تهريب آثار من خلال المطار جريمة سرقة لان تراثنا ليس للبيع والتجار الذين يتحججون بذلك بحجج واهية، ومبررات لا أساس لها قد يصدقها
المظلومية.. والهروب !!
المظلومية، اسم مشتق من اسم المفعول (مظلوم)، مُضاف إليه (ياء النسب)، وهو مصدر صناعي قليل الاستعمال في اللغة العربية قديما، مثل كلمة (جاهلية) التي هي أيضا مصدر صناعي مشتق من اسم الفاعل (جاهل).. والمظلومية لفظ يدل على أصل الحدث، وهو الظلم!
والمظلومية لفظ – أو معنى – ينتشر بقوة في سرديات كل من اليهود من ناحية، والشيعة من ناحية أخرى، فالشيعة يلجؤون لتلك السردية حين يروون ما حدث لسيدنا الحُسين رضي الله عنه وآل البيت في كربلاء، أما اليهود فلا يتوقفون عن خطاب الهولوكوست، والادعاء بمقتل الملايين منهم!
الغريب أن المظلومية في فكر الشيعة واليهود؛ لم تتوقف عند الشكوى والاستكانة؛ بل جعلوها دافعا لهم نحو ما يرغبون، وسلاحا لا يكادون عن حمله يتوقفون!
أما المظلومية - عند بعض المظلومين - فأصبحت حُجة للدعة والاسترخاء، ووسيلة للهروب من مواجهة التحديات والصعاب، فها نحن نرى بعضهم؛ يُشهر لسانه - وأحيانا قلمه - بالنقد اللاذع لمظاهر الظلم ومساوئ الظالمين، غير أنه توقف عند ذلك، فلا لسانه محا الظلم، ولا قلمه أسكتَ الظالم!
قد لا يعي بعضهم أنه دار في هذا الفلك - فلك المظلومية - بكُليته؛ فاستكان للأمر واستراح، وأخذ بعنان فرسه - اللسان والقلم - ونظر إلى الآخرين بصلف واستكبار؛ مُكِيلا الاتهام لكل من خالف نهجه، وسلك طريقا غير طريقه.
عندما تُنهي قراءتك للكلمات السابقة، قد يذهب فكرك بعيدا، ويشرد عقلك طويلا؛ فتظن أني أتحدث عن مظلومية فرق وجماعات، وأحزاب وتيارات.. لا لا أبدا.. فما هكذا أردت، ولا في ذاك رغبت.
المظلومية التي أعيها - قد تتمثل في شخصي أحيانا - وقد أراها في بعضكم أحيانا أخرى.. المظلومية التي أعيها، هي ما تجعل بعض مدّعي الإصلاح يرى المساوئ والأخطار تمس أبناء وطنه، فيقول: "أحسن الناس دي تستاهل اللي بيحصل ليها، لأنها موقفتش مع المظلوم"!!
المظلومية التي أعيها، أن أرى بعضهم وهو يناقش – أحد دعاة الإصلاح – قائلا له: "ما تتعبش نفسك ما فيش فايدة، الظلم معشعش فيها خلاص"!!
المظلومية التي أقصدها، وأحذر منها، استشهاد بعضهم بقول الله تعالى: (إن الله لا يصلح عمل المفسدين)؛ كلما رأى نجاحا أو سمع عن إنجاز بأحد مناحي الحياة في وطنه!
المظلومية التي أمقتها، أن أرى مظلوما ترك وطنه - مكرها - لأنه يحبه، فإذا به مع مرور الأيام وانقضاء السنوات، يستكين للغربة ويستلذ بها، وإذا ما سألته: ألا تريد العودة لوطنك؟!.. يقول لك: "ما خلاص البلد خربت وقدامها عشرات السنين عشان تتعدل، هو فيها ايه عشان أرجع ليها، أو أخلي أولادي بيها".. ونسي المسكين أو تناسى أنه ما خرج من وطنه إلا حبا فيه!
المظلومية – كما أرى – أن ترى أحدهم يتكاسل عن تطوير مهاراته وصقل خبراته والارتقاء بمجال عمله والاجتهاد فيه، ويركن للدعة والراحة.. ويتفوه قائلا: "لن يحدث تغييرا في أي مجال إلا إذا تم التغيير الكلي، فلا فائدة من العلم والخبرة والاجتهاد"!!
المظلومية، أن أسمع أحدهم يقول - وهو يرى البعض ساعيا نحو الحفاظ على ما تبقى من تراثنا –: "حاميها حراميها، لا فائدة مما تفعلون" ! .. ويقول آخر: "لقد قطع المسؤولون الكهرباء عن المطار وهربوا الآثار"!! ..
يعني كأن المسؤول لو أراد تهريب آثار من خلال المطار مش حيعرف غير لو قطع الكهرباء! حجج واهية، ومبررات لا أساس لها قد يصدقها بعضنا، ليس لأنها صحيحة قدر ما هي مبررٌ لنا للسكون والدعة، وعدم السعي الحقيقي نحو الإصلاح!
لا تظن يا صديقي - الناقد - أن بنقدك للمساوئ قد أديت ما عليك، لا يا صديقي، فما أسهل النقد!، وما أيسر السباب! لا تقضي عمرك في المظلومية والشكاية، فالأيام تنقضي والأعمار تمر.. فشمر عن ساعديك، وارفع الغشاوة عن عينيك، وتبصّر هدفك جيدا، واختر وسيلتك بتؤدة، وابدأ العمل.
تعليقات