة إيران جيت)، الدّولة الأكثر دينًا، مع قليل منَ التّوفير في المصارف، ومئات المليارات منَ الدّولارات منَ الدّين الخارجيّ، الّتي لم تكن ممكنة إلّا من خلال الصّادرات الهائلة المشتراة بالدّين، خصوصًا من ألمانيا واليابان (وهما قوّتانِ اقتصاديّتانِ فقط).

وقد غابت هذه الدّيون عن الاستثمارات في أوروبّا الشّرقيّة، وفي العالم الثّالث (...) ومنَ المفرح أن ترتفع أكثر فأكثر زصوات في الولايات المتّحدة محذّرة من سياسة الأنانيّة، والانطواء على الذّات، وجشع الكوادر، وعقليّة الكازينو المهيمنة على البورصة، ومحذّرة أيضًا من الاستهلاك الظّاهر من قِبَل قلّة غنيّة، ومنَ العلاوات الفادحة الّتي تستفيدُ منها فعاليّات الاقتصاد الأمريكيّ. فيتعيّن في التّسعينات أوّلًا أن ندفع ديون الثّمانينات«.

 

يُعبّر كينج عن أمله في اختفاء جشع الرّأسماليّة، ليحلّ محلّها نوعٌ منَ الاستقامة الأخلاقيّة. أزمة العالم الغربيّ اليوم كما يراها كينج هي: »أزمة أخلاقيّة بوجه عامّ ... إنّها تدمير التّقاليد، وغياب معنى الحياة الشّامل، والمقاييس الأخلاقيّة المطلقة، وضياع الأهداف الجديدة«. فما يبدو من بعد رفاهية وسعادة هو في الواقع: »أزمة مصير تعيث فسادًا على الصّعيد الفرديّ، من جرّاء الحرمان، والخوف، والمخدرات، والكحول ... والإجرام الّذي يذهبُ ضحيته الكثيرون منَ الشّباب .

 وعلى الصّعيد الاجتماعيّ من جرّاء الفضائح السّياسيّة والاقتصاديّة والصّناعيّة والاجتماعيّة الأخيرة الّتي تتكرّر كثيرًا في ألمانيا والنّمسا وفرنسا وأسبانيا وإيطاليا، وحتّى في سويسرا الواثقة من نفسها«. ثمّ يلخّص كينج رأيه فيما يحدثُ اليوم في المجتمعات الغربيّة، قائلًا: »وخلاصة القول أنّ الغرب يُعاني من فراغ في المعنى، والقيم، والقواعد الأخلاقيّة، وأنّ هذه المشكلة ليست مشكلة أفراد فحسب، بل مشكلة سياسيّة على أعلى مستوى. ليس السّؤالُ الحاسمُ أنْ نعرفَ هل الغربُ قد قضى الآن أخيرًا على الاشتراكيّة الشّرقيّة، بل أن نعرف هل يتوصّل إلى احتواء المشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة والبيئيّة والسّياسيّة والأخلاقيّة الكبرى الّتي أوجدها«.

نقد الشّيوعيّة

عندما قامت الشّيوعيّة وانتشرت في دول كثيرة لم يكن أحد أن يتوقّع أن تنتهي هذه النّهاية المأساويّة المفاجأة. يرى كينج أنّ الشّيوعيّة كانت وهمًا سرعان ما تلاشى أمام الواقع المرّ. ذلك أنّ كلّ الشّعارات الجميلة الّتي رفعتها الشّيوعيّة ثبت صعوبة تحقيقها على أرض الواقع. يقول كينج: «(...) ولكن لا مستقبلَ بعد الآن على الإطلاق ... لشعارات الاشتراكيّة في الدّول الماركسيّة اللّينينيّة: كالاقتصاد المبرمج، وهيمنة الحزب الواحد من خلال جهاز الدّولة الأمني لمقاومة أعداء الطّبقات الشّعبيّة!«. يرى كينج أيضًا أنّ النّظام الشّيوعيّ وضع كلّ تركيزه في سباق التّسلّح على حساب سائر القطاعات الأخرى: »لم يكن الاتّحاد السّوڤيتيّ قوّة عظمى، إلّا على الصّعيد العسكريّ«. لعلّ أسوأ ما أظهرته الشّيوعيّة في الممارسة العمليّة كانَ تقييد الحريّات، واستخدام البطش والعنف ضدّ المعارضة.

يقول كينج: »لا ينخدعنّ أحدٌ: هذا النّظام الموصوف بالعنف الوحشيّ، وجهاز الحزب المحليّ، وسياسة القوّة العسكريّة الكبرى - قد قمع الانتفاضات الشّعبيّة، وأغرقها بالدّم، بواسطة الجيوش، في برلين عام 1953م، وفي بودابست عام 1956م، وفي براغ عام 1968م، وفي غدانسك عام 1970م، ليفرض بعد ذلكَ كلّ مرّة تسويته«، ثمّ يضيف كينج قائلًا: »لا الجيش، ولا البوليس السّريّ، ولا التّعنُّت الإيديولوچيّ، أوِ التّفتيش الشّامل والبيروقراطيّة - الّتي لم تُولّد سوى الحرمان والخضوع والوصاية، وأخيرًا النّفور الكلّيّ منَ الدّولة - يمكنها أن تُحدّد مستقبلَ دول كالاتّحاد السّوڤيتيّ والصّين. هذه الدّول الّتي ينبغي أن تجد حلًّا للبؤس الاقتصاديّ والمشاكل القوميّة المضيّق عليها منذ أمد طويل«. يختم كينج نقده للشّيوعيّة بالإشارة إلى البعد الأخلاقيّ والدّينيّ المفقود في الدّول الشّيوعيّة، حيث يقول: »هناكَ عددٌ كبيرٌ منَ النّاس في الاتّحاد السّوڤيتي والصّين لا يعرف لماذا يعملُ، ولماذا يعيشُ، ولماذا ينبغي أن يتألم«.

نقد الحداثة

يُحدّدُ كينج نهاية عصر »الحداثة«، وبداية عصر »ما بعد الحداثة« بنهاية الحرب العالميّة الأولى سنة 1918م: »يُجمعُ عدد كبير من المؤرّخينَ على أنّ الحرب العالميّة الأولى هي نهاية القرن التّاسع عشر الميلادي، وأنّ القرن العشرين بعد الميلاد بدأ فعلًا في عام 1918م. فقد بدأ حينئذ - إن نحن أمعنا النّظر مليًّا - منعطف جديد عالميّ بعد »عصر الحداثة««. يُشير كينج إلى النّقد الموجّه إلى الحضارة الغربيّة من قبل مفكّري آسيا وأفريقيا، حيث يلخّص هذا النّقد في أربع نقاط محدّدة: 1- قدّمت الحضارة الغربيّة الحديثة إلى الإنسانيّة العلم، لكنّها أهملت الحكمة. 2- وجاءت بالتّكنولوچيا، لكن غاب عنها الرّوحانيّات. 3- طوّرت الصّناعات بدرجة فائقة، لكنّها دمّرت البيئة بصورة خطيرة. 4- جلبت الدّيمقراطيّة، لكنّها أضاعت الأخلاق.

يُوجّه كينج نقدًا شديدًا إلى فكرة، أو إيديولوچية »النّمو«، أو »التّقدّم«، وذلك بمعناها المزدوج، أي إيديولوچية التّقدّم الثّوري عند الشّيوعيّين، وإيديولوچيّة التّقدّم التّقني في الغرب. من طبيعة الأمور أنّ المرء عندما يحدّد لنفسه هدفًا واحدًا في الحياة، باذلًا قصارى جهده من أجل تحقيقه، يأتي هذا على حساب أمور أخرى كثيرة. خير مثال معبّر عن هذا القصور الإنسانيّ تلك الحكاية الرّمزيّة الّتي أوردها »إخوان الصّفا« في رسائلهم، والّتي ترجمتها تلميذة المرحومة أنّا ماري شيمل، المستشرقة الألمانيّة: ألما جيسا Alma Giese ونشرتها في الكتاب التّذكاريّ لأنّا ماري شيمل سنة 1994م في مدينة برن بسويسرا.

 تدور هذه الرّواية حول أحد الأغنياء الّذي لم يكن يرى في دنياه سوى الغرف من متع الحياة، من مأكل ومشرب وجماع وملبس ومنزل وعناية مبالغ فيها بالجسم - دون أدنى اهتمام بعلم أو دين أو أخلاق أو أدب أو فقه أو تفكّر في أحوال الدّنيا والآخرة.باختصار: كان يحيا حياة سطحيّة ماديّة بحتة لا تهدف إلّا طلب المتعة الجسديّة. لم يطرأ أي تغيير على حياته، إلّا بعد أن رأى كابوسًا في منامه أقلقه، وأفزعه. ثمّ إنّ أحد العلماء فسّره له على أنّه رسالة بعثها اللّه إليه، ليعبّر له فيها عن غضبه وعدم رضاه من إهمال كلّ شيء في حياته في سبيل المتع الفانية. هنا فقط غيّر الرّجل من سلوكه، وصار عبدًا مؤمنًا ورعًا. موقف الإنسانيّة من فكرة »النّمو«، و»التّقدّم« يشبه بطل هذه الحكاية، حيث يتمّ التّركيز على جانب واحد من الحياة على حساب الجوانب الأخرى.

يتساءل كينج: »هل ينبغي أن يسيرَ التّقدّم دومًا إلى الأمام على هذا النّحو؟ هلِ النّموُّ من دون حدود؟ وهل التّطوّر من دون نهاية؟«. هنا نرى حاجة الإنسانيّة إلى حكماء من طراز كينج، يدقّون ناقوس الخطر، وينبّهون البشريّة إلى مضار السّير في هذا الطّريق. يقول كينج:

»فالتّطوّر الأبديّ الكلّيّ القدرة، والكلّيّ الصّلاح - هذا الإله الكبير الّذي نصّبته الإيديولوچيّات الحديثة مع وصاياه الحازمة، قائلة: ينبغي أن تعمل دومًا أكثر، ودومًا أفضل، ودومًا أسرع - قد كشف في الواقع عن وجه محتّم ومزدوج، فَفَقَد الإيمان بالنّموّ ومصداقيته، إذ وعى الجميع هذا الأمر اليومَ: فالنّموّ الاقتصاديّ كغاية بحدّ ذاته، نتج عنه في العالم أجمع نتائج لا إنسانيّة، قلّل الاقتصاديّون من شأنها. إذ رأوا فيها »نتائج ثانويّة« للنّموّ الاقتصاديّ، و»نتائج خارجيّة« للتّطوّر الاقتصاديّ. حتّى لو أنّ هذه النّتائج كان لها أهمية أوّليّة (حتّى لو كانت في عصرنا من الدّرجة الثّانية أو الثّالثة)، فقد تبعها تدمير بيئة الإنسان الطّبيعيّة، ومعها أيضًا عدم استقرار اجتماعيّ كبير. فما برحت وسائل الإعلام تردّد يوميًّا الشّعارات التّالية: نقص في الموارد، صعوبة في المواصلات، تلوّث في البيئة، تدمير الغابات، أمطار ملوّثة، نتائج بيوت الزّراعة البلاستيكيّة والزّجاجيّة، فجوة في الأوزون، تبدّل في الطّقس، الوضع المأساويّ للنّفايات، الانفجار السّكّانيّ، البطالة الكثيفة، طبقة شعبيّة يصعب حكمها، أزمة الدّيون العالميّة، مشاكل العالم الثّالث، السّباق إلى التّسلّح، موت نوويّ ... فالإنجازات والكوارث التّقنيّة الكبرى تسيرُ جنبًا إلى جنب. فلا حاجة إلى أن يكون المرء نبيًّا كئيبًا يُنبئ بالكارثة، أو متشائمًا متأصلًا، كي يتأكّد من أن مجتمعنا الحاليّ الّذي راهن على النّموّ مهدّد بتدمير ذاته«.

بتسلسل يكاد يتطابق مع رحلة الغزّالي من الشّكّ في قيمة العقل وحدوده إلى الإيمان بالمكاشفة والعرفان، يقول كينج: »ولكن أزمة الفكر المتطّور هي في الجوهر أزمة المفهوم الحديث للعقل. فنقد الأشراف والكنيسة والدّولة والدّين باسم العقل وعضر الأنوار - كان ملحًّا منذ القرن الثّامن عشر، إلّا أنّ هذا النّقد انتهى أخيرًا بنقد العقل نفسه (انتقادات كانط). فالعقل الّذي نصّب نفسَه على المستوى المطلق الّذي يردّ كلّ شيء إلى شرعيته (بارتباط مع الحريّة الذّاتيّة)، هذا العقل الّذي لا يندمجُ في أي كون، حيث لا شيء مقدّس، سوف يتفكّك. هذا العقل التّحليليّ قد أُرغم اليوم من خلال رؤية شاملة على تبرير نفسه. فقاضي الأمس الأعلى يقع اليوم في قفص الاتّهام«.

بنظرة مفعمة بالتّفاؤل، وأسلوب يتّسم بتجاوز الواقع المرير محلّقًا إلى عالم المثل العليا، أو عالم »المدينة الفاضلة«، يرى كينج أو يُريدُ أن يرى أنّ الإنسانيّة في عصر ما بعد الحداثة: 1- قد تجاوزت عصر الاستعمار والامبرياليّة، وصارت تتعاون على أسس جديدة غير النّهب والاستغلال - 2- قد تجاوزت عصر الرّأسماليّة والاشتراكيّة، وصارت تعمل بنظام السّوق الحرّ المحافظ على البيئة، والمراعي لطبقات المحرومين والمقهورين - 3- قد تجاوزت العصر الصّناعي، ودخلت عصر ما بعد الصّناعة، أي عصر مجتمع الخدمات والاتّصالات - 4- تجاوزت عصر قهر المرأة واستغلالها واستحقارها، وبدأت عصر شراكة بين الرّجل والمرأة - 5- تجاوزت عصر الإيديولوچيّات، وبدأت عصر تعدّد الثّقافات - 6- تجاوزت الطّائفيّة، ودخلت عصر تقارب الأديان، وحوار الثّقافات. نشر كينج كتابه »مشروع أخلاق عالميّة« لأوّل مرّة باللّغة الألمانيّة سنة 1990م. توالت الأحداث الدّاميّة بعد ذلك من حروب، وخصامات، ونظريّات تدعو إلى الصّدام، ونزاعات مازالت شعوب العالم تعاني من آثارها المدمّرة حتّى لحظة كتابة هذه السّطور. يقينًا لم يهدأ كينج لحظة واحدة بعد نشر مشروعه الأخلاقيّ هذا، وراح يتابع التّطوّرات على السّاحة الدّوليّة، وينقد ما يستحقّ النّقد، ويهاجم أيّ فكر، أو إيديولوچيّة، لا تتّفق مع مشروعه هذا. لكنّه في الوقت نفسه يعترف في حوارته مع يورجن هورين Jürgen Hoeren المنشورة لأوّل مرّة سنة 2002م بأنّ ما يحدث اليوم في العالم يجعله أحيانًا يشعر بأنّنا نعيشُ في مستشفى للمجانين، ويضيف بأنّ توابع أحداث الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001م لا تساهم في بعث الأمل في مستقبل أفضل للإنسانيّة، فالصّراعات والحروب تتزايد، بل وتقترب من أوروبّا ذاتها:

„... die Zeitung zu lesen, macht nicht jeden Morgen Spaß ... Wenn man das alles sieht, kann einem die Welt schon bisweilen als Tollhaus vorkommen. Die Anschläge des 11. September 2001 mit ihren Folgen tragen wahrlich nicht zur Ermutigung bei. Die Konflikte nehmen zu. Und sie kommen auch immer näher an uns heran“.

»... قراءة الصُّحُفِ لا تبعث يوميًّا على السّرور ... عندما نرى كلّ هذا، يمكن أنّ يبدو العالم للمرء أحيانًا وكأنّه مستشفى للمجانين حقًّا. إنّ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001م وتوابعها لا تساهم في بعث الأمل. الصّراعات تتزايد. بل وتقترب أكثر منّا«.

ليس يرفضُ هانس كينج الحداثة رفضًا شاملًا، ولا هو يُعادي كلّ مكتسباتها، ولا يُطالبُ بإلغاء قيمها ومنجزاتها. بل يدعو إلى مراجعة هذه المكتسبات وتعديلها، ودراسة الأخطاء وتصحيحها، وبحث العيوب وتحاشيها، حيث يقول:

»إنّ تحوّل النّموذج لا يعني بالضّرورة انهيار القيم، بل تحوّلًا جذريًّا للقيم: تحوّلًا من علم متحرّر أخلاقيًّا، إلى علم مسؤول أخلاقيًّا. تحوّلًا من سلطة التّقنيّة المهيمنة على الإنسان إلى تقنيّة في خدمة الإنسانيّة والإنسان. تحوّلًا من صناعة تُدمّرُ البيئة إلى صناعة تُشجّعُ مصالح الإنسان الأساسيّة وحاجاته، في تناغُم مع الطّبيعة. تحوّلًا من ديمقراطيّة شكليّة قانونيّة إلى ديمقراطيّة معاشة تُوفّق بينَ الحريّة والعدالة. وينتجُ عن ذلك أنّ تحوّل المجتمع لا يعني أبدًا تحوّلًا ضدّ الحداثة، أي مجتمع يتجنّب العلم والتّكنولوچيا والدّيمقراطيّة، بل تحوّل مع الحداثة، في اتّحاد مع هذه القوى الاجتماعيّة الّتي اكتسبت في الماضي صبغة مطلقة، والّتي أمست الآن نسبيّة. فينبغي للقيم الخاصّة بعصر الحداثة الصّناعيّ: أي المثابرة، والعقلانيّة، والتّنظيم، والدّقّة، والانضباط، والرّصانة،s والإنجاز، والفعّاليّة، ألّا تُلغى بسهولة، بل أن تُفسّر ضمن آفاق جديدة تتلاءم مع قيم عصر ما بعد الحداثة الجديد، أي الإبداع، والرّقّة، والانفعال، والدفء، والحنان، والإنسانيّة«.

 

يُريدُ كينج أن يعبر بالبشريّة إلى عصر جديد أكثر إنسانيّة وعدلًا وتسامحًا، دون إهمال للمكتسبات الإيجابيّة للحداثة. عصر ما بعد الحداثة عند كينج، هو: 1- ليس ضدّ الحداثة، 2- ولا المبالغة في الحداثة، 3- بل هو عصر يحافظ على أي قيم إنسانيّة في عصر الحداثة، وينبذ كلّ ما هو غير إنسانيّ. يسترسلُ كينج في شرح تصوُّراته الخاصّة بعصر ما بعد الحداثة، فيذكر مكتسبات الحداثة مقرونة بمطالب ملحّة. فالمطلوب هو: 1- لا الحرّيّة فحسب، بلِ العدالة في آن واحد أيضًا، 2- لا المساواة فحسب، بلِ التّعدّديّة أيضًا، 3- لا الأُخوّة فحسب، بل علاقة مودّة بين الجنسين أيضًا، 4- لا التّعايش فحسب، بل السّلام أيضًا، 5- لا الإنتاجيّة فحسب، بلِ التّضامن مع البيئة أيضًا، 6- لا التّسامح فحسب، بل الحوار بين الطّوائف والأديان أيضًا.

 

أخيرًا يصل كينج إلى القناعة نفسها الّتي وصل إليها الغزّاليّ قبله بتسعة قرون، وهي إدراك حدود العقل، وأنّ البشريّة لا تستطيع الاعتماد على العقل فحسب في تطوّرها، وصلاحها، وخلاصها: »فالعقل بمفرده عاجزٌ عن تنقية العقل. ولا يمكننا أن نداوي نقائص العلم الجوهريّة، وضرر التّقنيّة، بدعوة إلى زيادة العلم والتّقنيّة، كما يدّعي صانعو الاقتصاد الاقتصاد والسّياسة في تحالفهم مع بعض العقلانيّينَ المتعنّتينَ«.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع العربيّة

ابن حزم، أبو محمّد عليّ بن أحمد بن سعيد، في مداواة النّفوس وإصلاح الأخلاق الذّميمة، في: ماجد فخري، الفكر الأخلاقيّ العربيّ، الأهليّة للنّشر والتّوزيع، بيروت 1978م.

ابن عبد ربّه، العقد الفريد، مكتبة الهلال، بيروت، بدون تاريخ.

ابن عدي، يحيى، تهذيب الأخلاق، تحقيق جاد حاتم، دار المشرق، بيروت 1985م.

ابن فاتك، أبا الوفاء المبشّر، مختار الحكم ومحاسن الكلم، تحقيق عبد الرّحمن بدوي، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، بيروت سنة 1980م.

ابن الفارض، شرف الدّين أبو حفص عمر، ديوان ابن الفارض، دار القلم، حلب 1988م.

ابن قيّم الجوزيّة، شمس الدّين أبو عبد اللّه محمّد بن أبي بكر، أعلام الموقعّين عن ربّ العالمين، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت بدون تاريخ.

أبو المجد، أحمد كمال، مقدّمة كتاب: برنارد لويس، الإسلام في التّاريخ. الأفكار والنّاس والأحداث في الشّرق الأوسط، ترجمة مدحت طه، المجلس الأعلى للثّقافة، القاهرة 2003م.

أبو نعيم، أحمد بن عبد اللّه الأصفهاني الشّافعي، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلميّة، بيروت 2002م.

إخوان الصّفا، رسائل إخوان الصفا، طبعة دار بيروت، بيروت 1983م.

بدچ، واكس، كتاب الموتى الفرعوني، ترجمه عن الهيروغليفيّة والس بدچ، وإلى العربيّة فليب عطية، مكتبة مدبولي، القاهرة 1988م.

بدوي، عبد الرّحمن، دفاع عن القرآن ضدّ منتقديه، ترجمة كمال جاد اللّه، دار الجليل للكتب والنشر، القاهرة 1997م.

البيهقي، الشّيخ إبراهيم بن محمّد، المحاسن والمساوئ، دار صادر، بيروت سنة 1970م.

تورين، ألان، نقد الحداثة، ترجمة أنور مغيث، المجلس الأعلى للثّقافة، القاهرة 1997م

الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، رسائل الجاحظ، تحقيق وشرح عبد السّلام محمّد هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، بدون تاريخ.

جارودي، روچيه، الأساطير المؤسّسة للسّياسة الإسرائيليّة، ترجمة محمّد هشام، تقديم محمّد حسنين هيكل، دار الشّروق، القاهرة 1998م.

جارودي، روجيه، محاكمة الصّهيونيّة الإسرائيليّة، ترجمة حسين قبيسي، الفهرست، بيروت 1998م.

جارودي، روجيه، الإسلام الحيّ، ترجمة دلال بوّاب ضاهر ومحمّد كامل ضاهر، دار البيروني، بيروت - توزيع دار النّفائس، بيروت 1995.

جارودي، روچيه، ما يعدُ به الإسلام، ترجمة قصي أتاسي وميشيل واكيم، دار الوثبة، دمشق، بدون تاريخ.

حسين، طه، مع أبي العلاء في سجنه، دار المعارف، القاهرة 1979. (الطّبعة الثّانية عشرة).

الحفني، عبد المنعم، الموسوعة الصّوفيّة، أعلام التّصوّف والمنكرين عليه والطّرق الصّوفيّة، دار الرّشاد، القاهرة 1992م.

الحلّاج، الحسين بن منصور، ديوان الحلّاج، ويليه أخباره وطواسينه، جمعه وقدّم له سعدي ضنّاوي، دار صادر، بيروت 2003م، الطّبعة الثّالثة.

خفاجي، عبد الحليم، حوار مع الشّيوعيّين في أقبية السّجون، دار الوفاء للطّباعة والنّشر، المنصورة. الطّبعة الخامسة 1991م.

شاحاك، إسرائيل، الدّيانة اليهوديّة وموقفها من غير اليهود، ترجمة حسن خضر، دار سينا، القاهرة 1994م.

شاحاك، إسرائيل، ومتسفينسكي، نورتون، الأصوليّة اليهوديّة في إسرائيل، ترجمة ناصر عفيفي، مؤسّسة روز اليوسف، القاهرة 2001م،

الشّامي، رشاد عبد اللّه، الشّخصيّة اليهوديّة الإسرائيليّة والرّوح العدوانيّة، عالم المعرفة، الكويت، يونيو سنة 1986.

الشّهرستاني، الملل والنّحل، طبعة عبد اللّطيف محمّد العبد، مكتبة الأنجلو المصريّة، القاهرة 1977م.

الشّرقاوي، محمّد عبد اللّه، الكنز المرصود في فضائح التّلمود، مكتبة الزّهراء بحرم جامعة القاهرة، ودار عمران ببيروت، 1993م.

عبد الجبّار، قاضي القضاة المعتزلي، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، تحقيق فؤاد السّيّد، الدّار التّونسيّة للنّشر، تونس 1974م.

عبد الجبّار، قاضي القضاة المعتزليّ، شرح الأصول الخمسة، تحقيق عبد  الكريم عثمان، مكتبة وهبة، القاهرة 1965م.

عمارة، محمّد، الإسلام والتّحدّيات الجديدة، ندوة الثّقافة والعلوم، دبي، الإمارات العربيّة المتّحدة، يوليو/ أغسطس 1993م.

عمر، فرّوخ، وخالدي، مصطفى، التّبشير والاستعمار في البلاد العربيّة، المكتبة العصريّة، صيدا وبيروت 1986م.

عيد، ثابت، أنّا ماري شيمل، نموذج مشرق للاستشراق، دار الرّشاد، القاهرة 1998م.

عيد، ثابت، الإسلام في عيون السّويسريّين، دار باڤاريا، ميونخ، ألمانيا سنة 1999م.

عيد، ثابت، دفاع عن القرآن، ثابت عيد، دفاع عن القرآن ضدّ منتقديه، مجلة الفيصل السّعوديّة، الرّياض، ديسمبر 2002م.

عيد، ثابت، بغية المشتاق إلى فهم تطوّر عقيدة الأسلاف، في: مجلة فكر ونقد، المغرب، العدد 19، مايو 1999م، ص135-154.

عيد، ثابت، صورة الإسلام في التّراث الغربيّ (دراسات ألمانيّة)، دار نهضة مصر، القاهرة 1999م.

عيد ثابت، الصّراع بين المعتزلة والأشاعرة، الجزء الثّاني، في مجلة فكر ونقد، المغرب، العدد 27، مارس سنة 2000م، ص127-145.

الغزّالي، أبو حامد، المنقذ من الضّلال، والموصّل إلى ذي العزّة والجلال، تحقيق جميل صليبا وكامل عيّاد، دار الأندلس، بيروت 1983م، الطّبعة الحادية عشرة.

الغزّالي، أبو حامد، الاقتصاد في الاعتقاد، تحقيق محمّد مصطفى أبي العلا، مكتبة الجندي، القاهرة 1972.

الغزّالي، أبو حامد، تهافت الفلاسفة، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، القاهرة 1987، الطّبعة السّابعة.

الكبيسيّ، أحمد عبيد، الإعجاز القرآني في وصف االيهود، في: الإعجاز القرآني. بحوث المؤتمر الأوّل للإعجاز القرآني المعقود بمدينة السّلام بغداد سنة 1990م، الجمهوريّة العراقيّة، وزارة الأوقاف والشؤون الدّينيّة، بغداد 1990م

كينج، هانس، مشروع أخلاق عالميّة، دور الدّيانات في السّلام العالميّ، عرّبه عن الألمانيّة جوزيف معلوف وأورسولا عسّاف، وراجعه يوسف عسّاف. دار صادر، بيروت 1998م (ترجمة هذا الكتاب في غاية الرّكاكة. وبرغم هذا استعنا بها في بعض المواضع، مع تصحيح بعض الأخطاء الواردة فيها).

القرضاوي، يوسف، أولويّات الحركة الإسلاميّة في المرحلة المقبّلة. مؤسّسة الرّسالة، الطّبعة الثّانية عشرة، بيروت 1991م،

القرضاوي، يوسف، الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والانفراط، دار التّوزيع والنّشر الإسلاميّة، القاهرة 1994م.

القرضاوي، يوسف، الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا، مكتبة وهبة، القاهرة 1988م، الطّبعة الرّابعة.

القمني، سيّد محمود، أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة، دار الفكر للدّراسات والنّشر والتّوزيع، القاهرة 1988م.

لويس، برنارد، اكتشاف المسلمين لأوروبّا، ترجمة ماهر عبد القادر، المكتبة الأكاديميّة، القاهرة 1996م.

الماوَردي، أبو الحسن علي البصري، كتاب أدب الدُّنيا والدّين، تحقيق محمّد الصّبّاح، دار مكتبة الحياة، بيروت 1987م.

محمود، عبد الحيلم، الإسلام والعقل، دار المعارف، القاهرة 1998، الطّبعة الرّابعة.

نعيم، خالد محمّد، الجذور التّاريخيّة لإرساليّات التّنصير الأجنبيّة في مصر، دراسة وثائقيّة، المختار الإسلامي، القاهرة، بدون تاريخ.

نوري، شاكر، غارودي في المحرقة. محاكمة تفكيك الأساطير الصّهيونيّة. نصّ جلسات المحاكمة. مؤسسة الرّافد، لندن 1998م.

نويا، بولس، ابن عطاء اللّه، ونشأة الطّريقة الصّوفيّة، دار المشرق، بيروت 1990م.

هويدي، فهمي، الحوار الإسلامي المسيحيّ كما يراه علماء الأزهر في مصرَ. في: العلاقات الإسلاميّة-المسيحيّة. قراءات مرجعيّة في التّاريخ والحاضر والمستقبل. إشراف: سمير سليمان. مركز الدّراسات الاستراتيجيّة والبحوث والتّوثيق، بيروت 1994م.

 

المراجع الأجنبيّة

Barnavi, Eli, Universal Geschichte der Juden von den Ursprüngen bis zur Gegenwart. Ein Historischer Atlas, dtv, München 2004.

Bellinger, Gerhard J., Knaurs Grosser Religionsführer. Droemer Knaur, München 1986.

Buber, Martin, Der Jude und sein Judentum, Gesammelte Aufsätze und Reden. Mit einer Einleitung von Robert Weltsch, Verlag Lambert Schneider, Gerlingen, 2. Auflage, 1993.

Eid, Thabet, Henry Kissinger, Zürich 1983.

Geiss, Imanuel, Geschichte des Rassismus. Neue Historische Bibliothek, Edition Suhrkamp, Frankfurt am Main 1988.

Giese, Alma, Zur Erlösungsfunktion des Traumes bei den Ichwan as-Safa´. In: Alma Giese und J. Christoph Bürgel, Gott ist schön und Er liebt die Schönheit. Festschrift für Annemarie Schimmel zum 7. April 1992, dargebracht von Schülern, Freunden und Kollegen. Peter Lang Verlag, Bern 1994.

Häring, Hermann, Hans Küng. Grenzen durchbrechen. Matthias-Grünewald-Verlag. Mainz 1998.

Knaur, Der Grosse Knaur, Lexikon in vier Bänden, Buchclub Ex Libris, Zürich 1967.

Küng, Hans, Das Judentum. Die religiöse Situation der Zeit. Piper Verlag, München 1991.

Küng, Hans, Projekt Weltethos. Piper Verlag, München 1990.

Küng, Hans, Das Christentum. Wesen und Geschichte. Die religiöse Situation der Zeit. Piper Verlag, München 1994.

Küng, Hans, Der Islam. Geschichte, Gegenwart, Zukunft. Piper Verlag, München 2004.

Küng, Hans, Erkämpfte Freiheit. Erinnerungen. Piper Verlag, München 2002.

Küng, Hans, Weltfrieden durch Religionsfrieden. In: Wolfgang Huber, Hans Küng und Carl Friedrich von Weizsäcker, Verantwortlich leben in der Weltgemeinschaft. Zur Auseinandersetzung um das „Projekt Weltethos“, Kaiser Taschenbücher, Gütersloh 1994.

Küng, Hans, Unfehlbar? Eine Anfrage. Benziger, Zürich-Einsiedeln-Köln 1970; Taschenbuchausgabe: Ullstein-Taschenbuch 34512, Frankfurt/M.-Berlin-Wien 1980; Erweiterte Neuausgabe: Unfehlbar? Eine unerledigte Anfrage, Serie Piper 1016, München 1989, mit einem aktuellen Vorwort von Herbert Haag.

Küng, Hans, und andere, Christentum und Weltreligionen: Islam, Hinduismus, Buddhismus, Piper Verlag, München 1984.

Küng, Hans, und van Ess, Josef, Christentum und Weltreligionen: Islam. Piper Verlag, München 1994.

Küng, Hans, Existiert Gott? Antwort auf die Gottesfrage der Neuzeit, Piper Verlag, München 1978.

Küng, Hans, Wozu Weltethos. Im Gespräch mit Jürgen Hoeren, Herder spektrum, Freiburg im Breisgau 2002.

Küng, Hans und Rinn-Maurer, Angela, Weltethos christlich verstanden, Herder Verlag, Freiburg im Breisgau 2005.

Kuschel, Karl-Josef, Vom Streit zum Wettstreit der Religionen. Lessing und die Herausforderung des Islam. Patmos Verlag, Düsseldorf 1998.

Langer, Felicia, Brandherd Nahost. Oder: Die geduldete Heuchelei, Lamuv Verlag, Göttingen 2004.

Lewis, Bernard, The Muslim Discovery of Europe. Weidenfeld and Nicolson, London 1982.

Lewis, Bernard, Die Juden in der islamischen Welt, C. H. Beck Verlag, München 1987.

Neue Zürcher Zeitung, 4.12.2006, S. 10.

al-Qaradawi, Yusuf, Bin ich ein Radikaler? Aus dem Arabischen von Thabet Eid und Toni Bräm. In: du: Islam. Begegnung am Mittelmeer. Zürich Juli/August 1994.

Schimmel, Annemarie, Morgenland und Abendland. Mein west-östliches Leben. C.H. Beck, München 2002.

Schimmel, Annemarie, Auf den Spuren der Muslime. Mein Leben zwischen den Kulturen. Herder Spektrum, Freiburg 2002.

Schimmel, Annemarie, Sufismus. Eine Einführung in die islamische Mystik, C.H.Beck Verlag, München 2005.

Schimmel, Annemarie, Mystische Dimensionen des Islam, Insel Verlag, Frankfurt am Main und Leipzig 1995.

Schimmel, Annemarie, Gärten der Erkenntnis. Das Buch der vierzig Sufi Meister, Diederichs Gelbe Reihe, Eugen Diederichs Verlag, München 1991 (3. Auflage).

Schimmel, Annemarie, Texte zum Nachdenken. Ibn Ata` Allah, Bedrängnisse sind Teppiche voller Gnaden, Herderbücherei, Verlag Herder Freiburg im Breisgau 1987.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كان مفتي سوريا الراحل الشيخ أحمد كفتارو في استقبال البابا يوحنا بولس الثاني أثناء زيارته التاريخية للجامع الأموي في دمشق سنة 2001. Reuters


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار مع الشيخ : عثمان حاج مصطفى

أسامة خليفة ..إنتاج فيلم الطفل انطلاقا من قيمناِ لاء للإنتاج الفني، تقف على خط المواجهة، وبصدق نقول هذا، فقد كانت المبادرة إلى هذا العالم الرحب في وقت كان هَمّ الآخرين أن يقوموا بدبلجة ما يقدم، نريد من يؤمن بالفكرة

موسى ابن نصير قائد عسكري عربي في عصر الدولة الأموية. شارك موسى في فتح قبرص في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان