عرف الجمهور العربي الواسع الشاعر محمد إقبال عبر قصيدته "حديث الروح" التي غنّتها أم كلثوم بألحان رياض السنباطي في عام 1967
عرف الجمهور العربي الواسع الشاعر محمد إقبال عبر قصيدته "حديث الروح" التي غنّتها أم كلثوم بألحان رياض السنباطي في عام 1967، بعدما ترجمها من الأردية إلى العربية الصاوي شعلان في العام 1932، نشر محمد إقبال (1877 – 1938) ملحمة "جاويد نامة"، وقد ترجمها محمد السعيد جمال الدين إلى العربية تحت عنوان "رسالة الخلود".
والحقيقة هي أن جمال الدين، بذل جهداً ملحوظاً في التقديم لهذا العمل وشرحه والتعليق عليه، علماً أن الطبعة الأولى منه صدرت عام 1974 في القاهرة عن "مؤسسة سجل العرب"، فيما صدرت في القاهرة أيضاً طبعة ثانية منه، مزيدة ومنقحة، عام 2007 عن "مكتبة الشروق الدولية". وأخيراً صدر العمل نفسه عن "المركز القومي للترجمة" في طبعة جديدة ضمن سلسلة "ميراث الترجمة".
نَظَمَ إقبال الملقب بشاعر الشرق وفيلسوف الإنسانية، تلك الملحمة بالأسلوب المعروف في الشعر الفارسي بـ "المثنوي"، وقصد بتسميتها "جاويد نامة" التورية. فكلمة جاويد بالفارسية معناها خالد، والكلمة في الوقت نفسه اسم لابنه البكر، و"نامة" معناها رسالة أو كتاب، ولقد كتبها كما صرح هو "من أجل شباب الأمة الإسلامية"؛ ممثلين في شخص ابنه جاويد، وعالج فيها قضية الخلود، "التي هي الهدف الكامن في النفس البشرية من الحياة الدنيا"، بحسب ما ذكره المترجم.
روح الإسلام
كان إقبال قد جال ببصره فوجد العالم الإسلامي في محنة. وطنه (الهند) يرزح تحت نير الاستعمار منذ أكثر من قرنين من الزمان، بينما تتعثر فيها حركة الاستقلال وتتخبط افتقاراً إلى هدف محدد المعالم، وعلاقة الإخاء والتضامن بين طوائف المجتمع تكاد تكون منعدمة.
ولم تكن حال الدول الإسلامية أفضل من حالة الهند، إذ كان الاستعمار يبسط سيطرته عليها، باستثناء تركيا والصحراء العربية وأفغانستان وإلى الاستعمار كان المسلمون يعانون من الأمية، ويأخذ بخناقهم الصراع الطائفي ويقاسون من الإقطاعيين ومن استعباد نظم الحكم الجائرة.
وفي ظلّ تلك المحن وغيرها، كاد العقل يصبح المصدر الوحيد للهداية، بعدما عمد الغرب إلى الاستخفاف بالجانب الروحي لا في الأمة وحدها بل في الفرد نفسه، فسيطرت المادية على حياة الفرد وعادت به إلى حالة من الوثنية جعلته لا يرى إلا المادة ولا يسعى إلا وراءها، كما ورد في تقديم المترجم.
وهنا، وجد محمد إقبال أنّ من واجبه أن يحيي في المسلمين روح الإسلام الحقة.
وقد استخدم الشعر والنثر لبلوغ غايته، ولكنه أكثر من الشعر؛ لأنه يرى أنه وسيلة إلى تقريب الحقيقة، وإلى الوصول إلى أعماق الوجدان. ويلاحظ أن أفكار إقبال وإبداعاته لم تعرف عربياً إلا في بداية العقد الخامس من القرن العشرين، وكان المستشرقون أسبق من العرب إلى معرفته والتعريف به منذ أن بزغ نجمه بعد أن نشر أول ديوان له عام 1915.
أما فضل التعريف به عربياً فيرجع إلى رائد الدرسات الشرقية الحديثة في مصر عبد الوهاب عزام، الذي شرع منذ منتصف ثلاثينات القرن الماضي في نشر ترجمة منثورة لبعض أشعاره في مجلتي "الرسالة" و"الثقافة"، ثم ما لبث أن نشر في كراتشي سنة 1951 ترجمة لديوان "بيام مشرق" الذي نظمه إقبال بالفارسية.
وفي 1952 نشر ترجمة منظومة لديوان "ضرب كليم" الذي نظمه إقبال بالأردية. وفي 1954 نشر كتابه "محمد إقبال – سيرته وفلسفته وشعره"، وألحق به ترجمة نثرية لمقتطفات من أشعار إقبال في منظومتيه "أسرار خودي"، و"رموزبي خودي". وفي 1956 نشر ترجمة منظومة لديواني "الأسرار"، و"الرموز".
ومن جانبه، رأى العالم الهندي أبو الحسن الندوي في مقدمة كتابه "روائع إقبال" الذي نشر في دمشق سنة 1960، أنّ ترجمة عزام "برهان ساطع على مقدرته الغريبة على النظم العربي، واقتداره على القوافي الصعبة، ولكنه لم يكن محسناً إلى نفسه ومواهبه، يوم قرر أن يترجم الشعر بالشعر، وذلك ما أفقد شعر إقبال قوته وانسجامه، وأفقد الترجمة بهاءها ورؤاها وتأثيرها".
والواقع أن كتاب "روائع إقبال" – على ضآلة حجمه- كان إضافة للمكتبة العربية لكونه استطاع أن يختار من دواوين إقبال مقتطفات توضح طريقته وأفكاره إلى حد كبير، وأن يقدمها في لغة سهلة دلت على تمكنه من اللغتين العربية والفارسية
تعليقات