لا تفاهمَ بين الحضارات، بدون حقّ الدّفاع عن النّفس تأسيسًا لعلم الدّفاع عن الحضارة الإسلاميّة
تأسيسًا لعلم الدّفاع عن الحضارة الإسلاميّة
بقلم: ثابت عيد
لا تفاهمَ بين الحضارات، بدون حقّ الدّفاع
عن النّفس
"التَّفَاهُمُ الدَّوْلِيُّ"
يَعْنِي مُمَارَسَةَ حَقِّنَا الْـمَشْرُوعِ فِي الدِّفَاعِ عَنْ دِينِنَا،
وَهُوِيَّتِنَا، وَثَقَافِتِنَا، وَحَضَارَةِ أَجْدَادِنَا. وَقَدْ أَقَرَّتِ
الْـمَادَّةُ 51 مِنْ مِيثَاقِ الْأُمَمِ الْـمُتَّحِدَةِ «حَقَّ الدِّفَاعِ
الشَّرْعِيِّ عَنِ النَّفْسِ». وَنَشَأَ فِي الْيَهُودِيَّةِ عِلْمُ لَاهُوتٍ
مُتَخَصِّصٍ فِي الدِّفَاعِ عَنِ الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ، حَيْثُ شَاعَ
مُصْطَلَحُ Apologetik مُنْذُ
الْقِدَمِ لِلتَّعْبِيرِ عَنْ «الدِّفَاعِ عَنِ النَّفْسِ» أَوْ «عَنِ
الْعَقِيدَةِ» الَّتِي يُؤْمِنُ بِهَا الْإِنْسَانُ. وَكَتَبَ مُورِيتْسُ
جُويدِمَانَ Moritz Güdemann كِتَابَهُ
عَنْ الدِّفَاعِ عَنِ الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ بِعُنْوَانِ: “Jüdische Apologetik“ سَنَةَ
1906م.
وَاللّافِتُ أَنَّ الْأَنَاجِيلَ نَفْسَهَا شَدَّدَتْ عَلَى
ضَرُورَةِ الدِّفَاعِ عَنِ الْعَقِيدَةِ الْـمَسِيحِيَّةِ، حَيْثُ وَرَدَ فِي
«رِسَالَةِ بُطْرُسَ الْأُولَى: 3-15» الْعِبَارَةُ التَّالِيَةُ: «بَلْ قَدِّسُوا
الرَّبَّ الْإِلَهَ فِي قُلُوبِكُمْ، مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لـِمُجَاوَبَةِ
كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ
وَخَوْفٍ».
وَفِي الْإِسْلَامِ كَانَ لِعُلَمَاءِ «الْكَلَامِ»
الْإِسْهَامُ الْأَكْبَرُ فِي الدِّفَاعِ عَنِ الْعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ.
هَذَا إِذًا حَقٌّ مَشْرُوعٌ. وَلَنْ يُمْكِنَ تَحْقِيقُ أَيِّ «تَفَاهُمٍ
دَوْلِيٍّ»، بِدُونِ مُمَارَسَةِ حَقِّنَا فِي الدِّفَاعِ عَنْ أَنْفُسِنَا:
١- يَتَّهِمُ الْـمُسْتَشْرِقُ
الْأَلْـمَانِيُّ مَانْفِرِيدُ أُولْـمَانَ
Manfred Ullmann فِي كِتَابِهِ:
“Die Medizin im Islam“ (= الطِّبُّ فِي الْإِسْلَامِ)،
وَآخَرُونَ مَعَهُ، الْحَضَارَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ بِعَدَمِ الْإِبْدَاعِ.
فَالْعَرَبُ، مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِهِ، اقْتَصَرَ دَوْرُهُمْ عَلَى نَقْلِ
الْعِلْمِ الْيُونَانِيِّ فَقَطْ لَا غَيْرُ. التَّفَاهُمُ الدَّوْلِيُّ هُنَا
يَعْنِي إِبْرَازَ الدَّوْرِ الْحَقِيقِيِّ لِلْعَرَبِ الَّذِي أَقَرَّهُ أَشْهَرُ
مُؤَرِّخٍ لِلْعُلُومِ فِي عَصْرِنَا هَذَا، وَهُوَ الْبَلْجِيكِيُّ چُورْچُ سَارْطُونَ George Sarton فِي كِتَابِهِ الَّذِي لَمْ
يُتَرْجَمْ بَعْدُ إِلَى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ
“Introduction to the History of Science“ (مُقَدِّمَةٌ
فِي تَارِيخِ الْعِلْمِ)، حَيْثُ أَقَرَّ وَاعْتَرَفَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ
لَهُمُ الرِّيَادَةُ فِي الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ لِثَمَانِيَةِ قُرُونٍ
كَامِلَةٍ.
٢- يَتَّهِمُ
الْـمُسْتَشْرِقُ الْأَلْـمَانِيُّ يُوحَنَّا كِرِيسْتُوفَ بُيرْجَلَ Johann Christoph Bürgel (فِي
دِرَاسَتِهِ: Muhammad oder Galen? مُحَمَّدٌ
أَمْ جَالِينُوسَ؟)، الَّتِي تَرْجَمْتُهَا إِلَى الْعَرَبِيَّةِ، الْإِسْلَامَ
بِأَنَّهُ كَانَ ضِدَّ الطِّبِّ الْـمَدْرَسِيِّ الْجَالِينُوسِيِّ الْقَائِمِ
عَلَى الْـمَنْطِقِ وَقَانُونِ السَّبَبِيَّةِ، بِعَكْسِ الطِّبِّ النَّبَوِيِّ
الَّذِي يَقُومُ عَلَى الْعِلَاجِ بِالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ.
الرَّدُّ عَلَى ذَلِكَ يَأْتِي مِنْ خِلَالِ إِبْرَازِ بَعْضِ
أَقْوَالِ الْأَنَاجِيلِ الَّتِي تُؤَكِّدُ أَنَّ الْـمَرَضَ هُوَ نَتِيجَةٌ
لِلْإِثْمِ الَّذِي يَرْتَكِبُهُ الْإِنْسَانُ، وَالْـمَعْصِيَةِ الَّتِي
يَقْتَرِفُهَا، أَيْ أَنَّ سَبَبَ الْـمَرَضِ دِينِيٌّ، وَلَيْسَ طِبِّيًّا.
فَالَخَطِيئَةُ، مِنْ وُجْهَةِ النَّظَرِ الْـمَسِيحِيَّةِ، هِيَ السَّبَبُ
الْأَسَاسِيُّ لِلْأَمْرَاضِ الرُّوحِيَّةِ وَالْجَسَدِيَّةِ الَّتِي يُعَانِي
مِنْهَا الْبَشَرُ جَمِيعًا.
وَهَذَا يَقِفُ عَلَى وَجْهِ النَّقِيضِ مِنْ طِبِّ
جَالِينُوسَ الْقَائِمِ عَلَى الْـمَنْطِقِ. ثُمَّ إِنَّ الْـمَسِيحِيِّينَ
يُؤْمِنُونَ بِالْعِلَاجِ بِوَضْعِ الْيَدِ، مِثْلَمَا كَانَ يَفْعَلُ
الْـمَسِيحُ. وَأُسْلُوبُ وَضْعِ الْيَدِ هَذَا لَيْسَ لَهُ أَدْنَى عَلَاقَةٍ
بِالطِّبِّ الْـمَدْرَسِيِّ الْيُونَانِيِّ الَّذِي يُعَالِجُ، كَمَا قَالَ
أَبُقْرَاطُ Hippokrates،
بِالْغِذَاءِ، أَوِ الدَّوَاءِ، أَوِ الْجِرَاحَةِ، وَلَا مَكَانَ فِيهِ لِوَضْعِ
الْيَدِ.
٣- يَتَهَكَّمُ
الْـمُسْتَشْرِقُ الْأَلْـمَانِيُّ يُوسُفُ فَانَ إِسَّ
Josef van Ess عَلَى الْبَارِئِ تَعَالَى، قَائِلًا: «إِنَّ
اللَّــهَ يَتَكَلَّمُ الْعَرَبِيَّةَ، وَلَا يُخْطِئُ أَبَدًا». وَالرَّدُّ عَلَى
هَذِهِ الْوَقَاحَةِ يَكُونُ بِالتَّذْكِيرِ بِرَبِّ التَّوْرَاةِ الَّذِي لَمْ
يَتَوَقَّفْ عَنِ الْكَلَامِ مَعَ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلِمَاذَا
لَمْ يَقُلْ فَانُ إِسَّ إِنَّ إِلَهَ الْيَهُودِ
يَتَكَلَّمُ اللُّغَةَ الْآرَامِيَّةَ، أَوِ الْعِبْرِيَّةَ، لَكِنَّهُ
يَتَجَرَّأُ عَلَى السُّخْرِيَةِ مِنْ إِلَهِ الْـمُسْلِمِينَ؟!! نُقْطَةُ ضَعْفِ
الْعَرَبِ هُنَا تَتَمَثَّلُ فِي عَدَمِ إِلْـمَامِهِمْ بِالتَّوْرَاةِ وَالْأَنَاجِيلِ.
وَالنَّقْدُ الذَّاتِيُّ يُحَتِّمُ عَلَيْنَا فَرْضَ دِرَاسَةِ الْكُتُبِ
الْـمُقَدَّسَةِ، الْيَهُودِيَّةِ وَالْـمَسِيحِيَّةِ وَالْقُرآنِ جَمِيعًا، عَلَى
تَلَامِذَةِ مَدَارِسِنَا وَطَلَبَةِ جَامِعَاتِنَا، لِكَيْ يَكُونُوا أَكْثَرَ
إِلْـمَامًا بِالْأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ الثَّلَاثَةِ.
٤- يَتَّهِمُ عَدَدٌ
كَبِيرٌ مِنَ الْـمُسْتَشْرِقِينَ رَسُولَ الْإِسْلَامِ (r) بِأَنَّهُ تَزَوَّجَ كَثِيرًا، وَكَانَ يُحِبُّ النِّسَاءَ.
وَالرَّدُّ عَلَى هَذِهِ التُّهْمَةِ يَتِمُّ مِنْ خِلَالِ الْبَرَاهِينِ
الْوَارِدَةِ فِي كِتَابِ «تَارِيخِ النِّسَاءِ» (٥ مُجَلَّدَاتٍ) “Geschichte der Frauen“ بِتَحْرِيرِ
عَالِمِ الِاجْتِمَاعِ الْفَرَنْسِيِّ جِيورْجَ دُوبِي
Georges Duby، وَكِتَابِ «الْـمُعَانَاةُ مَعَ
الْكَنِيسَةِ. تَارِيخِ الْجِنْسِ فِي الْـمَسِيحِيَّةِ»
“Das Kreuz mit der Kirche. Eine Sexualgeschichte des Christentums“ بِقَلَمِ الْأَلْـمَانِيِّ كَارْلَ هَايِنْتِسَ دِيشْنَرَ، حَيْثُ يُمْكِنُ
الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا يَكْفِي مِنْ مَعْلُومَاتٍ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَنْبِيَاءِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانَ لَدَيْهِمْ أَضْعَافُ مَا كَانَ لَدَى رَسُولِ
الْإِسْلَامِ (r) مِنْ نِسَاءٍ.
٥- الْـمُسْتَشْرِقُ
الْفَرَنْسِيُّ جِيلُ كِيبِلَ Gelles Kepel يَلْصَقُ
بِالْإِسْلَامِ تُهْمَةَ الْإِرْهَابِ، حَيْثُ نَشَرَ كِتَابًا بِعُنْوَانِ
«الْكِتَابُ الْأَسْوَدُ لِلْجِهَادِ» (هَكَذَا الْعُنْوَانُ بِالْأَلْـمَانِيَّةِ “Das Schwarzbuch des Dschihad“) - الرَّدُّ
عَلَى كِيبِلَ يَكُونُ بِدِرَاسَةِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ الْـمَمْلُوءِ عُنْفًا
وَدَمَوِيَّةً، وَبِاسْتِعْرَاضِ أَجْزَاءٍ مِنْ كِتَابِ: "التَّارِيخُ
الْإِجْرَامِيُّ لِلْمَسِيحِيَّةِ"
“Kriminalgeschichte des Christentums“ لِدِيشْنَرَ، عَرَضَ
فِيهَا مَظَاهِرَ عُنْفِ إِلَهِ الْيَهُودِ، وَحُبِّهِ لِسَفْكِ الدِّمَاءِ.
فَإِلَهُ الْيَهُودِ لَا يَكُفُّ عَنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ، فِي حِينِ أَنَّ إِلَهَ
الْـمُسِلِمِينَ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ.
٦- زَعَمَ بَعْضُ الْغَرْبِيِّينَ
أَنَّ الْإِسْلَامَ يَسْمَحُ بِضَرْبِ الْـمَرْأَةِ. وَالرَّدُّ عَلَى هَذِهِ
التُّهْمَةِ يَتِمُّ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى كِتَابَاتِ جِيرْنُوتَ رُوتَّرَ Gernot Rotter وَكَارْلَ هَايِنْتِسَ
دِيشْنَرَ Karlheinz Deschner. رُوتَّرُ
أَشَارَ إِلَى أَنَّ جَمِيعَ الْـمُدُنِ الْأَلْـمَانِيَّةِ الْكَبِيرَةِ تَضُمُّ
مَا يُسَمَّى "بُيُوتَ النِّسَاءِ" Frauenhäuser،
وَهِيَ بُيُوتٌ مُخَصَّصَةٌ لِلنِّسَاءِ اللَّاتِي تَعَرَّضْنَ لِلضَّرْبِ
وَالْعُنْفِ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ. وَيُشِيرُ دِيشْنَرُ فِي: «الْـمُعَانَاةُ مَعَ
الْكَنِيسَةِ. تَارِيخُ الْجِنْسِ فِي الْـمَسِيحِيَّةِ»
“Das Kreuz mit der Kirche. Eine Sexualgeschichte des Christentums“ إِلَى
أَنَّ ضَرْبَ الْـمَرْأَةِ فِي الْـمَسِيحِيَّةِ كَانَ تَقْلِيدًا أَصِيلًا حَتَّى
وَقْتٍ قَرِيبٍ، وَيَرْوِي قِصَّةَ مَسِيحِيٍّ ضَرَبَ زَوْجَتَهُ حَتَّى
الْـمَوْتِ. وَعِنْدَمَا نَظَرَ الْقَاضِي فِي حَالَتِهِ، قَالَ: لَابُدَّ أَنْ
نَتَأَكَّدَ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ زَوْجَتَهُ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْـمَوْتَ!!
وَهَذَا يَعْنِي أَنَّهَا اسْتَحَقَّتِ الضَّرْبَ، في جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَرُبَّمَا
اسْتَحَقَّتِ الْـمَوْتَ أَيْضًا !!
٧- ادَّعَى الْـمُسْتَشْرِقُ الْأَلْـمَانِيُّ
يُوحَنَّا كِرِيسْتُوفَ بُيرْجَلَ Johann Christoph Bürgel أَنَّ
الْعُصُورَ الْوُسْطَى فِي أُورُوبَّا لَمْ تَكُنْ مُظْلِمَةً!! وَالرَّدُّ
عَلَيْهِ يَكُونُ بِالْأَدِلَّةِ الَّتِي أَوْرَدَتْهَا سِيجْرِيدُ
هُونْكَةَ Sigrid Hunke فِي “شَمْسِ اللَّـهِ تَسْطَعُ عَلَى الْغَرْبِ” “Allahs Sonne über dem Abendland“،
حَيْثُ أَشَارَتْ إِلَى تَفَشِّي الْأُمِّيَّةِ بِشِدَّةٍ فِي الْـمُجْتَمَعَاتِ
الْأُورُوبِيَّةِ فِي الْعُصُورِ الْوُسْطَى.
كَمَا أَشَارَ أُسَامَةُ بْنُ مُنْقِذٍ فِي
مُذَكِّرَاتِهِ إِلَى أَنَّ مُسْتَوَى الطِّبِّ فِي أُورُوبَّا فِي الْقُرُونِ
الْوُسْطَى كَانَ مُنْحَطًّا، وَذَكَرَ وَاتُّ Watt
أَنَّ الْأُورُوبِيِّينَ فِي الْقُرُونِ الْوُسْطَى كَانُوا
يَذْهَبُونَ إِلَى قُرْطَبَةَ لِيَنْهَلُوا مِنَ الْعِلْمِ الْعَرَبِيِّ،
وَيَتَعَلَّمُوا مِنْ عَرَبِ الْأَنْدَلُسِ.
٨- ادَّعَى
الْـمُسْتَشْرِقُ بُيرْجَلُ Bürgel وَغَيْرُهُ
أَنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَنْتَشِرْ إِلَّا بِحَدِّ السَّيْفِ. وَالرَّدُّ
عَلَيْهِ مَوْجُودٌ فِي كِتَابَاتِ شِيمِلَ، وَوَاتَّ، وَدِيشْنَرَ، وَغَيْرِهِمْ.
فِشِيمِلُ أَكَّدَتْ أَنَّ الْقُرْآنَ يُقِرُّ أَنَّهُ (لَا
إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، وَأَنَّ التَّوَسُّعَاتِ الْإِسْلَامِيَّةَ
كَانَتْ سِيَاسِيَّةً، وَلَيْسَتْ دِينِيَّةً. وَاسْتَعْرَضَ دِيشْنَرُ فِي
«التَّارِيخِ الْإِجْرَامِيِّ لِلْمَسِيحِيَّةِ
“Kriminalgeschichte des Christentums“ مَا اقْتَرَفَهُ
الصَّلِيبِيُّونَ مِنْ جَرَائِمَ بِاسْمِ الْـمَسِيحِيَّةِ. وَأَشَارَ إِلَى
التَّنْصِيرِ الْإِجْبَارِيِّ الَّذِي مَارَسَهُ الْـمَسِيحِيُّونَ أَحْيَانًا.
وَفَنَّدَ وَاتُّ Watt هَذِهِ
الْـمَزَاعِمَ فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِهِ «الْإِسْلَامُ» “Der Islam“ الْـمَنْشُورِ فِي دَارِ
(كُولْهَامَّرَ) الْأَلْـمَانِيَّةِ.
٩- مِنَ الْإِسْقَاطَاتِ Projektionen الْكَثِيرَةِ الَّتِي صَدَرَتْ
عَنِ الْـمُسْتَشْرِقِينَ الْأَلْـمَانِ عَنِ الْإِسْلَامِ، زَعْمُ
الْـمُسْتَشْرِقِ نُولْدِكَةَ Nöldeke أَنَّ
مُحَمَّدًا (r) لَمْ يَكُنْ أُسْتَاذًا فِي اللُّغَةِ، إِشَارَةً إِلَى
دَعْوَاهُ بِأَنَّ (لُغَةَ الْقُرْآنِ مُمِلَّةٌ)َ! نَسْتَطِيعُ قِرَاءَةَ
الْوَصْفِ نَفْسِهِ (لَمْ يَكُنْ أُسْتَاذًا) فِي إِشَارَةٍ إِلَى أَحَدِ كُتَّابِ
الْأَنَاجِيلِ، فِي نَقْدِ الْغَرْبِيِّينَ لِلُّغَةِ الَّتِي كُتِبَتْ بِهَا
الْأَنَاجِيلُ (اُنْظُرْ: مُورِيسَ بُوكَايَ، التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ
وَالْقُرْآنَ وَالْعِلْمَ الْحَدِيثَ). وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ نُولْدِكَةَ نَقَلَ تُهْمَةَ
عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنَ اللُّغَةِ مِنْ أَحَدِ كُتَّابِ الْأَنَاجِيلِ إِلَى
رَسُولِ الْإِسْلَامِ (r)، بِاعْتِبَارِهِ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ الْـمُسْتَشْرِقِينَ
كَاتِبَ الْقُرْآنِ!! فَلَيْسَ لُغَةُ الْقُرْآنِ هِيَ «الْـمُمِلَّةَ»، بَلْ
مَطَاعِنُ الْـمُسْتَشْرِقِينَ!!
١٠- إِسْقَاطٌ آخَرُ نَرَاهُ
عِنْدَ ڤُولْتِيرَ Voltaire (تُوُفِّيَ
سَنَةَ ١٧٧٨م) عِنْدَمَا نَشَرَ مَسْرَحِيَّتَهُ عَنِ (النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ)،
فَهَاجَمَ فِيهَا شَخْصِيَّةَ الرَّسُولِ (r)، بِرَغْمِ أَنَّهُ كَانَ يَقْصِدُ مُهَاجَمَةَ الْـمَسِيحِيَّةِ
وَالْكَنِيسَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوْضَاعَ السِّيَاسِيَّةَ لَمْ تَكُنْ تَسْمَحُ
بِنَقْدِ الْكَنِيسَةِ وَقْتَئِذٍ. وَمَعَ ذَلِكَ اكْتَشَفَتِ الْكَنِيسَةُ
حِيلَتَهُ، وَسَجَنَتْهُ !!
وَفِي حِوَارٍ أَجْرَيْتُهُ أَنَا وَصَدِيقِي السُّوِيسْرِيُّ
إِرِيكُ جِيسْلِينْجَ Erich Gysling مَعَ
الشَّيْخِ الْغَزَّالِيِّ، رَحِمَهُ اللَّـهُ، أَشَارَ إِلَى أَنَّ مَذْبَحَةَ
بَارْتِيلِيمِي فِي فَرَنْسَا (فِي الْقَرْنِ السَّادِسَ عَشَرَ) رَاحَ ضَحِيَّتَهَا
نَحْوُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ قَتِيلٍ فِي صِرَاعِ الْكَاثُولِيكِ
وَالْبُرُوتِسْتَانْتِ. يُضَافُ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ حُرُوبَ الْكَاثُولِيكِ
وَالْبُرُوتِسْتَانْتِ فِي أَلْـمَانِيَا اسْتَمَرَّتْ ثَلَاثِينَ سَنَةً (فِي
الْقَرْنِ السَّابِعِ عَشَرَ) بِالتَّمَامِ وَالْـكَمَالِ.
١٢- زَعَمَ الْـمُسْتَشْرِقُ
الْأَلْـمَانِيُّ يُوحَنَّا كِرِيسْتُوفَ بُيرْجَلَ
Johann Christoph Bürgel فِي دِرَاسَةٍ تَرْجَمْتُهَا
لَهُ، مَنْشُورَةٍ عَلَى مَوْقِعِ (عِيدٍ لِلْإِعْلَامِ) عَنْ «تَمْجِيدِ
الْـمَرْأَةِ فِي الشِّعْرِ الْعَرَبِيِّ الْقَدِيمِ» أَنَّ مَوْقِفَ
الْـمُسْلِمِينَ مِنَ الْـمَرْأَةِ مُزْدَوِجٌ، الْفُقَهَاءُ يَحْتَقِرُونَهَا،
وَالشُّعَرَاءُ يُمَجِّدُونَهَا. فَكَانَ
رَدِّي عَلَيْهِ فِي تَقْدِيمِي لِتَرْجَمَتِهِ أَنَّنَا لَا نَسْتَطِيعُ التَّعْمِيمَ
إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ. فَالْفَقِيهُ أَبُو حَنِيفَةَ كَانَ يُعَظِّمُ
الْـمَرْأَةَ، وَيَحْتَرِمُ أُمَّهُ الَّتِي يُقَالُ إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ
تَعْرِفُ قَدْرَ ابْنِهَا، وَأَجَازَ قَبْلَ نَحْوِ أَلْفِ سَنَةٍ أَنْ تَعْمَلَ
الْـمَرْأَةُ فِي الْقَضَاءِ. لَدَيْنَا أَيْضًا أَشْعَارٌ عَرَبِيَّةٌ كَثِيرَةٌ
فِي ذَمِّ الْـمَرْأَةِ، وَشُعَرَاءُ يَتَمَنَّوْنَ مَوْتَ زَوْجَاتِهِمْ: “لَقَدْ كُنْتُ مُحْتَاجًا إِلَى مَوْتِ
زَوْجَتِي-وَلَكِنَّ قَرِينَ السُّوءِ بَاقٍ مُعَمَّرُ”!!
١٣- يَزْعُمُ
الْـمُسْتَشْرِقُ الْأَلْـمَانِيُّ يُوحَنَّا كِرِيسْتُوفَ بُيرْجَلَ (فِي
كِتَابِهِ: Allmacht und Mächtigkeit) أَنَّ
الْإِسْلَامَ قَلَّلَ مِنْ مَكَانَةِ الْـمَرْأَةِ. وَالرَّدُّ عَلَيْهِ يُمْكِنُ
أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ذِكْرِ تَارِيخِ «حَرْقِ الْأُورُوبِيِّينَ لِلنِّسَاءِ»
فِي الْقُرُونِ الْوُسْطَى؛ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُنَّ سَوَاحِرُ - وَهُوَ
تَارِيخٌ إِجْرَامِيٌّ فِي حَقِّ الْـمَرْأَةِ وَحَقِّ الْإِنْسَانِيَّةِ. هَذَا
فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَلَّفَ فِيهِ ابْنُ حَزْمٍ الْأَنْدَلُسِيُّ (تُوُفِّيَ
سَنَةَ 1064م) كِتَابَهُ عَنِ الْحُبِّ: «طَوْقُ
الْحَمَامَةِ» حَيْثُ عَبَّرَ فِيهِ عَنْ قِيمَةِ الْحُبِّ فِي حَيَاةِ
الْإِنْسَانِ، وَاحْتِرَامِهِ لِلنِّسَاءِ، وَتَقْدِيرِهِ لَهُنَّ. وَكَانَ
لِكِتَابِهِ هَذَا أَثْرٌ عَمِيقٌ فِي الْأُورُوبِيِّينَ الَّذِينَ سَارَعُوا
إِلَى تَرْجَمَتِهِ إِلَى لُغَاتِهِمْ الْـمُخْتَلِفَةِ.
١٤- زَعَمَ الْـمُسْتَشْرِقُ
الْأَلْـمَانِيُّ مَانْفِرِدُ أُولْـمَانَ
Manfred Ullmann (الْأُسْتَاذُ السَّابِقُ فِي جَامِعَةِ
تُويبِنْجِنَ) أَنَّ الْـمُسِلِمينَ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالسِّحْرِ
وَالْخُزَعْبَلَاتِ !! وَالرَّدُّ عَلَيْهِ مَوْجُودٌ فِي كِتَابَاتِ كَارْلَ
هَايِنْتِسَ دِيشْنَرَ، خَاصَّةً فِي مَوْسُوعَتِهِ «التَّارِيخُ الْإِجْرَامِيُّ
لِلْمَسِيحِيَّةِ» “Krinimalgeschichte des Christentums“، حَيْثُ أَوْضَحَ أَنَّ الْكَنِيسَةَ فِي أُورُوبَّا كَانَتْ
غَارِقَةً فِي مُمَارَسَةِ السِّحْرِ وَالشَّعْوَذَةِ.
١٥- زَعَمَ الْـمُسْتَشْرِقُ
الْيَهُودِيُّ جُولْدِتِسِيهَرُ Goldziher،
وَغَيْرُهُ، أَنَّ الْإِسْلَامَ كَانَ ضِدَّ الْـمَنْطِقِ وَالْفَلْسَفَةِ (مَنْ
تَمَنْطَقَ تَزَنْدَقَ). وَالرَّدُّ عَلَى ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كِتَابَاتِ كَارْلَ هَايِنْتِسَ دِيشْنَرَ، وَهَانْسَ كُينْجَ، وَغَيْرِهِمَا. فَمُعَادَاةُ الْفَلْسَفَةِ
الْيُونَانِيَّةِ ظَهَرَتْ فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ مُبَكِّرًا، مُنْذُ
عَصْرِ الْفَيْلَسُوفِ الْيَهُودِيِّ الْـمِصْرِيِّ فِيلُونَ
Philon (تُوُفِّيَ سَنَةَ ٥٠م)، ثُمَّ انْتَقَلَتْ إِلَى
بَعْضِ آبَاءِ الْكَنِيسَةِ، حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى مُؤَسِّسِ الْـمَذْهَبِ
الْبُرُوتِسْتَانْتِيِّ لُوتَّرَ Luther (تُوُفِّيَ
سَنَةَ ١٥٤٦م) الَّذِي شَنَّ هُجُومًا شَدِيدًا عَلَى أَرِسْطُو Aristolelis وَسَائِرِ فَلَاسِفَةِ
الْيُونَانِ.
وَالْخُلَاصَةُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ يَنْبَغِي
عَرْضُهَا فِي سِيَاقٍ عِلْمِيٍّ مُحَايِدٍ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْأَدْيَانِ،
لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْءِ أَنْ يُلْقِيَ بِالْحِجَارَةِ عَلَى
الْآخَرِينَ، وَهُوَ نَفْسُهُ يَعِيشُ فِي بَيْتٍ مِنْ زُجَاجٍ !!
١٦- زَعَمَ كَثِيرٌ مِنَ
الْـمُسْتَشْرِقِينَ الْأَلْـمَانِ أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا سِوَى
تَرْجَمَةِ الْعِلْمِ الْيُونَانِيِّ. وَالْإِجَابَةُ عَلَى هَذَا الزَّعْمِ
بَسِيطَةٌ: الْأُمَمُ الَّتِي تُتَرْجِمُ هِيَ أُمَمٌ حَيَّةٌ، قَوِيَّةٌ،
طَمُوحَةٌ. فَحَتَّى لَوْ كَانَ الْعَرَبُ لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا إِلَّا
التَّرْجَمَةَ، فَهَذَا إِنْجَازٌ عَظِيمٌ، يُقَابِلُهُ رُكُودٌ شَدِيدٌ فِي
أُورُوبَّا فِي الْفَتْرَةِ نَفْسِهَا.
فَأَيْنَ كَانَ الْأَلْـمَانُ بِالذَّاتِ مِنَ الْقَرْنِ
الثَّامِنِ حَتَّى الْقَرْنِ الْخَامِسَ عَشَرَ الْـمِيلَادِيِّ؟ شِبْهَ
غَائِبِينَ. وَقَدِ اسْتَعْرَضَ الْـمُسْتَشْرِقُ الْيَهُودِيُّ مُورِيتْسُ
شْتَايِنَ شْنَايْدَرَ Moritz Steinschneider بَعْضَ
مَا نَقَلَهُ الْعَرَبُ مِنَ الْعِلْمِ الْيُونَانِيِّ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ فِي
كِتَابِهِ: Die arabischen Übersetzungen aus dem
Griechischen الْـمَنْشُورِ سَنَةَ ١٨٩٣م.
١٧- زَعَمَ كَثِيرٌ مِنَ
الْغَرْبِيِّينَ أَنَّ لَفْظَ «جِهَادٍ» يَعْنِي
«الْحَرْبَ الْـمُقَدَّسَةَ» “Heiliger Krieg“!! وَقَدْ
دَحَرَ هَذَا الزَّعْمَ جِيرْنُوتُ رُوتَّرَ
Gernot Rotter، وَأَنَّا مَارِي شِيمِلَ Annemarie Schimmel، وَهَانْسُ كُينْجَ Hans
Küng، فَالْجِهَادُ الْأَكْبَرُ هُوَ جِهَادُ
النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، وَالْجِهَادُ الْأَصْغَرُ هُوَ الِاجْتِهَادُ
عُمُومًا فِي الْحَيَاةِ. وَمُصْطَلَحُ «الْحَرَبِ الْـمُقَدَّسَةِ» لَيْسَ لَهُ
أَيُّ عَلَاقَةٍ بِالْإِسْلَامِ، بَلْ هُوَ اخْتِرَاعٌ مَسِيحِيٌّ بَحْتٌ.
١٨- زَعَمَ الْـمُسْتَشْرِقُ
الْأَلْـمَانِيُّ شْتِيفَانُ ڤِيلْدَ Stefan Wild أَنَّ
الْـمُسْلِمِينَ مُتَعَصِّبُونَ، وَذَرَفَ دُمُوعًا كَثِيرَةً عَلَى نَصْرِ حَامِدِ أَبِي زَيْدٍ، مُدَّعِيًا أَنَّ
الْـمِصْرِيِّينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِحُرِّيَّةِ الرَّأْيِ. لَكِنَّ شْتِيفَانَ
ڤِيلْدَ نَسَى أَوْ تَنَاسَى أَنَّ الَّذِي لَا يَحْتَرِمُ حُرِّيَّةَ الرَّأْيِ
هُمُ الْـمُسْتَشْرِقُونَ الْأَلْـمَانُ أَنْفُسُهُمْ.
فَمِنَ الْـمَعْرُوفِ أَنَّ أَيَّ طَالِبٍ مُسْلِمٍ يُرِيدُ
دِرَاسَةَ الِاسْتِشْرَاقِ فِي أَلْـمَانِيَا لَا يَجِدُ مِنَ الْـمُسْتَشْرِقِينَ
الْأَلْـمَانِ إِلَّا الِاضْطِهَادَ، وَالْعُنْصُرِيَّةَ، وَالْعَجْرَفَةَ.
وَكَانَ أَوْلَى بِشْتِيفَانَ ڤِيلْدَ أَنْ
يُوَجِّهَ نَقْدَهُ هَذَا إِلَى الْـمُسْتَشْرِقِينَ الْأَلْـمَانِ، بَدَلًا مِنَ
التَّدَخُّلِ فِي شُؤُونِ الْـمُسْلِمِينَ!!
١٩- زَعَمَ الْـمُسْتَشْرِقُ
الْأَلْـمَانِيُّ يُوحَنَّا كِرِيسْتُوفَ بُيرْجَلَ
Johann Christoph Bürgel فِي دِرَاسَتِهِ الَّتِي
تَرْجَمْتُهَا إِلَى الْعَرَبِيَّةِ: «الْخَمْرُ فِي الشِّعْرِ الْإِسْلَامِيِّ»
أَنَّ الْـمُسْلِمِينَ دَاسُوا بِأَقْدَامِهِمْ عَلَى حَظْرِ الْقُرْآنِ
لِلْخَمْرِ. وَقَدْ قُمْتُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ فِي تَقْدِيمِي لِلتَّرْجَمَةِ
الْعَرَبِيَّةِ لِدِرَاسَتِهِ هَذِهِ، الْـمَنْشُورَةِ عَلَى (مَوْقِعِ عِيدٍ لِلْإِعْلَامِ: http://www.eidmedia.ch/index.php/en/). فَالْفُقَهَاءُ
الْـمُسْلِمُونَ اخْتَلَفُوا فِي الْـمَقْصُودِ مِنْ «مَنْعِ» الْخَمْرِ: أَهُوَ
مَنْعُ الْخَمْرِ بَتَاتًا، أَمْ مَنْعُ السُّكْرِ فَقَطْ؟ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا
فِي أَنْوَاعِ الْخَمْرِ الْـمَحْظُورَةِ، حَيْثُ حَلَّلَ أَبْو حَنِيفَةَ
تَنَاوُلَ بَعْضِهَا مِمَّا لَا يُسْكِرُ.
20- كَانَ
الْـمُسْتَشْرِقُ السُّوِيسْرِيُّ بِينِدِيكْتُ رَايْنَرْتَ
Benedikt Reinert (١٩٣٠م-٢٠١٠م) يَتَلَذَّذُ بِالْحَدِيثِ
لِطَلَبَةِ الِاسْتِشْرَاقِ فِي جَامِعَةِ زِيُورِخَ، فِي ثَمَانِينِيَّاتِ
الْقَرْنِ الْـعِشْرِينَ، عَنْ «بَوْلِ الْجِمَالِ»، زَاعِمًا أَنَّ رَسُولَ
الْإِسْلَامِ (صَلَعَم) كَانَ يُوَصِّي الْـمُسْلِمِينَ بِشُرْبِهِ !!
وَالرَّدُّ عَلَى ذَلِكَ بَسِيطٌ جِدًّا: فِي أَعْمَالِ
الطَّبِيبِ الْيُونَانِيِّ الْكَبِيرِ جَالِينُوسَ نَجِدُ وَصْفَاتٍ عِلَاجِيَّةً
كَثِيرَةً يَدْخُلُ فِيهَا الْبَوْلُ وَالْبِرْازُ، الْآدَمِيُّ وَالْحَيَواِنيُّ
جَمِيعًا. وَفِي أُورُوبَّا مَازَالَ هُنَاكَ أَشْخَاصٌ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا
يُؤْمِنُونَ بِفَوائِدِ الْبَوْلِ الْإِنْسَانِيِّ بِالذَّاتِ، وَيُوَصُّونَ
بِشُرْبِهِ يَوْمِيًّا. وَلَدَيْنَا كِتَابَاتٌ بِاللُّغَةِ الْأَلْـمَانِيَّةِ
تُوَثِّقُ اسْتِخْدَامَ الْأُورُوبِيِّينَ لِأَنْوَاعِ الْبَوْلِ
الْـمُخْتَلِفَةِ، وَشَتَّى أَصْنَافِ الْبِرَازِ الْإِنْسَانِيِّ
وَالْحَيَوَانِيِّ، فِي عِلَاجِ الْأَمْرَاضِ. وَلْنَذْكُرْ فَقَطْ الْـمَرْجِعَ
التَّالِي عَمَّا تُسَمَّى “صَيْدَلِيَّةَ
الْقَاذُورَاتِ”:
Christian
Franz Paullini, Heilsame Dreck-Apotheke, Frankfurt 1696
أمَّا عَنْ قَنَاعَةِ الْأُورُوبِيِّينَ بِفَوَائِدِ شُرْبِ
الْبَوْلِ الْإِنْسَانِيِّ، فَنَجِدُ كِتَابَاتٍ كَثِيرَةً عَنْهَا، مِنْهَا:
Martha
M. Christy, Selbstheilung mit Urin, 2014.
٢١- يَزْعُمُ
الْـمُسْتَشْرِقُ الْأَلْـمَانِيُّ يُوسُفُ فَانَ إِسَّ
Josef van Ess فِي كِتَابِهِ: (Theologie und Gesellschaft im 2. und 3.
Jahrhundert Hidschra) أَنَّ
النَّصَّ الْقُرْآنِيَّ الَّذِي لَدَيْنَا الْيَوْمَ مُخْتَلَفٌ عَلَيْهِ،
وَيَسْتَدِلُّ عَلَى ذَلِكَ بِاكْتِشَافِ بَعْضِ آيَاتِ الْقُرْآنِ
الْـمُحَرَّفَةِ فِي أَمَاكِنَ فِي مِصْرَ وَإِيرَانَ !! يَحْسِبُ
الْـمُسْتَشْرِقُ فَانُ إِسَّ أَنَّهُ يَتَمَتَّعُ بِذَكَاءٍ خَارِقٍ يَجْعَلُهُ
يَرَى وَيَكْتَشِفُ مَا لَمْ يَرَهُ الْعَرَبُ وَيَكْتَشِفْهُ الْـمُسْلِمُونَ
عَلَى مَدَارِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَرْنًا !! وَكَأَنَّهُ قَدْ بُعِثَ
لِيُلَقِّنَهُمْ دُرُوسًا فِي دِينِهِمْ !!
وَالرَّدُّ عَلَى ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كِتَابَاتِ كَارْلَ
هَايِنْتِسَ دِيشْنَرَ Karlheinz Deschner «التَّارِيخُ
الْإِجْرَامِيُّ لِلْمَسِيحِيَّةِ» “Kriminalgeschichte des Christentums“، وَكِتَابَاتِ هَانْسَ كُينْجَ Hans
Küng، خَاصَّةً فِي كِتَابِهِ: «الْإِسْلَامُ» “Der Islam“ الَّذِي أَقُومُ حَالِيًّا
بِتَرْجَمَتِهِ إِلَى اللُّغَةِ الَعَرَبِيَّةِ. يَقُولُ هَانْسُ كُينْجَ إِنَّ
تَحْرِيرَ التَّوْرَاةِ بِالصُّورَةِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِينَا الْآنَ
اسْتَغْرَقَ نَحْوَ أَلْفِ سَنَةٍ !! وَإِنَّ تَحْرِيرَ الْأَنَاجِيلِ اسْتَغْرَقَ
نَحْوَ مِئَتَيْ سَنَةٍ!! فِي حِينِ أَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ أُوحِيَ بِهِ
إِلَى الرَّسُولِ (صَلَعَم) فِي عِشْرِينَ عَامًا، وَتَمَّ تَجْمِيعُهُ بَعْدَ
وَفَاةِ النَّبِيِّ (صَلَعَم) بِوَقْتٍ قَصِيرٍ، وَأَصْبَحَ لَدَى الْـمُسْلِمِينَ
نَصٌّ قُرْآنِيٌّ مُوَحَّدٌ مُنْذُ عَصْرِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ (تُوُفِّيَ
سَنَةَ 35 هِجْرِيَّةً). هَذِهِ الْحَقِيقَةُ بِالذَّاتِ تُثِيرُ حَنَقَ بَعْضِ
الْـمُسْتَشْرِقِينَ، وَتَجْعَلُهُمْ حَرِيصِينَ عَلَى التَّشْكِيكِ فِي النَّصِّ
الْقُرْآنِيِّ بِأَيِّ وَسِيلَةٍ مُمْكِنَةٍ. وَيُشِيرُ دِيشْنَرُ فِي «التَّارِيخِ
الْإِجْرَامِيِّ لِلْمَسِيحِيَّةِ» إِلَى أَنَّ الْـمَسِيحِيِّينَ لَمْ
يَتَوَقَّفُوا عَنْ تَغْيِيرِ نُصُوصِ الْأَنَاجِيلِ، وَتَنْقِيحِهَا، وَعَمَلِ
إِضَافَاتٍ عَلَيْهَا، وَحَذْفِ بَعْضِ فَقَرَاتِهَا طَوَالَ قُرُونٍ طَوِيلَةٍ!
بَلْ ظَلُّوا لَا يَعْتَبِرُونَ الْأَنَاجِيلَ مُقَدَّسَةً فَتْرَةً طَوِيلَةً!!
٢٢- تَعَوَّدَ
الْـمُسْتَشْرِقُ الْيَهُودِيُّ إِيجْنَاتْسُ جُولْدِتِسِيهَرَ Ignaz Goldziher عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ مِنْ
قَوْلٍ نُسِبَ إِلَي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّــهُ عَنْهُ) بِأَنَّ
«اللَّـهَ غَيُورٌ يُحِبُّ الَغَيُورَ». وَقَعَ جُولْدِتِسِيهَرُ عَلَى هَذَا
الْقَوْلِ، كَمَا يَقَعُ الذَُّبَابُ عَلَى الْأَقْذَارِ، وَجَعَلَ يَضْحَكُ،
وَيَتَهَكَّمُ، وَيَسْخَرُ مِنْ عُمَرَ !! وَالرَّدُّ هُنَا مُزْدَوِجٌ: فَنْحَنُ
نَعْرِفُ الْيَوْمَ - بَعْدَ نَشْرِ «يَوْمِيَّاتِ جُولْدِتِسِيهَرَ» - أَنَّ
جُولْدِتِسِيهَرَ كَانَ يَعْشَقُ الْإِسْلَامَ فِي شَبَابِهِ، وَهَذَا يَجْعَلُنَا
نَتَسَاءَلُ إِنْ كَانَ هُجُومُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ يُشْبِهُ هُجُومَ ڤُولْتِيرَ
عَلَى الْإِسْلَامِ أَيْ بِهَدَفِ الْهُجُومِ الْـمُسْتَتِرِ عَلَى دِينِهِ
الْأَصْلِيِّ، الْيَهُودِيَّةِ. وَفِي جَمَيعِ الْأَحْوَالِ فَإِنَ اسْتِهْزَاءَهُ
بِقَوْلِ عُمَرَ الْـمَزْعُومِ (إِنَّ اللَّـهَ غَيُورٌ يُحِبُّ الْغَيُورَ) هُوَ
أَيْضًا إِسْقَاطٌ رَخِيصٌ عَلَى الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ هَذَا قَوْلٌ تُورَاتِيٌّ
أَصِيلٌ، حَيْثُ وَرَدَ فِي سِفْرِ الْخُرُوجِ: «لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ
تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا الرَّبَّ إِلهَكَ إِلهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ
الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ مِنْ
مُبْغِضِيَّ،»(سِفْرُ الْخُرُوجِ ٢٠: ٥).
٢٣- يَحْلُو لِبَعْضِ
الْـمُسْتَشْرِقِينَ اتِّهَامُ رَسُولِ الْإِسْلَامِ (صَلَعَم) بِاسْتِخْدَامِ
الْعُنْفِ لِفَرْضِ نُفُوذِهِ عَلَى الْقَبَائِلِ الْعَرَبِيَّةِ. وَقَدَ دَحَضَ
هَانْسَ كُينْجَ Hans Küng فِي
كِتَابِهِ «الْإِسْلَامُ» “Der Islam“ هَذَا
الزَّعْمَ، وَقَالَ إِنَّ اسْتِخْدَامَ الْعُنْفِ كَانَ هُوَ قَانُونَ الْحِيَاةِ
فِي شِبْهِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فِي عَصْرِ مُحَمَّدٍ (صَلَعَم). وَاللَّافِتُ
هُنَا هُوَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُورُوبِيِّينَ فِي عَصْرِنَا هَذَا صَارُوا
يَتَسَاءَلُونَ: لِـمَاذَا فَشِلَ الْـمَسِيحُ، وَنَجَحَ مُحَمَّدٌ (صَلَعَم)؟
24- يَمِيلُ
كَثِيرٌ مِنَ الْـمُسْتَشْرِقِينَ اليْهُودِ إِلَى الْحِرْصِ عَلَى إِرْجَاعِ
الدِّيَانَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِرُمَّتِهَا إِلَى أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ. فَقَدْ
كَتَبَ أَبْرَاَهَامُ جَايْجَرَ Abraham Geiger،
أُطْرُوحَةً سَنَةَ 1833م بِعُنْوَانِ: “Was hat Mohammed aus dem Judenthume
aufgenommen?“ (= مَا الَّذِي اقْتَبَسَهُ مُحَمَّدٌ مِنَ
الْيَهُودِيَّةِ)، وَكَتَبَ هَارْتِفِيجُ هِيرْشْفِيلْدَ
Hartwig Hirschfeld كِتَابًا بِعُنْوَانِ:
“Jüdische Elemente im Koran“ (= عَنَاصِرُ يَهُودِيَّةٌ فِي
الْقُرْآنِ)، سَنَةَ 1878م، ونَشَرَ يُوسُفُ هُورُوڤِيتْسَ
Josef Horovitz، «دِرَاسَاتٌ قُرْآنِيَّةٌ» “Koranische Untersuchungen“،
سَنَةَ 1926م، بِهَدَفِ تَهْوِيدِ الْإِسْلَامِ، وتَصْوِيرِهِ أَنَّهُ نُسْخَةٌ
مِنَ الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ. وَقَدْ دَحَضَ الْعِمْلَاقُ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بَدَوِيٍّ فِي كِتَابِهِ «دِفَاعٌ عَنِ الْقُرْآنِ» هَذِهِ
الْـمَزَاعِمَ. لَكِنَّنَا نَكْتَفِي هُنَا بِمُلَاحَظَتِيْنِ سَرِيعَتَيْنِ:
الْأُولَى هِيَ حِرْصُ الرَّسُولِ (صَلَعَمْ) مُنْذُ اللَحْظَةِ الْأُولَى، هُوَ
وَجِيلِ الصَّحَابَةِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ عَنِ الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ
تَمَامًا، وَيَكْفِي أَنْ نَذْكُرَ تَمَيُّزَ الْأذَانِ، وَالصَّلَاةِ،
وَالصِّيَامِ فِي الْإِسْلَامِ عَنْ شَعَائِرِ الْيَهُودِ. وَالْـمُلَاحَظَةُ
الثَّانِيَةُ هِيَ تَذْكِيرُ الْيَهُودِ بِمَا أخَذُوه هُمْ أَنْفُسُهُم مِنْ
مِصْرَ الْقَدِيمَةِ. فَالْبَاحِثُ الْـمَصْرِيُّ الْأَصِيلُ فُؤَادُ حَسَنَيْـنٍ
قَدْ أَثْبَتَ بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ أَنَّ تَوْرَاةَ الْيَهُودِ أَصْلُهَا
مِصْرِيٌّ هِيرُوغْلِيفِيٌّ، فِي كِتَابِهِ: «التَّوْرَاةُ
الْهِيرُوغْلِيفِيَّةُ». لَا يَجُوزُ إَذًا رَمْيُ النَّاسِ بِالْحِجَارَةِ، إِذَا
كَانَ الْـمَرْءُ نَفْسُهُ يَعِيشُ فِي بَيْتٍ مِنْ زُجَاجٍ»
25- مَبْدَئِيًّا
يَتَطَلَّبُ «التَّفَاهُمُ الدَّوْلِيُّ» تَذْكِيرَ الْـمُتَطَاوِلِينَ دَائِمًا
بِعُيُوبِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْءِ أَنْ يُعَيِّبَ، وَهُوَ نَفْسُهُ
مَعْيَبَةٌ. فَالْأَلْـمَانُ الَّذِينَ يَتَلَذَّذُونَ بِمُهَاجَمَةِ
الْإِسْلَامِ، وَيُصِرُّونَ عَلَى إِلْصَاقِ تُهْمَةِ الْعُنْفِ وَالْإِرْهَابِ
بِالْـمُسْلِمِينَ، يَنْبَغِي تَذْكِيرُهُمْ بِجَرَائِمِ هِتْلَرَ الَّتِي
تَسَبَّبَتْ فِي الْهُولُوكَوِسْتِ، وَتَقْتِيلِ نَحْوِ خَمْسِينَ مِلْيُونَ
شَخْصٍ فِي الْحَرْبِ الْعَالَـمِيَّةِ الثَّانِيَةِ وَحْدَهَا.
وَالْأَمْرِيكِيُّونَ الَّذِينَ يَمِيلُونَ إِلَى تَلْقِينِ
الْبَشَرِ دُرُوسًا فِي الْأَخْلَاقِ، يَنْبَغِي تَذْكِيرُهُمْ بِجَرَائِمِهِمْ
فِي ڤِيِيتْنَامَ، وَالْقُنْبُلَتَيْــنِ النَّوَوِيَّتَيْنِ فِي الْيَابَانِ.
وَالْيَهُودُ الَّذِينَ يَمِيلُونَ إِلَى اتِّهَامِ الْآخَرِينَ
بِالْعُنْصُرِيَّةِ يَنْبَغِي تَذْكِيرُهُمْ بِعُنْصُرِيَّةِ إِسْرَائِيلَ فِي
فِلَسْطِينَ، وَالْـمَسِيحِيُّونَ الَّذِينَ يَتَّهِمُونَ الْـمُسْلِمِينَ
بِالْعُنْفِ، يَنْبَغِي تَذْكِيرُهُمْ بِجَرَائِمِ الْحَمَلَات الصَّلِيبِيَّةِ.
وَالْفَرَنْسِيُّونَ الَّذِينَ يَمِيلُونَ إِلَى الْوَعْظِ، وَالْحَدِيثِ عَنِ
الْأَخْلَاقِ، يَنْبَغِي تَذْكِيرُهُمْ بِمَذَابِحِ الِاسْتِعْمَارِ الْفَرَنْسِيّ
الْبَشِعَةِ فِي أَفْرِيقِيَا بِالذَّاتِ.
وَالْإِيطَالِيُّونَ
الَّذِينُ يَمِيلُونَ إِلَى الِاسْتِعْلَاءِ عَلَى الْعَرَبِ، يَنْبَغِي
تَذْكِيرُهُمْ أَنَّ بِلَادَهُمْ كَانَتْ ذَاتَ يَوْمٍ مُسْتَعْمَرَةً فَاطِمِيَّةً!!
وَمَنْ تَوَهَّمَ أنَّ الرَّفَاهِيَةَ الَّتِي تَعِيشُ أَلْـمَانِيَا فِيهَا
الْيَوْمَ كَانَتْ مَوْجُودَةً مُنْذُ الْقِدَمِ، فَلْيَتَذَكَّرْ أَنْ
الْأَلْـمَانَ مَرُّوا بِعُصُورِ فَقْرٍ وَقَحْطٍ كَثِيرَةٍ، بِسَبَبِ الْحُرُوبِ
الَّتِي خَاضُوهَا، فَفِي: «أُكْتُوبَرَ 1923م لَمْ يَعُدْ يَكْفِي مِلْيُونُ
مَارْكٍ، وَلَا بِلْيُونٌ، وَلَكِنْ تِرِيلْيُونًا لِشِرَاءِ رَغِيفِ خُبْزٍ،
وَفِي نُوفَمْبِرَ أَصْبَحَ ثَمَنُ كِيلُو خُبْزٍ يُعَادِلُ 200،000،000،000
مارك»(جَمَالُ الْبَنَّا، جُمْهُورِيَّةُ ڤَايْمَارَ).
وَمَنْ حَسِبَ أَنَّ
السُّوِيسْرِيِّينَ كَانُوا يَعِيشُونَ دَائِمًا فِي رَخَاءٍ، فَلْيَعْلَمْ أَنَّ
سُوِيسْرَا مَرَّتْ بِمَجَاعَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ الْقَرْنِ الثَّالِثِ عَشَرَ
حَتَّى آخِرِ مَجَاعَةٍ سَنَةَ 1816م، حِينَ اضْطُرَّ السُّوِيسْرِيِّينَ إِلَى أَكْلِ
الحَشَائِشِ، وَلَمْ يَجِدْ بَعْضُهُمْ مَخْرَجًا إِلَّا الرَّحِيلَ، حَيْثُ
هَاجَرَ آلَافٌ مِنْهُمْ إِلَى الْأَرْجَنْتِينِ بِالذَّاتِ.
26- «التَّفَاهُم
الدَّوْلِيُّ» يَتَطَلَّبُ مَعْرِفَةً جَيِّدَةً بِالذَّاتِ وَبِالْآخَرِ،
وَمُمَارَسَةِ النَّقْدِ الذَّاتِيِّ، قَبْلَ تَوْجِيهِ النَّقْدِ لِلْآخَرِينَ:
«أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ»(الْبَقَرَةُ: ٤٤).
وَالْعَرَبُ مُطَالَبُونَ بِالْإِلْـمَامِ بِتَارِيخِ الْيَهُودِيَّةِ
وَالْـمَسِيحِيَّةِ، وَتَارِيخِ أُورُوبَّا وَأَمْرِيكَا، لِكَيْ يُحْسِنُوا
دَحْضَ الِافْتِرَاءَاتِ الَّتِي يُشِيعُهَا بَعْضُ الْغَرْبِيِّينَ عَنْهُمْ،
بِحَيْثُ تَأْتِي رُدُودُهُمْ مَنْطِقِيَّةً مُفْحِمَةً.
27- التَّفَاهُمُ
الدَّوْلِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ عَلَى الْأُسُسِ الَّتِي وَضَعَهَا هَانْسُ
كُينْجَ بِالتَّرْكِيزِ عَلَى الْـمُشْتَرَكَاتِ فِي الْـمَقَامِ الْأَوَّلِ،
حَيْثُ وَضَعَ «مَقَايِيسَ عَالَـمِيَّةً لِلْأَخْلَاقِ» تَقُومُ عَلَى تُرَاثِ
الْأَدْيَانِ الْعَالَـمِيَّةِ الْأَخْلَاقِيِّ:
- لَا نِظَامَ
عَالَـمِيًّا جَدِيدًا بِلَا مَقَايِيسَ عَالَـمِيَّةٍ لِلْأَخْلَاقِ،
- يَجِبُ أَنْ يُعَامَلَ
كُلُّ إِنْسَانٍ مُعَامَلَةً إِنْسَانِيَّةً،
- الِالْتِزَامُ
بِثَقَافَةٍ خَالِيَةٍ مِنَ الْعُنْفِ وَاحْتِرَامُ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ
كَافَّةً،
- الِالْتِزَامُ
بِثَقَافَةِ التَّضَامُنِ وَبِنِظَامٍ اقْتِصَادِيٍّ عَادِلٍ،
- الِالْتِزَامُ
بِثَقَافَةِ التَّسَامُحِ وَالْعَيْشِ فِي صِدْقٍ،
1. الِالْتِزَامُ بِثَقَافَةِ الْـمُسَاوَاةِ فِي
الْحُقُوقِ وَالشَّرَاكَةِ بَــيْـنَ الرَّجُلِ وَالْـمَرْأَةِ.
وَيُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَقَايِيسِ كُينْجَ
الْعَالَـمِيَّةِ لِلْأَخْلَاقِ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ
تَرْجَمَتِي الْعَرَبِيَّةِ لِكِتَابِهِ: «لِـمَاذَا مَقَايِيسُ عَالَـمِيَّةٌ
لِلْأَخْلَاقِ؟»(فِي الطَّبْعَةِ الْأُورُوبِيَّةِ، وَلَيْسَتِ الْـمِصْرِيَّةَ).
تعليقات